حزب "الإصلاح" اليمني ومحمد بن سلمان.. شراكة أم تبعية؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 17 فبراير/ شباط 1948، أسقط اليمنيون الإمام يحيى حميد الدين، ووجه الاتهام حينها إلى جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الثورة التي سرعان ما أجهضها نجله أحمد، ومنذ ذلك الحين لم يترسخ عداء الإخوان لدى التيار الإمامي وحسب بل ولدى النظام السعودي أيضا الذي آزر تيار الإمامة وتحالف معه في أعوام 48 و 55 و 62. 

وعندما تفجرت ثورة 11 فبراير 2011 اتهم الإماميون مجددا الإخوان بالوقوف وراءها، وسرعان ما تحالفوا سرا مع الدولة العميقة وحليفهم السعودي القديم، وتمكنوا من إسقاطها.

وكان الحوثيون يحملون مشروع إحياء الإمامة وقد أعلنوا أول تمرد مسلح على الدولة في يونيو/ حزيران 2004، ليكتسحوا العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014.

ونتيجة للغفلة فقد جرفت عشر سنوات من التمرد المسلح خمسين سنة من الجمهورية وثورة شعبية لم تجد رجالا يحرسونها.

أزمة قيادة

امتلكت الحركة الإسلامية في اليمن-التجمع اليمني للإصلاح-خبرة أربعين عاما تقريبا من المشاركة السياسية في السلطة، واستطاعت التنقل بسلاسة بين السلطة والمعارضة.

وقدمت تجربة رائدة في العمل مع أحزاب المعارضة عبر تكتل أحزاب اللقاء المشترك، الذي ضم بالإضافة إلى الإصلاح خليطا من قوى سياسية يسارية وقومية وحتى إمامية. 

لكن تجربة الثورة الشعبية وإسقاط النظام كانت تجربة جديدة لحزب الإصلاح، الذي وجد نفسه فجأة تحت ضغط الشارع وقواعده الحزبية مضطرا للحاق بركب الثورة. 

وكان الإصلاح يُهيئ نفسه وشركاءه في المعارضة لنضال سياسي طويل الأمد لإحداث التغيير المنشود. لكن الثورة فاجأته وأربكت حساباته، وعندما قفز إلى قطارها على عجل لم يكن حينها يمتلك رؤية إستراتيجية للتعامل معها.

وكان التردد سيد الموقف، وكان هاجس الخوف من تحمل تبعات الثورة والصاقها بالإصلاح أهم العوامل التي ألقت بظلالها على أدائه المهتز في قيادة الحراك الثوري والسياسي. 

ونتيجة للتردد وعدم إدراك مخاطر أنصاف الحلول، لم يحسن الحزب توظيف أوراق الثورة التي بيده وفي مقدمتها ورقة الشارع الثائر الذي يغلي حماسة، فتم ترقيده في الخيام لأكثر من عامين لامتصاص غضبه وتعطيل فاعليته، وضاعت ورقة القبائل التي أعلنت وقوفها وتأييدها المطلق للثورة، واُهدرت ورقة الجيش الذي انقسم باكرا ليعلن ولاءه للثورة. 

وفي حالة من الذهول والغفلة لم يتم استغلال فرصة تداعي نظام صالح وتفككه عقب ارتكابه مجزرة جمعة الكرامة (18 مارس 2011). 

كان النظام على شفا الانهيار ويوشك على تسليم السلطة لو ضغطت المعارضة قليلاً في هذا الاتجاه، لكنه التردد والخوف.

شراكة أم تبعية؟ 

طوال سنوات الحرب ظل الإصلاح يحاول إرضاء التحالف السعودي، على الرغم من يقينه بتآمره عليه مع جماعة الحوثيين وبالذات حين كان الجيش بقيادة وزير الدفاع محمد ناصر أحمد وبتوجيه مباشر من الرئيس هادي قد أعلن حياده، مفسحا الطريق للحوثيين ليأخذوا صنعاء كما أخذوا عمران من قبل لتعود إلى حضن الدولة بحسب تعبير الرئيس هادي.

كان الإصلاح، الذي تحاشى الحوثيين طويلا، قد دخل بصورة مفاجأة على خط الصراع معهم ليعلن بعد أسبوع واحد فقط من عاصفة الحزم (2 أبريل 2015) تأييده المطلق للتحالف السعودي لدحر الانقلاب. في خطوة غير محسوبة العواقب جلبت كوارث لمنتسبي الحزب في مناطق سيطرة الحوثيين.

وقد أراد بذلك تجنب المزيد من مؤامرات السعودية، ودفعها للاعتماد عليه كشريك موثوق به في مواجهة مخاطر التمدد الحوثي. 

وفي العام التالي (13 سبتمبر 2016) وبمناسبة الذكرى 26 لتأسيس الحزب، أعلن براءته من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، مؤكدا عدم وجود أي علاقة تنظيمية أو سياسية تربطه بهم، على أمل أن يؤسس ذلك لقاعدة من الشراكة مع التحالف ويعزز الثقة بالإصلاح كطرف فاعل ضمن أطراف التحالف. 

لكن هذا الأخير لم يقبل شراكته، فشركاؤه ظلوا حلفاءه التاريخيين، وعليه فقد ظلت شراكة الحزب من طرف واحد.

على أن أهم محاولات الإصلاح في التقارب مع السعودية تمثَلت في نجاحه بلقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

وكان لقاء تاريخيا بحق لكنه لم يغير من سياسة السعوديين، ولم يحظ الإصلاح باعترافهم كشريك لهم، وعوضا عنه طُلب منه الذهاب لعقد شراكة مع حزب المؤتمر بعد مقتل صالح.

وفي خطوة أخرى عكست حالة التماهي اللامحدود مع الرغبات السعودية، أقدم الإصلاح، في فبراير 2018، على إقالة واحدة من أهم عضوات الحزب وأبرز ناشطيه على المستوى الدولي الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، بسبب نقدها المتواصل لسلوك التحالف السعودي في اليمن وخروجه عن أهدافه. 

وعلى الرغم من كل تلك التنازلات المجانية التي قدمها الإصلاح ليحظى برضا السعودية ويعمد شراكته معها، إلاَ أن الأخيرة فضلت الاحتفاظ بمسافة بعيدة عنه.

بل وذهبت إلى أبعد من ذلك في إظهار خصومتها له، فأوعزت للشرعية المتحكم بها لإقالة محافظ شبوة المحسوب على الإصلاح محمد صالح بن عديو وتسليم المحافظة للانتقالي الموالي للإمارات.

ولم يكتفوا بذلك، بل عمدوا في 11 أغسطس 2022 إلى ضرب الجيش الوطني بشبوة بالطيران الإماراتي الذي تدخل لصالح قوات الانتقالي ونفذ أكثر من 30 غارة جوية لقتل ضباط الجيش وجنوده بذريعة تمرده، كما فعلوا ذلك من قبل في 2019 بعدن. 

وللمرة الأولى يخرج الإصلاح عن صمته ليعلن موقفه من ذلك الاعتداء ويصدر بيانا لوح فيه بوقف مشاركته في مؤسسات الدولة. 

لكنهم تجاهلوه، وزادوا في إذلاله حين أوعزوا مرة أخرى للشرعية بإقالة قيادي إصلاحي آخر هو محافظ الجوف الشيخ أمين العكيمي، ليؤكدوا له مراراً وتكراراً أنه أقل من شريك، وأن شراكته ستبقى من طرف واحد فقط، وأن شركاءهم هم أولئك الذين ارتبطوا بهم منذ ثورة سبتمبر وما قبلها.

أمام ذلك الإقصاء والاستهداف الممنهج من التحالف السعودي لم يجد الإصلاح من سبيل للتعامل مع هذا الواقع المعادي سوى خيار التكيف وتمرير رغبات التحالف وتجنب معارضته أو الصدام معه.

متبعا في ذلك إستراتيجية خاصة يمكن أن نطلق عليها "إستراتيجية البقاء" وتهدف للحفاظ على كيان الحزب من الاجتثاث وتجنب الاستفراد به. 

إستراتيجية البقاء هذه تحكمت بعقلية الحزب ومواقفه، ومبعثها الخوف من الاستفراد والاجتثاث ومحاذير سوق الحزب إلى مقصلة الإرهاب.

تجربة الإصلاح المريرة مع التحالف السعودي كانت حسنتها الوحيدة عدم إظهار السعودية عداءها الصريح له، رغم استمرار تآمرها عليه من تحت الطاولة.

لكن السعودية التي استخدمت سياسية اليد الناعمة ظاهرياً مع الإصلاح لجأت من جانب آخر إلى سياسة اليد الخشنة للتعامل معه طيلة الوقت عبر حليفها الإماراتي الذي لا يخفي عدائه الصريح للإصلاح. 

في هذا السياق، وفي أكتوبر 2018 نشر موقع " بزفييد نيوز" الأميركي تحقيقا استقصائيا عن تعاقد الامارات مع مرتزقة أميركيين لتشكيل خلية لإدارة عمليات اغتيال في اليمن ضد كوادر حزب الإصلاح وخاصة في مدينة عدن. 

أدوار سياسية

وقع الإصلاح في العديد من الأخطاء السياسية مدفوعا بالخوف والتردد انتهت بإخفاق الثورة ووقوعه في قبضة التحالف السعودي الذي ضنّ عليه بالشراكة.

فلم يحسن من البداية إدارة ثورة الشارع وحمايتها وتوجيهها نحو أهدافها، كما لم يستحضر أبعاد حدث سياسي مهم تمثل في إسقاط الرئيس المصري محمد مرسي، ولم يستوعب تداعيات ذلك على الثورة اليمنية. 

وعندما انطلقت عاصفة الحزم انطلق وراءها دون وعي بأهدافها وأبعادها ولا بكيفية توظيفها لصالح المشروع الوطني بأخذ الضمانات منها والعمل معها وفق شروط واتفاقات واضحة ومحددة.

فقد مثَلت ظروف الحرب وبداية تدشين عاصفة الحزم فرصة مواتية للإصلاح، عندما كان خيار الضرورة بالنسبة للتحالف، لكنه لم ينتهز الفرصة ليضع شروطه على الطاولة ويؤسس لشراكة فعلية تجعله طرفاً أصيلاً في الشرعية وشريكاً كامل الأهلية للتحالف لا تابعاً له.

ومهما يكن، فالأنظار تتجه صوب الإصلاح الذي لا يزال الشارع اليمني يعول عليه كطرف وطني قادر على اجتراح التغيير، إذا أراد.

فهو بحسب البعض، في حالة دفاع عن النفس وعن الوطن ويفترض به أن يقدم نفسه على هذا النحو، وهو مجبر على القتال دفاعا عن وجوده وعن اليمنيين.

واستمراره في الحرب الدائرة هو استمرار الضرورة والإكراه، وليس أمامه من مجال آخر سوى العمل من خارج هذا السياق، وأنه ما عاد هناك من مبرر لصمته، وهو يتحمل أمام أفراده وأمام اليمنيين المسئولية عن استمرار هذه المهزلة والإضرار بمصالح اليمن.

بيد أن ثمة عقبات تحول دون تصدره لمثل هذا العمل. فعلى الصعيد التنظيمي يعاني الإصلاح من غياب المؤسسية واختطاف قراره لصالح قيادات تسوقه عنوة وراء تحالف يرفض شراكته.

فمنذ مؤتمره العام الرابع المنعقد في 2009 لم يطرأ عليه أي تغير قيادي أو مؤسسي، وظل محتفظا بنفس القيادات التاريخية التي أصابها الجمود وطغى عليها - بفعل طول مكوثها - عقلية التملك. 

وعلى الصعيد السياسي فإن قيادة الحزب متشبثة بشرعية مهترئة تتآكل كل يوم، مرتهنة للتحالف السعودي وتنفذ أجندته، ويتجنب الحزب معارضتها خشية استهدافه بورقة الإرهاب أو التمرد على الشرعية، وكلاهما تهديد وجودي للحزب يضطره للمداراة والانحناء.

تحديات وفرضيات

في ضوء المعطيات الحالية والعلاقة الملتبسة بين التجمع اليمني للإصلاح والتحالف السعودي، يمكن استشراف عدد من السيناريوهات لمستقبل الإصلاح السياسي.

1. تقييم العلاقة مع السعودية:

يمكن لحزب الإصلاح أن يفكر جديا في إعادة تقييم علاقاته مع التحالف السعودي من مصدر قوة لا ضعف، خاصة في ظل التجارب المريرة التي أثبتت أنه، رغم محاولاته المستمرة للتكيف وإرضاء التحالف، لا يزال يعامل كطرف ثانوي.

وكما أن الإصلاح يمتلك مصالح فالتحالف ذاته يمتلك مصالح، وبالتالي مهم أن يفكر الإصلاح في المستقبل في كيفية التقليل من الاعتماد كليا على السعودية والإمارات، والتوجه نحو تفعيل دوره المستقل في السياسة اليمنية بعيدا عن التبعية لتحالفات استنزفته طويلا وأثبتت فشلها في الحفاظ على شراكته المفترضة. 

2. التوجه نحو الداخل:

في ظل حالة الضعف والتهميش التي يعاني منها الحزب، يتوجب عليه أن يعيد ترتيب أولوياته داخليا من خلال تعزيز علاقاته مع القوى السياسية والاجتماعية اليمنية، لكن بطريقة تختلف عن التكتيكات التي اتبعها في السابق أو تلك التي يحاول بناءها في هذه الأثناء، ولكن هذا التوجه مرتبط بالدرجة الأولى بإحداث تغيير حقيقي في بنية الحزب. 

3. إعادة هيكلة الحزب وقياداته:

من الثابت أن الإصلاح يعاني من جمود في قياداته التي لم تتغير منذ فترة طويلة. هذا الجمود قد يكون أحد العوامل التي تعيق تطور الحزب واستجابته للأحداث المتسارعة في اليمن.

وبالتالي إعادة هيكلة الحزب وتجديد قياداته بوجوه جديدة قادرة على التفاعل مع الواقع السياسي هو المتغير الأمثل لمواجهة التحديات المستقبلية.

هذا يمكن أن يتضمن التفكير بجدية في عقد المؤتمر العام الخامس، بحيث يتم فيه تحديد رؤية جديدة للحزب وإستراتيجية للتعامل مع التحالفات الإقليمية والداخلية، وإعادة تقييم أولوياته وأهدافه بشكل شامل.

 فضلا عن النظر في كثير من الملفات العالقة والتي تنذر بتفجر الحزب وتشظيه فيما لو استمر في هذا الصمت والسير مغمى العينين نحو المستقبل دون أفق واضح. 

4. تبني إستراتيجية وطنية شاملة:

يتطلب المستقبل القريب من الإصلاح تبني رؤية وطنية شاملة تتجاوز المصالح الحزبية الضيقة. 

فالإصلاح، كحزب كان له دور مؤثر ولا يزال في المشهد السياسي اليمني، يمكن أن يعيد توجيه بوصلته نحو بناء مشروع وطني جامع يشمل القوى السياسية والاجتماعية كافة. 

وتبني هذه الرؤية يمكن أن يعزز من ثقة الشارع اليمني بالإصلاح ويعيد له دوره كطرف أساسي في بناء يمن مستقر ومستقل.

5. مراجعة تجربة التحالفات السابقة:

من الضروري أن يقوم الإصلاح بمراجعة وتصحيح تجربته السابقة في التحالفات، سواء مع السعودية أو مع القوى السياسية الداخلية، واستخلاص الدروس من التجارب الفاشلة. 

وهذا يشمل التحالف مع المؤتمر الشعبي العام ومع الشرعية ومع باقي القوى السياسية والتي أثبتت أنها ليست شراكة متكافئة. 

والتحالفات المستقبلية يجب أن تكون قائمة على مصالح متبادلة وشروط واضحة تضمن عدم التهميش أو الإقصاء.

ويبقى مستقبل الإصلاح معتمدا إلى حد كبير على قدرته في التكيف مع المتغيرات وتجاوز الأخطاء السابقة. 

وإعادة بناء الثقة الشعبية، والبحث عن شراكات جديدة، وإعادة هيكلة الحزب من الداخل يمكن أن تكون مفاتيح مستقبل أكثر استقرارا وقوة للحزب في الساحة اليمنية.