أغنى أغنياء الكوكب.. ما سر استثمار "طحنون بن زايد" في الذكاء الاصطناعي؟

إسماعيل يوسف | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

رغم أن طحنون بن زايد آل نهيان هو رئيس المخابرات الإماراتية (مستشار الأمن القومي)، إلا أنه أيضا "رجل أعمال" يتدخل في عشرات المشاريع الاقتصادية غير المعروفة علاقتها بالأمن، ما يطرح علامات استفهام!.

تصفه صحف الغرب بأنه "شيخ التجسس في الإمارات"، وتستغرب أنه يمتلك ثروة هائلة تبلغ 1.5 تريليون دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف ثروة إيلون ماسك.

ورغم أنه متهم بانتهاك حقوق الإنسان، فهو يستثمر بقوة في الذكاء الاصطناعي، وترحب به الشركات الغربية، ويعد أحد أقوى الشخصيات في العالم في هذا المجال.

ما قصة بيزنس طحنون في العالم وتفاصيله وما علاقة ذلك بكونه رجل مخابرات؟

أغنى أغنياء الكوكب

تعمل الشركات والبيزنس الذي يديره طحنون، بطرق ملتوية، لإظهار الإمارات كلاعب قوي في العالم، وتركز بشكل أكبر على بسط النفوذ على المواني والمطارات، ضمن إستراتيجية أبو ظبي لبسط نفوذها على المستوى المالي والعالمي.

ويدلل هذا التشابك في الشركات والمجموعات الاقتصادية التي يقف خلفها طحنون الملقب بـ"أمير الظل"، على مدى تداخل المصالح الأمنية والإستراتيجية بين الإمارات ودول مختلفة.

وكانت فضيحة "وثائق باندورا" التي نشرها "موقع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" في نوفمبر 2021، قد كشفت كيف تورط "طحنون بن زايد"، ضمن شيوخ إماراتيين من الأسر الحاكمة في عمليات غسل الأموال.

وذكرت الوثائق أن مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، هو أحد أبرز ثلاثة مسؤولين إماراتيين تورطوا في "غسل الأموال".

وتؤكد صحيفة "وول ستريت جورنال" أن طحنون بدأ يركز أكثر على قطاع الذكاء الاصطناعي، ومن كثرة تداخله في مشاريع اقتصادية ومشاركة في مشاريع تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بمليارات الدولارات، بات يمتلك أموالا "تفوق أي شخص على الكوكب".

وأوضحت في تقرير نشرته 26 فبراير/شباط 2025 أن "الشيخ الجاسوس"، وفق وصفها، يمتلك ثروة تصل إلى 1.5 تريليون دولار، ويستثمر جزءا كبيرا من هذه الثروة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى أن لديه علاقات إستراتيجية واسعة، ويهدف إلى تعزيز النفوذ الإماراتي في الساحة العالمية.

وقد أشارت الصحيفة إلى أن طحنون "قادر على توسيع نشاطه في مجال الذكاء الاصطناعي على تقدير أنه يتحكم في أموال تفوق تقريبا أي شخص آخر على هذا الكوكب. وذلك بصفته رئيسا لصندوقي ثروة تابعين للإمارات تقدر أصولهما بنحو 1.4 تريليون دولار، ناهيك عن ثروته الشخصية الهائلة.

ووفقا لمعلومات "وول ستريت" نقلا عن خبراء سيحصل صندوق الذكاء الاصطناعي الجديد الذي يقوده طحنون، والمعروف باسم "MGX" على أكثر من 50 مليار دولار من ثروته الشخصية ومن مصادر أخرى في أبو ظبي.

كما تستعد شركة "Group 42"، التي يرأس مجلس إدارتها الشيخ طحنون، لإنفاق مليارات الدولارات الإضافية على الذكاء الاصطناعي.

وتعهَّدت الإمارات في فبراير 2025 باستثمار أكثر من 70 مليار دولار في فرنسا وإيطاليا في مجال الذكاء الاصطناعي.

وكان صندوق "MGX" واحدا من الأسماء القليلة التي ورد ذكرها في دعم مشروع "Stargate"، وهو مركز بيانات بقيمة 100 مليار دولار تم الإعلان عنه في البيت الأبيض، ومن المقرر أن تقوده "سوفت بنك" و"أوبن إيه آي".

كما قدّم الصندوق استثمارات ضخمة لشركة "أوبن إيه آي"، و"إكس إيه آي" التابعة لإيلون ماسك، و"أنثروبيك" المدعومة من أمازون.

لماذا الذكاء الاصطناعي؟ 

ولكن لماذا تركيز رجل المخابرات الإماراتي الآن على الذكاء الاصطناعي؟ وفقا للصحيفة تستهدف إستراتيجية طحنون استخدام أمواله ونفوذه ليس فقط لتمكين أبو ظبي من جني الأرباح من الذكاء الاصطناعي، بل أيضا لجعل الإمارات مركزا عالميا لهذه التكنولوجيا.

أما السبب فهو توقعه طلب عالمي هائل لسنوات قادمة على الذكاء الاصطناعي، ورؤيته أن مصانع الرقائق ومراكز البيانات والشركات المحلية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي ستشكل مستقبلا اقتصاديا لما بعد النفط، فضلا عن أهمية هذه البرامج أمنيا.

وتمتلك الإمارات طموحات لاستضافة مراكز بيانات ضخمة تشغل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة بالإضافة لمساعيها الرامية لتصنيع أشباه الموصلات، وأجرت محادثات مع شركة "TSMC" التايوانية وسامسونج الكورية الجنوبية لبناء مصانع لتصنيع الرقائق في أبو ظبي.

ويسعى المسؤولون في الإمارات أيضا إلى بناء شركات محلية للذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والطاقة وتحويلها إلى قوى رئيسة، وكذلك جذب وظائف الذكاء الاصطناعي من الشركات الأجنبية إلى المنطقة.

ورغم أن وادي السيليكون يهيمن على هذا المجال، فإن هدف الإمارات يتمثل في تحويل أبو ظبي لمركز لشركات الذكاء الاصطناعي التي تخدم الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، ضمن خططها لتوسعة النفوذ في العالم.

الذكاء الاصطناعي والمراقبة

قد يبدو تركيز طحنون على الذكاء الاصطناعي بعيدا عن تخصصه الأمني من الناحية النظرية، لكن الحقيقة أن تطور برامج المراقبة الأمنية أصبح مرتبطا بالذكاء الاصطناعي، لذا فهو يلعب عبر توغله في هذا المجال على وتري الربح وتعظيم المراقبة الأمنية معا.

حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي في مراقبة برامج الكمبيوتر والموبايل وتحليل الصوت والصور من كاميرات المراقبة بالفيديو من أجل التعرف على البشر والمركبات والأشياء والأحداث.

كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز مراقبة الأمن من خلال التحليل المستمر لحركة الشبكة وسلوك المستخدم للكشف عما يشير لخرق أمني، على عكس أنظمة الأمن التقليدية التي تعتمد على قواعد محددة مسبقا، بحسب موقع "إيسي فيستا" 27 أغسطس 2024.

ومع تصاعد حمى الذكاء الاصطناعي في عام 2023، واجهت طموحات طحنون بشأن ربط الذكاء الاصطناعي بالتجسس، عقبات جيوسياسية معقدة. حيث واجه انتقادات لإشرافه على عمليات "المراقبة" الواسعة في الإمارات بصفته مستشار الأمن الوطني.

وقد حذّر محللو أمن من أن بعض شركات G42 التابعة له كانت متورطة في مراقبة المقيمين والمعارضين الإماراتيين.

وقال مسؤولون أميركيون: إن تطبيق مراسلة شهير تملكه الشركة جمع بيانات المستخدمين مثل الموقع وجهات الاتصال، وكان يملك القدرة على التنصت على المكالمات.

ويقول موقع "فيوتشريزم" 27 فبراير/شباط 2025: إن "طحنون ليس بالتأكيد مجرم حقوق الإنسان الوحيد المزعوم الذي يستثمر بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ربما يكون أحد أبرز الأشخاص الذين فعلوا ذلك على الإطلاق".

وذلك رغم أنه في نظر هؤلاء المحسنين الأميركيين، قد يكون هذا أمرا جيدا، طالما يربحون ماليا من التعاون معه.

وفي 2018، كلف طحنون، الصيني "بنغ شياو"، الرئيس التنفيذي السابق للتكنولوجيا في شركة "مايكرو إستراتيجي"، بتأسيس شركة G42، وهي شركة متخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وأثارت علاقات طحنون والإمارات بالصين غضب صقور الأمن القومي في الولايات المتحدة، خاصة أن شركة طحنون اعتمدت على معدات صينية، مثل أجهزة هواوي، كما امتلكت حصصا في شركات ناشئة صينية.

عندما أراد طحنون أن تشتري G42 تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة من الولايات المتحدة، أخبره مسؤولون في إدارة بايدن خلال زيارة له إلى واشنطن عام 2023 أنهم يريدون أن يستثمر في أميركا.

لكن "عليه أن يختار بين الصين والولايات المتحدة إذا أراد الحصول على الموافقة الأميركية"، حسبما قالت وزيرة التجارة السابقة، جينا ريموندو، ما اضطر طحنون إلى اختيار الولايات المتحدة، وتمت إزالة أجهزة هواوي من مكاتب G42 واستبدلت بمعدات أميركية من شركة مايكروسوفت.

وتواجه أبو ظبي أيضا تحديات جيوسياسية مشابهة لتلك المرتبطة بصفقة مايكروسوفت، فالإمارات بحاجة إلى موافقة أميركية لشراء المزيد من الرقائق، وكذلك لمعدات تصنيع الرقائق إذا أرادت استضافة مصانع لإنتاج أشباه الموصلات.

ولم تتخذ إدارة ترامب بعد موقفا من هذا الموضوع، لكن شركة MGX تضخ أموالا في كبرى شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية.

وسهل من مهمة المراقبة لدى الإمارات إزالة جوجل من موقعها الإلكتروني يوم 5 فبراير 2025، التعهد الذي وعدت فيه بعدم السعي إلى التقنيات التي "تسبب ضررا عاما" بما في ذلك الأسلحة وأنظمة المراقبة و"التقنيات التي تتعارض مع حقوق الإنسان"

وهو ما انتقدته منظمة العفو الدولية في بيان يوم 6 فبراير 2025، مؤكدة أن برامج الذكاء الاصطناعي قد تغذي أنظمة المراقبة والقتل المميت على نطاق واسع، مما قد يؤدي إلى انتهاكات جماعية وانتهاك الحق الأساسي في الخصوصية.

ذراع الفوضى

عندما أصبح محمد رئيسا للإمارات، كانت هناك تكهنات بأن طحنون سيُعين وليا للعهد، لكن ابن زايد منح هذا المنصب لابنه وعين طحنون مسؤولًا عن صندوقي ثروة سياديين، ما جعله المسؤول الأول عن ثروة أبو ظبي.

ويعد "طحنون" هو ذراع شقيقه محمد بن زايد رئيس الإمارات، لإتمام الصفقات الصهيونية ودعم إسرائيل، وهو المتحكم الأول بالفوضى الاستخباراتية الإماراتية في معظم الدول العربية.

لكن المفارقة هي تدخله في أعمال اقتصادية كثيرة بصفته أمرا غير معتاد في عالم الاستخبارات، لكن خبراء يرجحون أن يكون هذا التداخل بين الاستخبارات والبيزنس مستهدف، وغرضه التجسس عبر الإغراءات وبحجج التمدد الاقتصادي.

فهو يتداخل في مشاريع اقتصادية عديدة مع شركات أسلحة صربية ومشاريع اقتصادية مشبوهة في دول عربية، والأخطر أنه يشرف على مشاريع غسيل أموال؛ حيث تتهم أبو ظبي بأنها وكر لغسيل أموال العصابات والمافيا.

ويلعب طحنون دورا أيضا في مساندة شركات أميركية تعاني من المقاطعة ويعمل على الترويج لها ضمن خطط التطبيع والبيزنس معا.

وقد التقي يوم 15 فبراير/شباط 2025 برئيس سلسلة فروع شركة القهوة "ستاربكس" للعمل على تلافي الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الشركة بسبب المقاطعة العالمية نتيجة دعمها لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

ومع تصاعد أهمية برامج الذكاء الاصطناعي وربحيتها، التقي طحنون بكبار المدراء التنفيذيين لشركات مثل آبل ومايكروسوفت و"بلاك روك" في مقر إقامته بالإمارات.

كما التقى طحنون بعمالقة التكنولوجيا مثل مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ والملياردير الأميركي إيلون ماسك خلال رحلة أجراها الخريف الماضي للولايات المتحدة.

وبرغم أن كبرى شركات الذكاء الاصطناعي تتوقع أن تخسر مليارات الدولارات لسنوات قادمة؛ لأن سوق الدوت كوم غير مستقر، وتعتمد وعود الربحية المستقبلية على افتراضات غير واضحة بشأن موجة طلب عالمية، وحدثت خسائر كبيرة لبعض الشركات.

إلا أن هذا لم يَردع طحنون وإستراتيجيته التي تقوم على استخدام أمواله ونفوذه لجعل الإمارات وأبو ظبي تستفيدان ماليا من صعود الذكاء الاصطناعي، وتحويل الإمارات مركزا عالميا للتكنولوجيا، كما توضح تقارير أجنبية.

ويرجع اهتمام طحنون بالذكاء الاصطناعي إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أُعجب بالشطرنج المعزز بالحاسوب؛ حيث إنه وظف فريقا كبيرا من المهندسين لتطوير برنامج أطلق عليه اسم "هيدرا" لمنافسة أفضل لاعبي العالم.

وزاد اهتمام طحنون بالذكاء الاصطناعي في أواخر عام 2017، عندما علم أن برنامج الذكاء الاصطناعي "ألفا زيرو" التابع لجوجل تغلب على أفضل برنامج شطرنج حاسوبي في العالم بعد أن احتاج إلى أربع ساعات فقط لتعلم قواعد اللعبة. 

وكان البرنامج أكثر قوة من "هيدرا" بكثير، ما فتح عينيه على إمكانيات الذكاء الاصطناعي، وفقا لما أخبر به مقربون منه.