عزوف متواصل.. ما دلالة مقاطعة المواطنين للانتخابات الجزئية في المغرب؟
"اللوم كل اللوم على سياسات دولة تزيد من إفقار الفقير وتجهيل الأمي"
دق سياسيون وأكاديميون ناقوس الخطر بالمغرب، إثر انتخابات برلمانية جزئية، شهدت مستوى غير مسبوق من العزوف عن المشاركة فيها، مما يؤشر على أزمة ثقة لدى المواطنين في العملية السياسية.
الانتخابات التي جرت في 23 أبريل/نيسان 2024 في مدينتي فاس وبنسليمان، لشغل مقعدين برلمانيين، شهدت مشاركة انتخابية ضعيفة، حيث لم تتجاوز 6 بالمئة في دائرة فاس.
قراءة أكاديمية
وفي تفاعله مع الحدث، سارع حزب العدالة والتنمية (إسلامي/معارض)، إلى تحميل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، المسؤولية الكاملة لما آلت إليه الوضعية السياسية بالبلاد، وحالة التردي السياسي غير المسبوق.
كما حمّل الحزب في بيان صادر عن فرعه بفاس نُشر عبر موقعه الرسمي في 24 أبريل 2024، رئيس الحكومة مسؤولية "التراجع المهول لمستوى الثقة لدى المواطنين والمواطنات، والذي تعكسه نسبة المشاركة الهزيلة جدا في هذه الانتخابات".
ورأى أن هذه الوضعية “تجسد النتائج الهزيلة لحصيلة العمل الحكومي على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وكدا نتيجة عجز الحكومة عن وفائها بوعودها، مقابل تكريس هيمنة رئيس الحكومة على مجموعة من القطاعات الاقتصادية، واستفادة شركاته من صفقات ضخمة في تجسيد صارخ لتضارب المصالح”.
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن العزوف عن المشاركة الانتخابية “هو أمر مستمر منذ استحقاقات سابقة، ويتضاعف خلال الانتخابات الجزئية”.
ورأى العلام لـ"الاستقلال" أن “انخفاض المشاركة الانتخابية يجد أسبابه في غياب الأجواء الانتخابية كالتي تكون في الانتخابات العامة، وكذا قلة عدد المترشحين وغيرها، فضلا عن غياب الدافع أو المحفز المشجع للمواطنين على التصويت”.
ومن ذلك، يردف المتحدث ذاته، ما يعانيه المواطنون من غلاء الأسعار وضعف الخدمات الصحية والتعليمية وقلة فرص الشغل، وكذا ارتفاع الضرائب وغيرها، إضافة إلى الإحباط المتنامي منذ انتخابات 2021 بسبب عدم تحقيق الحزب القائد للائتلاف الحكومي (التجمع الوطني للأحرار) لنسبة كبيرة من وعوده الانتخابية، ومنها الزيادة في الأجور وخفض الأسعار.
وأشار العلام إلى “ضعف المشروعية الانتخابية للفائز في هذه الانتخابات”، متسائلا "كيف لمن فاز بالمقعد بناء على تسعة آلاف صوت كما وقع في فاس الجنوبية في هذه الانتخابات، من أصل 250 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية، أن يعد نفسه ممثلا عن الأمة؟".
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، إن نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية "دائما كانت ضعيفة ومحدودة".
وأضاف حمودي لـ"الاستقلال"، بحيث تراوحت طيلة الفترة ما بين 2017 و2024 ما بين 6 بالمئة و11 بالمئة تقريبا.
ورأى أن سبب ذلك يرجع إلى أن هذه الانتخابات الجزئية “هي ذات طابع تقني في الغالب، بحيث يكون الهدف منها تعويض مقعد فارغ لسبب من الأسباب التي تحددها قرارات المحكمة الدستورية، وتختلف من حالة إلى أخرى”.
وبالتالي، يردف حمودي، فهي انتخابات "بدون رهان سياسي، ولا تحظى بالأهمية الكافية سواء لدى النخب أو لدى المواطن".
وذكر الأستاذ الجامعي أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة في فاس وبنسليمان، "مؤشر ينبغي أخذه في الحسبان من لدن السلطة والأحزاب، استعدادا للانتخابات العامة المرتقبة عام 2026".
وشدد حمودي على أن "مشكل الثقة في العملية الانتخابية يجد تفسيره في محدودية تأثير العمل السياسي الحزبي على سياسات الدولة ومؤسسات صنع القرار فيها".
وتابع: "لذلك بات المواطن يدرك أن دور المؤسسات المنتخبة محدود ومطوق، وأن القرار ما يزال بيد المؤسسات غير المنتخبة، وبالتالي فهو يدرك أن الانتخابات لا تغير شيئا في واقعه".
وأردف "هذا الوضع يجعل المواطن يزهد في ممارسة حقوقه في المشاركة المدنية والسياسية عموما، ويفضل بدلا عنها القنوات الأخرى الموازية التي تتيح له قضاء مصالحه على نحو فعال".
أخطاء قاتلة
وتوقف عدد من الناشطين السياسيين والإعلاميين عند الأرقام التي حملتها هذه الانتخابات الجزئية، ودلالاتها السياسية.
وفي هذا الصدد، شدد الصحفي ياسر المختوم، في تدوينة نشرها عبر حسابه على "فيسبوك" في 23 أبريل، أن أرقام الانتخابات تؤكد أن "المغاربة فقدوا الثقة في السياسة.. المغاربة لا يثقون في الأحزاب".
وأضاف "نسبة المشاركة في المجال الحضري بمدينة فاس تتراوح (بحسب المناطق) بين 5.29 و8.6 بالمئة، ومن ذلك منطقة أكدال: 5,98 بالمئة، منطقة سايس: 5,29 بالمئة، منطقة الجنانات: 6,15 بالمئة، ومنطقة سهب الورد: 8,60 بالمئة".
في المقابل، توقف المختوم عند نسبة المشاركة في المجال القروي، والتي تتراوح بين 32 و46 بالمئة، مشددا على أن "القرى هي التي تحسم النتائج".
من جانبها، قالت نائبة الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، إن “الملاحظ أن العزوف ما يزال سيد المشهد السياسي، وما تزال الأخطاء السياسية القاتلة (الخطايا) مؤلمة، ولم تستطع المخيلة الجماعية نسيانها”.
وأضافت الشويكة في تدوينة عبر “فيسبوك” في 23 أبريل، "لا لوم على الناخبين الفقراء الذين يعيشون على هامش الحياة، فلا تعليمهم ولا أوضاعهم الاجتماعية تسمح لنا بلومهم".
وتابعت: "بل اللوم كل اللوم على سياسات دولة تزيد من تفقير الفقير وتجهيل الأمي"، مشيرة إلى أن "الأرقام والإحصائيات الرسمية تؤكد أن الهدر المدرسي في القرى والبوادي في ارتفاع، كما الفقر وتدهور المعيشة في ارتفاع".
وشددت على أن "من يجب أن يلام هو الدولة وسياساتها ونخبها التي تزداد ثراء فاحشا".
وقال الناشط السياسي والإعلامي حسن حمورو، إنه “بمنطق السياسة، لا يمكن القول إن حزب التجمع الوطني للأحرار ومعه حليفه حزب الاستقلال فازا في الانتخابات الجزئية التي جرت بفاس وبنسليمان”.
وأضاف حمورو في مقال رأي نشره في عدد من المنابر المحلية، أن “نسبة المشاركة المتدنية خاصة في المجال الحضري، بالإضافة إلى كثرة الأصوات الملغاة، تعني أن الحكومة لا دور لها في التعبئة السياسية للمواطنين”.
واسترسل، كما تعني أن "الأصوات التي حصل عليها التجمع والاستقلال ليست أصواتا سياسية، وإنما تحكمت فيها معطيات أخرى معروفة، مما يعني أن هناك حالة عدم رضا على الحكومة، وأن صورتها مهزوزة".
وذكر حمورو أن "حزب العدالة والتنمية وإن خسر الانتخابات الجزئية، إلا أن مجريات هذه الانتخابات أكدت أن فكرة الحزب ماتزال مقبولة، وأن خطابه ما يزال يلقى آذانا صاغية".
وأردف أن "دليل ذلك أنه جعل من انتخابات جزئية عادة ما تكون بدون رهانات سياسية، معركة استدعت تكتل وتحالف أحزاب عدة ضده، ومحط متابعة من طرف الرأي العام وكأنها انتخابات عامة".
واستدرك: “لكن في المقابل، تطرح نتائج هذه الانتخابات تحديات كبيرة على حزب العدالة والتنمية، بصفته عنصرا رئيسا في النقاش السياسي العمومي، وفي الحياة السياسية الوطنية، ليجتهد في تفكيك الكوابح التي ماتزال تعيق التقدم نحو الانتخابات السياسية النزيهة والشفافة، التي تعكس توجه الشعب وإرادته”.
تراجع كبير
أما موقع "الحقيقة" المحلي، فأكد في تفاعله مع انتخابات 23 أبريل 2024، أنها "جاءت على وقع تراجع كبير في نسبة المشاركة في هذا الحدث المهم".
وأضاف "ففي أجواء هادئة ومنعدمة الإقبال، كانت المكاتب الانتخابية تعاني من قلة الزوار الناخبين، حيث بدت معظمها شبه فارغة خلال فترة الصباح والظهيرة"، مشددا على أن هذا العزوف الواضح “أثار العديد من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته”.
ورأى أن من بين العوامل التي قد تفسر هذا العزوف الكبير، "هو الشعور بالتشاؤم وعدم الثقة في العملية الانتخابية والنظام السياسي والحزبي بشكل عام، كما قد يكون الناخبون محبطين من عدم رؤية تحسن في أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، مما جعلهم يفقدون الاهتمام بالمشاركة في الانتخابات".
وخلال الانتخابات الجزئية بمدينة آسفي، في 22 فبراير/شباط 2024، والتي شهدت أيضا عزوفا واسعا من الناخبين، أكد عضو مجلس النواب السابق، حسن عديلي، أن “العزوف يبدو أمرا طبيعيا في ظل الفضائح المتوالية التي يعيشها المشهد السياسي”.
وأضاف عديلي في مقال رأي نشره في مواقع محلية، أن "من أسباب هذا العزوف أيضا، ارتفاع حالات المتابعة المتزايدة اتجاه برلمانيين ورؤساء البلديات، بلغت ذروتها بتوجيه الاتهام لعدد من السياسيين في قضايا خطيرة وصلت حد الاشتباه في الاتجار الدولي في المخدرات".
أضف إلى ذلك "الصورة القاتمة التي تشكلت لدى الرأي العام بسبب حالة الارتباك وتفكك الأغلبيات، وتضارب المصالح الذي تعرفه معظم المجالس المنتخبة بعد انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021".
وأردف عديلي: "ينضاف إلى ذلك حالة الغلاء غير المسبوق الذي اكتوت بناره مختلف الشرائح الاجتماعية".
أما الوضع الحقوقي، يقول البرلماني السابق، "فيكفي أن نشير للمتابعات ضد صحفيين وناشطين إعلاميين من طرف وزراء في الحكومة، وهو أمر يمس الوضع الاعتباري للمغرب الذي حظي أخيرا برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
وشدد عديلي على أن "العزوف الانتخابي يطرح في العمق سؤال الشرعية التمثيلية، في ظل نظام انتخابي لا يفرض حصول المرشح الفائز على نسبة محددة لا ينبغي له النزول عنها، عكس عدد من الأنظمة الانتخابية في المنظومات الديمقراطية".