مظاهرات تطالب بإسقاط النظام في تونس.. وناشطون يبشرون بعودة الربيع العربي
“اليوم بدأ الشارع يتحرك وعلى قيس سعيد أن يستعد للمفاجأة”
بشكل غير مسبوق منذ وصول قيس سعيد إلى رئاسة تونس عام 2019، تظاهر الآلاف بينهم حقوقيون وسياسيون من مختلف التيارات تنديدا بقمع الحقوق والحريات، ومطالبة بالإفراج عن السياسيين والصحفيين المعتقلين بسبب مواقفهم المعارضة.
ورفع المشاركون في المظاهرات التي خرجت في 13 سبتمبر/أيلول 2024، شعارات تدعو إلى عودة الديمقراطية، والتصدي لانحراف السلطات، ووقف استهداف السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، مرددين هتافات عدة أبرزها: "قيس سعيّد دكتاتور" و"حريّات حريّات دولة البوليس انتهت" و"ارحل ارحل سعيّد".
وتأتي التظاهرات استجابة لدعوة "الشبكة التونسية للحقوق والحريات"، التي تضم أحزابا يسارية واجتماعية ومنظمات من المجتمع المدني، كما تأتي قبل أسابيع قليلة من انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وكان سعيد قد أعلن رسميا في 19 يوليو/تموز 2024، أنه سيترشح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية، بدعوى "مواصلة النضال في معركة التحرير الوطنية"، وزاعما أنه بذلك "الواجب الوطني المقدس" حيث "لا مجال للتردد".
الرئيس المنقلب
وسعيد أكاديمي وسياسي، ولد في ضواحي العاصمة تونس سنة 1958، وعمل أستاذا للقانون الدستوري في الجامعات التونسية، ومتزوج من القاضية المستشارة في محكمة الاستئناف إشراف شبيل، ابنة القاضي محمد شبيل.
ودخل في أكتوبر/تشرين الأول 2019 غمار المنافسة السياسية وانتخب رئيسا للجمهورية قبل أن يحتكر السلطات كاملة في 25 تموز/يوليو 2021 بإقالته رئيس الوزراء وتجميده عمل البرلمان، مدعيا أن جميع خطواته "قانونية".
ويعد سعيد رابع رئيس لتونس بعد "ثورة الياسمين" التي اندلعت عام 2011، وسابع رئيس للجمهورية منذ إعلانها في 25 يوليو/تموز 1957.
ويواجه وحكومته اتهامات من أحزاب المعارضة التي يقبع الكثير من قادتها في السجون، بممارسة ضغوط على القضاء لتضييق الخناق على منافسي سعيّد في الانتخابات وتمهيد الطريق أمامه للفوز بولاية ثانية.
وفي أغسطس/آب 2024، أجرى تعديلا وزاريا شاملا هو الأوسع على الإطلاق منذ توليه السلطة وشمل 22 حقيبة وزارية مع الإبقاء على وزراء الداخلية والعدل والصناعة والتجهيز.
واحتفى ناشطون بعودة انتفاضة الشعب التونسي، واستبشروا بأنها استعادة لثورات "الربيع العربي" التي أنهت حقبة ديكتاتورية وافتتحتها تونس بثورة الياسمين في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، حيث أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي خارج البلاد.
وتمنوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة على منصتي "إكس" و"فيسبوك" أبرزها #تونس، #يسقط_الانقلاب، #يسقط_الديكتاتور، #يسقط_قيس_سعيد، أن تتحول مظاهرات تونس إلى ثورة تطيح بالرئيس التونسي وتنتزع الحقوق والحريات وتحرر المعتقلين.
وأعرب ناشطون عن أملهم أن تنطلق شرارة الحراك التونسي إلى باقي البلدان العربية وعلى رأسهم مصر التي تعيش حقبة سوداء منذ انقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي عام 2013.
رفض للاستبداد
وتفاعلا مع الأحداث، أوضح الباحث في الفكر السياسي والعلاقات الدولية والحركات الإسلامية جلال الورغي، أن "مظاهرة خرجت في تونس غاضبة رافضة للقمع والاستبداد والاعتقالات ومتمسكة بالحريات وبالتعددية والتسامح".
وأكد أن "شعب تونس تشبع على مدى عشر سنوات بقيم الحرية والديمقراطية، ولا يزال يكافح لحمايتها.. رافضا العودة لنادي الديكتاتوريات المزدحم بأنظمة المنطقة".
ورأى أنه "ليس كثيرا على شعوب المنطقة أن تعيش في أجواء من التسامح والتعدد والديمقراطية وحرية التعبير.. لسنا أدنى من شعوب العالم ولا نعاني من دونية حتى تتسلط علينا أنظمة متخلفة، تخشى النقد وحرية التعبير"، مؤكدا أن "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".
وقال الصحفي محمد كريشان، إن "مظاهرة اليوم في تونس أعادت لي الأمل في أن الشعب لم يطبّع مع الاستبداد والعبث".
ورأت الصحفية إقبال جميل، أن "الشعب التونسي في 13 سبتمبر 2024 أثبت أنه يرفض رفضا تاما عودة الاستبداد"، موجهة "تحية كبيرة لكل من شارك اليوم في المسيرة".
وأعرب الكاتب رفيق عبدالسلام، عن سعادته بعودة شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام" "لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب" مجددا من قلب تونس، مبشرا بأن "انقلاب قيس سعيد لن يعمر طويلا بحول الله، وسيدحره الشعب آجلا أم عاجلا ويستعيد ثورته وحريته".
وحثت الكاتبة آيات عرابي "الشعب التونسي المحترم على استغلال هذا الزخم لعزل قيس سعيد العميل الذي أتوا به أسياده للانقضاض على الحكم وليتم من خلاله القضاء على كل ما هو إسلامي على غرار ما قام به عسكر مصر خلال السنوات الماضية".
تحية وإشادة
وتحية للشعب التونسي وتمنيات له بالنصر، قال خبير إدارة الأزمات المصري مراد علي: "اللي مزعل الواحد إن بلادنا تدهور فيها الحال، بعد ما كان عندها دكتاتوريين ملو هدومهم زي بورقيبة وزين العابدين ومبارك، تدهور بها الحال وبقي عندنا شوية أراجوزات ومضطرين نعمل مظاهرات ضدهم.. ربنا ينصر أهلنا في تونس".
وحيا السياسي عمرو عبدالهادي، شعب تونس الذي صبر على سعيد حتى يرحل بانتخابات رئاسية، ولكن حين رآه الشعب يتخذ إجراءات لاستمراره في الحكم مدى الحياة عن طريق سجن منافسة في انتخابات الرئاسة فأيقنوا أنه لن يرحل "لذلك خرج بآلاف ليقول له ارحل".
وذكرت درة السيد، بأن "ثورة 14 يناير بدأت بانتحار محمد البوعزيزي ثم احتجاجات من سيدي بوزيد القصرين ثم انتقلت إلى باقي ولايات الجمهورية، ثم ازداد الزخم ثم الصدام مع البوليس ثم التحق بالمظاهرات جيش الأحياء الشعبية ثم اختل توازن الأمن".
وقالت: "اليوم بدأ الشارع يتحرك وعلى قيس سعيد أن يستعد للمفاجأة".
وردد شريف حسن هتاف الشعب التونسي: "لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب... ".
وقال عمرو المناوي: "واضح أن هتفضل دايما الإجابة تونس".
تمنيات لمصر
وإسقاطا للأحداث في تونس على مصر وإعرابا عن الأمل في أن يلتحق الشعب المصري بنظيره التونسي وينتفض على السلطة، دعت الكاتبة شيرين عرفة، قائلة: "اللهم كما جعلت انتفاضة تونس الأولى، بداية لثورة أطاحت بمبارك فاجعل يا رب انتفاضتهم هذه، سببا لثورة تقتلع الجاسوس الخائن، من حكم مصر".
وأكد أحد المغردين، أن "المظاهرات في الحبيب بورقيبة بتونس والقلوب ترتجف رعبا في العاصمة الإدارية –في إشارة إلى النظام المصري الذي يتخذ من العاصمة الإدارية مقرا له-"، قائلا إن "الجميع يعلم إذا خرج الشعب فلا عاصم منه".
ورأى الصحفي ماهر جاويش، أن تونس تعيد ثورات الربيع العربي، إلى سيرتها الأولى، مشيرا إلى أن عدم وصول الشعوب في ثوراتها على أنظمة الفساد والاستبداد لمآلاتها في الحرية والعدالة والكرامة وصولا إلى التنمية والتحرير عدم صوابية خيارها.
وحذر من أن ثمّة خلطا وتدليسا يجرى إشاعته وبثه لثني الشعوب عن مطالبها المحقة والرضوخ لواقع تم فرضه بقوة النار والحديد والقهر والخذلان والتشويه المتعمد لكل القيم، حتى لا تقوم قائمة لأي فكرة ثورية بهدف التغيير خاصة عبر المقارنات المادية البحتة والمفاضلة القاصرة بين " الأمن والاستقرار" المزعومين و الحرية المنشود.
وقال الإعلامي نظام مهداوي، إن "عادت تونس عادوا"، مؤكدا أن "الثورات التي تطمح الشعوب العربية من خلالها إلى أوطان عادلة وديمقراطية ومؤسساتية وخالية من الفساد، لا تأتي بسنة ولا بعقد من الزمان".
وأضاف: "إن عادت تونس لتكمل مسيرتها، عادت مصر وليبيا والعراق ولبنان وسوريا واليمن، وستلحق بها دول أخرى مثل الأردن والمغرب ودول من الخليج".
وأكد مهداوي، أن "الشعوب العربية ليس لديها رفاهية الوقت، بل أصبحت أوطانها معرضة للتقسيم والتفتت والحرب الأهلية بسبب هذه الهجمة الصهيونية الشرسة التي تهدد كل عواصم وحواضر العرب".
وكتب أحمد إسلام: "مفيش مرة نقول مصر هي شرارة وبداية الثوارات، لكن للأسف من يبدأها هو الشعب التونسي الحر الذي لا يهاب حاكما أو قوة عسكرية، تحية كبيرة للشعب التونسي".