"الحكومة لا تزال حية".. كيف أفشلت حماس المخطط الإسرائيلي لنشر الفوضى في غزة؟
حماس "ليست مجرد قوة مقاتلة بل أيضا حركة تحكم نحو مليوني فلسطيني"
لا تزال إسرائيل في حالة صدمة من جراء تمكن حركة المقاومة الإسلامية حماس من إدارة قطاع غزة حكوميا، بعد عام على العدوان المدمر.
وأكدت صحيفة عبرية أننا "سنجد مفاجأة" إذا حاولنا تقييم الهيكل الحكومي بغزة، بعد عام من بدء الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حكومة حية
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية إن حماس "ليست مجرد قوة مقاتلة؛ بل أيضا حركة تحكم نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة".
وأوضحت: "لقد تبين أن أغلب مكاتب حكومة حماس لا تزال تعمل، وفي كثير من الحالات، تواصل تقديم الخدمات للمدنيين".
وعلى الرغم من تأثر هذه المؤسسات الحكومية -إذ انخفضت ميزانياتها، وتقلصت قواها العاملة، ودُمرت بعض مبانيها- فإنها لا تزال تعمل.
على سبيل المثال، تعمل وزارة الصحة في وضع الطوارئ، ولكنها لا تزال تقدم الخدمات الأساسية.
علاوة على ذلك، فإن "البلديات الكبرى، في مدينة غزة وجباليا ودير البلح، تعمل على إزالة الأنقاض من الطرق الرئيسة، وجمع القمامة، وعند الضرورة، التعامل مع جثامين القتلى".
هذا النشاط الحكومي أسهم في الحيلولة دون تفشي الأمراض، التي توقع تفشيها كثيرون خلال الأشهر الأولى من الحرب، بحسب الصحيفة.
وأضافت أنه "في الشوارع، لا يزال من الممكن رؤية موظفي الحكومة، منهم مسؤولو الهلال الأحمر الفلسطيني، وعمال البلديات، وممثلو اللجان المحلية لحفظ النظام، وموظفو العيادات والمستشفيات".
وتابعت: "رغم أن وجودهم أصبح أقل مقارنة بالماضي، إلا أنه يطمئن الجمهور بأن الحكومة لا تزال حية".
أضف إلى ذلك، أن "الشرطة في غزة لا تزال نشطة، وتركز في المقام الأول على حفظ النظام العام، ومساعدة السكان في توزيع المواد الغذائية".
وأفادت الصحيفة بأن وزارة الداخلية أنشأت وحدة خاصة تسمى "سهم" للتعامل مع الجرائم التي نشأت بسبب الحرب.
وأشارت إلى أنه "كثيرا ما يواجه اللصوص والناهبون قبضة القانون الثقيلة التي تفرضها حماس"، وهو ما أظهرته العديد من الفيديوهات.
ارتفاع الأسعار
وقالت إن "القيود التي تفرضها إسرائيل على تسليم المساعدات تسببت في ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير قابلة للاستمرار".
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يصل سعر كيلو الأرز إلى 50 أو حتى 80 شيكلا، بينما يباع كيلو البطاطس بـ 100 شيكل، والطماطم بنفس السعر (1 دولار = 3,79 شيكل).
فيما تبلغ تكلفة علبة الحفاضات 200 شيكل، ومن الصعب الحصول على اللحوم والدجاج، وعندما تتوفر، تكون أسعارها فلكية.
وأكدت الصحيفة أن "هذه الأسعار تفوق قدرة السكان على تحملها، إذ إن الغالبية العظمى منهم، سواء في الشمال أو الجنوب، يعتمدون على المساعدات الخارجية".
وتأتي المساعدات من خلال ثلاث قنوات رئيسة، الأولى من الأردن عبر "إيريز" (معبر بيت حانون)، حيث تجمعها منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الدولية، ثم تُوزّع على سكان شمال غزة، وفق زعمها.
والقناة الثانية تأتي من مصر؛ حيث تدخل الشاحنات عبر "معبر كرم أبو سالم"، وتسلم الإمدادات إلى الهلال الأحمر الفلسطيني لسكان جنوب غزة.
والقناة الثالثة من المساعدات تصل عبر "ميناء أسدود"، ثم تُرسَل إلى معبري إيريز أو كرم أبو سالم.
وهناك العديد من الجهات، بما في ذلك الدول العربية والدول الغربية والمنظمات الدولية، ترسل المساعدات إلى غزة.
وعلى عكس رواية الصحيفة، يتعرض شمال قطاع غزة لحصار إسرائيلي كبير، حيث بدأ جيش الاحتلال في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة هناك، قبل أن يعلن في اليوم التالي بدء اجتياحه.
وجاء ذلك بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.
كما وصلت المجاعة بعد منتصف نفس الشهر إلى جنوب قطاع غزة بسبب عرقلة سلطات الاحتلال دخول المساعدات.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كثيرة.
وبين أنه ومن أصل 423 حركة مساعدات إنسانية تم التنسيق لها مع السلطات الإسرائيلية في الفترة من 1 إلى 20 أكتوبر، جرى تسهيل 151 حركة فقط، ورفض 189، وتعطيل البقية.
خطة فاشلة
وقالت "جيروزاليم بوست": “قبل بضعة أشهر، كان هناك تحدٍّ خطير لهيمنة حماس، لكنها تمكنت من إحباطه”.
فقد حاولت إسرائيل، من خلال خطة وضعها الجيش، إقامة علاقات مع زعماء العشائر الكبيرة في غزة لإنشاء شبكة من المعارضة المدنية لحماس.
“لكن الرسائل الواضحة من حماس أدت إلى إبقاء هذه الشخصيات المؤثرة قريبة منها، وبعيدة عن أي مشاريع مشتركة مع إسرائيل".
وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية وكبار ضباط الجيش كانوا يعتقدون طيلة أشهر أنه من الممكن إنشاء جيوب من الولاء لهم في غزة، خلال فترة قصيرة نسبيا.
وما يزيد من تعقيد هذا الوضع -بحسب الصحيفة- هو الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في الحفاظ على التوازن الهش للحياة في غزة.
فمازال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يدفع رواتب 23 ألف عضو في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.
وهذه الرواتب متواضعة (بمعدل 1600 شيكل للشخص الواحد)، وتحصل حماس على حصة منها، ولكنها توفر شبكة أمان لعشرات الآلاف من الأسر، وفق زعم الصحيفة.
وتابعت أنه "في حين أصبحت سلطة عباس أكثر هشاشة من أي وقت مضى، فإنه بعد مرور عام على الحرب، تظل حماس القوة المهيمنة في غزة عندما يتعلق الأمر بالسكان المدنيين".
وأوضحت أن "هذه الحقيقة وحدها تمنع الانهيار الكامل للحياة اليومية وتساعد في الحفاظ على درجة معينة من القانون والنظام".
وعلى الصعيد العسكري، لم تنته حماس بعد، ففي الجزء الشمالي من القطاع وحده -حيث يعيد الجيش الإسرائيلي حاليا هجومه على جباليا- تشير التقديرات إلى أن الحركة لا يزال لديها نحو 4 آلاف مقاتل، وفي الجنوب، لا يزال عددهم بالآلاف أيضا.
سلاح ذو حدين
وتابعت: "يرغب الكثير من الإسرائيليين في تمزيق هذا القناع الرقيق لحكم حماس المدني إلى الأبد، لكن يجب أن نفكر بعناية في أي تحركات".
وأردفت: "كما هو الحال مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سابقا، يحيى السنوار، والمحتجزين الإسرائيليين، فإن بقايا الحكم في غزة سلاح ذو حدين".
وأوضحت: "كان السنوار عدوا لإسرائيل وبالتالي جزءا من المشكلة، لكنه كان أيضا يحمل الحل، وبدونه، قد نفقد المحتجزين المتبقين، مما يجعل قتله (في رفح خلال أكتوبر) مقامرة بحياتهم".
وترى الصحيفة أن "الشيء نفسه ينطبق على تفكيك الإدارة المدنية لحماس، فرغم أن هذا قد يرضي كثيرا من الإسرائيليين، فإن غياب السلطة الحاكمة، مهما كانت ضعيفة، هو وصفة للفوضى".
وتابعت: "من هذه الفوضى ستنشأ الجريمة، يليها بسرعة الإرهاب"، مشيرة إلى أن الحرب خلفت آلاف الأُسَر في غزة مدمرة، وأن العديد من المنتمين إلى حماس أو غيرهم يحملون مظالم ضد إسرائيل.
وأضافت: "من ناحية أخرى، ينتظر أعداؤنا في المنطقة -إيران، وتنظيم الدولة، والجماعات الجهادية المختلفة- اليوم الذي يمكنهم فيه غرس مخالبهم في سكان غزة المنهكين، واستخدامهم لأغراضهم"، وفق تعبيرها.
ولفتت إلى أنه “الآن، وبعد رحيل السنوار، أصبحت كل الاحتمالات مفتوحة مرة أخرى، ويتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق”.
وختمت بالقول: "حتى في مثل هذه الصفقة، سيسعى خلفاء السنوار إلى الحصول على تنازلات منا، وفي خضم متاهة القرارات المقبلة، ستحتاج إسرائيل أيضا إلى تشكيل موقف واضح بشأن مستقبل الجناح المدني لحماس".