"الحشد الشعبي".. هل تستنسخ تونس تجربة التنظيم العراقي المتهم بجرائم؟

آمنة سالمي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بسبب اسمه، وغموض مشروعه، وطبيعته، وشعاراته، إلى جانب قياداته، أثار الإعلان عن كيان سياسي يحمل اسم "الحشد الشعبي في تونس"، مخاوف كبيرة لدى الرأي العام والنخب والأحزاب.

فرغم مرور شهر على إعلان تأسيس التنظيم في 27 يوليو/ تموز 2021، فإن الجدل الذي خلقه داخل الساحة السياسية التونسية ما زال مستمرا.

يرجع ذلك إلى شعارات التنظيم المناهضة لكل الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، إضافة لاستنساخ اسم "الحشد الشعبي" العراقي، الذي ضاعف خوف التونسيين من أن يقود التنظيم البلاد إلى مربع العنف والفوضى.

كما أثارت قيادات التنظيم الجديد ريبة لدى الشارع التونسي بسبب انتماء الناطق الرسمي باسم "الحشد الشعبي" المنصف الوحيشي المرشح السابق في الرئاسيات بتونس عام 2019.

إذ ينتمي الوحيشي إلى ما يعرف بـ"التكتل الشعبي" الذي يؤمن بـ"الفكر الجماهيري"، ويدافع عن "اللجان الشعبية"، ونظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

تسمية ملتبسة 

أكثر ما أثار لبسا بشأن التنظيم الجديد في تونس، تسميته المماثلة للحشد الشعبي في العراق وإيران، وارتباط الأخيرين بأحداث فوضى في بلديهما خارج منطق الدولة والقانون.

ذلك التماثل جعل الكثير من التونسيين يعتقدون بوجود ارتباط وثيق بين هذا التنظيم وشبيهه في البلدين الآسيويين، الأمر الذي نفته قيادات "الحشد" في تونس.

في هذا السياق، أوضح الناطق الرسمي باسم "الحشد الشعبي التونسي" المنصف الوحيشي، أن اختيار التسمية هدفه الابتعاد عن كلمتي الحزب والحركة التي مل منهما الشعب التونسي بعد أن فقدت الأحزاب مصداقيتها، حسب قوله.

وأكد الوحيشي، لفضائية "الزيتونة" التونسية الخاصة، 13 أغسطس/ آب 2021، أنه لا تشابه مع الحشد الشعبي في العراق وإيران، مؤكدا أن الحشد التونسي يسعى لأجل الوحدة الوطنية.

وشدد على أنه ليس للحشد أيديولوجيا ولا يدعو إلى الطائفية أو التطرف، حسب تعبيره.

ولفت إلى أن شعار الحشد الشعبي في العراق وإيران يحمل السلاح، وفي تونس يحمل ألوانا تعكس عدم التفرقة أو التمييز بين ألوان الشعب التونسي.

فيروس خطير

وتعليقا على تدشين الحشد الشعبي في تونس، كتب الباحث في علم الاجتماع والكاتب التونسي أبو يعرب المرزوقي أن "كل تأخير في التصدي لفيروس الحشد الشعبي لا يمكن تداركه".

وقال المرزوقي، عبر "فيسبوك": "الحشد الشعبي مشروع لا يكتفي بضرب الأحزاب والمنظمات المدنية بل يضرب أداتي الحماية بكل دولة لإفقادها شروط السيادة الداخلية والخارجية".

وأوضح أن "ضرب الحماية الداخلية أي سلطان القانون ممثلا بالقضاء والأمن الداخلي، وجعل المليشيات صاحبة القول الفصل، فوق كل قانون أو بقانون تابع لإرادة الحشد الشعبي".

وأضاف المرزوقي: "كما حصل في كل بلاد غزتها إيران وإسرائيل والاستعمار، تكوين مليشيات حشدية، وظيفتها إلغاء سلطان شروط السيادة في الخارج".

الباحث أكد في تدوينته 16 أغسطس/ آب 2021، أن ذلك هو الوضع القائم الآن "في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل مستعمرات فرنسا الإفريقية.. ".

من جانبه، علق النائب السابق عن حركة "النهضة" بالمجلس التأسيسي التونسي (2011- 2014) أحمد مختار السميعي، عبر "فيسبوك"قائلا: "وأخيرا ظهر ما يسمى الحشد الشعبي".

وقال: "لا تستغربوا شيئا في تونس، فلما يجتمع الفقر والجهل، ويقع تهميش القيم الإنسانية النبيلة، وتصبح عبارة الأخلاق الحميدة محل سخرية، ويصبح الحديث عن الواعز الديني تخلفا وظلامية؛ فاعلم أن الشياطين سيدة الموقف.. ".

وأضاف السميعي: "هذا حالنا الذي خلفته دولة العملاء في تونس بعد 60 سنة، ورسخته في المجتمع نخبة هجينة، مزيفة تدعي المعرفة والحداثة والتقدم.. ".

وتابع: "الشخص الذي ظهر كزعيم لما يسمى الحشد الشعبي كان زمن زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي السابق) ينخرط في بعض أحزاب المعارضة، ومعه مجموعة ليعمل على هرسلة (مهاجمة) هذه الأحزاب وتدميرها من الداخل".

البرلماني التونسي، أكد أن "الأمر وصل به ذات مرة إلى الإقدام على هرسلة (مهاجمة) الدكتور مصطفى بن جعفر (رئيس المجلس التأسيسي التونسي 2011- 2014)، وذلك بتقديم دعوى قضائية ضده لافتكاك قيادة حزب التكتل.. ".

يهدد السلم

عقب الإعلان عن تأسيس ما يسمى بـ"الحشد الشعبي"، توالت دعوات أحزاب ونخب تونسية لمنع هذا التنظيم من النشاط لما يمثله من خطورة على السلم الأهلي في تونس.

في هذا السياق، طالب عضو المكتب السياسي لحزب "حراك تونس الإرادة" مصدق الجليدي الدولة بمنع "تنظيم الحشد الشعبي بتونس".

الجليدي، كتب بصفحة الحزب عبر "فيسبوك"، 13 أغسطس/ آب 2021، أن الحشد الشعبي تنظيم شيعي مسلح تأسس رسميا في العراق سنة 2016. 

وأكد أن تسمية الحشد الشعبي بتونس مستمدة من التنظيم العراقي الشيعي المسلح، واتخذ شعارا شبيها به، بداية من الشكل الدائري، ومكان التسمية، والتسمية نفسها، حتى ألوان: الأسود والأبيض والأحمر والأخضر''. 

السياسي التونسي، لفت إلى أن "الحشد الشعبي أسس كما جاء على لسان ناطقه الرسمي ليكون بديلا عن الأحزاب (الديمقراطية) ويكون نقيضا لها".

وأضاف: "هذا بطبيعة الحال في سياق انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، بمثابة مليشيا، مع تأجيل تنفيذ هرسلة (مهاجمة) القوى المدنية الديمقراطية المناهضة للانقلاب وترهيبها".

وجزم الجليدي، بأنه "نذير بقيام صراع أهلي عنيف ربما يصل إلى حد الاحتراب الأهلي''.

واستطرد القيادي بـ"حراك تونس الإرادة" قائلا: ''من واجب الدولة منع هذا التنظيم المهدد للسلم الأهلي، ومن واجب القوى المدنية الديمقراطية التنبيه إلى خطره والمناداة بحظره''.

مساندة سعيد

هذا التنظيم الجديد في تونس بارك كل قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، 25 يوليو/ تموز 2021، بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وتولي سعيد تسيير كل السلطات.

في بيان له صدر 17 أغسطس/آب 2021، قال "الحشد الشعبي التونسي": إنه "يساند كافة القرارات الرئاسية"، ودعا قيس سعيد إلى "المضي في محاسبة المجرمين واللصوص والفاسدين، والاستجابة لصوت الشعب التونسي، وحل البرلمان بقوة القانون".

 

وهو ما أكده رئيس قيادة الحشد الشعبي التونسي أنيس ڨعدان، في تصريح إعلامي، بقوله: "رئيس الجمهورية نحترمه ونقدره فهو وطني ونزيه وصادق... ، الشعب احتشد في يوم لم تشهد له تونس ومن هنا جاءت تسمية الحشد".