الجزائر تحافظ على القيود التجارية ومدريد تلجأ للمفوضية.. من ينتصر؟
"الخسائر المتراكمة على الشركات الإسبانية تتجاوز 3.8 مليارات يورو سنويا منذ الأزمة السياسية"
استنادا إلى المعطيات الملموسة، بدت واضحة نوايا الجزائر في الحفاظ على القيود التي طبقتها منذ سنتين على الواردات الإسبانية.
وتبرر الجزائر قرارها بأنه في قطاعات مثل السيراميك، التي تعتمد على الواردات الإسبانية، تمكنت من تلبية احتياجاتها بفضل تطوير الإنتاج المحلي.
وقالت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية إن “الجزائر لا تعتزم رفع القيود المفروضة ضد التجارة الإسبانية التي أصدرتها منذ سنتين، انتقاما من التغيير التاريخي في موقف الحكومة الإسبانية فيما يتعلق بمسألة إقليم الصحراء الغربية، والتي لا تزال قائمة”.
ففي 14 مارس/ آذار 2022، رأى رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، في رسالة وجهها إلى ملك المغرب محمد السادس، أن مبادرة الرباط للحكم الذاتي هي "الأكثر جدية" لتسوية النزاع بالإقليم، وهو ما أغضب الجزائر.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
رفع جزئي
وقالت مصادر حكومية جزائرية لصحيفة “الإندبندينتي”، إن الجزائر “تستغل الحصار على التجارة الإسبانية من أجل تطوير صناعتها المحلية في بعض القطاعات”.
وتجدر الإشارة إلى أنه في يونيو/ حزيران 2022، بعد أن أعلنت الجزائر عن تجميد معاهدة الصداقة وحسن الجوار وفرض حصار تجاري على إسبانيا، توجه وزير الخارجية، خوسيه مانويل ألباريس، إلى المفوضية الأوروبية للتنديد بهذا الإجراء.
وبحسب المتحدث التجاري باسم المفوضية الأوروبية، أولوف جيل، لا تؤثر هذه الإجراءات على إسبانيا فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي.
وأعلنت المفوضية الأوروبية عن فتح نزاع تجاري مع الجزائر، حيث تتهم بروكسل الجزائر بعدم التزامها باتفاقية الشراكة بين الطرفين.
ونقلت صحيفة “الإندبندينتي” أن الجزائر خففت من القيود المفروضة، حيث رفعت بعضا منها على مدار هاتين السنتين.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، رفعت الجزائر جزئيا الحصار المفروض على الصادرات الإسبانية، وتحديدا فيما يتعلق بالمعاملات التجارية لمنتجات الدواجن.
وجاءت هذه الحركة بالتزامن مع محاولة تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين بعد وصول سفير جزائري جديد إلى مدريد، وأيضا استئناف رحلات الخطوط الجوية الحكومية إلى مدريد.
لكن في فبراير/ شباط 2024، أحبطت زيارة رئيس الوزراء الإسباني سانشيز إلى الرباط، وتصريحاته المؤيدة للخطة المغربية للحكم الذاتي في إقليم الصحراء، هذه المحاولة لإذابة الجليد بين البلدين.
فضلا عن ذلك، ألغت الجزائر زيارة وزير الخارجية إلى أراضيها، في حركة غير مسبوقة كسرت بها الأعراف الدبلوماسية الخارجية.
ومنذ ذلك الحين، لم تسجل أي استثناءات أو مستجدات فيما يتعلق برفع القيود على الصادرات الإسبانية.
وبحسب ما أفادت به مصادر مطلعة على الوضع لـ“الإندبندينتي” بأنه "لن يحدث ذلك في المستقبل القريب".
ونوهت هذه المصادر بأن "الجزائر عملت على تطوير الصناعة المحلية خلال هذا الوقت، وعلى سبيل المثال، في قطاع السيراميك، تملك عرضا محليا يلبي الطلب وبمنتجات عالية الجودة".
ونقلت الصحيفة أن جمعية البنوك الجزائرية قررت في يونيو/ حزيران 2023، تعليق التحويلات من وإلى إسبانيا على خلفية الأزمة الدبلوماسية.
ولا تزال بعض الشركات تعاني من عدم السداد الناتج عن هذا القرار، فيما اختارت شركات أخرى، للتحايل على هذا الحظر، إرسال بضائعها عبر دول مجاورة مثل البرتغال وإيطاليا.
صادرات الخزف
وأشارت الصحيفة إلى أن نقابة الخزف المتمركزة منطقة شرق إسبانيا، هي إحدى الضحايا الرئيسين للأزمة الدبلوماسية.
وأكدت الجهات المعنية أن صادرات الخزف قد انخفضت إلى الصفر، وأن القيود مازالت كاملة بالنسبة لهذا القطاع.
ومنذ فرض القيود، سجل القطاع خسارة بقيمة تتراوح بين 200 و220 مليون يورو من حجم مبيعاته.
وحتى عام 2022، كانت الجزائر ثاني سوق تصدر لها إسبانيا الخزف، بعد إيطاليا.
ونقلت النقابة إلى الصحيفة أن "الجزائر حظرت شحن الخزف منذ بداية الأزمة، وقد بحث العملاء الجزائريون بالفعل عن موردين بديلين من بلدان أخرى، لذلك سيكون من الصعب تعافي السوق".
وبالفعل، استغلت البرتغال ومصر وتركيا الفراغ الذي خلفته إسبانيا لتوسيع تجارتها في هذا القطاع.
وأكد مسؤولون إسبان في القطاع أن "الإنتاج المحلي لطلاء السيراميك في الجزائر ضئيل".
ونقلت الصحيفة أن فقدان السوق الجزائرية تزامن مع الزيادة في تكاليف الطاقة.
وبحسب مسؤولين في شركات طلاء السيراميك، التي تملك علاقات قوية مع الجزائر العاصمة، فإن "هذه الظروف أدت، في العامين الماضيين، إلى انخفاض مباشر في القدرة التنافسية وعائدات الشركات، مع انخفاض كبير في الطلب وحجم التداول في هذا القطاع".
وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن الاقتصاد الجزائري يرتكز على صادرات الغاز، حيث إنه أول مصدر للغاز في القارة الإفريقية والخامس في العالم من حيث احتياطياتها.
وقد حال رهانها على المنتجات المحلية والبحث عن موردين جدد في السوق الدولية دون أن تضطر إلى اللجوء مرة أخرى إلى إسبانيا.
لكن حدث ذلك في بداية السنة، عندما رفعت الحظر عن قطاعات مثل منتجات الدواجن، التي "تأتي غالبية منتجاتها من إسبانيا".
سياسة حمائية
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا السيناريو لا يمكن تصوره في الوقت الراهن في أروقة النظام الجزائري أو حتى بين رجال الأعمال الإسبان الذين يعرفون جيدا خصوصيات الدولة العربية.
وفي هذا المعنى، أورد أحد رجال الأعمال أن "الاستثناءات ستُملى تدريجيا وفقا لمصالح الجزائر، وستتجسد على أرض الواقع في حال كانت تتماشى مع مصالح الشركات الإسبانية".
وأضاف أن "سياسة الجزائر تتمثل في تطوير الصناعة في البلاد".
ونقل مصدر آخر للصحيفة، أن "الجزائر تمارس في الوقت الحالي سياسة حمائية عالية، وهي مهتمة أكثر بالانفتاح على المواد الخام والمنتجات الوسيطة، وربما اللحوم أيضا، لكن ستكون السلع النهائية في مرحلة ثانية".
وأشارت “الإندبندينتي" إلى أن "الخسائر المتراكمة على الشركات الإسبانية تتجاوز 3.8 مليارات يورو سنويا منذ الأزمة السياسية".
واستطردت: “نظرا لأن الحكومة الإسبانية لم تتمكن من خفض مستوى الأزمة الدبلوماسية، لم يتبق أمامها سوى حل اللجوء إلى بروكسل”.
وتابعت: “لذلك، أعطت المفوضية الأوروبية في 14 يونيو 2024 الضوء الأخضر للبحث عن (حل مرض للطرفين) لحل الصعوبات التي يواجهها العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الواردات والصادرات من السلع وتحركات رأس المال مع إسبانيا”.
وأوردت الصحيفة أنه “في محاولة لكسر الشلل التجاري، فتحت المفوضية الأوروبية مشاورات بين الفرق التجارية من كلا الجانبين، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الإجراء التالي سيكون التحكيم. وفي حال استمرار التقاضي، سيتم تعليق الاتفاقية الموقعة عام 2002 والتي دخلت حيز التنفيذ منذ 2005”.
وأشارت إلى أن "بروكسل سبق أن فتحت نزاعا آخر ضد الجزائر عام 2020 بشأن زيادة الرسوم الجمركية والحظر على واردات السيارات الأوروبية، وبعد أن تمكنت المفوضية الأوروبية من لي ذراع الجزائر في مناسبة سابقة، يستبعد الجزائريون أن يتكرر نفس السيناريو في هذه المناسبة، على الأقل فيما يتعلق بإسبانيا".
ويرى الجزائريون أنه رغم محاولات استعادة العلاقات وحسن نيتهم، يمثل رفض الحكومة الإسبانية العودة إلى موقفها التقليدي في نزاع الصحراء “عائقا أمام تقديم تنازلات وتقاربات جديدة”.