أرقام جديدة بعد 8 سنوات.. ما العدد الحقيقي لضحايا فض رابعة في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

بعد 8 سنوات من مجزرة فض "رابعة العدوية" صدرت دراسة جديدة موثقة تكشف العدد الفعلي للشهداء الذين سقطوا برصاص الأمن المصري في أبشع مذبحة جرت بحق المصريين في العصر الحديث، وفق منظمات حقوقية دولية.

ورغم صدور تقارير حقوقية وصحفية عديدة توثق وترصد وقائع الفض الدموي وتكشف عن الكثير من أسماء ضحاياه، إلا أنها لم تكن كافية لكشف كل الحقيقة التي أخفى النظام معالمها بحرق ميدان رابعة ومشفاه الميداني.

وفي الذكرى الـ8 للمجزرة التي حلت 14 أغسطس/ آب 2021، أصدرت مؤسسة "وعي" البحثية البريطانية دراسة توثيقية لوقائع المذبحة وقائمة موحدة للشهداء، مستخلصة من نتيجة التدقيق والتحليل الإحصائي لعملية الفض الدموي.

التوثيق اقتصر على شهداء يوم واحد فقط محدد بساعات فض الاعتصام 14 أغسطس/ آب 2021، فيما سيتبعه توثيق لباقي المذابح التي شهدتها مصر عقب الانقلاب، بهدف حفظ الحقائق من التزوير الذي تمارسه السلطات.

أعلى رقم جرى رصده لضحايا رابعة أعلنه موقع "ويكي ثورة"، وكان 932 شهيدا، في حين وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أسماء 817 ضحية، وأشارت إلى أن العدد الفعلي يتجاوز 1000 ضحية.

على الجانب الآخر؛ جاءت التصريحات الرسمية وشبه الرسمية هي الأقل، إذ أعلنت مصلحة الطب الشرعي عن 377 ضحية فقط، فيما تحدث المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) عن 632 شخصا.

لكن دراسة "وعي" وثقت بالأسماء والبيانات مقتل 1014 ضحية خلال الفض الدموي من قبل قائد الجيش حينها عبدالفتاح السيسي، لاعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي بميدان "رابعة" شرق العاصمة المصرية القاهرة وميدان "النهضة" بالجيزة.

قوائم متضاربة

يوم 15 أغسطس/ آب 2013، أعلنت الصحة المصرية سقوط 638 قتيلا و3994 مصابا، موضحة أن منهم 333 قتيلا مدنيا و7 ضباط سقطوا في محيط رابعة.

السلطات المصرية توقفت عن إصدار البيانات الخاصة بأعداد القتلى منذ 16 أغسطس/ آب 2013. 

لكن رئيس الوزراء الذي أصدر أمر فض الاعتصام بالقوة حازم الببلاوي اعترف في حوار مع محطة التلفزيون الأميركية (ABC) في 28 أغسطس/ آب 2013، أن قتلى رابعة كانوا نحو 1000 شخص.

المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) في تقريره 17 مارس/ آذار 2014، عاد قلص عدد القتلى من 632 إلى 624، مقابل 80 قتيلا في ميدان النهضة.

كذلك قلصت "لجنة تقصي حقائق 30 يونيو" المشكلة بقرار جمهوري، عدد ضحايا رابعة أكثر إلى 607 فقط، في تقريرها 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.

لكن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قالت في تقرير بعنوان "أسابيع القتل" 17 مارس/ آذار 2014: إن عدد قتلى رابعة 932 شخصا وفي النهضة 87 حالة. 

مع أن موقع "ويكي ثورة" قال: إنه حصر 932 قتيلا "من خلال جثامين كاملة التوثيق"، ذكر أنه وثق 328 حالة قتل جمعت من أماكن عدة في محيط رابعة ومسجد الإيمان ومجهولة الهوية ومستشفيات.

تحليل إحصائي

إحصائية مستشفى رابعة الميداني قبل الفض الكامل وحرق قوات الأمن لها هي ومسجد رابعة الشهير، تؤكد أنها أحصت 2200 جثة.

وقال "تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب"، في بيان رسمي: إن عدد من سقطوا في ميدان رابعة وحده بلغ 2600 قتيلا.

تضاعف أرقام الضحايا في البيانات السابقة مقارنة بكل ما جاء في قوائم المنظمات الحقوقية والبحثية، وآخرها دراسة "وعي" يطرح تساؤلات حول ظاهرة "المختفين".

ولا يزال بعض أهالي المعتصمين يبحثون عن ذويهم المختفين منذ 8 سنوات فلا هم في قوائم الموتى المعلنة ولا بين المعتقلين في السجون.

معتصمان من الذين حضروا فض رابعة تحدثوا لـ"الاستقلال" عن "ظاهرة المختفين"، وأكدوا أنه بخلاف الشهداء الذين جرى رصدهم أو إصدار شهادات وفاة لهم، كان هناك معتصمون اختفوا ولم يعثر لهم على أثر.

طبيب رفض ذكر اسمه، يقول: إن "هذا اللغز تفسره جرافات الجيش التي كانت تقوم بتجريف جثث وخيام مع ركام وحطام الميدان".

ويؤكد أن "الجرافات كانت تضع الجثث في سيارات للجيش والشرطة وأخرى تابعة للمحليات تلقي بها في حفر بمناطق صحراوية خارج القاهرة لإخفاء معالم الجريمة".

موظف اعتقل وأفرج عنه لاحقا، يقول لـ"الاستقلال": إنه "كان يحرس أغذية المعتصمين، وشاهد بنفسه زملاء له يسقطون برصاص الأمن والجيش".

ويجزم بأن "جرافات ضخمة جرفتهم مع أجولة أرز وأطعمة وخيام وألقت بهم في تريلات ضخمة".

ومن المختفين منذ 8 سنوات، عادل درديري عبد الجواد، بعد فقدان التواصل معه أثناء محاولته استعادة جثمان ابنه محمد عادل، الذي قضى في مذبحة رابعة بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".

وكذلك خالد محمد حافظ عزالدين، مدير إدارة في شركة كهرباء بني سويف، كان بين المعتصمين وانقطعت أخباره منذ 27 يوليو/ تموز 2013، وشاهدته زوجته آخر مرة عبر فضائية عربية، وكان مصابا في رأسه.

فيديوهات عدة نشرت تصور جرافات الجيش وهي تدهس وترفع جثثا ضمن المخلفات دون معرفة شيء عن مصير الضحايا المختفين.

تقرير لقناة "وطن" رصد مبكرا هذه الظاهرة وأورد أسماء مختفين في المذبحة لم يعثر عليهم في السجون أو بين القتلى المعلن عنهم حتى الآن.

وبحسب دراسة "وعي" هناك أكثر من 900 شهادة وفاة وتصريح دفن لضحايا أحداث وقعت بهذه الفترة، وجرى استخلاص ما يخص ضحايا الفض منها، ما يعني أن كل من قتل لم يتم استخراج شهادة وفاة له.

لم تلتفت أغلب الدراسات التي رصدت أعداد شهداء رابعة لدلالة تنوع المعتصمين بين أصحاب شهادات عليا ومديرين ونقابيين وعمال وفلاحين وطلاب، ولا لانتمائهم لمحافظات مختلفة.

التحليل الإحصائي لبيانات ضحايا فض اعتصام رابعة بين أن ما جرى كان "عملية قتل جماعي عن عمد" لمدنيين ومعتصمين سلمیین.

وكشف أنه لو كان الاعتصام مسلحا كما ادعت سلطة الانقلاب حينها، للقي الفض الدموي مقاومة توقع خسائر كبيرة في قوات الأمن والشرطة المهاجمة للمعتصمين وبينهم نساء وأطفال ومسنون.

ووفق البحث، فإنه من بين الـ1014 ضحية هناك 9 من رجال الشرطة والإطفاء والعسكريين الذين يأتي من بينهم بعض الضباط الملتحين المؤيدين للاعتصام، وضباط بالزي المدني كانوا بالاعتصام لأغراض مختلفة.

ثلث الضحايا وفق البحث من محافظة القاهرة بنسبة بلغت 31 بالمئة، بينما تقاسمت 24 محافظة مصرية أخرى بقية العدد.

كان بين الضحايا الصحفي البريطاني بفضائية "سكاي نيوز" مايكل دوجلاس، ما يؤكد استهداف مرتكبي المذبحة لفئة الصحفيين.

ضحايا النساء بلغن 15 معتصمة بنسبة 1.5 بالمئة، فيما شكل عدد الذكور 999 معتصما بنسبة 98.5 بالمئة، وكانت أكثر الفئات العمرية بين الضحايا بين 18 و60 عاما.

اختارت الدراسة 11 شخصية كنماذج من بين ضحايا فض اعتصام رابعة، لم تظهر على مسرح الأحداث، ولم تكن منتمية لفصيل واحد كما سوق لذلك نظام الانقلاب. 

قالت الدراسة: إنهم "عشقوا جميعا الحرية والكرامة والعدالة، وسعوا لنيلها ضمن الحراك الشعبي المشروع في ثورة 25 يناير، فكلهم ثائرون بامتياز على الظلم والاستبداد والفساد".

أحدهم المعتصم عبدالناصر عجاج، شارك في ثورة يناير 2011، وعزف مقطوعات موسيقية في "ميدان التحرير" حينها بين الثوار.

وتحدثت الدراسة عن الطالبة الأزهرية مريم علي، التي شاركت في ثورة يناير وما تلاها من أحداث ومنها مجزرة "محمد محمود" (أحد شوارع القاهرة الذي شهد مجزرة بحق ثوار يناير).

ولفتت أيضا إلى أستاذ التفسير بجامعة الأزهر عبد الرحمن عويس، الذي انضم لاعتصام رابعة، فلقي الله شهيدا هو وولده.

أم رمضان، هبه محمد فكري، لم يكن لها انتماء سياسي، لكنها ظهرت في مشهد استشهادها تواجه القتلة وجها لوجه مشهرة في وجوههم المصحف الشريف، ووفق الدراسة، عاجلها القتلة وهي تصيح "الله أكبر" بطلقة في صدرها.

مصطفى الكردي الشخصية البسيطة والتعليم المتوسط، الذي أصر على المرابطة في الاعتصام من يومه الأول، فكان يذهب إلى عمله ويعود إلى الاعتصام.

وحين بدأت المذبحة كان في بيته بالمنوفية، لكنه أصر على الالتحاق بالمعتصمين، ورغم الحصار المفروض على القاهرة استقل دراجته النارية، ووصل إلى الميدان ليكون على موعد مع الشهادة.

ربما لهذا سعت شركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) التابعة لجهات سيادية عبر مسلسل "الإختيار 2" الذي عرض في الموسم الدرامي الرمضاني 2021، لجمع قتلى الشرطة في أحداث مختلفة لا علاقة لها برابعة.

وزعم المسلسل أن "شهداء فض رابعة العدوية من الشرطة 43 ضابطا وجنديا"، في إشارة لمن قتلوا من الشرطة وهم يواجهون غضب الشعب المصري من الانقلاب.

وهو مؤشر آخر على أن اعتصام رابعة لم يكن مسلحا كما ادعت سلطة الانقلاب، وإلا لكان الفض لقي مقاومة مسلحة توقع خسائر كبيرة في قوات الجيش والشرطة.

جرائم بلا عقاب

مفارقات ما بعد المجزرة كانت أشد، فلم يعمل القتل فقط في المعتصمين، لكن جرى القبض على من نجا من الاعتصام.

وجرت محاكمة 739 منهم فيما عرف بقضية "فض اعتصام رابعة"، والحكم بإعدام 12 منهم نهائيا وسجن المئات.

حاول بعض المعتقلين من آباء شهداء رابعة والنهضة مطالبة القضاة بمحاكمة القتلة الذين قتلوا قرابة ألف معتصم باعتراف رئيس الوزراء حينها حازم الببلاوي، لكن القضاة تهربوا ورفضوا.

في جلسة محاكمته 9 أغسطس/ آب 2016، أبلغ والد شهيدة الفض أسماء البلتاجي القيادي في جماعة الإخوان المعتقل محمد البلتاجي، القاضي حسن فريد أن قيادات بوزارة الداخلية حضرت له السجن لإجباره على التنازل عن تقديم بلاغ يتهم السيسي بقتل ابنته في اعتصام رابعة.

وأبلغه أن اثنين من مساعدي وزير الداخلية، وهما اللواء حسن السوهاجى مساعد الوزير لمصلحة السجون، واللواء محمد علي مدير المباحث الجنائية في السجون أجبراه على خلع ملابسه وتصويره وتعذيبه كي يتنازل.

وقال: "هذا الكلام لديه عليه شهود ومسجل "لكن القاضي لم يكترث"، بحسب موقع "مصراوي".

تكرر الأمر مع المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد بديع الذي طالب بمحاكمة من قتلوا ابنه عمار في أحداث رمسيس الثانية 16 أغسطس/ آب 2013، وسط تجاهل القضاة.

الحقوقي جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تساءل: لماذا محاكمة فض رابعة لا تضم القتلة؟"، في إشارة لتقديم السلطات المصرية 739 من الإخوان للمحاكمة.

ويقول لـ "الاستقلال": إن "قتل المئات في بضع ساعات لا اسم له سوى مذبحة، وأنه كان يجب إخلاء سبيل الأبرياء والقبض على من أجرم فقط".

دفع هذا منظمة العفو الدولية 13 أغسطس/ آب 2021 لاستنكار عزم مصر إعدام 12 معتقلا في قضية رابعة "بينما تفلت قوات الأمن من العقاب على مذبحة رابعة".

وقالت: إن "السلطات المصرية تقاعست عن محاسبة أي من أفراد قوات الأمن على قتل ما لا يقل عن 900 شخص خلال فضهم العنيف لاعتصام رابعة العدوية والنهضة".

ولفتت إلى أن مئات آخرين يقضون أحكاما طويلة بالسجن لمشاركتهم بالاحتجاجات، "مما يدل على الأولويات المشوهة لما يسمى بنظام العدالة في مصر".

العفو الدولية وصفت في بيان سابق 15 يونيو/ حزيران 2021 الحكم بإعدام 12 شخصا في قضية فض رابعة بأنه "تلطيخ لسمعة أعلى محكمة استئناف في مصر ويلقي بظلال قاتمة على نظام العدالة بأكمله في البلاد".

وانتقدت عدم عقاب المسؤولين عنها، مؤكدة أن "عدم عقابهم شجعهم على زيادة القمع وقتل المصريين".

وأكدت أن "عدم محاسبة فرد واحد من قوات الأمن أو أولئك الذين يضطلعون بالمسؤولية على مستوى القيادة، عن أعمال القتل يعزز مناخ الإفلات من العقاب.

خبير علوم سياسية بجامعة القاهرة، رفض ذكر اسمه، يقول لـ"الاستقلال": إن هناك ثلاثة أسباب وراء استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب.

أولها: ما يمثله نظام السيسي من أهمية بملفات عدة لكل من أميركا وأوروبا وإسرائيل.

وثانيا: رفض حكومات غربية وأنظمة عربية للربيع العربي، خاصة بعدما ثبت لهم أن الفائز من الديمقراطية الحقيقية والانتخابات الحرة التي تلت هذا الربيع هو تيار الإسلام السياسي، ما دفع تلك الدول والأنظمة لدعم نظام السيسي.

وأخيرا: استفادة ضباط الجيش والشرطة، ورجال الأعمال وقوى الدولة العميقة من إجهاض الربيع العربي.