انتقاد روسيا عمليات "الحوثي" بالبحر الأحمر.. هل يمهد للاشتباك مع أزمة اليمن؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار انتقاد روسيا هجمات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، تساؤلات عديدة بشأن حقيقة موقفها واحتمالية أن يكون خطوة تمهد للتدخل في أزمة اليمن المتواصلة منذ عقد.

وواجهت موسكو قبل ذلك اتهامات من الغرب بمد مليشيا الحوثي اليمنية بالأسلحة والمستشارين العسكريين، من أجل إدامة الهجمات في البحر الأحمر واستنزاف الولايات المتحدة وحلفائها، في خطوة تقابل ما تقدمه الأخيرة من دعم لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

موقف جديد

وفي تصريحات غير معهودة من الجانب الروسي، قال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن هجمات الحوثيين في اليمن ضد السفن التجارية بالبحر الأحمر وخليج عدن تشكل تهديدات خطيرة لسلامة الملاحة البحرية، وذلك خلال مباحثات جرت في موسكو مع نظيره اليمني شائع الزنداني.

وانتقد وزير الخارجية الروسي أيضا الهجمات الجوية الأميركية والبريطانية على اليمن، وقال لافروف إن ضربات الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن تسهم في زيادة التصعيد بالمنطقة.

وأبدى لافروف استعداد روسيا لدعم جهود المصالحة في اليمن، مشيرا إلى أن "بعض أطراف النزاع في الشرق الأوسط لا يريد إنهاء الحرب بانتظار تغيير الإدارة الأميركية".

وبحسب ما نشرته وكالة "سبأ" الرسمية في 27 أغسطس/ آب 2024، فقد أشار الزنداني إلى ما تشهده العلاقات اليمنية- الروسية من تطورات إيجابية من خلال تشكيل اللجنة المشتركة، وتفعيل عدد من الاتفاقيات الثنائية، والاتجاه لتوقيع اتفاقيات تعاون جديدة في مجالات اقتصادية مختلفة.

ودعا الزنداني "المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة اليمنية في جهودها من أجل إنهاء الحرب وتحقيق السلام (مع جماعة الحوثي)"، مشيدا بموقف الحكومة الروسية الداعم لمجلس القيادة الرئاسي، والحكومة والشعب اليمني على الصعيد الدولي.

وتطرق إلى أن التصعيد الجاري من الحوثيين في البحر الأحمر واستهدافها لطرق الملاحة الدولية، انعكس بشكل سلبي على حركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، بل وتعدى ذلك ليهدد البيئة البحرية باستمرار استهدافها لسفن وناقلات النفط.

وأعقب جلسة المباحثات، مؤتمر صحفي للوزيرين تحدثا فيه عن العلاقات الثنائية والقضايا والمواقف المشتركة ذات الصلة بتطورات ومستجدات الأوضاع في اليمن والمنطقة. 

وفي المؤتمر الصحفي تحدث لافروف عن العلاقات القديمة التي تربط بلاده مع اليمن، مشيرا إلى الاحتفال في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بمرور 95 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا واليمن، بحسب ما نشره موقع الخارجية الروسية.

وأشار إلى زيارة رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك إلى روسيا في فبراير 2023، والاتفاق على استئناف عمل اللجنة الحكومية الثنائية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، ومن المقرر عقد اجتماع لرؤسائها المشاركين في النصف الثاني من سبتمبر 2024 في موسكو. 

وكشف لافروف أن بلاده قررت زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة سنويا لليمن، وأنه الآن هناك 140 منهم منذ العام الدراسي 2024-2025، وسيتم منح 30 منحة دراسية إضافية في السنوات اللاحقة.

موطئ قدم

وتعليقا على هذا الموقف، رأى رئيس مركز "أبعاد" اليمني للأبحاث، عبد السلام محمد، أنه "في الفترة الماضية حاولت روسيا أن تستغل التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وأتُهمت من الغرب بدعم الحوثيين بالصواريخ لاستنزاف الولايات المتحدة وحلفائها في مقابل دعم الأخيرة لأوكرانيا".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "هذا الأمر انعكس سلبا على العلاقة بين اليمن وروسيا، وبدأت الحكومة اليمنية تخاطب الروس على أساس أن هناك علاقة رسمية بين الحكومتين ويفترض ألا تدعم موسكو المليشيات، خصوصا أن الأخيرة بدأت تستخدم الصواريخ ضد القوات اليمنية".

وتابع: "كذلك هدد الحوثيون باستهداف عدد من دول الخليج والمنشآت النفطية، وهذا أيضا كان عامل ضغط على روسيا، والآن الروس يحاولون التهرّب من المسؤولية في هذا الجانب، خاصة أنهم أرادوا دعم الحوثيين فقط فيما يتعلق بمعركة البحر الأحمر".

الأمر الآخر، يضيف محمد أن "هناك مصالح يبحث عنها الروس في البحر الأحمر ومنطقة الملاحة المائية، فهم يريدون أن تكون مع الجهات الرسمية اليمنية وليس المليشيات، لذلك هم يبحثون الآن عن موطئ قدم في خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر".

وأردف: "الصين تسعى للشيء نفسه الذي تريده روسيا، فإذا تحققت لهم مصالح مع الحكومة اليمنية، فلن يكون هناك أي داعٍ في التورط بالتعامل مع المليشيات الحوثية".

ورأى محمد أن "الإدانة الروسية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، جاءت نتيجة للتواصل الرسمي اليمني، وهو مقدمة لإصلاح بعض الاختلالات التي حصلت نتيجة أن الروسيين فهموا أن الحوثيين يمكن أن يعطوهم مصالح في هذه المنطقة بعيدا عن الحكومة اليمنية، لكن هذا سيؤثر على مصالح روسيا مع دول الخليج".

وأعرب عن اعتقاده بأن "تقارب الحكومة اليمنية مع روسيا هي خطوة تمهيدية فقط، ولا أعتقد أن لها أي نتيجة حاليا على الميدان في الداخل اليمني إلا في حالة واحدة، وهي انتهاء الحرب في غزة وتوقف الحوثيين عن هجماتهم في البحر الأحمر".

وتابع: "حينها تكون خطوة ثانية تشكل عامل ضغط بين الحكومة اليمنية وروسيا بعد أن تحقق الأولى مصالح الروس في المنطقة، لكن إذا استمر الحوثيون في تهديد القوات الدولية في البحر الأحمر فسيبقى الروس يدعمونهم حتى لو بشكل مباشر وغير معلن".

وفي حديث سابق مع "الاستقلال" نشر في 9 أغسطس، أكد الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن "روسيا تعلم أكثر من غيرها أن واشنطن ليست في مواجهة حقيقية مع الحوثيين، وأن العلاقات بين الطرفين هي من سمحت للأخيرة بدخول صنعاء".

ورأى الخبير اليمني أن "حديث وسائل إعلام أميركية عن محاولة روسيا دعم الحوثيين بالسلاح، ربما هدفه إغراء موسكو ودفعها إلى الاتصال العسكري اللوجستي مع جماعة الحوثي".

وتابع: "هذا يذكرنا بما فعله الغرب مع روسيا في سوريا، عندما فتحوا لها الباب لتلعب دورا مؤثرا في الساحة السورية، وتحسم الحرب لصالح النظام السوري، وتتورط في جرائم حرب هناك، فيما بقيّة مخططات الأطماع الأميركية متشابهة مع الروسية، لكن الأخيرة هي من تورطت بالجرائم هذه".

وأعرب التميمي عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة تريد إبقاء اليمن ساحة حرب بالوكالة أطول مدة ممكنة، والحديث عن دور روسي يأتي في هذا السياق"، مستبعدا في الوقت نفسه "أي مصلحة لروسيا مع الحوثيين، لأنها ربما تهدد مصالح موسكو مع السعودية". 

اتهامات غربية

وفي 3 أغسطس، تحدثت شبكة "سي إن إن" الأميركية، أن "روسيا كانت تستعد لتسليم صواريخ ومعدات عسكرية للحوثيين في اليمن أواخر الشهر الماضي (يوليو/تموز)، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة جراء جهود جرت وراء الكواليس من جانب الولايات المتحدة والسعودية لوقفها".

ونقلت الشبكة عن مصادر لم تكشف هويتها أن "السعوديين، الذين كانوا منخرطين في حرب مع الحوثيين لسنوات قبل أن تساعد الولايات المتحدة في التفاوض على هدنة هشة في 2022، حذروا روسيا من تسليح أحد أكبر خصومهم عند علمهم بالخطط".

وقال مصدران للشبكة إن "الولايات المتحدة، التي شاركت في العديد من الجهود الدبلوماسية لمنع الروس من تسليح المتمردين المدعومين من إيران، طلبت بشكل منفصل من السعوديين المساعدة في إقناع موسكو بعدم إرسال الشحنة".

ورفض مسؤول أميركي وصفته الشبكة بـ"الكبير" مناقشة تفاصيل خطط روسيا لتسليح الحوثي.

لكنه أكد أن بلاده تعد أي محاولة من طرف ثالث لتعزيز إمدادات الأسلحة للحوثيين "متناقضة مع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها" بشأن تسوية سلمية دائمة في اليمن بين الحوثي والسعودية.

وبحسب المصادر الغربية، لايزال من غير الواضح لمجتمع الاستخبارات الأميركي ما إذا كان رد الفعل السعودي هو الدافع لتخلي روسيا عن خطتها لتسليح الحوثيين، أو ما إذا كان مجرد أحد العوامل العديدة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تغيير رأيه.

وأشارت الشبكة إلى أن "الروس نظروا إلى تسليح الحوثيين وتقديم المشورة لهم كوسيلة للانتقام من إدارة (الرئيس الأميركي) جو بايدن لقرارها بالسماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية باستخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة".

وبينما جرى التراجع عن نقل الأسلحة، نشرت روسيا أفرادا عسكريين في اليمن للمساعدة في تقديم المشورة للحوثيين على مدى 3 أيام في أواخر يوليو، حسبما ذكرت الشبكة الأميركية.

وعلى الصعيد ذاته، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 20 يوليو، أن وكالات المخابرات الأميركية تحذر من احتمال تسليح روسيا للحوثيين في اليمن بصواريخ متقدمة مضادة للسفن، ردا على دعم إدارة بايدن للضربات الأوكرانية داخل روسيا بأسلحة أميركية.

وتأتي هذه المعلومات بالتزامن مع رسالة سرية أخبر فيها قائد القيادة المركزية الأميركية بالشرق الأوسط الجنرال مايكل إريك كوريلا، وزير الدفاع لويد أوستن، بأن العمليات العسكرية في المنطقة "تفشل" في ردع هجمات الحوثيين على السفن، وأن هناك حاجة إلى نهج أوسع، وفقا للصحيفة الأميركية.

وأشارت إلى أن البيت الأبيض أطلق حملة سرية لمحاولة منع موسكو من تسليم الصواريخ للحوثيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر، في تسليط جديد للضوء على تهديد الحوثي بعد هجوم بطائرة مسيرة على تل أبيب، انطلقت من الأراضي اليمنية في 19 يوليو.

وتتضمن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إدارة بايدن لمنع نقل موسكو الصواريخ إلى اليمن استخدام دولة ثالثة لمحاولة إقناع بوتين بعدم الانضمام إلى إيران في توفير الأسلحة للحوثيين، وفقا لمسؤولين أميركيين رفضوا تحديد تلك الدولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بأن موسكو ربما تخطط لتقديم الدعم العسكري لليمن، والتحذيرات الصادرة عن قائد القيادة المركزية الأميركية، أثارت سؤالا حول ما إذا كان البيت الأبيض يبذل ما يكفي لوقف الهجمات في الممرات المائية.

ونقلت عن مسؤولين أميركيين (لم تكشف هويتهم) أنه كان من الممكن فعل المزيد لحماية الشحن التجاري بشكل أفضل، بما في ذلك ضرب منشآت أكبر لتخزين الأسلحة، واستهداف قادة الحوثيين واختيار أهداف ذات عدد أكبر من الضحايا المحتملين.