تناقض فج.. كيف يجمع بايدن بين "قمة الديمقراطية" ودعمه قادة الديكتاتورية؟

12

طباعة

مشاركة

بعد وعوده التي أطلقها عام 2020، أخيرا دعا الرئيس الأميركي جو بايدن في 11 أغسطس/ آب 2021 إلى عقد "قمة القادة من أجل الديمقراطية"، ليثير الكثير من الجدل والتساؤلات بشأن جدوى تلك القمة وما يمكن أن تفعله مع ديكتاتوريات الشرق الأوسط.

بيان لوزارة الخارجية الأميركية، أوضح أن بايدن سيجتمع وقادة من مجموعة متنوعة من الديمقراطيات في العالم في قمتين: "افتراضية" لأجل الديمقراطية في ديسمبر/ كانون الأول 2021، تتبعها قمة ثانية "وجها لوجه" في 2022.

القمة الافتراضية تعقد عبر الإنترنت يومي 9 و10 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وستطرح التزامات ومبادرات حول ثلاثة محاور رئيسة هي: مواجهة الاستبداد، ومكافحة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.

ثم في نهاية 2022، يستضيف بايدن القمة الثانية بحضور شخصيات وقادة إلى أميركا لتقييم التقدم الذي جرى إحرازه نتيجة للقمة الأولى، مع صياغة مسار مشترك للمستقبل.

هدف القمة، بحسب الخارجية الأميركية "وضع أجندة إيجابية لتجديد قيم الديمقراطية والتصدي لأكبر التهديدات التي تواجه الديمقراطيات".

الوزارة أوضحت أن القمتين يشارك بهما رؤساء دول، وقادة المجتمع المدني، وقطاع الأعمال الخيرية والقطاع الخاص، معتبرة أنهما فرصة يستمع فيها قادة العالم إلى بعضهم البعض وإلى مواطنيهم.

ردود أفعال الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تراوحت بين السخرية من القمة الأميركية وطرح التساؤل: متى تتوقف واشنطن عن دعم الحكام المستبدين؟ مؤكدين أنه عندها تنتشر الديمقراطية في العالم.

على الجانب الآخر رحب ناشطون بالقمة مؤكدين أنها تأتي في وقت تتصاعد فيه الديكتاتوريات في العالم، ويتفاقم القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، وأعربوا عن أمنيتهم بأن تسعى القمة لتقييد انتهاك الحريات في العالم.

فحين طرح بايدن خطته بشأن قمة للديمقراطية فبراير/ شباط 2021، قال إبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين: إن "الجماعة صدرها مفتوح للجميع، ومستعدة للحوار مع أي إنسان يكون في صف الديمقراطية وحق الشعوب في امتلاك حريتها".

وأضاف منير لموقع "الجزيرة. نت" 25 فبراير/ شباط 2021 أنه إذا كان هناك توجه من الإدارة الأميركية الجديدة نحو دعم الديمقراطية والحريات وإعطاء الشعوب حقوقها في اختيار من يمثلها، فنحن نرحب بهذا التوجه ولا نتأخر عن أي دعوة لحضور مثل هذه المؤتمرات المهمة وإبداء رأينا وتصوراتنا فيها".

كما أكد رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية أيمن نور للجزيرة. نت أن قمة الديمقراطية ينبغي أن تتسع ليس فقط للدول، ولكن التمثيل الصحيح للمنظمات الأهلية والمنظمات الوسيطة كالأحزاب والتيارات السياسية المعنية بقضية التحول نحو الديمقراطية.

وأعلن نور مشاركة حزبه "غد الثورة" في هذه القمة إذا وجهت له الدعوة، مشيرا إلى أنه يميل إلى أن قرار اتحاد القوى الوطنية سيكون أيضا بالمشاركة.

صحيفة "The Hill" الأميركية، علقت على القمة المحتملة 10 أغسطس/ آب 2021، وقالت: إن "فريق بايدن يفتقر إلى إستراتيجية واضحة يستوعبها حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط".

خبراء معنيون بالمصالح الأميركية قالوا للصحيفة: إنهم "يواجهون تضاربا وارتيابا في نهج الإدارة الأميركية في المنطقة، وارتباكا بشأن ما تسعى إدارة بايدن إلى تحقيقه بالشرق الأوسط".

والسؤال هنا: "إذا كان بايدن يفتقر إلى إستراتيجية واضحة تجاه الشرق الأوسط؛ فكيف سيتعامل مع الديكتاتوريات في المنطقة ويحثهم على الديمقراطية؟"، وفق مراقبين.

أهمية القمة

بدأ الحديث عن "قمة الديمقراطية" حين كتب بايدن في دورية "فورين أفيرز" عدد شهري مارس/ آذار-أبريل/ نيسان 2020 تحت عنوان: "لماذا على أميركا أن تقود من جديد؟"، مشيرا إلى ملامح السياسة الخارجية التي يعتزم انتهاجها بعد وصوله الحكم.

قال حينها: "سأدعو قادة الديمقراطيات حول العالم لكي يرجع تعزيز الديمقراطية أولوية على جدول الأعمال العالمي، فاليوم ترزح الديمقراطية تحت ضغط يفوق ذلك الذي رزحت تحته في ثلاثينيات القرن الـ 20".

هدف بايدن من قمة الديمقراطية "إنعاش الروح والغاية المشتركة لأمم العالم الحر"، واجتماع الديمقراطيات العالمية لتمكين المؤسسات الديمقراطية والتصدي بصدق لأحوال الدول الآخذة بالانزلاق، وصياغة أجندة مشتركة، حسبما ذكر.

بايدن، أكد في مقالة السابق بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، عن القمة الموعودة: إنها "ستتضمن منظمات المجتمع المدني حول العالم التي تقف على الخطوط الأولى للدفاع عن الديمقراطية".

وقال: "إن الدفاع عن القيم الديمقراطية لأميركا لا ينفصل عن تعزيز مصلحتنا الوطنية".

قبل الإعلان عن هذه القمة، أوضحت إدارة بايدن في بيان فبراير/ شباط 2021 أن "تنشيط الديمقراطية في أميركا وحول العالم أمر ضروري لمساعدة الشعب الأميركي ومواجهة التحديات غير المسبوقة في عصرنا". 

وقالت وزارة الخارجية الأميركية: إن "الديمقراطية وحقوق الإنسان تتعرضان للتهديد في جميع أنحاء العالم، وتواجه تحديات خطيرة أدت لانعدام الثقة وفشل الحكومات في تحقيق تقدم اقتصادي وسياسي عادل ومستدام".

وأكدت أن هذا "أدى إلى تأجيج الاستقطاب السياسي وصعود القادة الذين يقوضون الأعراف والمؤسسات الديمقراطية".

وأشارت لتخطي "القادة الاستبداديين" حدود تقويض الديمقراطيات، من استهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتدخل في الانتخابات، بينما يزعمون أن نموذجهم أفضل في خدمة الناس.

لذا قال الرئيس بايدن، في بيان فبراير/ شباط 2021: "إن علينا أن نثبت أن الديمقراطية لا تزال تعمل ويمكنها تحسين حياة الناس بطرق ملموسة".

وأنه "يجب على الديمقراطيات أن تجتمع معا للوقوف في مواجهة تهديدات الأنظمة الاستبدادية، ولإظهار قدرتنا على معالجة الأزمات الأكثر إلحاحا في عصرنا".

السيسي شريك

تصريحات بايدن، وإعلان إدارته الدعوة للقمة ديسمبر/ كانون الأول 2020، فتحت الباب أمام اجتهادات كثيرة عن هوية الدول التي يدعوها أو يستبعدها، وتبعات ذلك على علاقات تلك الدول بواشنطن.

وهو ما أشار إليه مقال للكاتب محمد المنشاوي من واشنطن، بجريدة "الشروق" المحلية 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

دعوة حقوقيين للقاء وزير خارجية أميركا أبريل/ نيسان 2021، ربما كانت إشارة أيضا الى أنه سيجري دعوة ناشطي حقوق الإنسان ومنظمات مجتمع مدني، بجانب رؤساء وقادة أنظمة لقمة بايدن.

بلينكن كتب عبر "تويتر" 20 أبريل/ نيسان 2021 يقول: إنه التقى 8 مدافعين بارزين عن حقوق الإنسان لبحث التهديدات التي يواجهونها وكيف تدعمهم أميركا.

الحقوقي المصري الذي حضر اللقاء حسام بهجت، قال: إن الاجتماع ناقش "واقع وتحديات العمل الحقوقي حول العالم، وتقييم سياسات الإدارة الأميركية بشأن حقوق الإنسان".

دعوة الحقوقيين المصريين المعارضين للقاء بايدن إن جرى ذلك، لاشك يزعج نظام السيسي، خاصة لو تمت دعوته أيضا ليستمع إلى انتقاداتهم.

وقبل الإعلان عن القمة دخلت إدارة بايدن سلسلة تحديات فيما يتعلق بموقفها من الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية ومصر وتونس بعد مواقفها المتأرجحة في هذه الملفات الثلاثة.

صحيفة واشنطن بوست تساءلت 4 أغسطس/ آب 2021، قائلة: "هل بايدن جاد في النضال من أجل ديمقراطية مصر؟

وقالت: إن "تعهد الرئيس بايدن بوضع الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في صميم سياسته الخارجية تحول لبداية سيئة إذ تراجعت إدارته بالفعل عن تعهدها بذلك في الشرق الأوسط".

وأشارت إلى تراجع بايدن عن تعهده بجعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "منبوذا"، واستجابته بشكل ملتبس لاستيلاء الرئيس التونسي على السلطة وتفكيك الديمقراطية العربية الوحيدة.

الصحيفة لفتت إلى أن إدارة بايدن تواجه الآن اختبارا حاسما بشأن ما إذا كان خطابه عن عدم إعطاء السيسي شيكات بلا رصيد سيترجم إلى عمل ذي مغزى.

إذ إنه من المقرر أن تبت الإدارة الأميركية في أغسطس/ آب 2021، في أمر حجب 300 مليون دولار من إجمالي 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية المقدمة لمصر لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان.

في كلمته أمام مجلس الشيوخ 29 يوليو/ تموز 2021 قال السيناتور كريس مورفي: "إذا استسلمت إدارة بايدن، ومنع وزير الخارجية تنفيذ قرار الكونجرس بحجب المساعدات بدعوى أهمية مصر، فسيحطم أي كلام قاله بايدن عن عدم تدليل السيسي أو إعطائه شيكات علي بياض".

وأضاف أن هذا "يرسل رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن أميركا تتحدث عن لعبة كبيرة اسمها الديمقراطية، ولكنها غير مستعدة لها، وربما يكون أول ضحايا ذلك 12 مصريا منتظر إعدامهم في قضية (رابعة) بمصر".

رغم قمع النظام الحاكم للمصريين على مدار 8 سنوات، أصرت إدارة بايدن على دعم علاقاتها الأمنية مع مصر.

صحيفة "The Hill" الأميركية، أكدت 10 أغسطس/ آب 2021 أن "كبار المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية شددوا على أهمية استمرار المساعدة الأمنية الأميركية لمصر رغم مخاوف إدارة بايدن من ملف حقوق الإنسان".

نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول، ونائبة مساعد وزير الخارجية في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية ميرا ريسنيك، قالتا بوضوح خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ حول الشرق الأوسط "السيسي شريك مهم".

أوضحتا أن المسؤولين الأميركيين أثاروا مخاوفا بشأن حقوق الإنسان في مصر على "أعلى مستوى" في الحكومة لكن "مصر شريك أمني مهم".

"بيت القصيد"، كما قالتا، يتلخص في أهمية مصر لتحقيق أهداف أمنية لأميركا مثل "الأمن البحري، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب".

ووفق الرؤية الأميركية، تتمثل أهمية مصر كذلك في إدارتها لمجرى قناة السويس وضمان حركة الملاحة البحرية التجارية والعسكرية، ودور القاهرة في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة مايو/ أيار 2021.

لذا فإن مبررات الإبقاء على المساعدات الأميركية لمصر بينها الإذن المميز الذي تقدمه مصر للسفن الحربية الأميركية التي تمر عبر قناة السويس فور طلبها المرور دون انتظار.

وكذا حقوق تحليق الطائرات العسكرية الأميركية في المجال الجوي المصري والتي توفرها القاهرة لواشنطن، وفق مراقبين. 

ولكن مجلة "فورين أفيرز" ترى أنه إذا كانت هذه المميزات مهمة للجيش الأميركي، فإنه بإمكان واشنطن أن تدفع ثمنها وفقا لنظام تسعير محدد، لا أن تدفع المقابل أسلحة للنظام القمعي في مصر.

إمداد الطغاة

المجلة قالت 16 يوليو/ تموز 2021: إن "الشعب الأميركي سيؤيد توقف حكومته عن إمداد طغاة الشرق الأوسط بالأسلحة".

وأكدت أن "بايدن أمامه الآن فرصة لتوجيه العلاقات مع مصر بحيث تتماشى مع المصالح الوطنية الفعلية لأميركا".

دعوات النواب توم مالينوفسكي وآدم شيف لقطع 75 مليون دولار من المساعدات لمصر المخصصة لعام 2022 لاعتقالها 60 ألف سجين سياسي، لم تجد صدى لدى الإدارة الأميركية.

كما أن دعوة رئيس لجنة مخصصات الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ السيناتور كريس مورفي إلى حجب 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لم يجر البت فيها.

بحسب عدد "فورين أفيرز" السابق يرى مورفي أن المشكلة في "تركيز الجيش المصري على القمع الداخلي أكثر من تركيزه على الأمن الإقليمي"، إلى جانب "حملة القمع المذهلة للمعارضة السياسية حد تركهم يموتون في الزنازين".

المشكلة أن من حق وزير الخارجية الأميركي وفق القانون الاتحادي إصدار "تنازل" سنوي يفيد بأن "تمويل المساعدة العسكرية بالكامل لمصر دون خصم يخدم مصلحة الأمن القومي الأميركي".

وسبق لوزير الخارجية السابق مايك بومبيو إصدار هذا الإعفاء الخاص بمصر في يوليو/ تموز 2020، بعدما طلب النواب حجب جزء من المساعدات عقب وفاة مصطفى قاسم المواطن الأميركي المعتقل في مصر يناير/ كانون 2020.

ويتوقع أن يقدم وزير الخارجية أنتوني بلينكن قراره إلى الكونجرس بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر وقرار الإدارة بشأن ما إذا كان سيجري إصدار تنازل للسماح بحجب 300 مليون دولار أم لا؟ في أغسطس/ آب 2021.

ولو أصدر بلينكن التنازل المرتقب بحق مساعدات مصر، ومنع الكونجرس من حجب جزء منها، فستكون قمة بايدن للديمقراطية بلا معنى.