"زنزانة 65" و"المحطة".. كيف كشفت دراما المعارضة في رمضان جحيم نظام السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مقابل استمرار سقوط دراما رمضان في مصر، عام 2025 أيضا، في وحل قضايا التحرش والخيانة ومشاهد العري والانحلال، جاءت دراما المعارضة الجريئة في الخارج، قوية وشفافة مرعبة في موضوعاتها؛ حيث أظهرت مصر كأنها تعيش في المعتقل.

دراما المعارضة لم تلفت فقط الأنظار لتناولها بحرفية إلى جرائم معتقلات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ومعالجتها بمشرط الجراح، بصورة حركت مشاعر الغضب لدى المشاهدين، وجسد الأبطال المعاناة خلف القضبان، بصورة حقيقة.

ولكنها تربعت كالعادة في القمة وجاءت نسب المشاهدة على قناة "مكملين" ومواقع التواصل كاسحة مقارنة بدراما شركة المخابرات المصرية (المتحدة) التقليدية التي تعالج قضايا لا تهم الشارع المصري.

نقاد وصفوا مسلسل "زنزانة 65"، وهو عمل درامي جريء وتشويقي يفضح جحيم السجون في مصر، ويعرض على قناة "مكملين"، بأنه "سردية عملية" أقوى مما تسطره أوراق المنظمات الحقوقية عن مصر، المعتقلة كلها في سجون السيسي.

وجاء مسلسل الفنان المعارض عمرو واكد، "المحطة" على منصة "الجزيرة 360" ليفضح بدوره سردية الأنظمة العربية البائسة الروتينية في تناولها لقضية فلسطين وإبادة غزة، ويكشف فشل إعلام السلطة الذي تحركه أيادٍ استخبارية، وسط غياب تام للحريات.

بطش وبشاعة

جاء مسلسل "زنزانة 65" بمثابة تذكير بأوضاع مصر الحقوقية الحالية، والأسوأ في المنطقة على الإطلاق، بداية من إجراءات التقاضي الظالمة، واستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة، وتدوير المعتقلين حتى الموت داخل السجون.

فضح أوضاع السجون، كمنظومة ظلم متكاملة الأركان، وحالة الانغلاق التام، وغياب أي دور للضغوط الدولية، بسبب تماهي مصالح الدول المؤثرة عالميا مع مصالح نظام السيسي في قمع أي صوت معارض ومنع المصريين من التنفس.

لذا قالت قناة "مكملين" إنه جسد حالة "مصر في المعتقل" وكشف جرائم نظام السيسي بحق المعتقلين في أول مسلسل من نوعه.

ويدور مسلسل "زنزانة 65"، الذي تعرضه قناة "مكملين" المعارضة في الخارج، وهو من نوع الدراما الجريئة، حول فضح جحيم السجون في مصر، وإلقاء الضوء على الجرائم الفعلية التي تتم خلف أسوار السجون، بشكل درامي صادم.

ويحكي تفاصيل حقيقية عن واقع السجون في مصر، والأوضاع الصعبة التي يتعرض لها المعتقلون، من خلال مجموعة من الشخصيات الذين تجمعهم زنزانة، ويمارس عليهم كل أنواع الضغوط والتنكيل النفسي والبدني، ويجسد المعاناة التي يتعرضون لها في السجون المصرية.

وترجع أهمية مسلسل "زنزانة 65" إلى أنه من الأعمال الدرامية النادرة التي تناولت أحوال المعتقلات الحقيقية والانتهاكات داخلها، بعد محاولات سابقة مثل أفلام "البريء" و"الكرنك" و"إحنا بتوع الأتوبيس"، و"وراء الشمس" وغيرها.

وهي أعمال تعرضت للانتقام من السلطة ورموزها، لكنها ظلت محفورة في ذاكرة المصريين؛ لأنها عبرت عن واقع حقيقي ومعاناة حقيقية عايشها الشعب في فترات حكم قمعية لا تختلف عن حكم السيسي الأشد بطشا وبشاعة.

ورسمت صورة تقريبية للواقع داخل السجون والمعتقلات في فترات زمنية مختلفة.

حبكة "الديكودراما"

تم تنفيذ هذا العمل الفني بطريقة الديكودراما (Docudrama)، وهي نوع من الدراما الوثائقية التي تجمع بين العناصر الدرامية والحقائق التاريخية؛ حيث يتم استخدامها لإعادة تمثيل أحداث واقعية أو قصص حقيقية بأسلوب درامي.

وهو ما ساعد على إيصال مشاعر وتجارب شخصيات حقيقية بطريقة مؤثرة، جعلت دراما المعارضة المصرية في الخارج في رمضان أقوى من تقارير المنظمات الحقوقية، رغم تأكيد حقوقيين أن المسلسل "لم يرصد كل الانتهاكات" التي يتعرض لها المعتقلون في السجون.

وتنتشر هذه الأنواع من الإنتاجات في الأفلام والراديو والتلفزيون وتعد وسيلة فعالة لتوثيق الأحداث الاجتماعية والسياسية.

ولأن مخرج المسلسل هو "عبادة البغدادي‏"، مخرج ومنتج وثائقي، فقد اتبع أسلوب "الديكودراما"، وهي الأعمال الوثائقية المشمولة بمشاهد تمثيلية، لتغطية صور لا يستطيع المخرج الوصول إليها، ولتسهيل وصول المعلومة وفكرة الفيلم للمشاهد.

وهو "ما جعل الرسالة مباشرة جدا والمعالجة مأسوية تعكس واقع السجون والمعتقلات في مصر، وربما الواقع أصلا أشد إيلاما ومأسوية أكثر من المعالجة نفسها"، كما يقول الصحفي، عبد المنعم محمود في تدوينة عبر فيسبوك في 6 مارس.

ويقول المخرج عبادة البغدادي‏، حول المسلسل، إن العالم انتبه مع انتصار الثورة وفتح سجون صيدنايا وفروع النظام الأمنية إلى ما لم يكن يتخيله في أبشع كوابيسه، وتناهت إلى أسماعنا قصص تجسد روح الشر في نظام الأسد وممارساته الملوثة بدماء شعبه.

"لكن ما لم ينتبه له أحد، أو ما يغضون الطرف عنه عمدا هو وجود نظام (السيسي في مصر) أشد شرا على بعد كيلومترات وفي نفس البقعة الجغرافية"، حسبما وصفه عبر حسابه على "فيسبوك".

ويصف البغدادي‏، المسلسل بأنه "ربما لا يعكس ممارسات النظام، لكنه حجر نلقيه لنثير بعض الوعي، وننير بقعة ضوء في ظلام أقبية سجون النظام، حيث ذبلت أعمار المعتقلين في سجون السيسي ونظامه القميء الذي لا يزال يتوسع في ظلمه ويتجبر".

وقد وصفت منصة "باطل" المسلسل بأنه "في مقدمة السباق الدرامي الرمضاني، ويقدم رواية عن الواقع في مواجهة زيف النظام".

وأرجعت منصة "باطل" حملة الهجوم المفتعلة على المسلسل، واتهامه بتشوية صورة مصر ويبالغ في المشاهد الدرامية، "للمساحة الكبيرة التي خلقها المسلسل لنفسه في السباق الرمضاني وسط الكم الكبير من المسلسلات التي تم إنتاجها في مصر وفارق الإمكانيات الكبير".

واقع بشع

لم يكن سرد المسلسل لواقع السجون والمعتقلات في مصر مبالغا بقدر ما أنه سعى لتشريح هذا الواقع عبر مشاهد تمثيلية قوية ومقنعة للفنانين الذين شاركوا في العرض.

وهم مشاهير اختاروا الخروج من مصر والتضحية بالشهرة لتعارض الحكم الاستبدادي وجرائمه مع ضمائرهم، لذا جاء تمثيلهم متقنا ومعبرا عن الواقع الفعلي، وأظهرت انفعالاتهم تفاعلهم وتعايشهم مع هذا الواقع القمعي لأنهم ضحايا له.

وهم، وجدي العربي، ومحمد شومان، وهشام عبد الله، ومحمد عبد اللطيف، وعمرو مسعد، وهمام حوت، وعماد القليوبي، وصلاح عبد الله. 

ويصف الممثل هشام عبد الله المسلسل بقوله: "زنزانة 65 يوضح العلاقة بين النظام الحاكم والشعب المصري ويوضح ضعف النظام ولعبه على الوقيعة بين الشعب وكسر إرادته ببث الرعب والخوف"

وتزامن عرض المسلسل مع تقارير حقوقية وروايات مأساوية لمعتقلين سابقين، لأشهرهم أحمد أبو دومة، أظهرت انتهاكات صارخة ومعاناة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

حيث يُحظر التواصل على الموجودين في "طابق العناصر" الذي يضم حازم صلاح أبو إسماعيل، ومحمود عزت، وأحمد عبد العاطي، ومحمد الكتاتني، ومحمد وهدان وآخرين.

وبسبب منع زيارات أسرهم لهم وعدم معرفتهم أي أخبار عنهم منذ 8 سنوات، لا يعرفون أن لهم أحفادا أو مصير أولادهم، لانقطاعهم عن جلسات المحاكم والنيابة والتعامل معهم "أون لاين"، ومن وراء زجاج سميك مراقب عازل.

وحرص نظام السيسي القمعي على عزلهم عن العالم في زنزانات فردية وإخلاء عناصر كاملة لبعضهم إمعانا في العزل ومراقبتهم 24 ساعة بالكاميرات وانتهاك خصوصيتهم، وتعمد الإهمال الطبي، الذي قُتل بسببه العشرات، وعدم مراعاة كبر سنهم أو إصابتهم بأزمات قلبية.

ولأن المسلسل أوجع نظام السيسي ومريديه وكارهي التيار الإسلامي فقد حاول بعضهم مع الذباب الإلكتروني النيل منه، تارة بزعم أنه مسلسل خاص بالإخوان، وتارة بأن عيبه أنه بلا عنصر نسائي، كما قال الكاتب المعادي للإسلام خالد منتصر، مع أن أحداثه داخل السجون.

ويقول نقاد إن أكثر ما أزعج نظام السيسي هو السردية المختلفة لما يجري في السجون، إذ تتناول مسلسلات مصرية تشرف عليها السلطة، حالة السجون كأنها فنادق خمس نجوم ويراعي داخلها كافة حقوق الإنسان ويتمتع فيها المسجونون بكامل حقوقهم، لتلميع صورة النظام.

ولا تُظهر المسلسلات التي تشرف عليها أجهزة الأمن والمخابرات ما يحدث للمعتقلين والمسجونين من تعذيب أو تنكيل بهم.

وهو ما نسفه التناول الدرامي لمسلسل "زنزانة 65"، الذي نجح في الخروج خارج الإطار الذي حدده النظام المصري للدراما، وأشار إلى الواقع الحقيقي الذي يعيشه المسجونون.

وفي 6 مارس 2025، أكدت منظمة العفو الدولية أن سلطات النظام المصري وصل بها البطش حد عقاب المحتجزين بسبب احتجاجهم وإضرابهم عن الطعام بسبب ظروف احتجازهم القاسية واللاإنسانية.

وقالت 11 منظمة حقوقية، في بيان 20 يناير 2025، إن السلطات المصرية "لا تزال غير مكترثة بمعالجة أزمة حقوق الإنسان أو حتى بمجرد الاعتراف بها"، وترى نفسها "غير مثقلة باحتمالات الانتقادات الدولية".

مثل تجديد حبس الحقوقية هدى عبد المنعم وتدويرها بقضية جديدة للمرة الرابعة، بعدما أنهت مدة العقوبة المقررة بحقها، وتكرار الأمر مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المسجون في حبس انفرادي ويقضي عقوبة بالسجن 15 عاما تنتهي عام 2033.

ومع هذا تم ضمه كمتهم لقضية جديدة؛ ما يعد "رسالة من السلطات مفادها أنه لن يغادر السجن حيا"، وفق المنظمات الحقوقية.

ورصدت منظمات حقوقية وفاة 50 معتقلا سياسيا على مدار العام 2024، في سجون مصر ومقار الاحتجاز المختلفة، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وأوضاع الحبس المزرية. 

وكشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" أن الأوضاع في مقار الاحتجاز "تعرض حياة الآلاف من المحتجزين للخطر، ونتج عنها حالات وفاة متعددة تم توثيقها ونشرها لمحتجزين مصريين محبوسين احتياطيا في العديد من أقسام ومراكز الشرطة والسجون على مستوى الجمهورية".

"المحطة" الكاشفة

رغم أنه لا يعاني من حصار النجومية الذي فرضه النظام برئاسة السيسي على الفنانين المعارضين، بسبب تمثيله في عشرات الأفلام الأجنبية.

جاء مسلسل الفنان عمرو واكد (المحطة) الذي أنتجته منصة "الجزيرة 360"، ليلامس مشكلات العرب السياسية في دور الصحفي "جابر دبوس"، الذي تولى رئاسة تحرير قناة تُسمى "القمة"، تبين أنها تابعة لجامعة الدول العربية.

بحسب المسلسل، تصادف حصول الصحفي جابر على هذه الوظيفة مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ومع ظهور انحياز الإعلام الغربي الواضح لإسرائيل والموقف السلبي للدول العربية، كان على قناة "القمة" التي التحق بها جابر دبوس مسؤولية وضع المشاهد العربي في الصورة الحقيقية لما يجري.

لكن تبين له أن المشكلة هي أن القناة لأنها تابعة لجامعة الدول العربية، فهي الأفشل في المنطقة، لأنها من المؤسسات التي تنطلق من دوافع غير صحفية وتعمل بالطريقة الرسمية العربية العقيمة.

وحين يبدأ الصحفي الذي يمثل دوره عمرو واكد إصلاح هذه القناة يصطدم بالواقع وهو خيال المآتة المسمى "الجامعة العربية"، ودورها البائس في مواجهة إبادة غزة وفشل الإعلام الرسمي العربي الحكومي عموما في معركة "طوفان الأقصى".

ويصطدم أيضا من خلال هذه الرحلة ومحاولته إنجاز مهمة الإصلاح بأصحاب المصالح الخاصة من بعض العاملين أو الجهات التي تمتلك نفوذا داخل المؤسسة ولا تريد تغيير الوضع البائس داخل المحطة.

وترجع أهمية المسلسل، في سعيه لكشف ما يدور في كواليس المؤسسات الصحفية، ويقدم صورة للجانب المظلم من العالمي الصحفي، وهو الجزء الذي لا يراه الجالسون أمام الشاشات، وفق قناة "الجزيرة".

فقد حاربه أصحاب المصالح والموظفون العاملون في الجامعة العربية وهو يحاول تغيير واقع القناة، وبدلا من انشغال العاملين بالقناة بمواكبة الحدث كانوا جميعا مشغولين بالبحث عن خلفيات رئيس التحرير الجديد وتوجهاته السياسية وأسماء أفراد عائلته والدخول في مراهنات على قراراته المتوقعة.

حتى إنه عندما يتم سرقة "بنك الأمانة" اللبناني، الموجود أسفل مقر القناة، ومقرها بيروت، للمرة الـ33، لم يهتم العاملون بالقناة بتغطية هذا الحدث، وظلت اهتماماتهم بعيدة تماما عن العمل الصحفي وقاصرة على تغطية المؤتمرات الرسمية والقضايا الهامشية.