"معسكرات ترحيل المهاجرين".. هكذا تفاعلت معها دول الاتحاد الأوروبي
“منظمات حقوق الإنسان حذرت من المخاطر الهائلة لهذا الإجراء”
اكتسح النقاش والجدل حول الهجرة في أوروبا ومقترح ترحيلهم خارجها العناوين في الأيام الأخيرة، ومن بين الدول الأعضاء، تعد إسبانيا البلد الوحيد الذي يقف بوضوح ضد مراكز طرد طالبي اللجوء.
وقالت صحيفة "الباييس" الإسبانية إن "فكرة إنشاء مراكز ترحيل خارج الاتحاد الأوروبي تكتسب قوة، وتؤيد غالبية كبيرة من البلدان ذات التوجهات السياسية المختلفة فكرة إرسال طالبي اللجوء إلى هذه المعسكرات".
مثيرة للجدل
واقترحت المفوضية الأوروبية الجديدة هذه الفكرة لاستكشافها في ظل إطار إصلاح القواعد التنظيمية الخاصة بعمليات الترحيل.
وتعد إسبانيا، حاليا، البلد الأوروبي الوحيد الذي يقف بوضوح ضد هذا الإجراء، حيث تدعمه الدنمارك والنمسا وإيطاليا من بين دول أخرى، وفق صحيفة "الباييس".
وافتتحت روما بالفعل معسكرات "ترحيل المهاجرين الذين يتم طردهم" في ألبانيا، وهي تجربة يرى بعض الشركاء أنها نموذج يحتذى به.
وهناك دول أخرى، مثل أيرلندا وفرنسا ولوكسمبورج، أكثر واقعية؛ حيث إنها لا تعارض الصيغة، ولكنها تريد أن ترى كيف سيتم تطويرها وكم ستكون تكلفتها.
من جهتها، لا تملك بعد حكومة أولاف شولتز في ألمانيا موقفا واضحا وموحدا حول المراكز المثيرة للجدل.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الألمانية تعاني من ضعف سياسي بشكل متزايد، مع وجود مشاكل خطيرة داخل الائتلاف، وفي بلد احتدّ فيه الجدل حول الهجرة في الآونة الأخيرة بالتزامن مع صعود اليمين المتطرف.
وأشارت الصحيفة إلى أن “التغيير الذي طرأ على الجدل الدائر حول الهجرة، تمت مناقشته في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول ببروكسل، واضح للغاية”.
وأفادت بأنه “تبيّن أن اثنتين فقط من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، إسبانيا وألمانيا، تحكمهما الديمقراطية الاجتماعية”.
واستطردت: “حتى الحكومة التي تنتمي إلى يسار الوسط، لا يضمن سياسة أقل قسوة فيما يتعلق بالهجرة”.
وتحديدا، قادت الدنمارك، في مايو/ أيار 2024، اقتراح تجربة فكرة مراكز الترحيل، والتي انضمت إليها 15 دولة أخرى، وهي من أشد الدول تشددا في شؤون الهجرة، وحدث كل هذا رغم أنه تقودها حكومة ائتلافية اشتراكية.
وأضافت الصحيفة أن "فكرة معسكرات الترحيل لطالبي اللجوء حتى الرد على مطالبهم كانت مطروحة بالفعل منذ سنوات وتم سحبها بسبب الشكوك القانونية الخطيرة التي تنطوي عليها".
كما أنها “ليست إلا مجرد مثال آخر يسلط الضوء على أن مواقف الدول الأعضاء أصبحت متشددة بشكل متزايد بشأن قضية الهجرة”.
وبالنسبة لجميع الدول الأعضاء، أصبحت عبارة على نقاش جوهري، وله آثار انتخابية خطيرة، رغم أن لكل دولة واقعها الخاص فيما يتعلق بهذه المسألة.
تعبير ملطف
ولكن بعيدا عن الجدل السياسي، هناك حقيقة يجب أخذها في الحسبان، فقد انخفض عدد الوافدين غير النظاميين إلى الأراضي الأوروبية بنسبة 42 بالمئة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2024، وفقا لوكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس)، رغم ارتفاع عدد الوافدين إلى إسبانيا عبر جزر الكناري.
وبالنسبة للبلدان التي تؤيد "الحلول المبتكرة" -وهو التعبير الملطف- الذي يستخدم حاليا في الدول الأعضاء للحديث عن نماذج، مثل النموذج الإيطالي في ألبانيا أو احتذاء باقي الدول الأوروبية بهذا النموذج ـ فإن هذه الأفكار تشكل إحدى الصيغ اللازمة لزيادة عمليات الترحيل.
وفي هذا السياق، قال أحد الدبلوماسيين المخضرمين إن "نموذج ألبانيا له تكلفة مالية ولوجستيات معقدة، ويكمن السؤال في ما إذا كان ناجحا وما إذا كان يوفر ميزة تتجاوز مجرد الاستعانة بمصادر خارجية للمراقبة".
وأضاف دبلوماسي آخر: "لا يزال يتعين علينا أن نرى النموذج المطروح على الطاولة، وما هي أنواع المراكز، ولأي نوع من طالبي اللجوء، وإلى متى وماذا سيحدث لهم بعد ذلك إذا كانت الإجابة على قضيتهم سلبية وفي حال لم يمكن ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي".
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في الرسالة المرسلة إلى الدول الأعضاء في افتتاح قمة 17 أكتوبر، أن نموذج رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، سيكون وسيلة لاستخلاص "دروس عملية".
وأشارت مصادر أوروبية إلى أنه "لتنفيذه على المستوى الأوروبي، مع اختلاف الحقائق، يجب أن يكون هناك تغيير قانوني لتجنب مشاكل قانونية بين الدول الأعضاء، وبما يتماشى مع اقتراح المفوضية".
ونوهت الصحيفة إلى أن "منظمات حقوق الإنسان حذرت من المخاطر الهائلة لهذا الإجراء، والتي يمكن أن تترجم إلى انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان".
وفي الحقيقة، يعد النموذج الألباني، الذي يتضمن نقل طالبي اللجوء الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى أحد تلك المخيمات التي يديرها موظفون إيطاليون، مثيرا للجدل إلى حد كبير.
لكن رئيس وزراء الدولة الواقعة في منطقة البلقان، إيدي راما، أقر بأن حكومات أخرى اتصلت به بشأن إنشاء مراكزها الخاصة هناك.
ودعت ميلوني، اليمينية المتطرفة، إلى عقد قمة مصغرة خلال اجتماع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في بروكسل للحديث عن الهجرة والحلول المبتكرة.
وسبق لرئيسة الوزراء الإيطالية أن نظمت اجتماعا من هذا النوع في قمة غرناطة قبل سنة، وشاركت فيه فون دير لاين أيضا.
وشددت صحيفة "الباييس" على أنه “من المتوقع أن يصبح النقاش حول الهجرة أكثر صعوبة على نحو متزايد”.