عبر لواء زينبيون.. كيف تحاول إيران زعزعة الاستقرار في باكستان؟
"هناك إشارات جديدة من إسلام أباد إلى أنه لم يتم حل كل شيء مع إيران"
وسط توترات حدودية بين إيران وباكستان سادت خلال الفترة الماضية، لجأت إسلام أباد لخطوات جديدة تظهر جديتها في التعامل مع المخاوف الأمنية المحدقة بها.
وفي خطوة حازمة، أعلنت باكستان تصنيف مليشيا "لواء زينبيون"، التي تتكون من شيعة باكستانيين ويتبع للحرس الثوري الإيراني، منظمة إرهابية.
وأوضح توجيه لوزارة الداخلية الباكستانية، في 9 أبريل/نيسان 2024 أن تلك الجماعة المسلحة "منخرطة في أنشطة تضر بالسلام والأمن" في البلاد.
"إرهاب طائفي"
وقال مسؤول كبير بوزارة الداخلية الاتحادية إن التوصيات بشأن "لواء زينبيون" وردت أواخر عام 2022 بناء على تورطهم في "حوادث إرهاب طائفي في باكستان".
وتأسست مليشيا "لواء زينبيون" عام 2014 على يد الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في القتال بسوريا دفاعا عن النظام السوري.
إذ تدخلت إيران عسكريا عام 2012 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط أمام ثورة شعبية اندلعت ضده في مارس/آذار 2011.
"لن تسبى زينب مرتين"، كان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية مقام السيدة زينب".
ومنذ عام 2012، امتلكت إيران نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم على يد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وجرى تشكيل "لواء زينبيون"، الذي تم تجنيده بشكل رئيس من الباكستانيين الشيعة الذين يعيشون في إيران، ومنحوا رواتب بانتظام من الحرس الثوري الإيراني.
والكثير من المجندين في "لواء زينبيون" هم من الشيعة الهزارة من بلوشستان ومن باراتشينار، وخيبر بختونخوا وهو أحد أقاليم باكستان الأربعة، ويقع في شمال غربي البلاد.
ويوفر الحرس الثوري الإيراني تدريبا لمدة 4 أسابيع قبل نشر مقاتلي "زينبيون" في "قواعد تدريب خاصة داخل إيران، بعد إقناع المقاتلين بالحصول على إقامة دائمة في هذه الجمهورية الإسلامية، ودفع راتب شهري لهم وتعليم أطفالهم.
وكثير من المقاتلين المنتمين لـ "زينبيون" من الطلاب الباكستانيين الذين سافروا إلى إيران بهدف التعليم، أو من الحجاج الباكستانيين الذين يزورونها بهدف أداء الشعائر الشيعية.
وتعد جامعة "المصطفى" العالمية، في مدينة قم الإيرانية، من أهم نقاط التحاق الطلبة الباكستانيين بلواء "زينبيون".
وسمي اللواء بهذا الاسم لتولي عناصره مهمة "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب الواقع جنوب دمشق، وكي تضمن بذلك إيران تجنيد المزيد من الباكستانيين الشيعة تحت هذا الشعار.
وبحسب قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني، تحدث إلى قناة "إيران إنترناشيونال" بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن العنصر في لواء زينبيون يحصل على راتب شهري قدره 700 دولار وذلك حتى عام 2018.
لكن هذا الرقم انخفض في السنوات الأخيرة، وبحلول عام 2022، باتوا يتقاضون حوالي 100 إلى 200 دولار شهريا.
ويعد لواء زينبيون الباكستاني ثاني أكبر تشكيلات المليشيات الأجنبية الإيرانية في سوريا، بتعداد يصل إلى أقل من 1500 عنصر، بعد لواء "فاطميون" الأفغاني (3 آلاف عنصر).
وفرضت واشنطن منذ عام 2019 عقوبات على الفصيلين المذكورين لمنعهما من الوصول إلى الشبكات المالية الدولية وبهدف احتواء عملياتهما.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية فإنه يجرى تجنيد أفراد الفصيلين من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي يعول على لاجئين ومهاجرين يعيشون في إيران ويرسلون للقتال لصالح نظام بشار الأسد في سوريا.
وقال وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين في بيان حينها إن "استهداف هذه المليشيات المدعومة من إيران وجهات أجنبية أخرى يندرج ضمن حملة الضغط الحالية لإغلاق الشبكات غير المشروعة التي يستخدمها النظام الإيراني لتصدير الإرهاب وعدم الاستقرار في العالم".
وقتل قائد "لواء زينبيون" محمد جنتي المعروف بالحاج حيدر، في أبريل 2017 خلال معارك مع المعارضة السورية بمنطقة تل ترابي في محافظة حماة.
وقد تمكنت إيران من نقل جثته إلى طهران في مايو/أيار 2019، وحينها قال قائد مليشيا فيلق القدس السابق قاسم سليماني: "كان من أفضل من حولي".
وفي 17 فبراير/شباط 2022 قدم محامون حقوقيون طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق أولي في ارتكاب إيران ومليشياتها في سوريا جرائم حرب.
توتر محتمل
أمام ذلك، يهدد قرار باكستان بتصنيف لواء زينبيون منظمة إرهابية في هذا التوقيت، بمزيد من التوتر في العلاقات بين طهران وإسلام آباد.
فقد شهد البلدان توترات غير مسبوقة في يناير/كانون الثاني 2024 عندما هاجم الحرس الثوري الإيراني مواقع في باكستان فيما وصفه بمحاولة استهداف "الإرهابيين"، بينما ردت باكستان بمهاجمة مواقع في جنوب شرق إيران.
وبعد أيام من الهجمات المتبادلة، أعلنت إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية أنها ألقت القبض على مشتبه به في محاولة اغتيال رجل دين باكستاني كبير عام 2019، قائلة إنه "إرهابي مدرب" ينتمي إلى "لواء زينبيون".
وأضافت إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية أن سيد محمد مهدي اعتقل في عملية بسوق في كراتشي، واتهمته باستهداف رجال الدين في عاصمة الإقليم والعمل لصالح المخابرات الإيرانية.
ويبدو أن هذه إشارة من إسلام أباد إلى أنه لم يتم حل كل شيء مع إيران، وأن الحكومة الباكستانية تظل يقظة بشأن أي إجراءات أخرى من جانب طهران.
ويقول المسؤولون الباكستانيون إن المواطنين الذين تدربوا على القتال في سوريا يعودون إلى ديارهم ويشكلون تهديدا أمنيا، في بلد له تاريخ من العنف الطائفي بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية.
وتبدي إيران اهتماما كبيرا بقتلى لواء زينبيون الذين يسقطون في سوريا، وتدفنهم في مدينة قم الإيرانية، كما يظهر أنها حريصة بشكل خاص على حمايته من أعين الاستخبارات الداخلية الباكستانية.
وقد ذكر لواء زينبيون لأول مرة في الإعلام الإيراني في جنازة حسين جاويد، أول شخص من الوحدة، يلقى حتفه في القتال بالعراق في يونيو/حزيران 2014.
وبحسب بحث لـ "معهد دول الخليج العربي في واشنطن"، فإن "الحرس الثوري الإيراني، وربما تحسبا من اختراق المخابرات الباكستانية، فضل تجنيد العمال الشيعة الباكستانيين المقيمين في الإمارات بدلا من تجنيدهم مباشرة من باكستان".
وأضاف المعهد بالقول: "ربما يكون الهدف الرئيس من ذلك ليس له علاقة كبيرة بقدرة زينبيون على تقديم مساهمة حاسمة في سوريا، وإنما إعطاء مقاتليه تجربة قتالية يمكنهم الاعتماد عليها في النزاعات الإقليمية الأخرى، خاصة في وسط وغرب آسيا لذلك ينبغي النظر إلى أهمية هذا اللواء في سياق إقليمي أكبر".
وتشترك إيران وباكستان في حدود يبلغ طولها 900 كيلومتر، وتتبادلان الاتهامات بشكل روتيني بعدم القيام بما يكفي لوقف التسلل عبر الحدود.
وأكدت تقارير أن باكستان عاشت على وقع أكثر من 3 آلاف هجوم طائفي منذ العام 1986 بتحريض مباشر من إيران.
في يوليو 2022، أخبر وزير الداخلية الباكستاني آنذاك رنا سناء الله خان مجلس الشيوخ أن مقاتلي زينبيون "متورطون في أنشطة إرهابية" في البلاد من 2019 إلى 2021.
احتراز أمني
وذكرت صحيفة "عرب نيوز" في تقرير صدر في ديسمبر/كانون الأول 2022 أن الشرطة في كراتشي اعتقلت العديد من أعضاء المنظمة في نفس الشهر من عام 2020 ويناير 2021.
وفي عام 2020، بدأت السلطات الباكستانية أيضا تحقيقا في شبكة غسيل أموال مرتبطة بالجماعة.
وفي حديث لوسائل الإعلام في فبراير/شباط 2021، أكد رئيس الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني آنذاك، اللواء بابار افتخار، أن وكالات إنفاذ القانون ألقت القبض على العديد من المسلحين المنتمين إلى لواء زينبيون.
ولهذا تدرك إسلام آباد “أنه من المحتمل أن يشكل عناصر "زينبيون” خطرا على الأمن القومي الباكستاني في المستقبل، في ظل ما عاشته إسلام أباد من توترات طائفية متكررة في السنوات الماضية"، بحسب ما يقول مركز أبحاث ودراسات “مينا”.
ويضيف المركز وهو مؤسسة مستقلة للأبحاث والدراسات، مقرّها الرئيس في فيينا، أن “الجهات الباكستانية تتخوف من إمكانية أن يؤجج هؤلاء المقاتلون الصراع الطائفي والفوضى في باكستان، حيث يمكن لطهران التي تخوض حروبا بالوكالة أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة”.
وتؤكد صحيفة "إندبندنت أوردو" أن هناك العشرات من المنتمين للواء زينبيون عادوا إلى باكستان وبعضهم يحمل إعاقة جسدية جراء الحرب في سوريا، وهم رهن الاحتجاز لدى السلطات الباكستانية حيث يجرى استجوابهم والتحقيق معهم.
ولكن رغم متابعة السلطات الباكستانية لـ “زينبيون”، إلا أنه لفترة طويلة ساد صمت على مستوى الحكومة تجاه وجود اللواء في البلاد وإرسال شباب شيعة باكستانيين للقتال في سوريا.
ومع ذلك، بعد الاعتقالات وعمليات الإخفاء القسري التي نفذتها السلطات الباكستانية في كراتشي عام 2017 بحق الشباب الشيعة الذين عادوا من القتال في سوريا، جرى اكتشاف وجود "لواء زينبيون" في البلاد.
وأطلقت منظمات حملة على منصة "صوت المفقودين الشيعة" على مستوى كراتشي من أجل إطلاق سراح المعتقلين الذين كانوا يقاتلون في سوريا، دون جدوى.
وكثيرا ما أعرب خبراء أمنيون عن مخاوفهم من أن تورط الباكستانيين في ما يجرى بسوريا، يمكن أن يؤثر على الوضع الأمني في باكستان.
وضمن هذا السياق، قال محمد عامر رانا، رئيس المعهد الباكستاني لدراسات السلام ومقره إسلام أباد، إن "التركيز الأخير على لواء زينبيون يجب أن يُنظر إليه في سياق السياسة العالمية، وخاصة الصراع في الشرق الأوسط".
وفي حديثه لإذاعة صوت أميركا، قال رانا: "إن باكستان كان لديها أدلة كافية لفرض عقوبات على لواء زينبيون عام 2021، لكن الآن يمكن ربط هذه العقوبات بالتوتر المستمر في المنطقة".
ويأتي الحظر الذي فرضته باكستان على لواء زينبيون في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط شديدة من دول أخرى، خاصة في الشرق الأوسط، فيما يتعلق بشبكاتها الوكيلة.
وخاصة أن باكستان تريد تحقيق ضربة استباقية تجاه “زينبيون” على أراضيها لمنع أي تهديد أمني جديد، ولا سيما أن فتيل الورقة الطائفية قد يشتعل في أي لحظة.
وتأتي هذه النظرة وفق المراقبين بعد حادثة عام 2017، حينما أعلنت “عسكر جنجوي”، وهي جماعة مسلحة، مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري على سوق الخضار في باراتشينار.
وقالت الجماعة بعد مقتل أكثر من 25 ينتمون للطائفة الشيعية في الهجوم، قائلة: "تم تنفيذ العملية لتلقين درس للمجتمع الشيعي الباكستاني لدعمه بشار الأسد".