الوساطة التركية المحتملة لإنهاء الحرب في السودان.. الدوافع وفرص النجاح

"نجاح تركيا في الوساطة بين إثيوبيا والصومال عزز سمعتها كوسيط قادر على تحقيق التفاهمات"
في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال اتصال هاتفي، استعداد أنقرة للتوسط في حل النزاع بين السودان والإمارات التي تمد مليشيا الدعم السريع بالسلاح.
وبينما رحب السودان والإمارات بالخطوة التركية، لم يحدث على الأرض أي تطور ملموس يمهد لوقف أصوات الأسلحة التي تتردد في أغلب المدن السودانية.
ومنذ أبريل/ نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ومليشيا "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق بيانات أممية ومحلية.
وفي السياق، نشرت وكالة الأناضول التركية مقالا للكاتب "أنور أربا" سلط فيه الضوء على الحرب السودانية وأهمية مبادرة الوساطة التركية ليس للسودان فسحب بل للمنطقة بأسرها.
حرب مرهقة
فعلى مدى سنتين عانى السودان من حرب أهلية مستمرة أرهقت البلاد وشعبها. وفي خضم هذه الأزمة ظهرت بوادر أمل جديدة مع إعلان دخول تركيا على خط الوساطة لحل النزاع، ما أثار تفاؤلا واسعا بين السودانيين الباحثين عن السلام.
وقال الكاتب إن نجاح تركيا في الوساطة بين إثيوبيا والصومال عزز سمعتها كوسيط قادر على تحقيق التفاهمات، وأثبت إمكاناتها في إيجاد حلول ناجحة للنزاعات الإقليمية.
واللافت للنظر هو إعلان الإمارات دعمها جهود الوساطة التركية، على الرغم من أنها معروفة بتقديم الدعم المالي والعسكري للمجموعة المتمردة المعارضة في السودان.
وبذلك فقد عززت هذه الخطوة الأملَ في إمكانية التوصل إلى تسوية تُنهي معاناة الشعب السوداني، وترسم ملامح مستقبل أكثر استقرارا للبلاد.

وكخلفية تاريخية للصراع، أوضح الكاتب أن السودان شهد تحولا جذريا في السلطة بعد الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019، حيث سيطر الجناح العسكري على الحكم وأقصى المكون المدني من المشهد السياسي.
لكن سرعان ما برزت خلافات داخل المؤسسة العسكرية بين اثنين من كبار قادتها: رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقد تركزت هذه الخلافات حول تقاسم النفوذ وإدارة البلاد.
حيث طالب البرهان بصفته القائد الأعلى للجيش بدمج قوات الدعم السريع، التي يقودها دقلو والعاملة بشكل شبه مستقل، داخل الجيش السوداني وإخضاعها للتسلسل الهرمي العسكري.
لكن هذا المطلب، رغم كونه طبيعيا في إطار تنظيم عسكري موحد، كان يعد تهديدا لاستقلالية قوات الدعم السريع ونفوذها الذي اكتسبته من خلال أنشطتها الاقتصادية غير المشروعة.
وأدى هذا المطلب إلى إثارة مخاوف دقلو من فقدان السيطرة والسلطة، وهو الأمر الذي دفعه إلى التصعيد، حيث تفاقمت التوترات بين الطرفين لتتحول إلى مواجهة مسلحة في أبريل 2023.
ومنذ ذلك الحين، دخل السودان في صراع داخلي دموي أدى إلى خسائر بشرية فادحة من المدنيين والعسكريين.
كما تسببت الحرب في تدمير شبه كليّ للبنية التحتية للبلاد، بما في ذلك القدرات العسكرية والمنشآت الصناعية والمباني الحكومية.
وأُجبر نحو عشرة ملايين شخص على الفرار من ديارهم بسبب انعدام الأمن، مما خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة في السودان، والتي تعيش حاليا كارثة إنسانية شاملة.
دور الفاعلين الإقليميين
وقد لعب الفاعلون الإقليميون والدوليون دورا حاسما في تفاقم الأزمة السودانية، حيث أسهمت مصالحهم المتشابكة في تعقيد الوضع واستمراره لفترة طويلة.
فالولايات المتحدة على سبيل المثال سعت إلى إعادة تشكيل الهيكل الاجتماعي والسياسي في السودان بما يتماشى مع مصالحها.
بل وركزت جهودها على دعم الانتقال إلى حكومة مدنية تضمن مصالحها، مستخدمة أدوات ضغط مثل التهديد بالعقوبات والإبقاء على السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
أما الإمارات التي تتبع سياسة خارجية تتماشى مع التوجهات الأميركية، فقد ثبت أنها تقدم دعما ماليا وعسكريا للقوات المتمردة.
وفي ظل هذا الدعم قامت الحكومة السودانية بطرد دبلوماسيين إماراتيين ووجهت انتقادات علنية لتدخل الإمارات في السودان عبر تصريحات للصحافة وفي المحافل الدولية؛ مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وطالبت أيضاً بفرض عقوبات رسمية عليها.

بدورها قدمت الحكومة السودانية شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي في 29 مارس/ آذار 2024، متهمة الإمارات بالتخطيط للحرب ودعم المتمردين عن طريق أخذ المساعدة من قبل التشاد. وعلى إثر ذلك فقد أثار التدخل الإماراتي ردود فعل سلبية على الساحة الدولية.
وعلى الرغم من أن الجيش السوداني حقق تقدما نسبيا ضد القوات المتمردة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إلا أن احتمالية حسم النزاع لصالح أحد الأطراف تبدو ضعيفة.
وعلى الرغم من الدعم الخارجي المقدّم لها إلا أن فرص قوات الدعم السريع في السيطرة على الحكم أو فصل إقليم دارفور وإنشاء إدارة مستقلة هناك تزداد تضاؤلا.
ويبدو أن حلفاء دقلو الإقليميين والدوليين يفقدون الثقة تدريجيا في قدرته على تحقيق أهدافهم.
ولفت الكاتب النظر إلى أن الوضع الحالي يظهر بوضوح أن استمرار النزاع لا يخدم مصالح الأطراف المتصارعة أو القوى الداعمة لها.
في ظل هذا الإدراك ومع تزايد الانتقادات الدولية فقد بدأت الإمارات تدرك أن التوصل إلى حل للأزمة السودانية أصبح أمرا لا مفر منه.
الوساطة التركية
ومنذ اندلاع الأحداث في السودان عام 2019 أظهرت تركيا موقفا متزنا يعتمد على احترام الشأن الداخلي السوداني مع الدعوة المستمرة لتحقيق السلام والاستقرار.
ورغم أن العديد من الدول أغلقت سفاراتها في السودان بسبب الظروف الأمنية، إلا أن تركيا واصلت تقديم خدماتها الدبلوماسية من خلال افتتاح سفارة جديدة في مدينة بورتسودان الأكثر أمانا، كما استمرت في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني، مما عزز مكانتها كدولة داعمة للاستقرار.
في الوقت نفسه، حافظت تركيا على علاقات ثنائية قوية مع الحكومة السودانية.
ومع تزايد المطالب من الحكومة والشعب السوداني للوساطة، بدأت تركيا في اتخاذ خطوات عملية نحو هذا الدور. وكانت زيارة نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران إلى السودان بمثابة الخطوة الأولى في جهود الوساطة.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها دول مثل الولايات المتحدة والسعودية ومصر وفرنسا لحل الأزمة السودانية، إلا أنها لم تنجح في تحقيق تقدم ملموس نحو السلام.
من جهة أخرى كان دور تركيا في الوساطة مقبولا أكثر، حيث أبدى عبد الفتاح البرهان دعمه المستمر لدور تركيا كوسيط، كما أن الدعم الذي أبدته الإمارات لهذه الوساطة أسهم في تجديد الآمال بتحقيق السلام في السودان.
وتحت قيادة الرئيس أردوغان تمكنت تركيا من تحقيق نجاحات في ملفات وساطة أخرى، مثل الاتفاق بين إثيوبيا والصومال الذي تم التوصل إليه في أنقرة.
فقد عد هذا الاتفاق فرصة لتحقيق سلام شامل في منطقة القرن الإفريقي، وعزز في الوقت نفسه الثقة الدولية بدور تركيا كوسيط فعال.
وختم الكاتب مقاله قائلا: تستند هذه الثقة إلى علاقات تركيا الودية والقائمة على المصالح المشتركة مع دول القارة الإفريقية، وإلى السمعة الطيبة التي تتمتع بها لدى الأطراف المتنازعة.
وأضاف: كما أن الشعبية التي يحظى بها الرئيس أردوغان في المنطقة تسهم في تعزيز مكانة تركيا كوسيط مؤهل لحل النزاعات وتحقيق السلام.