معهد إيطالي: من أميركا إلى أوروبا.. الحراك الطلابي ضد إسرائيل يواصل الزحف
الغرب لم يشهد منذ عقود مثل هذه الاحتجاجات القوية وواسعة النطاق
يواصل الطلاب الأوروبيون من أمستردام، مرورا بمدريد وصولا إلى روما، احتجاجاتهم واعتصاماتهم للمطالبة بوقف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة وإلغاء اتفاقيات جامعاتهم مع نظيراتها الإسرائيلية.
وفي تقرير رصد فيه أبرز النتائج التي حققها هذا الحراك الطلابي المندد بالمجازر في غزة، أكد معهد بحثي إيطالي أن الغرب لم يشهد منذ عقود مثل هذه الاحتجاجات القوية وواسعة النطاق.
وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن "الاحتجاجات في الجامعات الأوروبية تعيدنا إلى سنوات مضت، وتشبه تحركات عام 1968 والحرب في فيتنام".
الحراك الطلابي
في إيطاليا، يعارض طلاب جامعة "سابينزا" في روما، الاتفاقيات بين الجامعات الإيطالية والإسرائيلية، ويحتجون للمطالبة بإنهاء القصف في غزة وخاصة سحب ترخيص حضور الجامعة لمؤسسة "ميد أور" الممولة من قبل شركة "ليوناردو" التي تزود إسرائيل بالأسلحة.
بينما في جامعة "فيديريكو الثاني" في نابولي، تم التصويت على وثيقة تتحدث عن الحاجة إلى "التفكير في المبادئ الأخلاقية التي يجب أن توجه أنشطة البحث والتدريس وإبرام الاتفاقيات الدولية للجامعة".
من جانبها، أعلنت جامعة باليرمو موافقة المجلس الأكاديمي تعليق اتفاقيات "إيراسموس" المعمول بها مع الجامعات الإسرائيلية.
كما جرى الإعلان عن إجراءات لدعم نظام التعليم الفلسطيني من خلال تقديم المنح الدراسية والحفاظ على الاتفاقيات المعمول بها وتشجيع التوقيع على أخرى جديدة وإنشاء ممرات إنسانية.
في هولندا، انطلقت الاحتجاجات في 6 مايو/أيار 2024 وانتشرت كالنار في الهشيم إلى أبرز الجامعات الهولندية وشهدت خروج عشرات الآلاف من الأشخاص في مسيرات رافضة للقصف الإسرائيلي، وإقامة حواجز وإغلاق طرقات فيما اعتصم العديد داخل حرم الجامعات.
خاصة في أمستردام التي كانت مسرحا لاشتباكات عنيفة بين المعتصمين والشرطة التي حاولت فض الاعتصامات بالقوة واعتقلت العشرات.
في ألمانيا، نُظمت أول مظاهرة كبرى مؤيدة لغزة في جامعة هومبولت في برلين يوم 3 مايو/أيار 2024 تم على إثرها اعتقال عدة أشخاص وإبعاد آخرين.
وأخيرا، وقع بعض الأكاديميين الألمان على رسالة تؤيد حق الطلاب في التظاهر دعما للقضية الفلسطينية، ما أثار جدلا واسعا وانتقادات لاذعة من بعض الصحف وأحزاب سياسية التي وصفت هذا الموقف بأنه معاد للسامية.
كما تم حظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين، بينما تقرر توجيه تهمة معاداة السامية لكل منتقدي إسرائيل بأي شكل من الأشكال.
وفي السويد، تنتقد الحكومة بشدة جميع أشكال الاحتجاج وكان هناك العديد من الاعتقالات، أبرزها اعتقال الناشطة في المناخ غريتا ثونبرج في مالمو على إثر مشاركتها في مظاهرة ضد مشاركة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن.
في المملكة المتحدة، اندلع صراع حقيقي بين الحكومة، التي تطلب من الجامعات اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد ما تزعم أنه "معاداة السامية"، ورؤساء الجامعات الذين أكدوا على أهمية الحرية الأكاديمية والتعبير.
نتائج ملموسة
أوضح المعهد الإيطالي أن القاسم المشترك بين كل هذه الحركات الطلابية يتمثل في المطالبة بإلغاء اتفاقيات التعاون التي وقعتها الجامعات مع إسرائيل، فضلا عن إرسال إشارة قوية إلى الطبقات السياسية.
وأشار إلى تحقيق نتائج ملموسة في بعض هذه البلدان، كما هو الحال في أيرلندا، حيث تعهدت إدارة كلية دبلن بسحب الاستثمارات في الشركات الموجودة في الأراضي المحتلة.
وفي إسبانيا، وعد العديد من الجامعات بمراجعة أو تعليق بعض اتفاقيات التعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات الإسرائيلية التي لم تظهر التزامًا ثابتا بالسلام واحترام القانون الإنساني الدولي.
وفي النرويج، قررت خمس جامعات تعليق كل أشكال التعاون الجارية مع الجامعات الإسرائيلية.
في هذه البلدان الثلاثة، أشار المعهد الإيطالي إلى أن المظاهرات جرت دون اشتباكات أو قيود وفي احترام تام لحق التعبير والتظاهر.
وفي مايو/أيار 2024، اعترفت الدول الثلاث، أيرلندا وإسبانيا والنرويج بدولة فلسطين رسميا في خطوة وصفها المعهد الإيطالي بالتاريخية لافتا إلى أنها جاءت في توقيت مهم.
وأضاف بأن الخطوة "تكتسي قيمة أساسية في السياق الأوروبي ومن شأنها أن تولد زخمًا لاعتراف دول أوروبية أخرى بالدولة الفلسطينية".
وشدد بأنه "من المؤكد أن القرار كان نتيجة تفكير سياسي طويل ومدروس، لكن التعبئة الشبابية والطلابية التي تم الاستماع إليها وعدم قمعها بعنف لعبت دورا لا يقل أهمية عن دور صناع القرار".
ويجزم أن الحراك الطلابي الذي انطلق من الولايات المتحدة وصولا إلى أوروبا، "لن ينتهي، بل على العكس من ذلك، نشهد ميلاد شعور جديد بالوعي، ويولد كذلك من جديد الاستياء القديم تجاه التدخل الغربي في حروب الشرق الأوسط والدعم غير المحدود والأعمى لإسرائيل".
وتعليقا على القيود المتزايدة المفروضة في العديد من الدول الأوروبية على الاحتجاجات، قالت إستير ميجور، نائبة مدير أبحاث أوروبا في منظمة العفو الدولية إن "العواقب المدمرة للقصف الإسرائيلي والحصار غير القانوني لقطاع غزة تدفع العديد من الناس في أوروبا إلى التظاهر من أجل حقوق الفلسطينيين".
وتابعت "لكن في العديد من الدول الأوروبية، تقوم السلطات بتقييد الحق في التظاهر بشكل غير قانوني، وتتراوح التدابير المتخذة في هذا الشأن بين تلك التي تستهدف بعض الهتافات والأعلام الفلسطينية واللافتات، وإخضاع المتظاهرين لوحشية الشرطة والاعتقال. وفي بعض الحالات، حُظرت الاحتجاجات تماما".
وأكدت أنه "يقع على عاتق الدول التزام قانوني بضمان قدرة الناس على التعبير سلمياً عن سخطهم ومخاوفهم وتضامنهم".
"ظاهرة جيلية"
أردف المعهد الإيطالي بأن تجاهل هذه الظاهرة "الجيلية والجماهيرية يعني وجود رؤية مشوهة وغير صحيحة للوضع الجيوسياسي الحالي".
وشدد على أن "محاولة اختزال الاحتجاجات في مجرد تمرد شبابي بسيط غير كافية على الإطلاق وتفتقر إلى الأسس والقدرة التحليلية".
في نفس الفكرة، أضاف أن "الطلاب الذين احتلوا الجامعات يمثلون أقلية، ولكن بهذه الطريقة تحديدا تكون الحركات الجماهيرية قادرة على التشكيك في الوضع الراهن، كما حدث في الستينيات خلال الاحتجاجات ضد حرب فيتنام أو مسيرات أنصار مارتن لوثر كينغ".
وألمح إلى أن ما تشهده أوروبا في هذه المرحلة شبيه بما حدث في الستينيات مؤكدا على ضرورة "الترحيب بحماس شديد بالتوجه الجديد للشباب في التعامل مع القضايا السياسية في ضوء نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 51 بالمئة فقط".
وفي الختام، أعرب عن أمله في أن يكون "النشطاء الذين يحتجون لوقف الإبادة الجماعية في غزة والتأكيد على الحق في تحرير فلسطين جزءًا من الطبقة الحاكمة القادمة التي ينبغي أن تكون مستعدة لإدارة الأزمات الجديدة".