أداة قمع.. لماذا تتزايد عمليات الإعدام بحق البلوش السنة في إيران؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

يستسهل النظام الإيراني إصدار أحكام الإعدام بحق الأقليات العرقية في هذا البلد كواحدة من أدوات القمع الممنهجة على مدار العقود الماضية.

فقد اعتمد النظام الإيراني تاريخيا على عمليات الإعدام، التي لا تزال تنفذ في كثير من الأحيان بالأماكن العامة في البلدات وساحات المدن كشكل من أشكال إظهار السيطرة والهيمنة على مواطنيه.

إعدام البلوش

لكن ما يعد لافتا هو الزيادة في أعداد المحكومين بالإعدام في العام الواحد من أقلية البلوش السنية التي تتركز في جنوب شرق إيران.

ففي أحدث الأرقام، ذكر موقع "حال واش"، المعني بقضايا حقوق الإنسان في بلوشستان إيران، أن النظام أعدم 171 مواطنا من هذه القومية السنية، في العام الإيراني الماضي، الذي انتهى في 19 مارس/آذار 2024.

وذكر الموقع، في 2 يونيو/حزيران 2024، أنه جرى إعدام 133 من هؤلاء المواطنين بنسبة 77 بالمئة بتهم تتعلق بالمخدرات.

ويأتي "القصاص" بنسبة 19 بالمئة، والتهم السياسية والأمنية 2 بالمئة، من بين الأسباب الأخرى لإعدام المواطنين البلوش في إيران، خلال العام المذكور.

وانتقد الموقع الحقوقي، ارتفاع وتيرة الإعدامات في صفوف المواطنين البلوش بإيران، وقال: "لم يكن الضحايا على علم بوجود مخدرات في سياراتهم، لاسيما فيما يتعلق بتلك الجرائم، وكانوا ينقلون حمولات مقابل أجرة معلومة دون معرفة ما تحتويه".

وأفاد بمقتل 334 مواطنا بلوشيا في عام 2023، نتيجة إطلاق النار من قبل قوات الأمن الإيرانية أو أفراد مسلحين مجهولين.

وأضاف أن 366 عامل وقود من البلوش قتلوا أيضا عام 2023، فيما جرى اعتقال 273 من نفس الأقلية أيضا خلال نفس السنة.

ومحافظة سيستان-بلوشستان التي تعد واحدة من أكثر مناطق إيران فقرا، ينتمي غالبية سكانها إلى إثنية البلوش السنية فيما غالبية سكان البلاد من الشيعة.

وتعاني جميع القوميات غير الفارسية وأبرزها الأذرية والكردية والكردية البلوش والعربية من السياسات التمييزية في إيران.

ويمنع النظام الإيراني الذي يعتنق المذهب الشيعي الاثنى عشري، المشاركة السياسية ويحظر الأحزاب، وينفذ إعدامات واعتقالات تعسفية وترحيلا ضد الناشطين والمعارضين سواء الأكراد أو العرب في الأحواز والبلوش في بلوشستان.

فيما يطالب هؤلاء بالحقوق والحريات الوطنية التي حرموا منها ويرفض النظام الإيراني الاعتراف بها بل ويسعى إلى طمس هويتهم وإنهائها بالقوة.

وأمام ذلك النهج المتواصل، لجأت أفراد بعض الإثنيات بشكل مستقل إلى تشكيل مجموعات مسلحة لاستهداف النظام الإيراني مثل"جيش العدل" الذي تأسس عام 2012 من البلوش.

ويشير موقع "حال واش" أنه بسبب "الحرمان التاريخي الذي تعانيه بلوشستان وضعف بنيتها التحتية"، فإن الإحصائيات الواردة في التقرير حول انتهاك حقوق الإنسان للمواطنين البلوش عام 2023 تشمل فقط الحالات الموثقة، ويمكن للإحصائيات الحقيقية أن تكون "أكثر من هذا بكثير".

وحذرت منظمة العفو الدولية، في تقريرها لعام 2023 بشأن إيران، من أن نظام طهران يواصل استخدام عقوبة الإعدام كأداة لقمع المعارضين والمحتجين والأقليات العرقية.

وقالت المنظمة في إشارة إلى أن السلطات الإيرانية كثفت استخدام عقوبة الإعدام، لإثارة الرعب بين الناس وتعزيز سلطتها، إن ما لا يقل عن 853 شخصا أعدموا عام 2023، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 48 بالمئة، مقارنة بـ 576 عملية إعدام تمت سنة 2022.

وطالب أكثر من 80 منظمة حقوقية إيرانية ودولية، في 12 أبريل/نيسان 2024، الأمم المتحدة، بمواصلة التعاون بين مكتبها المعني بالمخدرات والجريمة، وطهران من أجل الضغط على إيران لإجبارها على إيقاف الإعدامات.

عمليات انتقام

ووفقا لهذه المنظمات، فإن المتهمين بجرائم المخدرات، بوصفهم "الضحايا الصامتين لآلة الإعدام والترهيب" التابعة لإيران، غالبا ما يكونون من بين الفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع الإيراني وخاصة من البلوش والأكراد.

ولهذا يعتقد ناشطو حقوق الإنسان، أن سياسة الإقصاء والتمييز المتعمدة، التي يتبعها النظام الإيراني لها خلفيات سياسية.

فخلال أسبوع واحد من شهر مايو 2023 أعدمت السلطات الإيرانية 19 سجينا بلوشيا.

وعلى الفور رأت بعض جماعات حقوق الإنسان الإيرانية، أن الإسراع في إعدام السجناء البلوش، يأتي ضمن "سياسة لإثارة الرعب بين المحتجين في إقليم بلوشستان".

كما وصف ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إعدام هؤلاء المواطنين بـ"الإبادة الجماعية للبلوش" في إيران، وطالبوا بوقف القتل في هذه المحافظة.

ووصف آخرون جرائم المخدرات بأنها "ذريعة" لانتقام إيران من "30 جمعة متتالية من الاحتجاجات في زاهدان السنية".

وكثيرا ما يخرج آلاف المصلين السنة إلى الشوارع وهم يهتفون بشعارات مناهضة للنظام والمرشد علي خامنئي في مدينة زاهدان السنية ويطالبون بوقف التهميش والمساواة في الحقوق وإجراء استفتاء عام بشأن القضايا الخلافية والحاسمة، لاسيما حول طريقة الحكم في البلاد.

وبلوشستان، موطن الشعب البلوشي، مقسمة حاليا بين إيران وباكستان وأفغانستان.

وقد حدث تقسيم بلوشستان في أواخر القرن التاسع عشر (1871-1896) عندما رسمت بريطانيا الحدود الحالية وقسمت البلاد إلى مناطق نفوذ متعددة.

وحينها ضمت إيران الجزء الغربي من بلوشستان بعد غزو عسكري عام 1928، بينما ضمت باكستان ما تبقى منها في 1948.

ويقدر عدد البلوش في الدول الثلاث بـ 10 ملايين نسمة، يعيش غالبيتهم في باكستان بما في ذلك إقليم السند أيضا، مع عدة ملايين في إيران وأقلية أصغر بكثير في أفغانستان.

وقالت منظمة العفو الدولية في 4 أبريل 2024 إن إيران حولت سجونها إلى "ساحات قتل"، مشيرة إلى إعدام ما لا يقل عن 853 شخصا في عام 2023.

وأورد تقرير المنظمة أن "بين الأشخاص الذين جرى إعدامهم معارضين وأفرادا من الأقليات الإثنية المقموعة".

وذكرت بهذا الصدد أن الأقلية البلوشية السنية تستهدف بعمليات الإعدام بصورة غير متناسبة.

وذكر التقرير أن هذه الأقلية "تشكل 5 بالمئة فقط من الشعب الإيراني، لكنها تمثل 20 بالمئة من العدد الإجمالي للإعدامات في 2023".

 "تمييز عنصري"

ورأى طاهر أبو نضال الأحوازي عضو المكتب السياسي “للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، أن هذه ”الإعدامات تندرج في إطار التمييز العنصري للشعوب غير الفارسية وبالتحديد في الآونة الأخيرة في بلوشستان والتي ازدادت عقب الاحتجاجات ضد النظام الإيراني وسياساته".

وأضاف الأحوازي لـ “الاستقلال”: "هذه الإعدامات هي أساليب قمعية ضد شعب بلوشستان الذي يناضل من أجل تقرير المصير وتحرير أرضه من الاحتلال الفارسي ولأن الأكثرية منهم هي من الطائفة السنية وهذا ما يزيد من اضطهادهم".

ومضى يقول: "النظام الإيراني يصب جام غضبه ضد الشعوب غير الفارسية وخاصة من المكون السني، ومن هذا الباب نرى ازدياد الإعدامات مما يدل على نوايا الإبادة التي ينتهجها النظام الإيراني لباقي المكونات".

ولفت إلى أن "الإعدامات غير القانونية تنال أيضا سكان الأراضي الأحوازية المحتلة التي يعمل النظام على تغيير التركيبة السكانية فيها".

فضلا عن “تعيين جميع المسؤولين الكبار في المناصب السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية من مدن مختلفة خارج الأحواز المحتلة، وعدم توظيف الخريجين والمتخصصين العرب الأحوازيين، أو توظيفهم في مدن خارج الأحواز”.

ونوه إلى "تعمد النظام الإيراني تهجير ومصادرة القرى المأهولة والأراضي الزراعية بحجج مختلفة مثل المشاريع الوطنية والصناعية والعسكرية، وكذلك تشجيع توطين غير الأحوازيين في المدن الحدودية مع الدول العربية والمدن النفطية وفي الموانئ الإستراتيجية في الأحواز".

علاوة على ذلك، فإنه مع تزايد عمليات الإعدام التي نفذت بدون تشريعات قانونية واضحة بحق البلوش، يخشى العديد من العائلات أن يكون أبناؤهم قد جرى إعدامهم ودفنهم دون سابق إنذار.

ولا سيما أن السلطات الإيرانية ترفض الكشف عن أسماء السجناء الذين أعدموا، الأمر الذي يضيف طبقة جديدة من الخوف والرعب داخل الأقلية.

وخاصة أن حالة الفقر لدى أقلية البلوش تمنعهم من دفع تكاليف التمثيل القانوني المستقل لأقاربهم للدفاع عنهم وإخراجهم من السجون.

فبحسب تقرير منظمة العفو الدولية، أعدمت إيران 853 شخصا خلال عام 2023، أي أكثر بحوالي 60 بالمئة مقارنة بالعام 2022.

وقالت الأمينة العامة للمنظمة أنياس كالامار في بيان إن "السلطات الإيرانية أظهرت استخفافاً تاماً بالحياة البشرية".

وأشارت إلى زيادة في عمليات الإعدام المرتبطة بجرائم المخدرات، مع "تأثير تمييزي" على فئات معينة، بما في ذلك أقلية البلوش العرقية.

وتنفذ إيران أكبر عدد من أحكام الإعدام في العالم بالنسبة إلى عدد سكانها البالغ نحو 82 مليون نسمة. 

وقد كان البلوش من أكثر المجتمعات التي تعرضت للاضطهاد في إيران خلال الـ 45 عاما الماضية، عبر حرمانهم من هويتهم الوطنية وثقافتهم ولغتهم ودينهم، فضلا عن استهداف قوات الأمن لهم خارج نطاق القضاء.

ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قال "جاويد رحمن" المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بإيران خلال فعالية حقوقية في لندن إن "مستويات القتل والتعذيب والوحشية ضد أقلية البلوش في إيران مروعة".

وأضاف قائلا: "البلوش يجري استهدافهم وإعدامهم بشكل غير متناسب داخل نظام العدالة الجنائية الإيراني".

وفي سبتمبر/أيلول 2022 قتلت قوات الأمن الإيرانية أكثر من 100 متظاهر ومصل من البلوش خلال يوم جمعة، بينهم 13 طفلا على الأقل، بسبب تنظيمهم احتجاجا في زاهدان، عاصمة بلوشستان، عقب اغتصاب فتاة مراهقة على يد قائد في الشرطة الإيرانية في تشابهار. 

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، هاجمت قوات النظام احتجاجات الجمعة بمدينة خاش في بلوشستان وقتلت كذلك ما لا يقل عن 18 شخصا.

ويرفض النظام الإيراني محاسبة مرتكبي أحداث الجمع الدامية تلك، ومازالوا يشغلون مناصب مهمة.