اغتيال إسماعيل هنية بقلب العاصمة الإيرانية.. اختراق أم صفقة؟
"إسرائيل قامت بهذا الاغتيال كخطوة استباقية لإعادة هندسة الشرق الأوسط"
في ذروة الاستعلاء الصهيوني وبضوء أخضر، وربما مشاركة أميركية، اغتالت إسرائيل في 24 ساعة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.
وقبل ذلك بسويعات قتلت القائد العسكري الأبرز في “حزب الله” اللبناني، وهو "فؤاد شكر" في ضربة جوية هي الأولى من نوعها في ضاحية بيروت الجنوبية منذ طوفان الأقصى، في تحد لإيران ووكلائها، ما بدا كأنها تدق طبول حرب إقليمية كبيرة وواسعة وتريدها.
السؤال الذي حير الجميع فور تنفيذ هذه الجرائم كان: كيف وصل الصهاينة لهنية، وهو في غرفة نومه بهذه السهولة، ببيت يفترض أنه سري؟ ووسط حماية مخابرات إيران وحرسها الثوري؟
وكيف وصلوا للقيادي فؤاد شكر، ومن قبله عشرات القادة من حزب الله بسهولة بينما لم يستطع 15 لواء لجيش الاحتلال و360 ألف جندي الوصول إلى أسراهم أو قيادات حماس العسكرية في غزة خلال 10 شهور من العدوان؟
الدولة والمخابرات والحرس الثوري الإيراني لم يستطيعوا تأمين الحماية لهنية فهل هذا اختراق أم صفقة تسليم؟
لهذه الأسباب طرحت نظريتين:
الأولى، نظرية مؤامرة تشكك في نوايا إيران وتتهمها بالتواطؤ في قتل هنية مقابل "صفقة ما" مع أميركا والاحتلال الصهيوني، ومعها حزب الله، الذي فشل أيضا في حماية القيادي الكبير في حماس "صالح العاروري" وهو في حمايتها في لبنان.
والثانية، تبرئ إيران ووكلاءها من التواطؤ، لكنها تؤكد أنها مخترقة بصورة خطيرة سواء عبر جواسيس إيرانيين جندتهم أميركا أو إسرائيل في المستويات العليا لأجهزة المخابرات والأمن، أو عبر أجهزة وتكنولوجيا غربية فائقة.
هل إيران متورطة؟
يصعب تصور تورط إيران الرسمية في اغتيال هنية الذي استقبلته من قبل عشرات المرات، مع هذا انتشرت نظريات مؤامرة عدة حول أنها تواطأت في اغتياله في إطار صفقة ثنائية أو متعددة الأطراف غير معروفة.
هذه النظريات انصبت على تأكيد أن إيران أبرمت صفقة سياسية مع الولايات المتحدة وإسرائيل عبر قتل هنية، لتخفيف الضغط السياسي والعسكري ومحاولة تفادي ضربة انتقامية من إسرائيل لحزب الله والحوثيين.
وتتضمن صفقة الاغتيالات توفير طوق نجاة لبنيامين نتنياهو وحكومته بحيث يعلن تحقيق انتصارات تقتات عليها إسرائيل على كوجبة بديلة تقيم بها صُلبها في ظل عجزها عن تحقيق نصر في غزة.
وأيد هذا النظرية الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948، الذي كتب أن اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في مقر للحرس الثوري الإيراني تم بـ "تواطؤ من جهات إيرانية نافذة".
عزز هذا، ما جرى من مفارقات غريبة في حالتي اغتيال هنية وشكر من التزام كل من إيران وحزب الله الصمت عقب الجريمتين بحجة عدم علمهما بما جرى مع أنه وقع في عقر دارهما.
حيث ظلت إيران تعلن أنها "تحقق" فيما جرى، وكأنها لا تعرف ما حدث، رغم أن حماس أعلنت منذ اللحظة الأولي أن هنية تم اغتياله في طهران.
كما ظل حزب الله يصدر مواقف غامضة، رغم إعلان إسرائيل رسميا أنها قتلت "شكر"، فقال إنه نجا، ثم يؤكد أنه داخل المبنى الذي قصفته إسرائيل، لكن لا يعرف مصيره، حتى تم اكتشاف جثته، وأعلن مقتله رسميا.
لكن "لطيفة"، ابنة هنية ردت على "الذين يقولون إن إيران السبب"، في مقتل أبيها، مؤكدة أن طهران كانت "السند لنا أفضل منكم (العرب)"، متسائلة: ولماذا لم يستقبله (هنية) العرب في بلادهم بدل إيران؟
اختراق صادم
يشير تتبع عمليات الاغتيالات الإسرائيلية لعلماء إيرانيين وتفجير منشآت إيران النووية، وآخرها عملية اغتيال هنية، إلى أن هناك اختراقا أمنيا غير عادي في البلاد.
في كل مرة كانت تقع فيها اغتيالات أو تفجيرات ضد إيران، كان خبراء أمن ومراكز أبحاث يتحدثون عن "نقاط ضعف" في النظام الأمني والاستخباراتي في إيران، ووجود "اختراق أمني كبير" سمح بذلك، خاصة مع قتل زعيم كبير مثل هنية.
صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت في 30 يوليو/تموز 2024 أن فشل طهران في حماية قائد حليف في عاصمتها، يعد خرقا أمنيا خطيرا لأمن إيران، ويثير تساؤلات بشأن سلامة كبار القادة الإيرانيين، وقدرة إسرائيل على استهدافهم.
فقد التقى هنية بالمرشد علي خامنئي، قبل وقت قصير من وفاته، وما أن ذهب للمقر الآمن الذي استضافته فيه إيران حتى تم اغتياله.
كما أن إسرائيل تعمدت قتل هنية وشكر في نفس يوم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، والمفترض أنه واكبه إجراءات أمنية مشددة ما يكشف عن نقاط ضعف كبيرة داخل جهاز الأمني.
وعن هذه الجزئية، تقول فرح الزمان شوقي مراسلة قناة الجزيرة إنه إيران عادة ما تستقبل قادة الصف الأول من محور المقاومة في مساكن خاصة ولا تسمح لهم بارتياد الفنادق أو الأماكن المعروفة، وهي أماكن مدنية لكن تمتلكها وتشرف عليها جهات عسكرية.
أكدت أن هذه الأماكن تقع في مناطق شمال وشمال شرق طهران وهي قريبة من قواعد ومراكز تابعة لوزارة الدفاع ويشرف عليها مباشرة الحرس الثوري الإيراني، ما يعني أن اغتيال إسماعيل يشكل خرقا للنظام الأمني الإيراني.
وفي بضعة أشهر، تعرضت إيران لضربات أمنيه كبيرة، من مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي إلى اغتيال إسماعيل هنية، ما أظهر أنها مخترقة استخباراتيا بشكل لا يُصدق.
لذا قال جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة المصريون أإن اغتياله في مكان إقامته الذي اختارته له الاستخبارات الإيرانية بدقة، "يوضح إلى أي مدى تم اختراق منظومة إيران الأمنية، ليس في دمشق وحدها، بل في طهران نفسها".
ولا تمثل، عملية اغتيال هنية داخل طهران النجاح الأول لإسرائيل في اختراق المنظومة الأمنية الإيرانية، حيث سبق أن وقعت 5 عمليات اغتيال داخل الأراضي الإيرانية استهدفت علماء على صلة بالبرنامج النووي الإيراني.
وتنوّعت هذه العمليات بين استهدافات بالعبوات المتفجرة أو حوادث إطلاق نار، واتهمت طهران جهاز الموساد الإسرائيلي صراحة بالوقوف خلف هذه العمليات بهدف عرقلة برنامجها النووي.
كما شهدت إيران على مدار السنوات الماضية، عمليات تخريبية استهدفت البنى التحتية من خطوط غاز ومحطات كهرباء ومواقع ومنشآت عسكرية وصناعية بالإضافة لمنشآت مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
من بينها استهدافات منشأة بارشين العسكرية التي تطور بها إيران الصواريخ والمسيرات والتكنولوجيا النووية، واستهداف قاعدة كرمانشاهم للمسيرات.
وعملية محطة نطنز النووية في 2020 ونتج عنها حدوث أضرار كبيرة في منشأة تجميع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم كما رصدت صور الأقمار الصناعية.
وفي 2021 نفذت عملية تخريبية استهدفت المنشأة النووية ذاتها وأدت لحدوث أضرار بأجهزة الطرد المركزي.
وفي هذا الصدد، قال الباحث الأردني "وليد عبد الحي" إن عددا من اغتالتهم إسرائيل من قيادات سياسية أو عسكرية أو علمية يصل إلى 122 شخصية خلال الفترة من 1970 إلى 2024، في الشرق الأوسط وأوروبا.
أوضح عبد الحي، في دراسة بموقع "البوصلة" في 31 يوليو/ تموز 2024، أن من بين الذين تم اغتيالهم 13 من علماء الذرة (إيرانيون وعراقيون ومصريون).
وبالمقابل، لم يتجاوز عدد عمليات الاغتيال لقيادات إسرائيلية 3، أبرزهم الوزير رحبعام زئيفي الذي اغتالته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 2001، كما أن عدد مرات اكتشاف الخلايا او النوايا الإسرائيلية محدود بشكل واضح.
هل أميركا متورطة؟
التورط الأميركي في كل جرائم إسرائيل لا يحتاج لأدلة لأنه مُعلن من قبل أميركا في كل مناسبة، لكن في جريمة اغتيال هنية هناك ترجيحات قوية في الصحف الأميركية أن العملية نفذتها أميركا نفسها بسبب تعقيداتها العسكرية، أو وفرت الصاروخ اللازم لها.
أما السبب فهو رغبة أميركا في إشعال الحرب مع إيران، عكس ما كانت تحذر من حرب إقليمية شاملة، بسبب رغبتها في منع إيران من الوصول لمرحلة الحصول على سلاح نووي، بحسب "دبلوماسي عربي" لـ"الاستقلال".
أوضح الدبلوماسي أن أميركا حذرت بوضوح قبل 10 أيام من التصعيد الأخير من أن إيران تتوقع ضربة كبرى إن اقتربت من إنتاج سلاح نووي، وهو ما أشار له وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن.
وقال بلينكن، يوم 19 يوليو 2024، إن إيران باتت الآن على بعد أسبوع إلى أسبوعين، من إنتاج ما يكفي من المواد المستخدمة في صنع أسلحة نووية، حيث تواصل تطوير برنامجها النووي، وفق ما أوردته شبكة "سي إن إن".
وأضاف على هامش منتدى "أسبن" الأمني: "ما نحن فيه الآن ليس وضعا جيدا، لأن إيران، بسبب التخلي عن الاتفاق النووي، وبدلا من أن تكون على بعد عام على الأقل من امتلاك القدرة على إنتاج المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي، هي الآن على بعد أسبوع أو أسبوعين من القيام بذلك".
مع هذا يبقى الخيار الإيراني الذي يقلق أميركا بصورة قوية هو أن تنتقل لخطط إنتاج قنبلة نووية لحماية نفسها، حسبما حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 31 يوليو 2024.
أكّدت أنه خلف كل هذه الخيارات (العسكرية) الإيرانية، يكمن الخيار الأكثر خطورة على الإطلاق، وهو ما إذا كانت إيران ستقرر اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو بناء سلاح نووي حقيقي.
أوضحت أن إيران سارت على مدى عقود من الزمان حتى خط النهاية، فأنتجت الوقود النووي، وفي السنوات الأخيرة قامت بتخصيبه إلى مستويات تقترب من مستوى القنبلة النووية.
ولكن تقييمات الاستخبارات الأميركية تقول إن إيران كانت تتوقف دوما عن امتلاك سلاح نووي حقيقي، "وهو القرار الذي أعاد القادة الإيرانيون النظر فيه علنا في الأشهر الأخيرة"، وفق تقرير آخر سابق لـ "نيويورك تايمز" 27 يونيو 2024.
ومن علامات التورط الأميركي أيضا، قول بلينكن، لقناة "نيوز آسيا" السنغافورية في 31 يوليو 2024 إن واشنطن لم تكن على علم مسبق باغتيال هنية، ولا دخل لها بالعملية، لكن حديثه كان كمن يقول إن اغتيال هنية سيفيد في الوصول إلى صفقة تبادل أسرى على حد زعمه.
وحين سُئل المتحدث باسم الخارجية الأميركية سؤالا بسيطا وواضحا: هل لإيران الحق في الدفاع عن نفسها كدولة ذات سيادة مثلما هو دوما حق لإسرائيل؟ لم يستطع الرد، وبدأ كأنه لا يكترث لو اندلعت حرب شاملة.
وتسربت معلومات تشير إلى الصاروخ (المرجح أنه أميركي) انطلق من أذربيجان التي اتهمتها طهران عدة مرات بتوفير مكان آمن لاستخبارات إسرائيل والغرب في بلادها، وتجمعها علاقات وطيدة بإسرائيل.
وسمحت لها باستخدام قاعدة جوية قريبة من حدودها مع إيران منذ عام 2012، وفق تقرير سابق لصحيفة "هآرتس" في 29 مارس 2012.
ومن هذه القاعدة تم إطلاق الصاروخ الجوال المبرمج والموجة بالأقمار الصناعية الأميركية ليتجاوز نطاقات الصواريخ الاعتراضية الإيرانية المنصوبة في المنطقة ويضرب غرفة هنية بدقة كبيرة، وهي إمكانيات تمتلكها أميركا بصورة أكبر.
وأكد هذا مصدر إيراني قال لموقع "الميادين"، الموالي لحزب الله، في 31 يوليو 2024 أن مقتل هنية في طهران "تم عبر صاروخ أطلق من بلد إلى بلد، وليس من داخل إيران".
وقال خليل الحية، القيادي في حركة حماس، في مؤتمر صحفي، إن "هنية" قتل مباشرة بـ “صاروخ في الغرفة التي كان يقيم فيها في دار ضيافة حكومية، وننتظر التحقيق الكامل من الإخوة (الإيرانيين)”.
فيما قالت السلطات الإيرانية إن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية اغتيال هنية، بطهران، بسبب دعمها لإسرائيل.
من مؤشرات التورط الأميركي أيضا، رد الفعل الرسمي، فبدلا من مسارعة واشنطن كما كانت تفعل في كل تصعيد لإعلان قلقها من اتساع رقعة الحرب لتصبح شاملة، والضغط لتخفيف رد الفعل على التهور الإسرائيلي، بدأت مؤيدة للتصعيد كأنها تريده.
حيث تحركت أميركا هذه المرة وكأنها مع توسيع الحرب، حيث أكد مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون لشبكة “سي إن إن” أن بلاده قررت إرسال 22 مدمرة وبارجة حربية بها 120 ألف من قوات المارينز للمنطقة.
بخلاف حاملات طائرات تحسبا للتصعيد، حيث وصلت إلى سواحل قبرص وتستعد للتحرك في أي لحظة "في حالة تدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط".
وأكد مسؤول في "البنتاغون"، لصحيفة "واشنطن بوست" مطلع أغسطس/آب 2024 أن الولايات المتحدة حشدت 12 سفينة حربية في الشرق الأوسط بعد اغتيال إسرائيل هنية، وشكر.
قال إن السفن شملت حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت والسفن الحربية المرافِقة لها ومجموعة واسب البرمائية الجاهزة، وهي قوة مهام برمائية مُكوّنة من ثلاث سفن تضم أكثر من 4000 من مشاة البحرية والبحارة.
كما نقلت واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين أنهم "لا يزالون يعملون على السيطرة على الوضع ولا أحد يريد حدوث كارثة إقليمية".
لكن "مأمون فندي" أستاذ العلوم السياسية المقيم في أميركا يري أن نتنياهو تحرك عكس رغبة أميركا.
أوضح عبر منصة إكس أن نتنياهو كان في حالة إحباط مما سمعه في واشنطن وأراد جر إيران إلى الحرب فنفذ عمليتي اغتيال هنية وشكر.
وأكد فندي أن العملية لم تتم بضوء اخضر أميركي، لأن "أميركا مشغولة بانتخاباتها ونتنياهو يريد أن يجرها جرا إلى حرب في الشرق الأوسط".
خيارات إيران
الآن بعد اغتيال هنية في قلب إيران، والذي يختلف عن قصف مبني قنصليتها في دمشق وقتل قادة في الحرس الثوري، والذي ردت عليه إيران ردا كثيفا لكن غير مؤثر، أصبحت القيادة الإيرانية في حرج وموقف لا تُحسد عليه.
فإما أن يكون ردها بحجم ما حصل أو أكبر، خاصة أن الضربات نالت طهران وبيروت معا، ومن قبلها الحديدة في اليمن، ما يعني أن إسرائيل تنتظرها ثلاث ضربات من إيران ولبنان واليمن، وأعلنت بالفعل أنها تنتظر رد فعل من 7 جبهات لا 3 فقط.
وفي هذه الحالة سيحدد حجم وقوة الرد الإيراني نوع وطبيعة الردع وهل تنجح إيران في استعادة الردع الذي توفقت عليها فيه إسرائيل عدة مرات؟ أم يكون الرد بلا تأثير ولإثبات أن هناك ردعا ولكن غير مؤشر.
أو – وهو التوقع الثاني-أن يكون موقف إيران مشابها لما حصل بعد اغتيال قاسم سليماني ويقتصر الأمر على الإيعاز لوكلائها في العراق أو لبنان واليمن بتنفيذ ضربات متزامنة ضد أهداف إسرائيلية شكلية يجرى تضخيمها لحفظ ماء الوجه، ما يعني تثبيت نظرية الاستعلاء الإسرائيلي.
ولأن إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال هنية يعد في العرف الدولي سببا لإعلان الحرب، فلم تعلن تل أبيب ذلك بشكل مباشر ورسمي، واكتفى قادتها بالترحيب بقتله، وأعلن نتنياهو أن إسرائيل وجهت "ضربات ساحقة لوكلاء إيران"، دون ذكر هنية.
مع هذا اتهمت إيران رسميا إسرائيل بتنفيذ عملية القصف في طهران واغتيال هنية، ما يجعلها أمام خيارين: إما إعلان الحرب على إسرائيل، وهو أمر مستبعد لأنه يعني حربا مستمرة تشارك فيها أميركا.
أو الرد بعملية مماثلة واستهداف قادة إسرائيليين بالقصف في قلب تل أبيب، أو القيام بعملية قصف عشوائية بغرض استعادة الردع.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن السياسي الإيراني، زعيم حملة بزشكيان، علي أكبر بهمنيش، قوله إن مقتل هنية "بمثابة صفعة قوية ضد مكانة إيران في المنطقة، أذلت بلادنا وقوضت جهازنا الأمني بالكامل".
وكشف "بهمنيش" للصحيفة الأميركية عن وجود "ثغرات خطيرة في الاستخبارات".
ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، "ستواجه إيران صعوبة في عدم الرد على عملية (اغتيال) وقعت في أراضيها".
وأشار إلى أن “إيران وكذلك حزب الله يريدان حتى الآن كمن يحاولان إبقاء الحرب مع إسرائيل تحت سقف الحرب الشاملة”.
من جانبه، تعهد المرشد الإيراني علي خامنئي بالانتقام لمقتل هنية، وقال في إشارة إلى إسرائيل: "لقد قتلتم ضيفنا العزيز في منزلنا والآن مهدت الطريق لعقابكم القاسي".
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين مطلعين، أن خامنئي أصدر أمرًا بضرب إسرائيل بشكل مباشر، ردًا على اغتيال هنية في طهران.
وقال المسؤولون الإيرانيون الثلاثة، ومن بينهم عضوان في الحرس الثوري، إن خامنئي أصدر الأمر في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بعد وقت قصير من إعلان إيران عن مقتل هنية.
وقالت تصريحات من مسؤولين إيرانيين آخرين، منهم الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، ووزارة الخارجية، والحرس الثوري، وبعثة إيران لدى الأمم المتحدة، صراحة أن إيران سترد على إسرائيل وأن لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد أي انتهاك لسيادتها.
والملاحظ هنا أن المرشد لم يعلن الحرب على إسرائيل، ولم يتحدث عن طبيعة الرد واكتفى بطلب القيام بـ "ضرب إسرائيل"، ما يشير لاحتمال أن تكون الضربة على غرار ضربة أبريل 2024 التي ردت عليها إسرائيل بشكل رمزي أيضا.
لكن صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن 3 مصادر إيرانية أن خامنئي أمر الحرس الثوري والجيش "بإعداد خطط للهجوم والدفاع إذا توسعت الحرب"، مشيرين إلى أن إيران ستحرص على "تجنب ضرب الأهداف المدنية في أي هجوم على إسرائيل".
لماذا حرب شاملة؟
أظهرت إسرائيل، على غير المعتاد، تحديا للعرب ومحور إيران وأعلنت أنها مستعدة لحرب شاملة وقررت رفع حالة الطوارئ وأعلنت أنها تتوقع حربا من 7 جبهات، ما يشير لترتيبات مع أميركا لهذه الحرب الشاملة لو وقعت تمت خلال زيارة نتنياهو لأميركا.
وقد ذكرت القناة 12 الإسرائيلية في 31 يوليو أن “إسرائيل أبلغت لبنان وإيران عبر قنوات دبلوماسية أنها مستعدة لحرب شاملة”.
وقال المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل، في صحيفة "هآرتس"، مطلع أغسطس/آب 2024 أن "إسرائيل مستعدة للمخاطرة من أجل كسر دائرة الاستنزاف ضد إيران ووكلائها".
وذلك رغم أنها (إسرائيل) يجب أن تكون مستعدة لانفجار شامل بعد قتلها قادة حماس وحزب الله.
فباغتيالها هنية تكون إسرائيل قد ألقت بمسار التفاوض حول صفقة الأسرى والرهائن تحت عجلات قضبان القطار، وأظهرت عدم اكتراثها بأي صفقة.
لذا قال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: نهج الاغتيالات السياسية يثير التساؤل: كيف تنجح الوساطة عندما يقوم أحد الطرفين باغتيال المفاوض على الجانب الآخر؟
ويقول الصحفي "عبد القادر فايز" المتخصص في الشؤون الإيرانية في تفسيره لترحيب إسرائيل بالحرب الشاملة، إن تل أبيب عانت منذ 7 أكتوبر في مفهوم الردع الإسرائيلي بمعناه الإستراتيجي والإقليمي.
وبالمقابل، حدث "تراكم في مفهوم الردع الإيراني الإستراتيجي كدولة إقليمية تعد قائدة لمحور المقاومة في المنطقة".
لكنه يرى أن اغتيال هنية في طهران وشكر في ضاحية بيروت الجنوبية "يعيد البوصلة إلى مربعها الأول، أي أنه ضربة هدامة لمفهوم الرد الإستراتيجي للمحور، فضلا عن ترميم مهم لمفهوم الردع الإستراتيجي لإسرائيل".
لذا يجب على إيران وحزب الله وحماس وبقية محور المقاومة، وفق "فايز" اتخاذ قرار وازن مفاده، هل يجب الدفاع والرد بشكل يبقي المكسب الإستراتيجي قائما؟
أم يجب التخلي عن هذا المكتسب والرد بشكل يعيد قواعد الاشتباك السابقة التي كانت تعد مفهوم الردع الإستراتيجي الإسرائيلي خطا أحمر يمكن ضربه والمراوحة فوقه، لكن يجب عدم تجاوزه بأي حال من الأحوال؟ وفق محلل الشؤون الإيرانية.
ويقول الصحفي "عبد القادر فايز" إن إسرائيل تعمدت قتل هنية في إيران رغم علمها أنه ليس بمقدور إيران السكوت عن اغتياله على أراضيها، ولا خيار أمامها في سياقات أمنها القومي ومساحات نفوذها سوى القيام برد واضح.
ويرى أن إسرائيل قامت بهذا الاغتيال كـ"خطوة استباقية لإعادة هندسة الشرق الأوسط وأحداثه وتقديم ذلك للرئيس الأميركي القادم كأمر واقع محكوم بمحددات ومصالح إسرائيل للتعامل معه من قبل الرئيس".
أي عدم انتظار رؤية الرئيس الأميركي القادم تجاه الشرق الأوسط بحيث يتم توظيف إسرائيل فيها كلاعب وفرض المنطق الأميركي عليها.
قال إن من أهداف نتنياهو أيضا أن يفرض على إيران منطق واحد وهو، "إما أن تدخلوا في حرب مفتوحة وشاملة تنتهي بحرب مباشرة بين إيران وأميركا، أو أن تتراجعوا وتقبلوا بالمنطق الإسرائيلي كمحدد نهائي للسياقات كافة في الشرق الأوسط".
فيما يؤكد المحلل السياسي القيادي في المعارضة السورية "أحمد رمضان" أن "إيران باتت تشكل خاصرة رخوة، بخلاف ما يُروج، وأضعفت غزة في أغلب مراحل المواجهة، إذ إنها وضعت سقفا لتحركها"
أكد أن هذا "هو ما أدركه نتنياهو، الذي يهدد الآن بحرب شاملة (لا تريدها إيران)، وبالتالي فإن العربدة التي يقوم بها نتنياهو، باتت تصب في مصلحته، وتؤذي غزة، بالنظر إلى أن حدود الرد عليها لن يتجاوز مناوشات لا ترقى إلى الردع".
وسبق أن قصفت إسرائيل قنصلية إيران في سوريا، وهو عمل من أعمال الحرب يخالف مواثيق الأمم المتحدة لأن المكان المضروب مقر دبلوماسي، كما اغتالت إسرائيل صالح العاروري في لبنان وهو في كنف حزب الله، ولم يأت رد قوي على الجريمتين من إيران أو حزب الله.
المصادر
- Hamas leader Ismail Haniyeh assassinated; Netanyahu says Israel dealt ‘crushing blows’ to Iran-backed groups
- Iran’s Options for Retaliation Risk Escalating Middle East Crisis
- Blinken says Iran’s nuclear weapon breakout time is probably down to 1-2 weeks
- Israel Must Be Ready for All-out Conflagration After Killing of Hamas, Hezbollah Leaders
- من هنية الى شُكر.. بدون مجاملة