ما الذي دفع فرنسا إلى دعم خطة المغرب بشأن إقليم الصحراء؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أزمة إقليم الصحراء الغربية أضحت لاعبا أساسيا في التطورات التي تشهدها الساحة المغاربية، حيث أثار اصطفاف فرنسا مع أطروحات الرباط بشأن النزاع الصحراوي أزمة مع الجزائر.

ويبدو أن فرنسا قد أولت أهميتها للمسائل الاقتصادية والأمنية دون أي اعتبارات أخرى.

أسباب بارزة

وقالت صحيفة "الباييس" الإسبانية إن قرار فرنسا دعم أطروحات المغرب في صراع الصحراء الغربية “أدى إلى فتح أزمة مع الجزائر”. 

وأشارت إلى أن العلاقات بين الرباط وباريس "وثيقة منذ عقود". 

وفي رسالة إلى الملك محمد السادس، ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية تموز/ يوليو 2024، أن خطة الحكم الذاتي المغربية تشكل "الأساس الوحيد" لحل النزاع.

وبحسب العديد من الخبراء، فإن الأمن وفرص الأعمال الأكبر في المغرب من بين الأسباب البارزة التي تفسر التحول الذي اتخذته فرنسا.

وقد قوبل هذا القرار بالعداء من قبل الجزائر، التي استضافت مخيمات للاجئين على أراضيها، يعيش فيها 173 ألف صحراوي منذ خمسة عقود.

وفي هذا السياق، قالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة بانتيون السوربون، وخبيرة محنكة في السياسة الخارجية الفرنسية في المغرب العربي، خديجة محسن فينان، إن "ماكرون حاول التواصل مع الجزائر، لكن الأمور لم تسر على ما يرام، الأمر الذي لم يلق استحسانا لدى ماكرون وقابله بنوع من الامتعاض". 

وأضافت: "تحتاج فرنسا إلى إقامة علاقة جيدة مع أحد البلدين على الأقل". 

وفي الواقع، راهن ماكرون بشدة على تحسين العلاقات مع الجزائر في حملته الرئاسية عام 2017، ثم بزيارة تاريخية إلى الجزائر في 2022. 

وأضافت محسن فينان: "لم يكن تنفيذ الاتفاقيات سهلا، وقد سئم ماكرون من مطالب الجزائر المستمرة".

سياق مضطرب

ونوهت الصحيفة إلى أن الطريقة التي تمت بها عملية إنهاء الاستعمار ميزت علاقات باريس مع المستعمرات المغاربية السابقة، ففي المغرب، كان هناك اتفاق مع النخب في البلاد، أما في الجزائر، فقد خلفت حرب الاستقلال الدامية جراحا لا تزال حية.

ومن هنا، شعر مختلف مستأجري قصر الإليزيه دائما بأنهم أقرب إلى النظام الملكي. 

ومع مرور الوقت، قدموا دعما مستترا لفكرة الحكم الذاتي الصحراوي، مع الاعتراف بسيادتهم على الصحراء الغربية، سيرا على خطى إسبانيا سنة 2022 وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عام 2020.

وبحسب الأستاذة في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة، إيرين فرنانديز مولينا، "فقد أثرت الاعتبارات الجيوإستراتيجية والأمنية بشكل خاص على حسابات ماكرون في وقت تراجع فيه نفوذ فرنسا في شمال إفريقيا".

وقالت الباحثة المتخصصة في الدولة المغاربية إن "الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر أدت إلى طرد فرنسا من منطقة الساحل على المستوى العسكري، الأمر الذي أثّر على مصالحها الاقتصادية، وربما دفع ذلك ماكرون إلى محاولة توطيد علاقاته مع الشركاء التقليديين والأكثر موثوقية، مثل المغرب".

وبعيدا عن السياق المضطرب في منطقة الساحل، التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، كان للبعد الداخلي للأمن ثقل واضح. 

وأضافت مولينا: “بالنسبة لفرنسا، كان من المهم للغاية أن تنجح الألعاب الأولمبية، وبالفعل، لم تقع أي حوادث أمنية، وتحديدا، كانت فرنسا بحاجة إلى التعاون الكامل مع أجهزة المخابرات المغربية”. 

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين تدهورت منذ سنة 2021 بسبب مواجهات مختلفة، منها اختراق هاتف الرئيس الفرنسي على يد المخابرات المغربية، وتقليص التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة من قبل باريس. 

ومثلما حدث مع إسبانيا، فقد أسهم دعم المخطط المغربي للصحراء "في وضع نهاية لهذه الأزمات". 

مصالح مهمة

وأوضحت الباييس أن الاعتبارات الاقتصادية أيضا كانت أساسية في القرار الفرنسي. 

وفي هذا المعنى، قالت محسن فينان: "هناك شركات فرنسية مهمة موجودة بالفعل في الصحراء الغربية، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية التي يستغلها المغرب، لذلك، كان من المهم أن تكون السلطات الفرنسية متناغمة مع موقف البلاد".

وبعد أيام من نشر رسالة ماكرون إلى محمد السادس، تبيّن أن شركة إيجيس الفرنسية فازت بعقد بقيمة 1.4 مليار يورو لبناء قسم من القطار فائق السرعة المغربي بين مدينتي القنيطرة ومراكش. 

وبالنسبة لفرنسا، يعد المغرب سوقا واعدة أكثر من الجزائر، حيث حافظت الدولة لعقود من الزمن على نظام مستوحى من الاشتراكية ومازالت تحافظ على سياسات حمائية للغاية.

وبالنسبة لفرنسا، كان المغرب دائما شريكها التجاري الأول في المنطقة. 

وفي حين تجاوزت قيمة الصادرات الفرنسية إلى المغرب 6 مليارات يورو عام 2023، لم يتجاوز الرصيد في الجزائر بالكاد 4 مليارات. 

ويزداد الخلل في التوازن عند مقارنة حجم الاستثمارات المباشرة، حيث تعد فرنسا الأولى في المغرب، بتدفق يمثل حوالي 25 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية منذ سنة 2015.

وأشارت الصحيفة إلى أن الجزائر، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب سنة 2021، تؤيد موقف جبهة البوليساريو المدافع عن إجراء استفتاء لتقرير المصير والظفر بالاستقلال. 

ومثلما كان متوقعا، أثار التغير في الموقف الرسمي الفرنسي بشأن الصحراء رد فعل غاضب من الجزائر التي سحبت سفيرها من باريس، في إجراء غير مسبوق. 

وبحسب مراقب سياسي جزائري استشارته الصحيفة، فمن المرتقب أن "تطبق الجزائر على فرنسا نفس العقوبة التي فرضتها على إسبانيا، وستكون هناك عقبات أمام مصالحهم الاقتصادية، لكن دون الاعتراف بذلك علنا".

بالإضافة إلى ذلك، "سيتم تجميد اتفاقيات التعاون الموقعة عام 2022 في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن". 

ومع قيام النظام الجزائري بحظر الصادرات الإسبانية بعد دعم مقترح المغرب في إقليم الصحراء الغربية، تراجعت قيمتها بشكل كبير من نحو 1.9 مليار يورو سنة 2021، إلى ما يزيد قليلا على 300 مليون يورو في 2023. 

وأخيرا، أعلن وزير التجارة الطيب الزيتوني، أن بلاده منفتحة على "التقدم" في تطبيع العلاقات التجارية مع إسبانيا.

وتتوقع محسن فينان أن "المصالح بين الجزائر وفرنسا مهمة للغاية"، قائلة: "ستمر نوبة الغضب، مع مرور الوقت، تماما مثلما حدث في إسبانيا". 

وختم الموقع بالقول "بالمقابل، تضطر جبهة البوليساريو إلى الحضور كمتفرج في مباراة الشطرنج بين القوى الإقليمية التي تُلعب على الرقعة الصحراوية".