الدبلوماسية التركية.. هل تنجح في إصلاح "هيكل" مجلس الأمن؟
“البنية الحالية للأمم المتحدة تعاني من فشل كبير في إيقاف جرائم إسرائيل”
في جو جيوسياسي معقد، عقدت الأمم المتحدة الدورة الـ79 للجمعية العامة، تحت عنوان "قمة مستقبل الأمم المتحدة"، خلال الفترة من 24 إلى 30 سبتمبر/ أيلول 2024.
ورغم مشاركة 76 رئيس دولة و4 أمراء و2 من رؤساء الحكومات و42 نائب رئيس وزراء و9 وزراء و54 نائب وزير ووفد من الاتحاد الأوروبي، إلا أن غياب الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي كان لافتا، وهو الأمر الذي أعاد فتح النقاش حول المشاكل الهيكلية لمجلس الأمن.
وفي خطابات الدورة الـ79، كان من بين القضايا الرئيسة سياسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل في فلسطين، والتي لم تتمكن الأمم المتحدة من تقديم حلول دائمة وملموسة لها، خاصة في ظل النزاعات الحالية مثل الحرب الروسية الأوكرانية.
موقف مشترك
ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب، محمد رقيب أوغلو، ذكر فيه أنه خلال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وصف العديد من القادة هجمات إسرائيل على قطاع غزة بأنها "إبادة جماعية".
ووصف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، استنادا إلى تجربته في مكافحة نظام الفصل العنصري، ما يحدث في غزة بأنه "جريمة ضد الإنسانية".
كما شدد رامافوزا على "ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي"، مؤكدا أن الهيكل الحالي “غير شامل وقديم”.
وأشار إلى أن إسرائيل "تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية".
وبالمثل، وصف رئيس كولومبيا غوستافو بيترو هجمات إسرائيل على الفلسطينيين بأنها "انعكاس للنظام الرأسمالي"، وعدها أيضا "إبادة جماعية".
بل ووصف بيترو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "بطل النخبة الرأسمالية التي تتجاهل الشعوب المضطهدة".
كما أدان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني هجمات إسرائيل على المدنيين في غزة ولبنان، مؤكدا على أن إسرائيل “لا تسعى للسلام”.
ولفت إلى أن الدوحة "ستواصل جهود الوساطة كخيار إستراتيجي".
كما اتخذت دول مثل النيجر وأنغولا والبرازيل وتشيلي والمالديف وأيرلندا موقفا ضد هجمات إسرائيل على غزة وأعربت عن دعمها لفلسطين.
وقال رقيب أوغلو إن “هذه المواقف أدت إلى عد ما تفعله إسرائيل انتهاكات لحقوق الإنسان على الساحة الدولية”.
مطلب تركيا
في خطابه أمام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن “العالم يتجه بسرعة نحو جو خطير”.
وحذر غوتيريش من خطر “فقدان الأمم المتحدة لوظيفتها”.
وأكد على أهمية الدبلوماسية الدولية والتعاون لحل المشاكل العالمية، بل وأشار أيضا إلى أن لبنان "قد تصبح غزة جديدة".
وأوضح غوتيريش الحاجة إلى “إصلاح الأمم المتحدة”، مؤكدا أن النظام الدولي الحالي “غير فعال، مما يبرز الحاجة إلى تغييرات هيكلية في الأمم المتحدة”.
بدوره، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجددا موقفه الثابت بشأن إصلاح الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة "بدأت تتحول إلى كيان غير فعال".
وأوضح أردوغان أن “سلطة النقض (الفيتو) الذي تتمتع بها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تعمل كعائق أمام حل المشاكل العالمية، وأن هذه الدول تسببت في بنية غير عادلة بسبب امتيازاتها في الإفلات من العقاب”.
فيما علق رقيب أوغلو أن “دعوات تركيا لإصلاح الأمم المتحدة تعكس رؤيتَها لإعادة تشكيل النظام الدولي على أساس العدالة والشمولية”.
وفي هذا السياق، تعد مطالب تركيا بالإصلاح “ضرورية لإعادة هيكلة الأمم المتحدة لتخدم نظاما عادلا وتساهم بشكل أكثر فعالية في السلام العالمي”.
وقال رقيب أوغلو: “يمكن اعتبار الإرهاب الإسرائيلي المتزايد في غزة والضفة الغربية ولبنان أمثلة حديثة تؤكد ضرورة مطلب تركيا لإصلاح الأمم المتحدة”,
ولفت إلى أن "تركيا كانت قد طرحت هذا المطلب سابقا في الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 تحت شعار (العالم أكبر من خمسة)".
واستطرد: “وبالتالي، فإن البنية الحالية للأمم المتحدة تعاني من فشل كبير في ضمان أمن المدنيين في فلسطين ولبنان وفي إيقاف إسرائيل”.
دبلوماسية غزة
وقال رقيب أوغلو: “في خطاباته في الجمعية العامة الأممية منذ عام 2005 أثار أردوغان الخلل الوظيفي للأمم المتحدة وجميع مجالات الأزمات، وخاصة سياسات إسرائيل المتمثلة في التطهير العرقي والاحتلال والإبادة الجماعية في فلسطين”.
وأضاف “كموضوع مشترك في خطابات الرئيس أردوغان، كثيرا ما تمّ التأكيد على أنه ينبغي حماية حقوق الشعب الفلسطيني وينبغي للمجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات ضد العدوان الإسرائيلي”.
وتابع الكاتب التركي: “الرئيس أردوغان هو أحد القادة الذين وضعوا باستمرار إصلاح الأمم المتحدة على جدول الأعمال على المنصات الأممية ولديه موقف طويل الأجل وثابت بشأن هذه القضية”.
وأكد أن “خطاب الرئيس أردوغان في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة استمر على نفس المنوال”.
وبهذا المعنى، ذكر الرئيس التركي النساء والأطفال والعاملين في مجال الصحة والصحفيين الذين استهدفتهم إسرائيل عمدا في غزة، وذكر أنه ينبغي اعتبار هذه الأعمال إبادة جماعية.
ولفت رقيب أوغلو إلى أن "الرئيس أردوغان شبه نتنياهو بهتلر وشدد على أن المجتمع الدولي يجب أن يوقفه تماما كما أوقف هتلر".
وأشار إلى أن “هذا التركيز قد تجاوز الخطابَ المجرد، وللمرة الأولى شددت تركيا على استخدام القوة لوقف إسرائيل”.
وذكر أنه “في جو الأمن الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي بلا توقف ويمتد عدوانه من الضفة الغربية إلى لبنان، وجه أردوغان نداء تاريخيا واقترح اتخاذ تدابير قسرية لإنهاء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وطرح تقييم الإذن باستخدام القوة كما ورد في قرار الجمعية العامة لعام 1950 بشأن الاتحاد من أجل السلام”.
ويبين هذا الاقتراح “مدى صدق وتصميم دعم تركيا للقضية الفلسطينية”.
وقال رقيب أوغلو إن “دعوة أردوغان إلى استخدام القوة الدولية ضد إسرائيل تكشف أن دعم تركيا لفلسطين قد يتجاوز الحدود الدبلوماسية”.
خطوة ملموسة
من ناحية أخرى، صرح الرئيس التركي خلال خطابه في الأمم المتحدة أن “حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة تدافع عن أراضيها”.
وقال رقيب أوغلو: “يمكن النظر إلى هذا الوضع على أنه خطوة ملموسة تظهر أن تركيا تقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن كونها تتحدّى العديد من الدول الغربية، وخاصة واشنطن التي ترى في حماس منظمة إرهابية وتضغط على الدول الأخرى لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه وتنشر الدعاية السلبية عن حماس”.
وبالمثل، أكد أردوغان أن “الدعاية الإسرائيلية بأن حماس لا تقبل وقف إطلاق النار لا تعكس الواقع، وأن حماس قبلت وقف إطلاق النار في مايو/أيار 2024 وأن إسرائيل ليست طرفا فاعلا لصالح السلام”.
وذكر أنهم “سينفذون جميع الإجراءات القانونية المتعلقة بالناشطة التركية الأميركية عائشة نور إزغي، التي قتلت برصاصة إسرائيلية في 6 سبتمبر/أيلول 2024”.
كما انتقد سياسات المعايير المزدوجة للجهات الفاعلة الغربية التي لم ترد على قتل الأطفال والنساء من غزة أو الضفة الغربية أو لبنان.
وأشار الكاتب التركي إلى أن “إصلاح الأمم المتحدة يشكل أهمية بالغة من حيث حل المشاكل العالمية على نحو أكثر فعالية”.
في الواقع، لم يكن الهيكل الحالي للأمم المتحدة كافيا لإيجاد حلول للأزمات العالمية وخاصة العدوان الإسرائيلي.
لذلك، تشير مطالب تركيا بإصلاح الأمم المتحدة إلى ضرورة إعادة تشكيل النظام الدولي على أساس العدالة، بحسب رقيب أوغلو.
واستطرد: “لذلك، فإن زيادة وظائف الأمم المتحدة أمر لا مفر منه لحل الأزمات الإقليمية والدولية”.
وختم رقيب أوغلو بالقول إن “موقف تركيا الحازم بشأن هذه المسألة يكتسي أهمية إستراتيجية سواء من حيث إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة أو ضمان السلام العالمي”.