الهجوم على خالد مشعل نموذجا.. ماذا وراء محاولات شيطنة حركة حماس بالمغرب؟

أثارت كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالخارج خالد مشعل، خلال مهرجان وطني نظمته حركة التوحيد والإصلاح (جمعية دعوية مقربة من حزب العدالة والتنمية)، جدلا واسعا بدعوى أنه "تدخّل في الشأن الداخلي للمغرب".
وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قال مشعل "أدعو إخواني في المغرب وكل الجماهير والقوى الإسلامية والوطنية أن تخاطب قيادة البلد غيرة على المغرب وعلى مصالحه وأمنه، وغيرة على فلسطين، أن تقطع العلاقات وأن يتوقف التطبيع وأن تُطوى هذه الصفحة التي جاءت خارج السياق الطبيعي لدولة محترمة كالمغرب".
وأضاف مشعل، في كلمة مباشرة له عن بعد من الدوحة في كلمة خلال المهرجان الذي نُظم تحت شعار "طوفان الأقصى وواجب النصرة"، أنه "إذا وقف الشعب سندا لحاكمه، تستطيع المملكة أن تخطو هذه الخطوة لتصحح بذلك خطأ وتقوم بواجب".
وأدت كلمة مشعل إلى خلق نقاش بين من عدها "مسا بالسيادة المغربية" من خلال دعوة المغاربة إلى الضغط على قيادة البلاد لإيقاف التطبيع، وبين من عدها تصريحات عادية تأتي في سياق انتزاع مواقف أكثر مساندة للقضية الفلسطينية.
فهل تمس تصريحات مشعل بالسيادة المغربية وتعد تحريضا على الملك؟ أم أنها تصريحات عادية يحاول بعض من يصطادون في الماء العكر تحميلها أكثر من دلالتها؟
شيطنة المقاومة
الكاتب والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، رأى أن "مشعل قام بالتحريض ضد الاختيارات السيادية للمغرب"، مضيفا أن "هذا تدخل سافر غير مقبول".
وأضاف عصيد، في تصريح لموقع "كود" المحلي، أن "هذا التدخل سيصرف الانتباه عن القضية الفلسطينية ويجعل كثيرين يركزون على خطئه عوض التركيز على التضامن مع شعب غزة في ما يجتازه حاليا من مجازر شنيعة".
من جهته، قال مدير نشر جريدة الأحداث المغربية المحلي المختار لغزيوي، أن "اللياقة حسن الأدب خانت قيادي حركة "حماس" ورئيسها في الخارج خالد مشعل، وهو يتحدث عن بلادنا".
وفي 22 نوفمبر، رأى لغزيوي، في عمود "ملحوظة" بجريدة الأحداث المغربية المحلية، أن "الحماس ذهب بمشعل مذاهب شتى وهو يعطي نفسه حقا ليس له، من خلال "نصح" دولة عريقة وضاربة في أعماق التاريخ مثل المغرب، حول كيفية تدبير وتصريف أمورها الخارجية، مع الدول الأخرى".
وحمّل الغزيوي، مسؤولية ما سماه "التدخل الأرعن والسافر والمرفوض في شأن مغربي صرف لا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد"، لمن استدعى مشعل وسمح له بهذا التطاول المعيب على المغرب والمغاربة، في إشارة إلى حركة التوحيد والإصلاح.
بدوره، عبّر الإعلامي رضوان الرمضاني، عن تفاجئه مما سماه "تجرؤ خالد مشعل على أن يعطي توجيهات للمغاربة ويقول لهم ماذا ينبغي أن يقولوا لقيادة بلدهم أي الملكية".
وفي 21 نوفمبر، أعرب الرمضاني، في برنامجه "غرفة الفار" على أثير إذاعة "ميد راديو" المحلية، عن تفاجئه أيضا من أن "الجهة المنظمة لهذا النشاط لم يزعجها أن يقول خالد مشعل ما قال دون أن تبدي أي تحفظ على كلامه".
ورأى أن المغرب والمغاربة لا يحتاجون لدروس أي كان خارج الضوابط والبرتوكول والأعراف القواعد، مضيفا أنه ليس من حق أي أحد مهما كانت صفته أن يعطي للمغاربة توجيهات وأن يتدخل في شأنه الداخلي.
ورأى الرمضاني، أن "العلاقات مع إسرائيل شأن داخلي صرف فيه نقاش وتجاذب ووجهات نظر مختلفة بين المغاربة ولكن في إطار المغرب"، مشيرا إلى أن المغرب لا يحتاج لتوجيهات أي أحد في قضاياه الداخلية لأن لديه مؤسساته التي لديها القدرة لممارسة التقدير المناسب في أي لحظة.
ولم يقتصر شجب واستهجان تصريحات خالد مشعل على بعض الإعلاميين والأكاديميين بل انضم إليهم حزب وحيد هو الحركة الشعبية (معارض).
وفي 21 نوفمبر 2023، وصف حزب الحركة الشعبية تصريحات مشعل بأنها "تحريض مباشر على الفتنة، ومحاولة فرض إملاءات على دولة مستقلة".
وأضاف الحزب في بيان له، أن "هذه التصريحات تفتقد لأدنى شروط اللباقة والأعراف الدبلوماسية، لتجاهلها الدعم الحقيقي الموجه للمقدسيين ولساكني غزة".
وأشار البيان، إلى أن هذه التصريحات "قفزت على حقيقة أن مناصرة شعب فلسطين هي موقف ملك وشعب".
وفي ردها على اتهام خالد مشعل بالتدخل في الشأن الداخلي للمغرب، نفت حركة التوحيد والإصلاح (الجهة المنظمة للمهرجان) وجود ما يشير في خطاب مشعل إلى تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب.
رئيس حركة التوحيد والإصلاح أوس رمّال، قال إن "مشعل الذي تمت دعوته من طرف حركتنا، كان يتحدث للمغاربة بشكل طبيعي، لأن المغاربة هم الذين دعوه، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتوجه إليهم دون غيرهم من العالم وأن تكون مداخلته موجهة وقاصدة لهم".
وأضاف الرّمال، في تصريح لموقع هسبريس المحلي، أن "حركة حماس، ومشعل على وجه الخصوص، يكنون للمغرب والشعب المغربي وللملك محمد السادس احتراما خاصا وتقديرا فائقا، لأنهم يرون أن دعم المملكة لقضيتهم هو دعم خاص ومتميز عبر العالم العربي والإسلامي".
وأوضح أن "مشعل من موقعه كزعيم مقاومة وفي هذه المرحلة الفارقة الصعبة، من الطبيعي جدا أن يخرج بخطابات كهذه ينادي فيها الأمة العربية والإسلامية من أجل نصرة القضية الفلسطينية".
ولفت الرّمال، إلى أن "المغاربة ملكا وشعبا لا يقفون عند محاولات الشيطنة هذه، التي ينتجها أنصار الكيان المحتل الغاصب".
أبواق مأجورة
ومقابل محاولات التأليب ضد مشعل وتفسير كلمته بشكل لا يستقيم مع السياق الحالي، أكد زعماء وطنيون وإعلاميون وسياسيون أن تصريحات القيادي بحركة "حماس" لا تحمل أي تدخل في الشؤون الداخلية ولم تمس قواعد الأدب واللياقة تجاه ملك المغرب وشعبه.
القيادي الوطني والوزير الأسبق مولاي امحمد الخليفة، قال إنه "يجب أن نحترم للناس مقاماتها فخالد مشعل رمز من رموز الثورة الفلسطينية، إنه يعيش خارج بلده هذه وحدها تكفي".
وفي 24 نوفمبر 2023، رأى الخليفة، خلال مشاركته في برنامج "حوار في العمق"، أنه "عندما يخاطبنا اليوم قامة مثل تلك القامات –في إشارة لمشعل- بذلك الأسلوب فإنه يخاطب الشعوب كما خاطب الزعيم علال الفاسي في قضية المغرب كل الشعوب في أميركا اللاتينية".
وشدد الخليفة، على أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالخارج خالد مشعل، "تكلم بأسلوب راق يعبر عما يفعله الرجل من أجل نجاح قضيته".
وأكد أن "الذي لا قضية له قد يحاول التشويش، ولكن الذي يعرف معنى قضايا التحرير لا يمكنه إلا أن يستنكر كل تلك الأبواق المأجورة التي خرجت من أجل أن تخلق أزمة بين المغرب وبين قائد من قادة فلسطين".
ورأى الخليفة، أن "مأساتنا أننا نسينا تاريخنا النضالي كمغاربة وتاريخ كل الشعوب التي عاشت الاستعمار"، مضيفا أنه "لم يتحرر شعب واحد عربي ولا مسلم إلا لأن الكل سانده من أجل تحريره".
وتساءل: هل يمكن أن نصل إلى استقلالنا بالمغرب وأن نسترجع ملكنا محمد الخامس وأسرته الكريمة من قبضة الاستعمار الفرنسي ومن منفاه السحيق لو لم يكن لنا دعم من الشعوب العربية والإسلامية؟
وسجل الخليفة أن "الشعب الفلسطيني كان مظلوما منا نحن الحكومات العربية والإسلامية"، مضيفا أنه "بكل أسف وحزن نحن لا نساعد الشعب الفلسطيني في تحريره وتركناه في وجه قوة ظالمة غاشمة جبانة".
استعداء المقاومة
بدورها، قالت القيادية بحزب العدالة والتنمية أمينة ماء العينين، إن "الذين يهاجمون مشعل الذي وجه كلمة للمغاربة يطلب دعمهم في أحلك الأوقات على شعبه الذي يباد أمام الشاشات، يريدون تعسفا أن يصوروا ذلك بصورة من يتدخل في الشؤون الداخلية للمغاربة في محاولة الاستعداء ضد فصيل مقاوم ثابت وصامد".
وأضافت ماء العينين، في تدوينة عبر فايسبوك، أن "هؤلاء يدركون جيدا أن حماس كما هي بارعة ومستبسلة في المقاومة، بارعة أيضا في نسج الخطابات السياسية".
وتابعت أن حماس "تخاطب الأنظمة العربية باحترام وأدب وخاصة منها نظام المغرب الذي تضعه دائما في مرتبة عالية بالنظر إلى تاريخ التزامه مع القضية الفلسطينية علما أن تاريخ حماس مع المغرب الرسمي لم يبدأ البارحة".
وعدت بأن كلمة مشعل لم تمس قواعد الأدب واللياقة تجاه ملك المغرب وشعبه، مبينة أنه دعا إلى مطالبة الشعب لنظامه بوقف مسار التطبيع وهو أمر طبيعي وعادي ومعمول به في الخطابات السياسية.
ونبهت إلى أن "هذا التقابل الوهمي بين استعراض الوطنية والولاء للوطن بمهاجمة المقاومة الفلسطينية وقياداتها في هذا الوقت الحرج، وبين محاولة تخوين من يحتضنها لن يجدي نفعا لا للمغرب ولا لفلسطين".
وخلصت إلى أنه "حينما يسقط الأطفال والرضع الخدج بالآلاف، تصير الأولوية الإنسانية والأخلاقية هي وقف المجزرة وإدانة السفاحين، غير ذلك من البوليميك يمكن أن ينتظر، ومن لم يستطع إدانة القاتل، فليمسك عن إدانة الضحية".
من جهته، قال الكاتب والصحفي يونس مسكين، "يبدو أن قدرنا في هذه المرحلة من تاريخ المغرب المعاصر أن نحارب طواحين هواء التضليل والتغليط، ما إن نخرج من زوبعة رملية حتى ندخل في أخرى".
وأضاف مسكين، في تدوينة عبر فيسبوك، أن "زوبعتنا الجديدة عن تصريحات القيادي في حركة حماس، خالد مشعل، بدعوى أنه تدخل في الشأن الداخلي للمغرب وحرّض المغاربة على الملك".
وعد أن هناك من يعمل منذ الشرارة الأولى لما يعرف بطوفان الأقصى، على كسر الزخم الذي عرفه المغرب، والتحرير الذي حصل في النقاش العمومي حول هذا الموضوع، وما يفرضه من تغيير حتمي في السياسات المغربية منذ توقيع الاتفاق الثلاثي.
وأكد أن هناك من يبحث منذ أسابيع عن مطية لخلط الأوراق ودس ألغام الانقسام وحماية ما حققه المستفيدون من ترسيم العلاقات المغربية الإسرائيلية على حساب المصالح الوطنية.
ورأى أن "الحقيقة هي أن هناك من لا تهمه لا حقوق المغاربة ولا حقوق الفلسطينيين ولا حقوق الكائنات الفضائية، بل همه الوحيد وشغله الشاغل هو التغليط وتضبيب الصورة وتحريف النقاش الذي انخرط فيه المغاربة بكل فئاتهم".
ورأى أن "خالد مشعل تحدث بصفته قائدا سياسيا لحركة تحرر وطني يخاطب شعبا يعده حرا في دولة محترمة ودعاهم إلى دعم إخوته الذين يقتلون ويذبحون بالليل والنهار".
وأردف أن "الرجل لم يتحدث في غير ما يهمه من شأن فلسطيني ودعا كما يدعو كل من يحمل هما أو قضية دون أن يخل باحترام أحد أو يخرج عن لباقة".
وخلص مسكين قائلا: "كم تشعروننا بالخجل والعار يا قوم ونحن نتعثر في تضليلكم بينما نتابع ملاحم الشعوب الحرة وقياداتها السياسية الملهمة وهم ينتصرون للقيم والمثل التي بها تتحقق إنسانية الإنسان".
"أسماء مشبوهة"
أما الإعلامي والباحث في التواصل السياسي والعلوم السياسية، عبد الصمد بنعباد، فقال إنه "في حالة تصريحات خالد مشعل، لا يجب أن ننسى أننا أمام حالة من رد الفعل يقوم بها أتباع أحمد الشرعي والخط المتصهين صاحب مقال "كلنا إسرائيليون".
وأضاف بنعباد لـ"الاستقلال"، أن "هؤلاء وجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة، وعزلة شعبية، فاختاروا الرد على بهذا الأسلوب والطريقة، واستغلال كلمة خالد مشعل من أجل إثبات أنهم يغارون على المغرب ويخافون على مصالحه وسيادته ودولته".
وأردف "نحن هنا أمام فئات متورطة في علاقات مشبوهة مع العدو الصهيوني، معزولة شعبيا بعد طوفان الأقصى، ثم متهمة بالولاء للعدو على حساب المغرب، ومن ثم حاولت استغلال كلمة خالد مشعل من أجل إظهار وطنيتها".
وبخصوص تصريحات خالد مشعل، أكد بنعباد، أن عقلاء المغرب يُجمعون على أن الرجل كان في الموعد، فلم تنحرف كلمته عن الثوابت التي رسمها في كلماته التي اعتاد توجيهها للشعب المغربي منذ 2012، والتي يراعي فيها دوما احترام المغرب وسيادته ومؤسسات بلده وشعبه.
وخلص إلى أن "الأكثر إيلاما للخطاب المتصهين في المغرب، ليس ما اعترضوا عليه بل جملة أخرى، دعا فيها إلى "الوقوف خلف حاكم المغرب للتصدي للتطبيع".
وأضاف بنعباد، أن "هذه الجملة أخافت أتباع العدو في هذا البلد، التي عدت هذا الخطاب تحريضا للدولة المغربية بمختلف مؤسساتها ومستوياتها للتصدي التطبيع، بوصفه خطرا يهدد المغرب قبل فلسطين".