الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.. لماذا يحجب بيانات الفقر في مصر؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

تواجه مصر منذ سنوات واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث، مع تآكل الطبقة الوسطى لصالح الطبقات الفقيرة والمعدمة، وصولا إلى ارتفاع معدل التضخم، وإثقال الدولة بالديون والقروض.

وفي ظل تلك الحالة المتردية، عمد الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء (حكومي) إلى نشر بيانات بعينها وإخفاء أخرى. 

بأمر الأمن 

والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هو الهيئة الحكومية المصرية الرئيسة المسؤولة عن جمع وتحليل البيانات والإحصاءات. 

تأسس خلال عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 1964 بهدف توفير بيانات دقيقة وشاملة لدعم صنع القرار على مستوى الحكومة والقطاع الخاص. ومنذ تدشينه دائما ما يخضع التعبئة والإحصاء لحكم اللواءات، والسيطرة الأمنية. 

وبالنظر إلى رؤسائه السابقين، فقد كان جميعهم عسكريين بداية من الفريق جمال الدين محمود عسكر، واللواءات مختار عوض، وفاروق سعيد عبد العظيم، ثم إيهاب علوي، وأبو بكر الجندي.

وصولا إلى رئيس الجهاز الحالي اللواء خيرت بركات، الذي تولى المسؤولية في فبراير/ شباط 2018.

كما كان يعمل سابقا مستشارا لرئيس الجمهورية، ومديرا لإدارة شؤون ضباط القوات المسلحة، ومديرا لإدارة السجلات العسكرية.

وبالحديث عن ما يفصحه من معلومات، كشف الجهاز في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عن بيانات تتعلق بارتفاع قيمة المبالغ المودعة بالحسابات الجارية للمصريين لتصل إلى مستوى 249.5 مليار جنيه عام 2023/ 2024، بزيادة 51 بالمئة عن العام السابق. 

قبلها بيوم، أعلن أن قيمة المعاشات التي صرفتها مكاتب البريد الحكومية عام 2024 بلغت 179.5 مليار جنيه مقابل 140.5 عام 2023 بنسبة زيادة بلغت 27.8 بالمئة.

هذا غير الإحصاءات والبيانات التي يصدرها الجهاز، والمتعلقة بنسب الزواج والطلاق، ومعدل المواليد والوفيات، وزيادة السعة السكانية، وغيرها.

لكن يظل السؤال الأهم والمحجوب منذ سنوات في بيانات الجهاز، ما هي نسبة الفقر والفقراء في مصر؟.

نسبة الفقر

كانت آخر نسبة معلنة للفقر في مصر بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قد صدرت في ديسمبر/ كانون الثاني 2020، أي قبل نحو 4 سنوات، وقدرت بـ 29.7 بالمئة من إجمالي عدد السكان.

فيما أعلن البنك الدولي من جانبه زيادة الفقراء إلى نسبة 32.5 بالمئة بنهاية العام 2022، في آخر إحصاء صدر منه. 

وهو ما دعا للتساؤل عن أسباب توقف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر عن إصدار نسب تتعلق بأعداد الفقراء.

وكشف موقع "صحيح مصر" المحلي في 10 أكتوبر 2024، أن الأجهزة الأمنية تدخلت لمنع إصدار التقرير الأخير من نسخة بحث الدخل والإنفاق، وعدد الفقراء في البلاد، وإلى أي درجة بلغت نسبة الفقر. 

وقال: "إن جهات أمنية نافذة منعت صدور التقرير رغم الانتهاء منه، بسبب احتوائه على أرقام تظهر زيادات صادمة في معدلات الفقر".

وذلك مع إصرار الحكومة على إدخال تعديلات جديدة على حجم دخول الأفراد عبر إضافة دعم برامج تكافل وكرامة ودعم المرأة المعيلة، ضمن بنود دخل الأسرة السنوي، وذلك لتحجيم الزيادة المطردة في نسبة الفقراء.

ويمثل بحث الدخل والإنفاق أو "مؤشرات الفقر ومستوى معيشة الأسر المصرية" عاملا معلوماتيا مهما.

إذ يحدد خط الفقر ويكشف عدد الفقراء ونسبتهم ويوفر كما كبيرا من البيانات التي يجرى الاعتماد عليها في قياس مستوى معيشة الأسرة والأفراد.

كما يعمل على توفير معلومات لقياس الفقر لتحديد الفئات المستهدفة للبرامج الاجتماعية.

وخلال عهد رئيس النظام الأسبق محمد حسني مبارك، قررت الحكومة عام 2009 أن يصدر البحث كل عامين، قبل أن يتوقف عن الإصدار حاليا.

الدولة والفقراء 

وفي 15 أبريل/ نيسان 2024، أعلنت وزارة العمل زيادة الحد الأدنى لأجور عمال القطاع الخاص إلى 6000 جنيه بدلا من 3500 جنيه.

بعدها في 30 يونيو/ حزيران، أعلن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 إلى 6 آلاف جنيه. 

ووفقا لآخر تعداد اقتصادي صدر من جانب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2020، بلغ عدد المشتغلين بالقطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي 12.6 مليون مشتغل.

أما عدد موظفي القطاع الحكومي بحسب تقرير الجهاز، الصادر في أكتوبر 2023، فقد بلغ 4 ملايين و665 ألفا و600 شخص.

ورغم أن هناك إشكاليات تتعلق بتنفيذ تلك القرارات داخل القطاع الخاص، فإن نسبة الحد الأدنى المعلنة، تكشف أن عددا كبيرا من الموظفين يحومون حول خط الفقر. 

خاصة أنه في آخر تقاريره حول هذه القضية، حدد جهاز الإحصاء خط الفقر المدقع عند 550 جنيها شهريا للفرد أي ما يعادل 6604 جنيهات سنويا.

كما حدد خط الفقر عند 857 جنيها شهريا، ما يوازي 10279 جنيها سنويا.

وبين أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد ويزيد دخلها الشهري عن 3318 جنيها (41 ألفا و136 جنيها سنويا) لا تعد من الفقراء، وهو ما يخالف المعايير العالمية المحددة للفقر. 

لا سيما أن تلك الأرقام أصبحت الآن غير معبرة عن الواقع، إذ انخفضت قيمة الجنيه من ديسمبر/ كانون الأول 2020 (وقت إصدار التقرير) من 15 جنيها للدولار الواحد إلى 48 جنيها للدولار الواحد في أكتوبر 2024. 

وأعلنت الأمم المتحدة في نهاية 2023، أن تقدير الذين سقطوا في الفقر المدقع "دخلهم أقل من 2.15 دولار في اليوم".

أما من هم تحت خط الفقر فـ "دخلهم أقل من 3.65 دولارات في اليوم".

انهيار طبقي

وشهد العام 2016، بداية الانهيار الطبقي السريع نحو الفقر مع أول تحرير لسعر صرف الجنيه في عهد السيسي.

وهو ما أضعف من قيمة الجنيه ومعه ارتفع معدل الفقر من 27.8 بالمئة عام 2015 إلى 32.5 بالمئة عام 2018 قبل أن تستقر في آخر بحث عام 2020 عند 29.7 بالمئة.

في العام 2020 وبعد إصدار آخر تقرير عن الفقراء، أصدرت الدولة عدة قرارات متعلقة بسعر الصرف، أضعفت من قوة العملة الشرائية للجنيه المصري.

ورغم التقديرات الدولية المستمرة بزيادة نسبة الفقراء بعد تلك القرارات، فقد امتنعت الدولة عن إصدار أي رقم رسمي بإحصاء نسبة الفقر حتى الآن وامتنع الجهاز عن إصدار آخر تقرير لعام 2023.

وكان رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اللواء خيرت بركات، قد تحدث في 28 أغسطس/ آب 2023، عن قرب الإعلان عن نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك ومعدل الفقر بحلول شهر أكتوبر لنفس العام، وهو ما لم يحدث.

ويعد تأخر صدور البحث الخاص بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن نسب الفقر في مصر، مخالفة صريحة للدستور المصري.

فحرية تداول المعلومات استحقاق دستوري بنص المادة 68 من دستور 2014، الذي يشير إلى أن البيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب.

وأن الإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وأن القانون ينظم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها وقواعد إيداعها والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبات حجب المعلومات.

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، قال الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف، إن “توقف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو الجهة الحكومية المنوطة، بإصدار نسب الفقر، (عن نشر البيانات) يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية مزرية وقد أثرت بشكل كبير على الشعب”.

ولفت إلى أن في ذلك إشارة بأن "معدلات الفقر والفقر المدقع ارتفعت بشكل ملحوظ، وهو أمر يرى بالعين والملاحظة لمن يعيش في مصر". 

وأكمل: "رفض النظام الإعلان عن الأرقام الحقيقية للفقر حتى الآن، يرجع في المقام الأول لخوفه من زيادة عوامل الغضب والسخط داخل الشارع المحتقن".  

وأتبع: "المواطنون- بمن فيهم الأسر الغنية- يعيشون هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة بشكل يومي، مما جعل الطبقات المتوسطة والفقيرة في تراجع كبير، وتظل نظرية ثورة الجياع وعودة انتفاضة الخبز مؤرقة لنظام عبد الفتاح السيسي طوال الوقت".