"حلقة جديدة من الصراع".. كيف تلاعب حكومة طالبان إيران بورقة سدود المياه؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع مواجهة العديد من المدن الإيرانية نقصا في المياه، تضغط طهران على الجارة أفغانستان لحثها على الالتزام بالمعاهدات المائية بينها لتخفيف حدة الأزمة.

ومشكلة المياه بين إيران وأفغانستان ليست بالجديدة، فقد أدت النزاعات حول توزيع إمدادات المياه عبر الحدود إلى تفاقم العلاقات بين الجارتين لعقود من الزمان.

وفي الوقت الراهن، تستكمل حركة "طالبان" التي استعادت الحكم في أفغانستان منذ منتصف أغسطس/ آب 2021 حلقة جديدة من الصراع على المياه مع الجارة إيران الغنية بالنفط.

التحكم بالمياه

وما تزال طهران تضغط على حكومة “طالبان” لحثها على تسهيل تدفق المياه من السدود الأفغانية نحو الأراضي الإيرانية.

وأشار عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، أبو الفضل زهره وند، إلى اعتزام حركة “طالبان” بناء سد جديد في ولاية زابل الأفغانية.

وقال زهره وند لوكالة “إيلنا” الإيرانية في 12 سبتمبر/ أيلول 2024 إن "إجراء طالبان هذا يظهر نيتهم الاستمرار في التحكم بالموارد المائية ومنع تدفق المياه إلى إيران"، البالغ عدد سكانها 90 مليون نسمة.

وأردف قائلا: "تُظهر خطوة طالبان أنه لا نهاية لمشروع أفغانستان للسيطرة على موارد المياه والقيام بمنع وإيقاف تدفق المياه التي كان من الممكن أن تدخل إيران، وهذا المشروع يظهر الدور التهديدي لطالبان"، وفق قوله.

وحث زهره وند حكومة طهران الجديدة على وضع ملف حقوق إيران المائية في الأنهار المشتركة مع أفغانستان على جدول أعمالها بطريقة أكثر جدية، قائلا إن "الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن لم تكن فعالة".

وأفغانستان من أكثر الدول تأثرا بالتغير المناخي وتعاني من الجفاف للسنة الثالثة على التوالي، بحسب الأمم المتحدة.

وفي مارس/ آذار 2024، أظهر تسجيل مصور لاندفاع المياه من نهر هيرمند من الجانب الأفغاني إلى سد "جريكه" عند النقطة الحدودية مع إيران.

وتبين وفق مدير عام حماية البيئة بمحافظة سيستان وبلوشستان، محمد رضا علي مرادي، أن تدفق تلك المياه بسبب أمطار غزيرة على مدى أيام سببت فيضان سد كمال خان الذي انطلق باتجاه إيران.

وأكد أن “هذا الإطلاق لا يستند إلى معاهدة المياه بين إيران وأفغانستان، بل الاتفاق الوحيد هو فتح أبواب سد كمال خان بحيث يصب في إيران بدلا من صحراء جودزره”.

ويقول مسؤولون من طالبان إنه بسبب انخفاض مستويات المياه، حتى لو فتحوا بوابات سد كاجاكي، فلن يصل شيء إلى إيران.

وهناك معاهدة أبرمت عام 1973 بشأن حقوق المياه بين إيران وأفغانستان، ووفقا لها فإن الأخيرة ملزمة بتزويد إيران بـ850 مليون متر مكعب من المياه سنويا من نهر هلمند.

وتغذي مياه نهر هلمند الذي يبلغ طوله 1150 كيلومترا، وهو الأطول في أفغانستان، بحيرة هامون في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. وتعتمد المنطقة بشكل كبير على البحيرة، ويقول الإيرانيون إنها عانت من مشاكل كبيرة بسبب نقص المياه المستمر.

ونهر هلمند هو الوحيد الذي وقعت أفغانستان اتفاقية رسمية بشأنه مع أحد جيرانها المباشرين، ويعود أصله إلى سلسلة جبال هندوكوش، على بعد حوالي 40 كيلومترا من العاصمة كابول، شمال ممر أوناي، مع خمسة روافد.

وبالنسبة لإيران، يعد نهر هلمند المصدر الرئيس للري؛ حيث يعتمد اقتصاد محافظة سيستان وبلوشستان بشكل كبير على الممارسات الزراعية.

وفي الوقت الراهن في ظل التغيرات المناخية والجفاف والفيضانات التي كانت لها آثار مدمرة على إيران تريد طهران تحقيق استقرار مائي من الجارة أفغانستان.

حاجة إيرانية

ومع العزلة الدولية التي تلاحق إيران وتزايد العقوبات الغربية عليها نتيجة سياساتها، تنظر طهران إلى قطاع الزراعة من منظور الاكتفاء الذاتي، على أمل تعزيز مستقبل أكثر استدامة بما يكفي من إنتاج لإطعام المواطنين ووضع حد للواردات ذات الكلف العالية على اقتصادها.

ولهذا تتهم إيران جارتها أفغانستان بعدم الامتثال للاتفاق المذكور، وهو ادعاء ترفضه كابول.

لقد أدت النزاعات حول توزيع إمدادات المياه عبر الحدود إلى تفاقم العلاقات بين الجارتين لعقود من الزمان.

لا سيما أن نقل المياه من نهر هلمند تراها طهران قضية هامة تتعلق بحقوق إيران المائية.

ففي مايو/ أيار 2023، حذر الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي حركة طالبان من أن عدم امتثالها للاتفاقيات المشتركة بشأن حقوق المياه في المناطق الواقعة على طول حدودهما المشتركة “من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات” بين طهران وكابول.

كما قال الممثل الخاص لإيران في أفغانستان، حسن كاظمي قمي، خلال مايو 2023 إنه “رغم التزام الحكومة التي تقودها طالبان المتكرر بمعاهدة مياه هلمند، فإن إيران لم تتلق سوى حوالي 4 بالمئة من المياه التي لها الحق فيها”.

وتبحث إيران عن استقرار في مواردها المائية، وخاصة أنه في صيف عام 2023، أكدت مصلحة الأرصاد الجوية في محافظة أذربيجان الغربية الإيرانية الحدودية مع العراق، أن أكثر من نصف مساحة أراضيها تشهد "جفافا حادا جدا".

وقالت الباحثة في معهد "كروك" بجامعة نوتردام الأميركية، بنفشه كينوش، إنه “رغم بناء سدود عدة منذ تسعينيات القرن العشرين، أدركت إيران في العام 2017 أنها لا تزال تخسر نحو ثلثَي مياهها لصالح العراق”. 

وأضافت كينوش، لوكالة “فرانس بريس” في 10 سبتمبر 2024 أن "من شأن هذه الخسارة أن تؤدي إلى شح في المياه داخل إيران بحلول العام 2036".

لذلك، بنت إيران أكثر من 100 سد جديد "لإعادة توجيه تدفق المياه المتجهة إلى العراق، نحو خزاناتها الخاصة"، وفق كينوش.

بالمقابل، تريد طهران حركة تدفق مناسبة لكميات المياه من أفغانستان التي احتفل مواطنوها في مارس/ آذار 2023 على نطاق واسع باستكمال سد "كمال خان" عام 2021 أحد السدود الهامة على نهر هلمند.

إذ بات مرونة تدفق المياه من أفغانستان نحو إيران يشكل علامة أساسية "لحسن الجوار" بين البلدين منذ عودة طالبان للسلطة.

وكانت طهران حاضرة بشكل متكرر على طاولة الحوار مع مسؤولي حركة "طالبان" لبحث كثير من القضايا وعلى رأسها التوترات على الحدود.

علاوة على الرغبة من طهران لحل الخلافات بما يتعلق بأزمة المياه الطويلة الأمد والتهريب وعودة ملايين اللاجئين الأفغان إلى إيران. 

ويكرر المسؤولون الإيرانيون عدم كفاية حصص المياه المخصصة لبلاده من نهر هلمند، الذي ينبع من أفغانستان ويتدفق إلى إيران.

بالمقابل ترد طالبان بأنها لا تستطيع توفير المزيد من المياه بسبب الجفاف الذي يضرب أراضيها.

فإيران تستهلك ما يقرب من 83 بالمئة من إجمالي موارد المياه العذبة المتاحة، أي ما يقرب من ضعف المعدلات الدولية.

ورقة ضغط

ولهذا فإن أزمة المياه بين أفغانستان وإيران اللذين تربطهما حدود مشتركة طويلة تبلغ 921 كلم، بها ثلاثة منافذ لعبور البضائع التجارية والمسافرين، تتطلب منهما إظهار موقف قوي في قضية إمدادات المياه، سواء للاستهلاك المحلي أو لحماية مصالحهما الوطنية.

وبحسب المبعوث الخاص للرئيس الإيراني للشؤون الأفغانية، حسن كاظمي قمي، فإن 27 مليون متر مكعب فقط من المياه وصلت إلى إيران عام 2022.

ويقول خبراء البيئة إن التدفق المحدود حوّل أراضي هامون الرطبة، ثالث أكبر بحيرة في إيران وشريان الحياة للناس في جنوب شرق البلاد، إلى كارثة بيئية.

وأكدت السلطات الإيرانية أن التدفق المحدود هو بسبب السدود التي تقوم أفغانستان ببنائها، وهو ما يقولون إنه خرق لاتفاقية تقاسم المياه.

وضمن هذا السياق، يقول الخبير الأفغاني في شؤون المياه بجامعة شتوتغارت، نجيب الله ساديد، إن هذا "النزاع مألوف" بين إيران وأفغانستان.

ويضيف ساديد في تقرير لمجلة مستشار العلوم نشر في أغسطس 2023: "إذا نظرنا إلى تاريخ النزاع بين إيران وأفغانستان ــ بدءا من عام 1872، و1898، و1902، و1935 ــ فستجد أن هذه النزاعات كلها تتزامن مع سنوات الجفاف في المنطقة". 

وأردف: “لكن الآن يخشى من أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة المناخ وعدم الاستقرار السياسي إلى تأجيج صراعات أكثر تواترا وكثافة، خاصة أن أحد العوامل التي تغذي انعدام الثقة بين البلدين بشأن المياه هو الافتقار إلى بيانات الرصد القوية”.

وعلى سبيل المثال، يقول ساديد إن "إحدى محطات القياس الرئيسة على طول نهر هلمند في أفغانستان دُمرت في الصراع قبل سنوات؛ مما يجعل من الصعب تقدير تدفقات المياه".

وبعد ثلاث سنوات من حكم طالبان، لم تعترف أي دولة بهذه الحركة، ولا يوجد حتى الآن حل للشرعية الداخلية والخارجية لهذه الجماعة.

ورغم وجود علاقات دبلوماسية واقتصادية واسعة بين إيران وحكومة طالبان إلا أن طهران ترفض الاعتراف بشرعية حكومة الحركة، فيما توجد بعثات دبلوماسية للحركة في طهران ومدينة مشهد، كما توجد سفارة إيرانية في كابول وقنصليتها في هرات ومزار شريف.

لكن أزمة التصلب الأفغاني في مسألة تزويد إيران بالمياه تخفي خلفها ملفات كثيرة يرى بعض المراقبين أن حركة طالبان تريد الاستفادة من الثروات الإيرانية على صعيد التزود بالنفط.

إذ إن أحد الاحتياجات الرئيسة لشعب أفغانستان اليوم هو المنتجات البترولية، بما في ذلك البنزين والديزل وغاز البترول المسال ووقود الطائرات والكيروسين فضلا عن الأجهزة الإلكترونية وبعض المواد الغذائية.

وفي ظل حكومة طالبان، فالجانبان لديهما مشكلة مع الولايات المتحدة، وهما بحاجة إلى بعضهما في الجانب الاقتصادي على أقل تقدير.

إذ إنه في السابق كان الوجود الأميركي في أفغانستان له التأثير الأكبر على قرارات هذا البلد فيما يخص مياهه المشتركة مع إيران.

ووفق المراقبين تنتهج طالبان "ديبلوماسية المياه" في العلاقة مع إيران لتحقيق مكاسب كثيرة تساهم في بقاء سلطتها وتعزيز مواردها واحتياجاتها ولا سيما من الجيران.

علاوة على أن إيران تدرك أن أفغانستان تشكل لها حلقة ربط مباشرة لاقتصادها مع نظيريه الروسي والصيني.