عاشوراء مغاير في صنعاء.. هل شدد الحوثيون موقفهم ضد المذهب الاثني عشري؟
"غياب الحسينيات هذا العام لا يخرج عن كونه تكتيكا حوثيا مؤقتا"
رغم الخفوت اللافت في المرحلة الراهنة، إلا أن التشيع في مناطق سيطرة جماعة الحوثي باليمن يتمدد بشكل بطيء ومدروس، ويجد في الحروب والصراعات القائمة متنفسا للوصول كل يوم إلى أماكن جديدة.
فبعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى في سبتمبر/ أيلول 2014، دخلت البلاد فعليا في طور جديد من الاستهداف الطائفي، دفعت قيادات في طهران للإعلان بثقة عن سقوط عاصمة رابعة بأيديهم.
عاشوراء مغاير
وعلى غير العادة في العاصمة صنعاء ومناطق أخرى واقعة تحت سيطرة الحوثيين الموالين لإيران، غابت مشاهد التطبير واللطميات في الحسينيات الشيعية لهذا العام في ذكرى يوم عاشوراء، فيما تركزت الاحتفالات في الميادين العامة فقط.
وفي سنوات سابقة، ظهرت فيديوهات تناقلتها وسائل إعلام إيرانية وأخرى مقربة منها وتداولها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، عن احتفالات طائفية جرت في ذكرى عاشوراء تخللها بعض طقوس التشيع الصفوي، أقيمت في حسينات بصنعاء ومحافظات مجاورة.
وفي عام 2016، تم الكشف عن وجود نحو 600 طالب يمني يدرسون في إيران، 90 بالمئة منهم التحقوا بالحوزات التابعة للمرجعيات الشيعية والتي تدرس الفكر الاثني عشري، ما يعني أن هناك خطرا حقيقيا يهدد اليمن.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام الحوثيون أيضا، بدعم فرق ومنشدين قدموا أغاني وأناشيد طائفية من التراث الاثني عشري، صورت في العاصمة صنعاء، تعكس حجم التغلغل الصفوي الاثني عشري الجديد في البلاد.
حسينيات في مهدها
المتأمل في أغلب التسجيلات والمقاطع التي خرجت من الحسينيات الشيعية المستحدثة في اليمن خلال سنوات الحرب، يلاحظ أنها مازالت في مهدها، وأن انتشارها وتوسعها يحتاج إلى سنوات بل وربما عقود طويلة.
وفور خروج تلك التسجيلات والمقاطع إلى الرأي العام، قوبلت بسيل هائل من الاستهجان والرفض المجتمعي؛ ما دفع الحوثيين فيما يبدو إلى منع خروج هذه الطقوس إلى وسائل الإعلام مرة أخرى، وتجسد ذلك المنع في احتفالات عاشوراء لهذا العام.
ويلاحظ كذلك، أن تلك التسجيلات، أشبه ما يكون بجس نبض الشارع اليمني في موقفه من التشيع الصفوي، إضافة إلى إرضاء الحليف الإيراني الداعم الأبرز للجماعة، خاصة أنها بدأت في الظهور بُعَيد الانقلاب مباشرة عام 2014 واستمر خروجها حتى 2023.
أما عن سبب غياب الحسينيات لهذا العام فهو لا يخرج عن كونه تكتيكا حوثيا مؤقتا، الغرض منه إنجاح الحوار الذي يجرى سرا مع السعودية، كون هذه الأخيرة كانت ومازالت تضع شروطا للاعتراف بشرعية الحوثي في اليمن.
أولها قطع العلاقة كاملة مع طهران، ووقف التشيع الاثني عشري في اليمن، وحماية الحدود بين اليمن والسعودية، ووقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على المنشآت الحيوية داخل المملكة.
ثلاثة مستويات
ميزت الحرب الحالية في اليمن، طبقة الهاشميين إلى عدة مستويات أبرزها ثلاثة، الأولى المتمثلة في صقور صعدة الذين يمسكون حاليا بمفاصل مناطق الانقلاب من جسد الدولة اليمنية، من تربطهم علاقة وثيقة ومباشرة بإيران، وهؤلاء هم رعاة التشيع الصفوي الإيراني.
ويأتي في المرتبة الثانية، هواشم صنعاء بما يعرف بـ"سادة الطيرمانات" وهم الذين يشكلون الدرع الثاني للجماعة ويشغلون وظائف عدة أبرزها مهنة القضاء.
لكنهم يتمسكون بالمذهب الزيدي، ويرفض الكثير منهم توسع التشيع الصفوي في اليمن، وهم من تراهن عليهم السعودية بدرجة أساسية.
وأول تلك المخاوف لدى سادة صنعاء من نشر التشيع الصفوي، هو خسارة المكانة السياسية التي تمنحنهم إياها نظرية البطنين في مقابل ولاية الفقيه الإيرانية.
كما أن تاريخ الزيدية على تطرفه الحاد لا يعرف هذا النوع من الطقوس الهمجية والعنيفة التي تقام في الحسينيات الشيعية في قم والعراق.
وأبرز خلاصة في نظرية البطنين: أنها تشترط في الإمام الزيدي أن يكون من نسل الحسن أو الحسين، وهما ابنا الإمام علي بن أبي طالب، هذا الشرط يضمن أن يكون الإمام من نسل الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في هذه السلالة دون غيرهم من المسلمين.
أما المرتبة الثالثة، فهم الهاشميون من أتباع المذاهب السنية الأخرى، كالصوفية من أتباع المذهب الشافعي، وهذا الفصيل تربطهم علاقة انسجام تام مع الحوثيين في التبجيل لمسمى لآل البيت، لكن الغالبية منهم في حالة صمت ومداهنة مع الحكومة الشرعية.
تفكيك الكتل السنية
لعبت بريطانيا على ملف الأقليات منذ أواخر عهد الدولة العثمانية، فقد شرعت في تقسيم المنطقة في سوريا ولبنان والعراق على أساس طائفي.
إضافة إلى أن الفترة الأخيرة ظهرت خرائط تبرر مشروع الاستعمار الجديد القائم على إعطاء الأقليات وزنا أكبر من الكتل الكبيرة لصالح تفتيت المنطقة وإبقائها في دوامة الاحتراب والصراع.
ويأتي الموقف الأميركي متماهيا هو الآخر مع بقاء الحوثيين كقوة وطرف وعدم إزاحتهم والتفاهم معهم في نقطة وسط، لصالح بقائه كقوة حاضرة على الأرض منازعة للدولة.
أما الموقف الإقليمي، ويقصد به الموقف السعودي والإماراتي فهو يستند على نزوة حقد في استغلال الحوثيين لضرب الربيع العربي في اليمن وتحولهم بعد ذلك من أداة لضرب خصومهم إلى قوة مهددة لأمنهم واستقرارهم.
كانت أول نتائج الحرب التي شنتها السعودية في مارس/ آذار 2015، في اليمن هو تفكيك الكتل السنية الصلبة المتمثل في حزب الإصلاح ومكونات سنية أخرى، لصالح المشروع الإيراني في شمال البلاد، ومشاريع التمزيق الذي ترعاه الإمارات في جنوبه.
وعزز التدخل الخليجي في اليمن بقيادة السعودية والإمارات الروح المناطقية، والمشاريع السياسية المناوئة لمشروع الدولة الذي تدعمه المرجعية السنية.
ولا تبدأ تلك الخطوات من عودة أتباع النظام السابق المرتبطة بأسرة عفاش حليفة إيران والحوثيين، ولا تنتهي بمشاريع الانفصال في جنوب البلاد المتمثل في المجلس الانتقالي.
ليس ذلك فحسب، بل تفتيت الكتلة السنية من الناحية الاقتصادية يتم برعاية خليجية خلال سنوات الحرب، عبر حرمانها من الموارد في المناطق المحررة، والتي يفترض أنها تكون مفتوحة الموانئ والمطارات على مستوى الشرعية.
بينما الأمر مختلف تماما فيما يتعلق بالحوثي الذي يدير موارد ضخمة من داخل الدولة ومن داخل الشعب معا.
ولاية البطنين لا الفقيه
يرى الكاتب والباحث عبدالله الأمين، بأن الحوثي ينشر بعض مظاهر التشيع الصفوي بين أنصاره وبشكل بطيء على طريق التقارب من إيران.
ويقول "الأمين" في تصريح خاص لـ “الاستقلال" إن الحوثي يحاول استلهام التجربة السياسية الإيرانية فيما يتعلق بما يسمى قائد الثورة، كونه يعمل بكل قوة لجعل عبدالملك الحوثي في هذا الإطار.
ويضيف "الأمين" بأنه ومن الناحية العقدية فالحوثي حريص على تجنب العقيدة الاثني عشرية التي تقوم على فكرة ولاية الفقيه التي تمثل امتدادا لعقيدة الأئمة الاثني عشر بما فيهم الإمام الغائب الذي يعد الولي الفقيه نائبا عنه.
ويفسر ما يقوم به الحوثي حاليا بأنه ينظر إلى نفسه كإمام مستحق بالأصالة وليس كنائب للغائب، وهنا يكمن الفرق الجوهري بين العقيدتين الزيدية الهادوية والاثنا عشرية.
ويخلص "الأمين" بأن الحوثي يتجنب العقيدة الاثني عشرية لأنها تحرمه الإمامة وتجعل منه مجرد نائب للإمام الغائب وغير مستحق للسلطة في حين العقيدة الهادوية التي تقوم على الخروج (الثورة) تجعله مستحقا للحكم والولاية بعيدا عن تعميد أو إقرار الإمام الغائب الذي يمثله الولي الفقيه.
ويختم "الأمين" بأن فكرة الحوثي بأنه لم يقاتل لأجل يكون مجرد تابع لإيران، بل لأجل إعادة الإمامة إلى اليمن ويكون هو الإمام الذي يحكم باسم الولاية، والتي تعني وراثة الحكم عن علي بن أبي طالب مباشرة بصفته وعائلته الوريث الشرعي له، وتلك هي باختصار مضمون ما يسمونه بالهوية الإيمانية.
من جانبه، يعلل الباحث أمين حميد، مشكلة التشيع في اليمن، بأن التشيع في اليمن ليس بتلك بالصورة الواضحة الجلية التي هو عليها في بقية الأقطار، بحيث يوجد بين المجتمع السني والمجتمع الشيعي برزخ وحجر محجور.
ويعود ذلك حسب منشور لـ"حميد" عبر فيسبوك إلى أن "هناك مزيجا فقهيا وسياسيا يصل لكلا المجتمعين ويسيح في الواديين دون حدود"، في إشارة إلى الفكرة العامة لدى اليمنيين بأن الزيدية أقرب المذاهب إلى السنة.
ويحذر "حميد" من أن خطورة ذلك تتجسد في أن الأقلية المنظمة (جماعة الحوثي) محددة الأهداف، تنهش {بذكاء} في جسد الأغلبية (السنية) المشتتة فاقدة الأهداف الجامعة، بهدوء، كما ينهش المرض غير المؤلم الجسد، فلا يصحو المريض إلا وقد غلبت علتُه عافيتَه.
ويختم بالقول إن هذا الوضع غير الواضح في اليمن يشكل عبئا إضافيا على مواجهة مشروع التطييف الباهت والهادئ، ذلك المشروع الذي يغتذي من المقولات نفسها، مع اختلاف طفيف في التأويل.
المصادر
- على خُطا الحوثي.. طلاب اليمن في إيران أدوات لخدمة المشروع الشيعي
- الطلاب اليمنيون في “الحوزات الشيعية”.. أداة إيران الصلبة في “اليمن”
- التشيّع في اليمن يخترق الجميع: ديناً وسياسة ومنفعة
- دراسة: تسوية الصراع في اليمن تسير وفق الرؤية البريطانية القائمة على تقاسم النفوذ
- مشروع الحوثيين في إحياء الإمامة وتغيير الهوية..قراءة سياسية في خمس وثائق حوثية