أكثر من 400 غارة.. إلى أي مدى أثرت الضربات الغربية على قوة الحوثيين؟
جملة من التساؤلات أثارتها الأرقام المرتفعة التي تعلنها مليشيا الحوثي لأعداد الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا عليها في اليمن، منذ بدء الدولتين بتنفيذ ضربات في 13 يناير/ كانون الثاني 2024، ردا على استهداف الأخيرة عددا من السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.
وفي 14 فبراير/ شباط 2024، أعلن ضيف الله الشامي المتحدث باسم حكومة الحوثيين (غير معترف بها دوليا)، أن الولايات المتحدة وبريطانيا استهدفتا اليمن بـ 403 غارات، منذ بدء هجماتهما على البلاد. وذلك بالتزامن مع إعادة واشنطن وضع الجماعة على لائحة الإرهاب.
ولعل من أبرز التساؤلات المطروحة في هذا السياق، هي: ما حقيقة الأرقام التي يعلنها الحوثيون، وإلى أي مدى حدّت الضربات الغربية من قوتهم في مناطق سيطرتهم باليمن، وهل إعادة تصنيف هذه المليشيا على لائحة الإرهاب الأميركية سيسهم في إضعافها؟
صواريخ سياسية
وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، إن "الحوثيين يقولون إنه لا يوجد أي تأثير لهذه الضربات التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن التصعيد في جنوب البحر الأحمر بشكل عام يكتنفه بعض الغموض".
وأوضح التميمي لـ"الاستقلال"، أن "الحوثيين يتحدثون أن صواريخ باليستية أصابت بدقة ناقلة نفط بريطانيا، لكننا لم نر أبدا نفطا يتسرّب وحريقا يشتعل وسفينة تدمّر".
وتابع: "يقولون إنهم قصفوا سفنا أميركية حربية، لكن واشنطن تعلن سقوط الصواريخ على بعد 18 و20 كيلومترا، لذلك يصفها البعض بأنها صواريخ سياسية، لأنه لا يمكن ضرب هدف متحرك في البحر بصاروخ باليستي".
وأكد التميمي أن "محاولة الحوثيين تضخيم الهجمات والحديث عن تعرضهم إلى أكثر من 400 غارة جوية، هدفه إظهار أنفسهم كأنهم يواجهون أكبر إمبراطوريتين بالعالم، وأنهم استطاعوا امتصاص هذه الضربات".
وأردف: "بالمحصلة السياسية تريد الحوثي القول إنها قوة إقليمية، وليست معنية حتى بالذهاب إلى السلام مع الأطراف اليمنية، فمن هذه الأطراف حتى يذهب الحوثيون للحوار معها، وهم الذين واجهوا الدور الأعظم في العالم، وإمبراطورية قديمة هي بريطانيا، لذلك فإنهم قوة خارقة".
ورأى التميمي أن "ما يجرى في جنوب البحر الأحمر هو محاولة لصرف أنظار العالم عن العدوان الحقيقي الذي يحصل من إبادة في غزة، ثم تريد أميركا القول للعالم إن هناك طرفا شريرا بالمنطقة يسعى للتأثير على حركة التجارة العالمية، وأسسنا تحالفا لمواجهة الحوثيين في اليمن".
وزاد، قائلا: "لكن في الحقيقة أن جماعة الحوثي هي مدينة بوجودها وسيطرتها على صنعاء للدور الأميركي والبريطاني على وجه الخصوص، لأن الولايات المتحدة اختارت هذه الجماعة منذ عام 1984 حتى تكون قوة سياسية طائفية في اليمن ضمن مخطط أميركا لتقسيم المنطقة على أسس طائفية".
وأشار التميمي إلى أنه "لا توجد حرب وجودية يخوضها الحوثيون مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن كل ما في الأمر هو من وقت لآخر ينفّذ الطيران الأميركي بضرب بعض الأهداف من صواريخ يحاول الحوثيون استخدامها، ليس أكثر".
ولفت إلى أن "إيران ضالعة في تزويد الحوثيين بكل الإحداثيات ومساعدتهم في إطلاق بعض الصواريخ والمسيرات على أهداف موجودة في البحر الأحمر، وفي النهاية تقوم هذه بأهداف سياسية أكثر منها عسكرية".
وخلص التميمي إلى أن "طهران تريد من ذلك تحقيق هدف أن جماعة الحوثي قوة مؤثرة على المستوى الإقليمي ومن حقها الحصول على حصة سياسية كبيرة في اليمن دون أن يكون لأي طرف آخر في هذا البلد الحق في منافستها".
"تأثير ضعيف"
وبخصوص إعادة تصنيف الحوثيين على لائحة الإرهاب الأميركية، رأى التميمي أن "الأمر يتعلق بالتعاملات المالية للوكالات الأممية في مناطق سيطرتهم، فرغم إدارتهم لهذه المدن لكن ليس لديهم التزام خارجي، لأن كبار التجار هناك يحصلون على اعتماد من البنك المركزي في عدن".
وأعرب التميمي عن اعتقاده بأن "الأثر المباشر على الحوثيين من هذا التصنيف، سيكون ضعيف جدا، لأن الولايات المتحدة ليس في نيتها خنق هذه الجماعة أو إنهاء تأثيرها السياسي على الساحة اليمنية".
وتابع: "لأنه ليس هناك من جماعة إرهابية تمنح فرصة شهر كامل لكي تختار ما بين أن تكون منظمة إرهابية أو غير إرهابية، لذلك فإن المسألة سياسية بامتياز، لأن خيار شيطنة الحوثيين ليس هو الخيار الأنسب بالنسبة للإدارة الأميركية الديمقراطية".
من جهته، قلل محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية، من الأثر المباشر للعقوبات على الحوثيين، مشيرا إلى أن القطاعات التي ستتضرر في حقيقة الأمر هي "المؤسسات التي تتعامل بالدولار مثل البنوك وهيئة الطيران وموانئ الحديدة وكذلك شركات الاتصالات والنفط والغاز".
وأوضح الباشا في حديث لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 16 فبراير، أن "قراءة حزمة العقوبات الأميركية السابقة، أظهرت أن الحوثيين لا يتعاملون مع المنظومة البنكية أو المالية العالمية، وإنما عبر صرافين ووسطاء ولهذا هم لا يبالون بهذه العقوبات".
وترى الخبيرة في شؤون اليمن، كيندال، أنه حتى لو كان الحوثيون "يستحقون" بالفعل هذا التصنيف "فليسوا هم من سيتحملون" تبعاته، مشيرة إلى أن قادة عدة من الحركة "يجمعون ثروات على حساب الاقتصاد الخفي للحرب".
وتضيف كيندال خلال حديث لوكالة الصحافة الفرنسية في 19 يناير 2024، أنه "قد يتبين أن التهريب مربح أكثر بعد التصنيف".
ووفقا لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، فإن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة لن يتضمن عقوبات على تقديم "الدعم المادي" ولا حظر السفر، وبالتالي لن يشكل عائقا كبيرا أمام تقديم المساعدات للمدنيين اليمنيين.
ويهدف التصنيف إلى منح وزارة الخزانة يدا أوسع لإصدار العقوبات والإشارة إلى الحكومات الأجنبية الأخرى أو الأشخاص أو الشركات بأنها قد تفقد إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأميركي، إذا خالفت العقوبات، وفق تقرير نشرته "أسوشيتد برس" في 16 فبراير.
اختلاف التصنيفين
على عكس إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي صنّفت الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، قررت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تصنيفها على أنها "كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص".
ويسمح تصنيف "كيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص" لحكومة الولايات المتحدة بتجميد أصول أفراد وكيانات تقدم الدعم أو المساعدة للكيان المصنف، بالإضافة إلى فروع ترتبط بها أو منظمات صورية أو شركاء.
لكن ذلك لا يمنع استثناءات محدودة منصوصا عليها في الأمر التنفيذي بإنشاء التصنيف، والذي يشمل حظر جميع الممتلكات والمصالح في ممتلكات الأفراد أو الكيانات المدرجة في الولايات المتحدة، أو التي تقع داخلها، أو تقع في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين.
ويحظر التصنيف الحالي أيضا، أي معاملة أو تعامل من أشخاص أميركيين أو داخل الولايات المتحدة في ممتلكات أو مصالح في الممتلكات المحظورة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تقديم أو تلقي أي مساهمة من الأموال أو السلع أو الخدمات إلى أو لصالح الأفراد أو الكيانات المحددة بموجب الأمر.
كما تُحظر أي معاملة من أي شخص أميركي أو داخل الولايات المتحدة تتهرب أو تتجنب أو تهدف إلى التهرب أو تجنب أو محاولة انتهاك أي من المحظورات الواردة بموجب التصنيف. ويجوز تقدير العقوبات المدنية والجنائية على الانتهاكات.
ويشمل التصنيف أيضا، تعطيل الشبكات الإرهابية، وبالتالي قطع الوصول إلى الموارد المالية وغيرها من الموارد من المتعاطفين معها، ويشجع التصنيف الكيانات المعنية على الخروج من أعمال الإرهاب.
المتحدث الرسمي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيت إيفانز: لنكون واضحين، سيُفعَّل تصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، كمنظمة إرهابية عالمية مدرجة بشكل خاص في 16 فبراير.
حين أعلنت الولايات المتحدة عن هذا التصنيف يوم 17 يناير، أكدنا أنّه سيدخل حيّز التنفيذ في…— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) February 15, 2024
بخلاف تصنيف "كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص"، يفرض تصنيف "منظمة إرهابية أجنبية"، حظرا جنائيا على تعمد تقديم "دعم مادي" أو موارد إلى المنظمة الخاضعة للتصنيف، بحسب "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" وهي مؤسسة أميركية فكرية.
وتصل العقوبة الجنائية لتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية إلى "السجن مدى الحياة"، فيما تصل العقوبة لتصنيف "مجموعة إرهابية عالمية محددة" إلى "السجن 20 عاما". ويخضع المخالفون في إطار كلا التصنيفين "لغرامات مدنية ومصادرة ممتلكات".
وفي تغريدة على منصة "إكس"، (تويتر سابقا) في 15 فبراير، قال المتحدث الرسمي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيت إيفانز: "لنكن واضحين، سيُفعَّل تصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، كمنظمة إرهابية عالمية مدرجة بشكل خاص في 16 فبراير".
وأضاف: "الضربات الأميركية التي وجهت لأهداف تابعة للجماعة في اليمن، من باب الدفاع عن النفس تهدف إلى تعطيل الحوثيين، وإضعاف قدرتهم على مواصلة هجماتهم المتهورة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن".
المصادر
- “الحوثي”: 403 غارات أمريكية بريطانية على اليمن منذ يناير
- دخل حيّز التنفيذ.. ماذا يعني وضع الحوثيين في “قائمة الإرهاب” الأميركية؟
- واشنطن تعيد إدراج الحوثيين على قائمة الكيانات “الإرهابية” بسبب هجمات البحر الأحمر
- القرار يدخل حيز التنفيذ.. كيف سيتأثر الحوثيون بتصنيفهم “جماعة إرهابية”؟
- لحظة بلحظة.. هجوم أمريكي وبريطاني على اليمن يستهدف مواقع تابعة للحوثيين