حقوقي وإسلامي ينافسان ولد الغزواني.. من يفوز برئاسيات موريتانيا؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

يتهيأ الموريتانيون لاختيار رئيس جديد في انتخابات مصيرية تجرى في 29 يونيو/ حزيران 2024، على أن تجرى جولة الإعادة في 13 يوليو/ تموز، في حال عدم فوز أي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة من الجولة الأولى.

فالصراع على السلطة في البلد العربي الإسلامي ذي التاريخ العريق بات أكثر شراسة، والرهانات أعلى من أي وقت مضى.

إذ تعاني موريتانيا من أزمات اقتصادية خانقة، وانقسامات سياسية حادة، وتحديات أمنية لا تحصى، تجعل الوصول إلى القصر الرئاسي في نواكشوط مَهَمة ليست ممهدة.

ووسط هذه الأجواء، جرى تحديد 7 مرشحين رئيسين، كل منهم يسعى لكسب ثقة أكثر من 1.9 مليون ناخب موريتاني، من المفترض أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع.

أبرز هؤلاء الرئيس الحالي المنتهية ولايته محمد ولد الغزواني، ومرشح الإسلاميين زعيم المعارضة حمادي سيد المختار، إضافة إلى الحقوقي برام الداه اعبيد، وهم الثلاثة الذين تنحصر بينهم المنافسة إلى حد ما بحسب سياسيين موريتانيين.

أما بقية المرشحين فهم المحامي العيد ولد محمدن، ورئيس حزب العدالة والديمقراطية بوكاري مامادو با، والأستاذ الجامعي أوتوما سوماري، والخبير المالي محمد الأمين المرتجي الوافي.

ولد الغزواني 

يتصدر المرشحين الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يسعى إلى ولاية ثانية، وهو رجل عسكري بامتياز. 

إذ كان جنرالا سابقا، وقائدا للأركان العامة للجيش، ومديرا عاما للأمن الوطني في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

ولولد الغزواني تاريخ جدلي، لكونه من أهم القادة الذين قادوا الانقلاب العسكري عام 2008 ضد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب في تاريخ موريتانيا.

كما شارك قبل ذلك في الانقلاب على العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع عام 2005، ما يؤطر أنه حاكم ذو عقلية أمنية لا يعترف بالديمقراطية والتغيير طالما أنه ضد مصالحه ومصالح الطغمة العسكرية المتنفذة. 

ويعد الغزواني أول ضابط موريتاني يحصل على رتبة فريق؛ إذ ترقى إليها في الأول من يناير/ كانون الثاني 2012.

وقد تولى الرئاسة عقب انتخابات 2019 بدعم من سلفه محمد ولد عبد العزيز وقوى الأغلبية الحاكمة وبعض أطياف المعارضة.

وبعد صعوده للحكم استمال أطياف معارضة أخرى، منها حزب التكتل بزعامة المعارض السابق أحمد والداده وحزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يرأسه مسعود ولد البلخير اللذين أعلنا دعمهما لولد الغزواني في هذه الاستحقاقات.

ومع ذلك انقلب ولد الغزواني على ولد عبد العزيز الذي دعمه وكان من أصدقائه القدامى، وشهدت سنوات حكمه الأولى محاكمته، التي أثارت جدلا قانونيا وسياسيا.

لكن خصوم فسروا الأمر على أنه أراد القضاء على المستقبل السياسي لولد عبد العزيز، ومنعه تماما من منافسته.

لا سيما أن عبد العزيز استبعد من قائمة مرشحي الانتخابات، في 17 مايو/أيار 2024، من قبل المجلس الدستوري الموريتاني، بدعوى أن ملفه "غير مكتمل". 

وفي 17 فبراير/شباط 2024 تسلم الغزواني منصب الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي من رئيس جزر القمر غزالي عثماني في القمة الـ37 للاتحاد المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وبحسب المراقبين يعد الغزواني أوفر المرشحين حظا في الفوز، مبررين ذلك بأن سياساته وقبضته الأمنية خلال ولايته الماضية حجمت معارضيه، وجعلت من فرص الإطاحة به صعبة ومعقدة، خاصة أن المعارضة ضده منقسمة ومفتتة. 

ولا يغفل أن ولد الغزواني يحظى بدعم أغلبية الأعضاء في الجمعية الوطنية (البرلمان الموريتاني)، إذ حصل حزب الإنصاف الذي يدعم الرئيس على 107 مقاعد من أصل 176 في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2024.

وكان موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قد ذكر في 21 يونيو 2024، أن الأوضاع الأمنية الحالية في الحدود مع مالي وفي الساحل عموما ستحد من فرص مرشحي المعارضة.

وذلك نظرا لأهمية المحافظة على الاستقرار السياسي في مواجهة مثل هذه التحديات، وهو ما يصب في مصلحة الرئيس الحالي الطامح لولاية جديدة، خاصة أنه صاحب خبرة عسكرية.

حمادي المختار 

ويخوض حمادي ولد سيد المختار، المنافسة الانتخابية الرئاسية الشرسة ضد ولد الغزواني.

وحمادي هو زعيم ومرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، أكبر أحزاب المعارضة في موريتانيا.

ويعد ولد سيد المختار أول مرشح من الحزب الإسلامي للرئاسة منذ عام 2009.

وسبق لحزب "تواصل" أن قاطع الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014، بينما دعم مرشحا من خارج صفوفه في الانتخابات التي تلتها، أي في 2019.

و"تواصل" الذي حصل على ترخيص عام 2007، أصبح منذ ذلك الحين أول حزب معارض في البرلمان الموريتاني، ولديه حاليا 11 نائبا من أصل 176.

وحمادي من الشخصيات التي لها وجاهة قوية في موريتانيا، حيث تلقى تعليمه التمهيدي في مدرسة والده العلامة سيدي المختار ولد محمد العبدي. 

وفيها حفظ القرآن وتمرس في علوم اللغة والفقه، فكان فقيها وخطيبا مفوها على المنابر٬ ثم آل إليه التدريس في المكان ذاته.

على المستوى السياسي كان حمادي منسق مبادرة "الإصلاحيين" على مستوى ولاية "العصابة" حتى أسهم في تأسيس حزب تواصل.

كما كان مسؤول الحزب على مستوى ولاية العصابة لمدة 10 سنوات٬ إضافة إلى كونه رئيس هيئة التحكيم سابقا.

ويحظى حمادي بمكانة مهمة داخل الطيف الإسلامي بالبلاد، ويتمتع بعلاقات واسعة مع مختلف الأحزاب السياسية.

وقبل شهرين أصدرت صحيفة "الاستقلال" تقريرا عن فرص ولد المختار، واستشهدت برأي الصحفي الموريتاني المصطفى محمد لولي.

وقال لولي: "إن إعلان ترشيح الحزب لرئيسه حمادي ولد سيدي المختار جاء مفاجئا للمتابعين للشأن السياسي الموريتاني."

وأضاف أن حزب "تواصل" دأب على الاكتفاء بالترشح في الانتخابات النيابية والبلدية.

وقدّر أن ذلك من أدبيات تيار الإخوان المسلمين عموما، الذي يحسب عليه الحزب "خصوصا بعد ما حدث مع الرئيس المصري السابق المرحوم محمد مرسي".

وذكر الكاتب أن "المتابع للشأن السياسي كذلك كان يدرك صعوبة دعم الحزب الإسلامي لأغلب الشخصيات التي أعلنت ترشحها لانتخابات يوليو من جهة".

ومن جهة ثانية إلحاح بعض أعضاء ومنتسبي الحزب على خوض هذه الانتخابات بمرشح من داخله.

واسترسل محمدن لولي، "في المجمل قد لا يخدم الترشح الحزب بأكثر من أن يكون ترضية لبعض أعضائه المندفعين والمتحمسين للفكرة التي كانت قبل الآن خارج اهتماماته".

بيرام الداه اعبيد

ويدخل في إطار المنافسة القوية أيضا الحقوقي والنائب البرلماني بيرام الداه اعبيد، وهو منافس شرس لولد الغزواني وولد المختار بين بقية المترشحين.

إذ يخوض اعبيد السباق الرئاسي للمرة الثالثة على التوالي، بعد أن استطاع الحصول في آخر انتخابات عام 2019، على أكثر من 18 بالمئة من الأصوات.

ويتميز اعبيد أنه ناشط ومعارض شهير في مجال مكافحة العبودية، وهي قضية مؤثرة وتحظى باهتمام واسع لدى شرائح الشعب الموريتاني.

إذ إن لون البشرة يمثل واجهة للدعاية واستمالة الناخبين في السياسة الموريتانية، خاصة انتخابات الرئاسة.

ويمثل التنوع القومي جزءا أساسيا من السمات البارزة لسكان موريتانيا ذات الأصول واللغات المختلفة.

إذ يبلغ عدد الموريتانيين قرابة 4.5 ملايين، يدينون بنسبة 100 بالمئة بالدين الإسلامي، لكنهم من الناحية العرقية يتكونون من فئتين. 

الأولى فئة تسمى "الزنوج" وتمثل ما بين 15 و20 بالمئة من السكان، وهم في الغالب من ذوي البشرة السوداء.

الثانية تسمى باللهجة الموريتانية فئة "البيضان"، وهم من العرب والبربر الناطقين بالحسانية، وتمثل نحو 80 إلى 85 بالمئة من السكان.

ويلعب اعبيد على استمالة فئة الزنوج بقوة، خاصة أن له تاريخا حافلا بالتعليقات المثيرة للجدل ضد فئة البيض التي لطالما عدها السبب الرئيس في معاناة السود واستعباد جزء منهم.

ولكن رغم ذلك فإنه عين شابا يسمى يعقوب لمرابط ينتمي إلى "البيض" وجعله على رأس فريقه الدعائي.

كذلك غير اعبيد من لهجته المعادية للبيض بل عمد إلى استمالتهم والتودد إليهم في خطاباته، حتى يكون مرشحا توافقيا. 

وخلال خطاب له في نواكشوط يوم 17 يونيو 2024، هاجم اعبيد الرئيس ولد الغزواني، والنظام الحالي برمته، وانتقد أوضاع البلد السياسية والاقتصادية.

 ثم دعا أنصاره "لحماية أصواتهم يوم الاقتراع والوقوف في وجه التزوير لضمان التغيير".

ويذكر أنه في الانتخابات الرئاسية الحالية، استحدث النظام الموريتاني مرصدا وطنيا جديدا يعنى بمراقبة الانتخابات.

ويتألف "المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات"، المنتدب لمدة 3 أشهر، من 12 عضوا جرى اختيارهم من بين الأعضاء الذين تم اقتراحهم من طرف منظمات المجتمع المدني الرئيسة في موريتانيا.

وكانت المعارضة الموريتانية بغالبية أطيافها خاصة الإسلاميين، قد أعلنت رفضها لهذا المرصد "الذي أقصى المعارضة من تشكيلته"، وعبرت عن مخاوفها من التلاعب بنتائج الانتخابات.