تصدع مفتوح.. 3 مؤشرات تؤكد رغبة إدارة بايدن في التخلص من نتنياهو

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن واشنطن بدأت تراجع حساباتها، بعدما أوقعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ورطة، فلم يحقق انتصارا عسكريا يمكنهم الحديث عنه على المقاومة في قطاع غزة، ولكن "إبادة" بالسلاح الأميركي و"تجويع" فضح إنسانية الغرب المزعومة.

والأكثر أهمية أنه لم يحقق "الأمن" لدولة الاحتلال وحوّلها إلى بؤرة سرطانية خبيثة ينفر منها الجميع، بعدما كانت أنظمة عربية تهرع للتطبيع معها، ما يهدد أهداف الخطط الاستعمارية القديمة من وراء زرع الدولة الصهيونية في قلب العالم العربي.

والأكثر خطورة أن نتنياهو قد يأخذ معه مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أمام محاكم دولية، بعدما أصبحت أصابع الاتهام توجه إلى إدارة البيت الأبيض أيضا، بجانب الاحتلال بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة عبر دعمها بالمال والسلاح.

مؤشرات عديدة بدأت تظهر، تؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قررت التخلص من نتنياهو، سواء بانتخابات جديدة أو بما يشبه الانقلاب العسكري ضده، مستغلة تراجع شعبيته لإنقاذ إسرائيل نفسها، كدولة تحتاجها أميركا" لتحقق أهدافها في المنطقة العربية.

ثلاثة مؤشرات

يمكن الحديث عن ثلاثة مؤشرات تؤكد نية إدارة بايدن التخلص من نتنياهو، خاصة أن التوتر في العلاقة بينهما وصل إلى مستويات يمكن وصفها بـ"الأزمة الخطيرة"، و"التصدع المفتوح" بسبب اختلافات كبيرة في رؤيتيهما حول العدوان على قطاع في غزة، حسبما أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 15 مارس/آذار 2024.

أول هذه المؤشرات، كان هجوم بايدن المباشر على نتنياهو لأول مرة في 9 مارس 2024، ووصفه بأنه "يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها" بطريقة إدارته "إبادة" غزة.

بايدن قال في مقابلة تلفزيونية إن "من حق نتنياهو الدفاع عن إسرائيل ومواصلة مهاجمة حماس، لكن يجب أن يكون أكثر حذرا حيال الأرواح البريئة التي تزهق بسبب الإجراءات المتخذة"، ويرى أن "هذا يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها".

وأشار إلى أن القرارات التي اتخذها نتنياهو والتي تسببت بقتل المدنيين "تعد خطأ كبيرا".

وتبع ذلك انطلاق حملة رسمية في أميركا تطالب بتغيير نتنياهو، وجرى استقبال الوزير في "حكومة الحرب"، بيني غانتس، زعيم الحزب المنافس، والذي تعطيه استطلاعات الرأي تفوقا على حزب نتنياهو، لإعطاء الضوء الأخضر له لخلافه نتنياهو.

ثاني هذه المؤشرات، كشف تقييم خاص للمخابرات الأميركية، في 11 مارس 2024 يحمل اسم "التهديد السنوي لعام 2024"، عن مخاوف بشأن رؤية إسرائيل لإنهاء العدوان، وخطرها على دولة الاحتلال.

تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية لعام 2024، أشار إلى أن "حالة عدم الثقة بقدرة نتنياهو على الحكم، تعززت واتسعت في صفوف الجمهور الإسرائيلي العريض، مقارنة بمستوياتها المرتفعة فعلا قبل الحرب، ونتوقع احتجاجات كبيرة تطالب باستقالته وإجراء انتخابات جديدة، وتشكيل حكومة مختلفة وأكثر اعتدالا هو أمر محتمل".

وأكد التقييم أن ائتلاف نتنياهو "قد يكون في خطر"، ونتنياهو قد لا يبقى في السلطة، وناقش البدائل له.

ويتفق المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، مع ما جاء في التقرير الاستخباراتي بالقول "بالفعل هذا صحيح.. والشارع في إسرائيل يرغب في التغيير".

المؤشر الثالث، القوي، هو دعوة زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، بوضوح إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، قائلا إنه يعتقد أن نتنياهو "ضل طريقه" خلال قصف غزة وتسبب في الأزمة الإنسانية المستمرة هناك.

وخلال خطبة مطولة في قاعة مجلس الشيوخ في 14 مارس، قال شومر إن نتنياهو "وضع نفسه في تحالف يميني متطرف شجع قتل المدنيين في غزة، ما قلص الدعم العالمي لإسرائيل لأدنى مستوياته".

ولخص شومر مطالب أميركا بقوله إن حكومة نتنياهو "لم تعد تناسب احتياجات إسرائيل" بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحتاج إلى إجراء "تصحيحات كبيرة في المسار".

وأهمية هذا التصريح أن شومر، هو أول زعيم للأغلبية يهودي وأرفع مسؤول يهودي في الولايات المتحدة، ومقرب من بايدن، كما أنه حليف قوي لإسرائيل وزارها بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى".

لذا، انزعج حزب الليكود، ورد بغضب على تصريحات شومر قائلا إن إسرائيل ليست "جمهورية موز" حتى يطالب مسؤول أميركي بتغيير الحكومة، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية في 14 مارس 2024.


 

ما زاد من انزعاج حكومة نتنياهو أن الرئيس الأميركي، صدق على ما قاله زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ ووصف خطابه بأنه "جيد" ما يعني دعمه لما طالب به من تغيير نتنياهو.

بايدن قال للصحفيين: "لقد عبر (شومر) عن مخاوف جدية... يشاركه فيها عدد كبير من الأميركيين"، والأكثر أهمية أنه أكد أن "شومر أبلغ موظفي الرئاسة بأمر الخطاب في وقت سابق لإدلائه به، ما يعني أن خطاب شومر جاء بتنسيق مع مكتب بايدن.

ووصف المحلل الإسرائيلي، ألون بنكاس، في صحيفة "هآرتس" في 15 مارس 2024، خطاب زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بأنه "يرسم معادلة (أميركية) جديدة هي: نعم لإسرائيل، لا لنتنياهو".

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 13 مارس 2024، عن مسؤول سياسي إسرائيلي كبير لم تسمه، إن "إدارة بايدن تحاول الإطاحة بحكومة نتنياهو". 

وأضاف: "نتوقع من أصدقائنا أن يعملوا على الإطاحة بنظام حماس وليس الحكومة المنتخبة في إسرائيل".

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 14 مارس، إن هذا المسؤول الإسرائيلي الكبير للغاية الذي انتقد سعي أميركا لفرض حكومة إسرائيلية جديدة بدل حكومة نتنياهو، قد يكون هو نتنياهو نفسه الذي دخل في صدام مع بايدن.

وعزز هذه الضغوط الأميركية كشف استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة "معاريف" العبرية في 15 مارس أنه في "حال إجراء الانتخابات الآن، سيفوز معسكر الأحزاب المناوئة لنتنياهو بـ 64 مقعدا (الفوز بتشكيل الحكومة يتطلب 61 مقعدا)".

وذلك مقابل تراجع كبير لائتلاف الأحزاب اليمينية المتطرفة الحاكم برئاسة نتنياهو الذي سيحصل على 47 مقعدا فقط.

إنقاذ إسرائيل

أظهرت تصريحات أركان إدارة بايدن والكونغرس خشيتهم من سقوط مشروع الدولة الصهيونية ككل، بسبب "طوفان الأقصى" وتعامل ائتلاف نتنياهو اليميني الحاكم مع غزة بأساليب "نازية".

وظهر تفتت وانقسام المجتمع الإسرائيلي، وتمرد عسكريين وجنرالات بصورة علنية، كما أن بايدن وصف هجوم "طوفان الأقصى" بـ "الحدث الذي سيغير العالم ويتردد صداه خلال القرن الـ 21"، وفق موقع "أكسيوس" الأميركي في 14 مارس 2024.

دفعت هذه المخاوف على مستقبل "إسرائيل" بايدن والقادة الأميركيين، بعد أشهر من الدعم الذي يكاد يكون "غير مشروط" لاحتلال، لتبنى لهجة تدريجية أكثر انتقادا لسياسات نتنياهو، لتحويله عدوان غزة إلى إبادة وأزمة إنسانية، بما أضر بصورة وأمن إسرائيل.

الصحفي الأميركي من أصل يهودي، آرون جيل، ألمح لأسباب أخرى لهذا التدخل لإنقاذ إسرائيل من نفسها (نتنياهو) والحفاظ عليها، مشيرا إلى أن مستوى الدعم للصهيونية تراجع في الولايات المتحدة، حتى أن عددا كبيرا من اليهود الأميركيين يصفون أنفسهم علنا على أنهم "مناهضون للصهيونية" للنأي بأنفسهم.

وأكد جيل أن استطلاعا نشره مركز "بيانات من أجل التقدم" البحثي في ​​5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أظهر تأييد أكثر من 60 بالمئة من الناخبين الأميركيين لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوقعه أن تتحسن صورة إسرائيل فقط لو ذهب نتنياهو.

وضمن الضغوط الأميركية على حكومة نتنياهو، بعدما انتقد أميركيون ونواب كونغرس استخدام السلاح الأميركي الغزير الذي تدفق على تل أبيب، في جرائم حرب وإبادة تهدد "صورة" واشنطن، جاء طلب "ضمانات" بشأن "استخدام الأسلحة" في غزة.

واضطر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في 14 مارس، للتوقيع على "خطاب ضمان" موجه إلى إدارة بايدن، يؤكد فيه "التزام إسرائيل باستخدام الأسلحة الأميركية وفقا للقانون الدولي".

وأيضا "السماح بدخول المساعدات الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة إلى غزة"، حسبما أفاد مسؤولون إسرائيليون وأميركيون لموقع "أكسيوس".

انقلاب وارد

حين تحدث المسؤولون الأميركيون عن ضرورة تخلص إسرائيل من نتنياهو، أشاروا للطريقة المعتادة، وهي الانتخابات، التي يطالب بها متظاهرون منذ "طوفان الأقصى"، لكن محللين لا يستبعدون سيناريو غير معتاد هو الانقلاب عسكري.

ويرون أن المؤشرات على هذا الانقلاب العسكري بعضها داخلي وبعضها تشجع عليه جهات أميركية استخبارية، مشيرين إلى أنه ليس انقلابا بالمعني المتعارف عليه في الدول النامية، ولكن ضغطا عسكريا من قادة الاحتلال العسكريين يجبر نتنياهو على التنحي.

فعلى المستوى الداخلي، زاد تمرد ضباط وجنود بالجيش على قيادتهم السياسية، وانتشرت ظاهرة الجنود الذي يعصون الأوامر، وشكاوى القادة من أن الجيش منهك، وأعداد القتلى والجرحى في ازدياد، ونتنياهو لا يهمه سوى حماية رأسه من حبل المشنقة لو أوقف العدوان.

وأصبح المحللون العسكريون يتحدثون بصورة متزايدة عن "خسرنا الحرب" مهما حققنا من تدمير وقتل في غزة إستراتيجيا.

وكان لافتا تساؤل حسابات إسرائيلية عبر مواقع التواصل عن سبب وجود دبابة في شارع كابلان وسط تل أبيب، الشارع المعروف بالمظاهرات المطالبة بإسقاط نتنياهو بعد تزايد التوتر والصدام بين الشرطة والمتظاهرين، وهو أمر غير معتاد.

وكانت أحدث المؤشرات على هذا الانقلاب العسكري، قيام قائد "الفرقة 98" العميد دان غولدفوس بإلقاء خطاب علني هاجم فيه المسؤولين السياسيين، قائلا لهم إنهم يجب أن يكونوا جديرين بمقاتلي الجيش.

وحث غولدفوس السياسيين وحكومة نتنياهو على تجنب الخلافات الحادة فيما بينهم، حتى يمكن علاج "الدولة الصهيونية" مما أصابها عقب "طوفان الأقصى".

وقال: "أخاطب قادتنا من جميع الأطياف السياسية، إننا نقاتل منذ 7 أكتوبر، وسنتحمل المسؤولية عن كل إجراء، لكن أنتم عليكم أن تكونوا جديرين بنا، وألا يذهب كل الجهد وتضحيتنا سدى".

واضطر الجيش للتدخل وذكر بيان صادر عن الناطق بلسانه أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش هرتسي هليفي وبخ بشدة، في 15 مارس 2024 قائد "الفرقة 98" بسبب "تصرفه بعكس ما كان متوقعا من قائد كبير في الجيش".

وقال البيان إن هليفي بلغ غولدفوس أنه "استخدم الثقة الممنوحة له بطريقة تضر بالدولة، وتخرق الحدود بين المؤسستين السياسية والعسكرية"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 16 مارس.

ولم تكد هذه الأزمة تنتهي حتى حدثت مفاجأة من وزير الحرب الإسرائيلي "غالانت" الذي قال: "لن نتمكن من الإطاحة بحماس"، لكنه كان في الواقع يعبر عن الخلاف بين الجيش وحكومة نتنياهو، حيث يريد الجيش بديلا سياسيا لحماس بغزة، بينما يصر نتنياهو على تحمل الجيش المسؤولية ما يعني استنزافه من قبل مقاتلي حماس.

وقال غالانت 16 مارس إن "الجيش الإسرائيلي يدفع ثمن عدم اتخاذ قرار سياسي بشأن من سيحكم غزة بعد الحرب"، مشيرا إلى أن "الحكم العسكري للقطاع، سيكلف حياة الجنود، ويستنزف الموارد العسكرية".