حقيقي أم تنصل؟.. لهذا أشعل دعم المحروقات خلاف عون وحاكم مصرف لبنان

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت الجدل وتشير إلى اشتعال أزمة الوقود في لبنان أكثر مما هي عليه، أعلن حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة رفع الدعم عن الوقود المستورد.

سلامة، قرر تأمين المصرف الاعتمادات اللازمة للمحروقات، وفقا لسعر الدولار بالسوق السوداء، (20 ألف ليرة) للدولار الواحد، بدلا من السعر القديم (3900) ليرة.

المصرف أوكل أيضا إلى وزارة الطاقة تحديد الأسعار الجديدة للمحروقات، في قرارات سبقها اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع، الذي يعتمده رئيس الجمهورية ميشال عون كبديل عن حكومة تصريف الأعمال.

المجلس يضم بالإضافة إلى عون، رئيس الحكومة، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والاقتصاد، وقادة الأجهزة الأمنية، والمدعي العام التمييزي. 

رئيس الجمهورية الذي يحق له أن يستدعي من تقتضي طبيعة أعمال المجلس حضورهم، طلب سلامة الذي أبلغ المجتمعين بعدم قدرة مصرف لبنان على دعم المحروقات بعد الآن. 

وزير الطاقة والمياه ريمون غجر المقرب من عون، والذي حضر الاجتماع، قال للصحفيين: إنه إذا توقف الدعم عن المحروقات، سيتحرر السعر ويصبح موحدا، الأمر الذي يؤكد أنه على علم بقرار مصرف لبنان. 

وما إن صدر بيان المصرف المركزي، حتى شن "التيار الوطني الحر"، الذي أسسه عون، ويرأسه صهره جبران باسيل، حملة ضد حاكم المصرف المركزي.

واتهم باسيل، سلامة "بتفجير البلد"، فيما استدعى رئيس الجمهورية حاكم المصرف في اليوم التالي، وأصدر بيانا يؤكد فيه مخالفته للقانون، وللسلطة التنفيذية التي يتبع لها. 

أوحت مسارعة رئيس الجمهورية وصهره وحزبه، بالتبرؤ من قرار رفع الدعم، بأنهم لم يكونوا على علم مسبق بالقرار، في حين يؤكد سلامة إبلاغهم بذلك.

والسؤال: هل كان عون على علم بخطوة سلامة، أم أنه تفاجأ بها مثل غالبية اللبنانيين؟ وفي حال كان على علم، لماذا يحاول التنصل من القرار؟

سياسات الدعم

رفع الدعم عن المحروقات، في ظل ما يعيشه اللبناني من فقدان القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وفي ظل فقدان الأدوية والمازوت والبنزين من الأسواق، يعد قرارا كارثيا.

قبل الأزمة الاقتصادية والنقدية التي يمر بها لبنان منذ عامين، دعمت الحكومات المتعاقبة السلع المستوردة، بتثبيت سعر صرف الدولار على 1507 ليرات لكل دولار.

 ومع تهاوي سعر صرف الليرة نهاية 2019، دعم مصرف لبنان استيراد القمح والأدوية والمحروقات من مازوت وبنزين وغاز، من احتياطياته بالعملة الصعبة.

كما اعتمدت حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة سياسات دعم عشوائية، مع إضافة سلة من المواد والسلع المدعومة في يوليو/ تموز 2020.

تتألف من 35 صنفا من الزيوت والحليب واللحوم والأسماك والأطعمة المعلبة والحبوب، إلى جانب 270 سلعة تصنف كمواد أولية تدخل في التصنيع والإنتاج الزراعي والحيواني.

وكلفة شهرية لتلك السلة تجاوزت 210 مليون دولار، ما أنهك احتياطات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان.

 تلك السلة اعتراها الكثير من الشكوك، مع تضمينها سلعا غير أساسية كالمكسرات والفواكه المجففة، وسلعا فخمة للأثرياء مثل الكافيار، جرى التخفيف منها ثم إلغاؤها نهاية الفصل الأول من السنة المالية (2020/ 2021).

وفي مارس/ آذار 2021، قال رئيس الحكومة حسان دياب لـ"وكالة رويترز": إن لبنان لا يمكن أن يبقي الدعم على الوقود بعد مارس/ آذار، مشيرا إلى أنه يمكن أن تبقي الحكومة على بعض الدعم حتى يونيو/ حزيران 2021. 

التقرير تضمن حديثا لوزير المالية غازي وزنة لـ"وكالة بلومبرغ"، أكد فيه أن لبنان يقلص الدعم على المواد الغذائية، وسيبدأ تدريجيا بزيادة أسعار البنزين لإنقاذ احتياطي العملة الأجنبية المتضائلة.

وأشار إلى أن الاحتياطي الأجنبي بلغ 16 مليار دولار، ولا يمكن استخدام إلا 1.5 مليار دولار أميركي لتمويل الدعم، وهو ما يكفي شهرين أو ثلاثة. 

وقال وزني: "لقد انخفضت الاحتياطيات إلى النصف، إذ كانت تبلغ حوالي 30 مليار دولار أميركي في 2020"، لافتا إلى أن الدعم يكلف 500 مليون دولار أميركي شهريا، (6 مليارات دولار) في السنة.

في هذا الإطار، كانت الحكومة بدأت التحضير لمرحلة ما بعد رفع الدعم، عبر دراسة مشروع لاستصدار بطاقة تمويلية هدفها تغطية عجز القدرة الشرائية للمواطنين.

 لكن المشروع الذي كان من المفترض أن يشمل 750 ألف أسرة لا يزال أسير النقاشات بين القوى السياسية دون تنفيذ، لاسيما مع انعدام القدرة على تمويله محليا من الخزينة أو احتياطيات مصرف لبنان.

يرافق ذلك صعوبة الحصول على تمويل خارجي على شكل منح أو قروض ميسرة، في ظل فشل الحكومة في تطبيق إصلاحات جذرية تشكل المدخل إلى الأسواق المالية الدولية.

ضغوط رئاسية

من جانب آخر، ومنذ بدأت علامات الانهيار تلوح في الأفق، دأب رئيس الجمهورية ميشال عون على استدعاء حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ومطالبته بضرورة استمرار سياسات الدعم لنهاية عهده، وحتى آخر دولار في الاحتياط.

استخدم عون وسائل ضغط إعلامية على سلامة، وحاول سابقا إقالته لكنه لم يتمكن من ذلك.

إذ إن قرارا من هذا النوع لا يستطيع عون اتخاذه بمعزل عن حليفه الرئيس "حزب الله" اللبناني، ودون إغفال تأثير سلامة على الشارع المسيحي، إذ يحظى بدعم البطريركية المارونية والبرجوازية المسيحية.

 أما اليوم، وعلى الرغم من دعم الأجواء لتغيير سلامة، إلا أن انهيار العملة المحلية يجعل من مهمة أي بديل له انتحارية، ناهيك عن مدى امتلاك عون من الأساس رؤية أو برنامجا اقتصاديا لإخراج البلد من محنته.

ضغوط عون أجبرت حاكم مصرف لبنان على إبقاء دعم المحروقات والقمح والأدوية حتى أغسطس/ آب 2021، مع تخفيض مصرف لبنان نسب الاحتياطي الإلزامي للبنوك لديه بنسبة نقطة مئوية واحدة، من 15 إلى 14 بالمئة. 

وفي نهاية يونيو/ حزيران 2021، أعطى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب موافقة استثنائية على تمويل استيراد المحروقات وفق تسعيرة جديدة للدولار مقابل الليرة.

إذ جرى تعديلها من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة للدولار الواحد، على أن يستمر هذا الدعم لغاية نهاية شهر سبتمبر/ أيلول. 

لكن كل هذه الإجراءات لم تجد نفعا، إذ غابت المشتقات النفطية والأدوية من الأسواق، على الرغم من ارتفاع ثمنها، في حين نشطت شبكات التهريب الضخمة المنتشرة في طول البلاد وعرضها، والمغطاة سياسيا، وفق مراقبين.

المواد المدعومة، يجري تهريبها إلى سوريا، أو بيعها في السوق السوداء مستفيدين من الفوارق الكبيرة بين سعر الصرف المدعوم، ومثيله في السوق الموازية. 

وهنا يرى الكاتب اللبناني أحمد الأيوبي أن "هذه السلوكيات أنهكت احتياطيات المصرف المركزي، في حين لم يستفد منها غالبية المواطنين، إذ استمرت طوابير السيارات أمام محطات البنزين في التزايد".

ويضيف لـ"الاستقلال": "أطفئت مولدات الأحياء، التي تعوض غياب الكهرباء الرسمية، بسبب عدم توفر المازوت، وبدأت مصالح ومصانع وأسواق بكاملها في الخروج من الخدمة".

الأيوبي، يتابع: "وكذلك أقفلت بعض الوزارات والمقرات الحكومية، وشحت الأدوية والمستلزمات الطبية في الصيدليات والمستشفيات". 

وفق رؤيته "كل ذلك أدى إلى اهتزاز الأمن الاجتماعي، وتحفيز الغضب الشعبي، خاصة تجاه حاكم مصرف لبنان، الذي كانت رئاسة الجمهورية ومختلف الوزارات والشركات المستوردة تحمله مسؤولية التباطؤ في فتح اعتمادات تمويل المواد المستوردة". 

ويقول:"حاكم مصرف لبنان، كان يصدر البيانات والتوضيحات لدفع هذه التهم عن نفسه، مكررا التحذير من وصول الاحتياطيات للخط الأحمر، مضمنا بياناته الأرقام التي تبين ارتفاع وتيرة الاستيراد مقارنة بالسنوات السابقة".

وكان حاكم مصرف لبنان اتهم التجار بتخزين المواد المدعومة وحجبها عن الأسواق لتهريبها وبيعها في السوق السوداء، بتغطية السلطة السياسية لهؤلاء التجار.

سلامة يرد

ومع بداية أغسطس/ آب 2021، كانت البلاد تغلي مع شح المحروقات والأدوية، وتعالت صرخة المستشفيات عن قرب نفاد الوقود من خزاناتها، وخطورة ذلك على أرواح المئات من المرضى.

وفي طليعتها الجامعة الأميركية، التي أصدرت إدارتها نداء استغاثة لإنقاذ حياة 40 مريضا و15 طفلا يعيشون على أجهزة التنفس الصناعي سيموتون لتوقف الأجهزة نتيجة نقص الوقود.

كما أن مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وهو المستشفى الحكومي الأكبر في لبنان، أوقف التكييف بمعظم غرف المستشفى، في ظل عمل مولدين كهربائيين من أصل 7 بسبب شح المازوت.

وعندما وجد سلامة أن تحذيراته لم تجد صدى لدى المسؤولين أبلغهم رسميا بعدم قدرة المصرف المركزي على الاستمرار في سياسة الدعم، قبل الاجتماع المذكور آنفا، وعاد سلامة وأبلغ المجتمعين بقراره.

وبشأن اتهام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل  سلامة بتفجير البلد، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور أيمن عمر، أنها محاولة من حزب الرئاسة للي ذراع سلامة وإرغامه على التراجع.

عمر، يقول لـ"الاستقلال": "حاكم المصرف يتحمل جزءا كبيرا من المسؤوليات فيما وصلنا إليه، لكن أيضا المسؤولية الكبرى على عاتق السلطة السياسية مجتمعة".

ويستغرب الناشط في (ثورة 17 تشرين) محمد أسوم من اختفاء مادة المازوت وكذلك البنزين والغاز المنزلي من الأسواق، وكذلك الخبز. 

ويقول لـ"الاستقلال": "السلطة تهرب عبر أحزابها ونوابها المحروقات لسوريا بأسعار باهظة، في الوقت الذي نموت فيه نحن على أبواب المستشفيات ونقتل بعضنا بعضا أمام محطات الوقود لتعبئة سياراتنا".

وما يؤكد وجهة نظر أسوم، كثافة حركات الاعتراض الشعبي، على قرار رفع الدعم وتبخر المواد من الأسواق، في معظم المدن والمناطق اللبنانية، وحدوث شغب وإطلاق نار سقط بموجبهما عدد من الضحايا. 

رئيس الجمهورية قام بدعوة الحكومة المستقيلة للانعقاد بشكل مخالف للدستور، بغية إقالة حاكم مصرف لبنان، لكن الرئيس حسان دياب رفض انعقاد الاجتماع. 

من جانبه أكد سلامة لـ"إذاعة لبنان الحر" أن الجميع كان على علم بقراره، وأضاف: "بدل القيام بهذه المسرحية، اذهبوا إلى مجلس النواب وأقروا قانونا يمول الاستيراد من الاحتياطي الإلزامي". 

وكشف أن "مصرف لبنان استورد بـ 820 مليون دولار محروقات، لكننا لا نرى لا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء، هذا هو الذل بحد ذاته بحق اللبنانيين وليست المواقف المتخذة من قبلنا".

وحمل التجار المسؤولية وطالبهم بالتوضيح قائلا: إنه "لا يمكنهم الاستيراد بأسعار السوق والبيع بأسعار مدعمة لا تمثل إلا جزءا بسيطا من قيمة العملة الحقيقة". 

كما شدد سلامة على أن مشكلة الليرة اللبنانية سياسية، وهي رهينة تشكيل حكومة جديدة وإصلاحات يجب القيام بها، وهو الأمر الذي يجب على رئيس الجمهورية أن يولي اهتمامه به.