عملية رفح.. كيف تستخدم إسرائيل الغاز ورقة ضغط لشراء صمت مصر؟
"المصريون يخشون كثيرا من عملية رفح ومن تدفق الفلسطينيين إلى سيناء"
يقف النظام المصري اليوم بين خيارين صعبين في العلاقة مع إسرائيل التي تشن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عدوانا مدمرا على قطاع غزة.
ففي الوقت الذي يعيد فيه المصريون تقييم علاقتهم بإسرائيل، بعد اقتحامها خلال مايو/أيار 2024، معبر رفح والسيطرة عليه من الجانب الفلسطيني، تحتاج القاهرة إلى غاز تل أبيب لحل معضلة نقص إمدادات الطاقة، التي تؤثر على إنتاج الكهرباء خاصة مع دخول فصل الصيف.
وهنا تصف صحيفة "غلوبز" العبرية خيارات مصر بـ "المحدودة"، مشددة على أنه "بالرغم من حاجة تل أبيب إلى أنابيب النقل المصرية لتصدير الغاز، فإن القاهرة كذلك تحتاج إلى ضمان استمرار تدفق الغاز الإسرائيلي إليها".
إعادة تقييم
وتشير إلى "أن مناورة الجيش الإسرائيلي في رفح، حتى لو لم تكن على نطاق واسع حتى الآن، دفعت مصر لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل".
وتضيف: "تدرس مصر إذا ما كانت ستخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل، وتعيد سفيرها إلى القاهرة".
وتنقل عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إشارتها إلى أهمية العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، سواء كانت في الملف الأمني في المقام الأول، أو في الملف الاقتصادي ذي الأهمية الحيوية كذلك، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، حيث يبدو الاعتماد الفعلي واضحا.
وتبرز الصحيفة العبرية أهمية القاهرة وعمّان لتل أبيب، في ملف تصدير الغاز، حيث تستخدم إسرائيل حاليا ثلاثة أنابيب لتصدير الغاز.
الأول هو "خط أنابيب غاز شرق المتوسط" (EMG) وسعته حوالي 5.5 مليارات متر مكعب سنويا، ويُستخدم للتصدير إلى مصر.
أما الثاني فهو خط أنبوب "الأردن الشمالي"، المعروف كذلك باسم "خط الغاز العربي"، وسعته حوالي 7 مليارات متر مكعب سنويا، ويُستخدم للتصدير إلى الأردن، وكذلك إلى مصر.
وأخيرا، مسار "الأردن الجنوبي"، بسعة حوالي 1 مليار متر مكعب سنويا، الذي يُستخدم للتصدير إلى مصانع البحر الميت في الدولة العربية المذكورة.
إلى جانب ذلك، من المتوقع بناء أنبوب جديد إلى مصر عبر مسار "رمات حوفاف-نيتسانا" بسعة حوالي 6 مليارات متر مكعب سنويا خلال 3 سنوات، وكل هذه العوامل تخلق اعتمادا إسرائيليا على القاهرة لتصدير الغاز.
من جهة أخرى، تنقل الصحيفة تصريح مسؤول إسرائيلي قائلا: "المصريون يخشون كثيرا من العملية في رفح ومن تدفق الفلسطينيين إلى سيناء".
ويرى المسؤول أن "القاهرة رغم احتجاجها ضد تصرفات جيشنا، فإنها في نهاية المطاف لن تستطيع اتخاذ موقف قوي وحازم ضد إسرائيل".
وأوضح: "إنهم يرون أن إسرائيل لا تستجيب لمساعيهم ومساعي الولايات المتحدة لمنع التصعيد، ولذلك صعدوا نبرتهم، نحن نسمعهم، لكننا نقدّر أنهم لن يرغبوا في كسر الحدود بشكل كامل". ودلل على ذلك بحجم التجارة بين الجانبين.
ففي عام 2023، أنتج حوالي 11.19 مليار متر مكعب من حقل ليفياثان، صُدر 80.4 بالمئة منها إلى مصر والأردن.
ومن حقل تمارا أُنتج حوالي 9.17 مليارات متر مكعب، منها نحو 27.9 بالمئة جرى توجيهها للتصدير.
ويقول خبير الطاقة من واشنطن "أومود شكري" لصحيفة "غلوبز": "تواجه مصر نقصا مستمرا في الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي هذا الصيف، مما أدى إلى استئجار وحدة تخزين وتسييل عائمة (FSRU) من أجل منع انقطاع التيار الكهربائي".
وأردف: "جلب منشأة التخزين والتسييل هو السيناريو الذي كان -حتى وقت قريب- يبدو سخيفا في الحالة المصرية".
وتوضح الصحيفة أن هناك فوائد جيوسياسية مشتركة بين تل أبيب والقاهرة، تزدهر عبر عملية تسييل الغاز الإسرائيلي والمصري للتصدير للخارج.
وتابعت: "تعد مصر دولة مصدرة للغاز من خلال منشأتين لتسييل الغاز، هما دمياط وإدكو".
إذ يجرى نقل الغاز المنتج من حقول الغاز في مصر وإسرائيل إلى المنشآت، وتسييله ثم تحميله على السفن للتصدير إلى أي مكان في العالم.
أداة مهمة للاقتصاد
وأكملت الصحيفة: "خلال الصيف يرتفع الطلب على الغاز الذي يصل إلى نحو 30 بالمئة أكثر من المتوسط السنوي".
وهنا "قرر المصريون إجراء عملية معاكسة، واستخدام وحدة التسييل لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بهدف ضخ الغاز في الشبكة المحلية".
ويقول شكري إن "انخفاض معدل الإنتاج محليا، خاصة من حقل ظهر الأكبر، أدى إلى نقص كبير في صادرات الغاز الطبيعي المسال، وتجديد الواردات منه إلى مصر في عام 2024 لتلبية الطلب المحلي".
وأشار إلى أن ذلك "يعد عودة للوراء، فمصر التي كانت قد انتهت من استيراد الغاز وعكفت على تصديره، عادت مرة أخرى منذ الربع الثالث من عام 2023 إلى استيراده".
وبحسب التقديرات، ستشتري القاهرة ما بين 15 إلى 20 ناقلة من الغاز الطبيعي المسال طوال فصل الصيف، من أجل تلبية الطلب المحلي المتزايد.
ويتوقع خبير الطاقة أن "تستورد القاهرة هذا الصيف فقط أكثر من مليون طن من الغاز الطبيعي المسال".
وتعقب الصحيفة: "يبدو أن المصريين سيعانون فترة ليست بالقصيرة"، حيث أفاد شكري بأن "سياسة الغاز هذه من المتوقع أن تستمر حتى عام 2027".
وبينت أن طريق "رمات هوفاف-نيتسانا"، الذي كان المقرر بناؤه عام 2019، كان سيضيف حوالي 6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي من إسرائيل سنويا.
ويقول المسؤول التنفيذي الإسرائيلي في حديثه: "إن مسألة الطاقة والغاز هي بمنزلة رافعة للعلاقات الثنائية".
وأضاف: "إنه يضمن إمدادات الغاز لمصر في حالة نقصه وهو أداة مهمة للاقتصاد المصري المتعثر، لذلك فهو مهم للغاية بالنسبة لهم".
واستطردت الصحيفة: "ولذلك على الرغم من التوترات في المنطقة، استمر الغاز الإسرائيلي في التدفق إلى مصر".
وضع اقتصادي حرج
وترصد الصحيفة وضع الاقتصاد المصري السيئ، حتى قبل العدوان على غزة، الذي فاقم الأوضاع سوءا، حسب وصفها.
إذ انخفض دخل قناة السويس، التي تمثل حوالي 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري، إثر تراجع حركة الملاحة في البحر الأحمر نتيجة الاضطرابات أمام سواحل اليمن.
وفي هذا السياق، أفادت بيانات شركة إدارة المخاطر البحرية "درياد جلوبال"، انخفاض إيرادات مصر من قناة السويس من منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2023 إلى أبريل/ نيسان 2024 نحو 1.2 مليار دولار.
ومن جهة أخرى، زاد بنك الاستثمار "جولدمان ساكس" توقعات معدل التضخم السنوي في مصر لعام 2024 بنسبة 2 بالمئة ليتوقع وصولها إلى 22 بالمئة.
وكانت معدلات التضخم في أبريل/ نيسان 2024، بلغت 32.5 بالمئة وفقا للجهاز المركزي للإحصاء في القاهرة.
وتواجه مصر، في ذات الوقت، مشكلات أخرى، مثل تآكل قيمة الجنيه المصري، الذي انخفض من 30.8 للدولار إلى 46.8 للدولار خلال عام واحد فقط.
هذا فضلا عن الاعتماد على المساعدات الخارجية، حيث أشار تحليل لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية إلى أن مصر تصدرت قائمة المستفيدين من المساعدات من دول الخليج في الفترة بين 2011 - 2022.
وتلقت مصر خلال تلك الفترة مبلغ 47.5 مليار دولار، في حين تأتي باكستان في المركز الثاني بـ 11 مليار دولار فقط.
من زاوية أخرى، وافق صندوق النقد الدولي في مارس/ آذار 2023 على طلب القاهرة زيادة حجم قرضها بمقدار 5 مليارات دولار إضافية، ليصل الإجمالي إلى 8 مليارات دولار.
وتكمن المشكلة، وفق الصحيفة، في أن هذا الوضع الاقتصادي السيئ قائم بالفعل قبل حتى أن تبدأ مصر في استيراد كميات كبيرة من الغاز لموسم الصيف، إذ سيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على الميزانية.
ويرتفع السعر الفوري (تكلفة الشراء الفورية للسلع) للغاز الطبيعي المسال ليصبح أعلى بكثير من السعر المحدد لمصر في العقد مع إسرائيل، وهو 7.5 دولار لكل وحدة حرارية.
ختاما، لفتت الصحيفة إلى أن وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي إيلي كوهين، يدرس حاليا إمكانية زيادة صادرات إسرائيل من الغاز، مشيرة إلى أن أحد الخيارات المطروحة هو بناء منشأة تسييل عائمة، أو إضافة خط أنابيب غاز آخر إلى مصر.
وفي هذا الصدد، تعتقد أن "الغاز أداة سياسية مهمة"، وتشدد على أنه "ما دام الاعتماد على مصر قائما في نقل الغاز إليها لتسييله وإعادة تصديره، فإن ذلك يصب في مصلحة إسرائيل".