العبابدة والرشايدة.. ما موقفهم من حميدتي ومساعيه لنشر الفوضى بالسودان؟

داود علي | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعد هزائمه المتلاحقة، يسعى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، جاهدا، إلى التأسيس لحكم المناطق الخاضعة لسيطرته في الجنوب والغرب، مستغلا علاقاته داخل تنسيقية “تقدم”، وهو تجمع سياسي يسعى لتشكيل حكومة موازية.

ورغم انتصارات الجيش الأخيرة، أعلن ثلاثة سياسيين في شرق السودان (تحت سيطرة الجيش ضمنيا) في خطوة مفاجئة عن استعدادهم للتوقيع على ميثاق الحكومة الموازية الذي بدأت نواته في العاصمة الكينية نيروبي يوم 21 فبراير/ شباط 2025. 

والثلاثة هم إبراهيم الميرغني أحد الشخصيات البارزة في الحزب الاتحادي الديمقراطي، والمتحدث باسم الجبهة الثورية السودانية أسامة سعيد، فضلا عن وزير النقل في عهد عمر البشير، زعيم قبيلة الرشايدة في شرق السودان مبروك مبارك سليم.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن العبابدة والرشايدة متورطون في الاتجار بالذهب والوقود وسلع أخرى، وهو ما دعم المجهود الحربي لقوات الدعم السريع، خلال الحرب الدائرة ضد الجيش السوداني. 

ويخوض الجيش و"الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدّر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

شرق السودان

وتعد "العبابدة" و"الرشايدة" جزءا أساسيا من القبائل المعروفة في شرق السودان حيث يضاف إليهما "الشكرية"، و"الهدندوة"، و"البشاريين" و"الأمرار"، و"الحلنقة"، و"بني عامر"، و"الحباب".

إضافة إلى العموديات المستقلة، وهي نظارات معتمدة لدى ديوان الحكم الاتحادي وكيان الشمال والكيان النوبي، وإدارة "الهوسا".

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أن شرق السودان بات ملعبا مفتوحا لأطراف الصراع المركزية.

وأضافت: هو الملاذ الحالي الذي تلجأ إليه الأيادي العابثة بالمشهد السياسي بتحريك أدواتها بالمنطقة، كلما اشتدت وتيرة المعارك وارتفعت درجة حرارة الساحة السياسية.

وأشارت الإندبندنت إلى أن شرق السودان ليس مهيئا لتحمل تداعيات وجود أي كيانات مسلحة جديدة.

وشددت على أن تكوين تشكيلات عسكرية جديدة من قبل مجموعات يقودها سياسيون وزعماء عشائر ورجال دين، ومنها "العبابدة" و"الرشايدة"، سيهدد بانفجار الوضع الملتهب في الإقليم بصورة قد تحيل المنطقة إلى جحيم بالنسبة للجميع، كما هو الحال في سائر أنحاء السودان. 

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نشر الناشط السياسي السوداني عزام عبد الله، مقطع فيديو عبر "فيسبوك"، حذر فيه من احتمال انفجار نزاعات كامنة بين هذه المجموعات، وتحولها لحرب عابرة للحدود.

وتساءل متعجبا أن تمرد دارفور بدأ بحركتين، وتشظيتا إلى 99 حركة مسلحة، فكيف سيكون الحال في شرق السودان الذي بدأ بأكثر من 8 حركات مسلحة حاليا.

وحذر الناشط السوداني من انفجار الأوضاع في الولايات الشرقية، وقال: "هناك دول في الإقليم (يقصد إريتريا) لم تتورع عن إقامة معسكرات تدريب وتسليح في أراضيها لمكونات قبلية من شرق السودان".

كما رأى أن نشر تلك المليشيات إيذان بانفجار الأوضاع في الولايات الشرقية المتوترة، بقوله: "هي منطقة متوترة ومنذرة باندلاع نزاعات تحكمها المصالح المتشابكة والمتعارضة لعدد من الدول الإقليمية". 

واتهم عزام أطرافا خارجية بالتدخل من أجل تفكيك السودان وجيشه، على رأسها الإمارات وإثيوبيا، التي حولت السودان إلى ضحية لأجندتها الإقليمية. 

العبابدة وحميدتي 

وتطورت علاقة العبابدة بحميدتي منذ موافقتهم على توقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقتها أعلن بعض زعماء العبابدة عن دعمهم وتأييدهم له، وكان وقتها لم ينشق عن الجيش بعد، لكنه كان يمثل قوة قائمة في ذاتها. 

وعن سبب التحالف بين حميدتي والعبابدة، كتب الصحفي "سبت أخضر" الذي ينتمي إليهم، مقالة لصحيفة "الساقية برس" بتاريخ 4 فبراير 2023. 

قال فيها: "قصة أهلي في عموم الكواهلة والتي من ضمنها قبيلتنا (العبابدة) والذين في مجملهم يعدون من أكبر القبائل في السودان، حيث كنا منذ أيام (نظام الإنقاذ) ننصحهم بأن هذا النظام سينتهي".

وتابع: "قلنا لهم (ستخرجون من المولد بلا حمص) وساعتها ستتكشف لكم سوءات المؤتمر الوطني وتصبحون على ما فعلتم نادمين ويحسب عليكم شره، وعلى الرغم من أنكم مظلومون ستنقلب الآية وينظر لكم ظالمين في الظهور في مسرح الجريمة".

وأوضح: "عندما ظهر القائد حميدتي في مشهد قيادة الدولة ذكرناهم بأن الرجل هو من تلك المدرسة التي نجح فيها وتجاوز الكبار، وعليكم ألا تكرروا تجربتكم مع الإنقاذ، فحركات التحرر تناضل من أجل مطالب، وعليكم الانفتاح والاهتمام بما يحقق مطالبكم ويخدم قضاياكم ويستعيد حقوقكم".

وكان الصحفي السوداني يشير إلى أن يتخذ زعماء العبابدة نفس نهج حميدتي، ويركزوا على مطالبهم ومصالحهم بعيدا عن مفهوم السودان المركزي الذي تبناه زعماؤهم السابقون. 

ومع ذلك فإن بعض بطون العبابدة قاموا بتأييد الجيش، ففي 6 مايو/ أيار 2024، أعلنت قبيلة العبابدة "فرع الإكيرتاب"، بمحلية الدبة تجهيزها سيارات بكامل عتادها ومقاتليها للدفع بهم في الصفوف الأمامية للقتال مع الجيش في خندق واحد.

وقال عمدة قبيلة العبابدة فرع الإكيرتاب حسن محمد على التوم خلال مخاطبته احتفالا جماهيريا بمنطقة العفاض بمناسبة تنصيبه عمدة للقبيلة: إن “دعم وإسناد القوات المسلحة والوقوف معها صفا واحدا في معركة الكرامة هو واجب وطني”.

وأشار إلى أن القبيلة أعدت عدتها وعتادها للانخراط في صفوف المقاتلين المدافعين عن الوطن وترابه وحماية مكتسباته، بعيدا عن موقف بعض الأفرع الأخرى الموالية لحميدتي وقواته. 

الرشايدة وحميدتي 

وعلى الرغم من الدعم الذي أعلنه زعيم الرشايدة مبارك مبروك سليم لحميدتي، وتورط بعض بطون القبيلة في تهريب الذهب والعملات والتعاون مع الدعم السريع، إلا أن ذلك لا يمثل كل شيوخ القبيلة.

ففي 26 فبراير 2025، وبعد أيام قليلة من مشاركة مبارك سليم في ميثاق نيروبي الداعم لمسار حميدتي، التقى موقع "النيلين" المحلي، بأحد زعماء قبيلة الرشايدة وهو سعد عبد الله سلمي، الذي أعلن رفضه لموقف سليم.

وقال: "منذ اليوم الأول لحرب الكرامة وقفت القبيلة موقفا راسخا بدعم مادي ومعنوي للقوات المسلحة جاءت من القناعة الوطنية الراسخة بدور القوات المسلحة في الذود عن الأرض والعرض وتسابق أبناء الرشايدة بالدعم لفرق قواتنا المسلحة والخطوط الأمامية واستنفارا وإسنادا مندرجين خلف الجيش والمقاومة الشعبية".

وأعلنت قبيلة الرشايدة بولاية كسلا ممثلة في ناظر القبيلة والعمد والمشايخ وقفتهم ودعمهم للقوات المسلحة ومدها بألف من الشباب وانخراطهم في معسكرات التدريب للمشاركة مع القوات المسلحة في معركة الكرامة ودحر المتمردين، بحسب وكالة الأنباء السودانية "سونا" في مطلع أغسطس/ آب 2023.

حيث أشاد والي كسلا المكلف خوجلي حمد عبد الله لدي مخاطبته النفرة الكبرى التي نظمتها قبيلة الرشايدة وبحضور أعضاء لجنة أمن الولاية، بمواقف القبيلة في السلم والحرب. 

وقال: "إن الوقفة تمثل شهادة إبراء ذمة للرشايدة وتؤكد وقفتهم مع القوات المسلحة والقضايا الوطنية المصيرية دون حياد".

مشددا في الوقت ذاته على أن وجود من أسماهم (متفلتين) من القبيلة ضمن جيش حميدتي، لا يمثلون إلا أنفسهم وأن المجرم أو المتفلت لا أمان ولا حاضن له ويمكن أن يوجد في أي قبيلة.