أكمل عامه الأول.. ماذا حقق السوداني للعراقيين من برنامجه الحكومي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بإتمام حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عامها الأول، برزت العديد من التساؤلات عن مدى تحقق البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان خلال جلسة منحه الثقة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وتعهد بتنفيذ التزامات عدة خلال عام واحد.

وبعد عام كامل على إجراء الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر 2021، جاءت حكومة السوداني بولادة عسيرة، كان انسحاب الكتلة الصدرية (73 مقعدا) من البرلمان، العامل الحاسم في تشكيلها، بعدما أخفقت الأخيرة مع حلفائها في تشكيل حكومة أغلبية سياسية.

أبرز الملفات

وتضمن برنامج السوداني الحكومي، ملفات عدة، منها، كبح جماح الفساد المالي، وحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، وإعادة النازحين إلى مدنهم، وإخراج المليشيات من المدن والأحياء السكنية، وإقرار قانون العفو العام عن المعتقلين، وإيقاف تراجع قيمة الدينار مقابل الدولار.

ومن أهم الملفات أيضا، تحسين الكهرباء، والماء، والطرق، والنقل، وحل أزمة السكن في البلاد، وإنهاء البيروقراطية الإدارية والتوجه إلى الحوكمة الإلكترونية، خصوصا أن السوداني والقوى السياسية المساندة له في الإطار التنسيقي الشيعي أطلقوا عليها "حكومة الخدمات".

وفي كلمة أعقبت التصويت على حكومته في 27 أكتوبر 2022، قال السوداني إن "جائحة الفساد التي أصابت جميع مفاصل الحياة هي أكثر فتكا من وباء كورونا، وكانت السبب وراء العديد من المشاكل الاقتصادية، وإضعاف هيبة الدولة وزيادة الفقر والبطالة وسوء الخدمات".

وتابع: "وعليه سيتضمن برنامجنا سياسات وإجراءات حازمة لمكافحة هذه الجائحة"، مشددا على "بناء اقتصاد عراقي قوي قادر على تحقيق التغيير النوعي في الخدمات، وخلق فرص عمل كثيرة ويفسح أبواب الاستثمار على مصراعيها، كما يسهم بتقوية أُسسِ تعاون مع دول العالم، مبنية على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل للسيادة".

وأشار السوداني أيضا، إلى أن "هناك أهمية لإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم بعـد استكمال متطلبات العودة، والاهتمام أيضا بحقوق الإنسان وتمكين المرأة، والعمل على بدء حملات حصر السلاح المنفلت بيد الدولة، ومحاسبة المتورطين بقتل العراقيين سواء في التظاهرات الشعبية أو خلال المشاكل الأمنية".

واتفق السوداني مع القوى المشاركة بالحكومة إلى جانب "الإطار التنسيقي" الحاكم، على ما عُرف بـ"البرنامج السياسي"، والتي أدرجت فيها مطالب معظم القوى، بما في ذلك الأحزاب السنية، إذ تلخصت بملفات النازحين والمغيبين والمدن منزوعة السكان، وتعويض المتضررين ومحاسبة المتسببين بسقوط مدنهم بيد تنظيم الدولة عام 2014.

من جهتها، طالبت الأحزاب الكردية، بتنفيذ المادة 140 من الدستور، الخاصة بالإدارة المشتركة في المناطق ذات الخليط القومي، إضافة إلى حل الإشكالات المالية بين بغداد وأربيل، فيما اشترطت الأحزاب الشيعية موافقة الأكراد على إقرار قانون النفط والغاز، إلا أن كل ذلك لم يحصل.

وتضمن الاتفاق السياسي 23 فقرة، لم يظهر معظمها للعراقيين بسبب الخلافات والتنصل السياسي من تطبيقها، فضلا عن تراكمات الفشل والتدهور الاقتصادي والبنيوي الموروث من الحكومات السابقة، مع توسع وازدياد آثار المشاكل الخاصة بتراجع الدينار المحلي أمام الدولار، وأزمة الجفاف.

"مدير عام"

وبخصوص ما حققته حكومة السوداني من برنامجها، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، إياد ثابت، إنه "لم يجد إلا القليل جدا مما طبقه السوداني" في برنامجه الحكومي خلال عام على تشكيل حكومته.

وأوضح ثابت لـ"الاستقلال" أن "النخب العراقية مدعوة للتحقق من منجزات حكومة السوداني، والساحة مفتوحة أمامها على مصراعيها لتقول كلمتها تقييما وتصويبا للمسارات".

وأكد أنه "رغم التقصير في أغلب الملفات وعدم إنجاز ما وعد به السوداني، فإنه لم يفِ أيضا بما تعهد به من إجراء تغييرات في الحكومة، وذلك بعد تقييم يجريه للوزراء لمدة ستة أشهر منذ بداية توليه منصبه".

وأشار ثابت إلى أن "مسألة تغيير الوزراء متعلقة بأمرين، الأول، طبيعة النظام السياسي لا يسمح بالإصلاح لاستفادة الكل من الخراب (داخليا وخارجيا)، الأمر الآخر، طبيعة السوداني نفسه الذي ظهر أنه موظف وليس قائدا واختبأ خلف المشاريع والحدائق".

وتابع: "السوداني لم يستطع حل أهم ملف، وهو تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، وحل أزمة تراجع الدينار أمام الدولار".

وفي فبراير/ شباط 2023، قررت الحكومة خفض سعر صرف الدولار الواحد إلى 1300 دينار عراقي، بعدما كان يساوي 1460 دينارا، لكن الأخير واصل تراجعه في السوق الموازي حتى وصل في 29 أكتوبر، إلى 1620 دينارا، وسط توقعات بوصوله إلى 1700.

وأشار ثابت إلى أن "اللجان التي شكلها السوداني لتقييم وزراء حكومته نسمع أنها تعمل فعلا، ولكن العبرة بالخواتيم، أي من سيجرى استبداله من الوزراء ومن ستُعقد معه صفقة. في النهاية يبدو أن الأخير أصبح كأسلافه بترتيب وضعه الخاص، وترك العراق يغرق في أزماته".

من جهته، وصف رئيس "حراك البيت العراقي" الناشط السياسي محيي الأنصاري، حكومة السوداني، بـ"شبه الحكومة"، كونها نتجت عن صفقة حكم "مشبوهة"، على حد وصفه.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" في 27 أكتوبر، عن الأنصاري قوله، إن "السوداني لم يستطع أن يحقق أي وعود أغرق بها برنامجه الحكومي، كما أن البرنامج لم يختلف عن برامج السابقين، بل إنه الأسوأ".

وأرجع الأنصاري سوء برنامج السوداني إلى "زيادة التضخم الاقتصادي في البلاد الناجم عن السياسة الاقتصادية المضطربة واستمرار عمليات غسل الأموال وتهريب العملة، الذي أصبح في أوجه مما أثّر بشكل مباشر على الحياة اليومية للعراقيين".

ورأى أن "السوداني أثبت أن مساحة تأثيره لا تتعدى منصب مدير عام، بحسب وصف أحد أبرز قادة الإطار التنسيقي الذي يتحكم بالحكومة الحالية بمفاصلها وقرارتها كافة، الأمر الذي ألقى بظلاله على السلوك الحكومي الأحادي الذي ذهب باتجاه التضييق على الحريات العامة والتي تراجعت في البلاد لأدنى المستويات".

وأشار الأنصاري إلى أن "مرور عام على حكومة السوداني، أظهر التصدع داخلها، لأنها بنيت على أحلام وأمانٍ صعبة التحقق، وهذا ما اتضح في الخلافات العميقة التي حصلت مع القوى السياسية السنية والكردية".

أزمات متلاحقة

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، عصام حسين، إنه "مرّت سنة كاملة من الفشل الحكومي الإطاري، المتمثل في خسائر مالية كبيرة تكبدها الاقتصاد العراقي، وتخطيط عمراني مبهم، إضافة إلى غياب أي إستراتيجية لإدارة أموال الدولة".

وأوضح حسين في تدوينة نشرها على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 27 أكتوبر، أن مكافحة الفساد لا تزال تدور حول "سرقة القرن" بدون أي تقدم رغم إلقاء القبض على المتهم الرئيس نور زهير.

وأطلق مصطلح "سرقة القرن" في أكتوبر 2022 بعد الكشف عن عملية احتيال نفذتها مجموعة شركات وهمية في العراق على مصرف "الرافدين" الحكومي، واستطاعت سرقة مبلغ يصل إلى 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة تعود إلى الأمانات الضريبية.

وأشار حسين إلى استمرار "الارتفاع غير المسبوق في أسعار السوق، والتجهيز المتلكئ في البطاقة التموينية (حصة غذائية تتكون من الزيت والطحين السكر وصلصة الطماطم توزع شهريا للعراقيين)، وكذلك ارتفاع أسعار الدواء والكشوفات الطبية والتحاليل والسونار مع ضمور الخدمات الصحية في المستشفيات والتي لا تغطي أدنى مستويات العناية بالمريض".

سنة كاملة من الفشل الحكومي الاطاري، خسائر مالية كبيرة تكبدها الاقتصاد العراقي، تخطيط عمراني مبهم، لا توجد اي ستراتيجية لادارة اموال الدولة، مكافحة الفساد لا تزال تدور حول سرقة القرن بدون اي تقدم رغم القاء القبض على المتهم الرئيس نور زهير، ارتفاع غير مسبوق في اسعار السوق، تجهيز…

— عصام حسين (@IssamHussein19) October 26, 2023

وفي السياق ذاته، أوضحت رئيسة كتلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في البرلمان العراقي، فيان صبري، أن حكومة السوداني لم تُنفّذ عددا كبيرا من أجنداتها، خاصة المتعلقة بإقليم كردستان.

وأوضحت صبري خلال تصريح نقلة موقع "كردستان24" العراقي في 27 أكتوبر، أن "الحكومة الاتحادية لم تنفّذ من الجانب التشريعي سوى قانون الانتخابات".

أما بشأن الجانب التنفيذي، فقالت صبري إن "الحكومة لم تنفّذ النقاط المتعلقة بإقليم كردستان، وظهرت مشاكل في قانون الموازنة فيما يتعلق بالإقليم خاصة مسألة النفقات الفعلية".

وبشأن رواتب موظفي حكومة كردستان، أشارت صبري إلى أنه كان يجب إرسال مبلغ تريليونين و100 مليار دينار (1300 دينار يعادل الدولار) عن أشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 2023".

وشددت على أنه "كانت هناك بعض القضايا مهمة للغاية وعدتها الحكومة الاتحادية من أولوياتها، إحداها مكافحة الفقر ومحاربة الفساد، لكن لم تُنفّذ، كما أن سعر صرف الدولار غير مستقر حتى الآن، وخطوات مكافحة الفساد بطيئة جدا".

وخلصت صبري إلى أنه "إذا قمنا بتقييم عمل الحكومة خلال عام، فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الحكومة أيضا لم تفِ بوعودها مثل الحكومات السابقة".

وفي 24 أكتوبر 2023، أعلن السوداني خلال جلسة مجلس الوزراء، قائلا: "سأحضر إلى البرلمان في جلسة يحددها مجلس النواب تكون مخصصة لمناسبة مرور عام على تشكيل الحكومة".

ولم يخرج محمد شياع السوداني، حتى 30 أكتوبر، بأي تصريح بخصوص ما جرى تنفيذه من برنامجه الحكومي خلال مدة عام على تشكيل حكومته، وما الذي بقي منه لم ينجز بعد.