توقيت خطير.. ماذا وراء بث العراق مقابلات تلفزيونية مع عائلة البغدادي؟
أثارت المقابلات التلفزيونية مع عدد من أفراد عائلة زعيم "تنظيم الدولة" الأسبق، أبي بكر البغدادي، العديد من التساؤلات بخصوص دلالات مثل هذه الخطوة التي أقدم عليها جهاز المخابرات العراقي، ولا سيما أنها كانت على قناة "العربية" السعودية، وليست قناة "العراقية" الرسمية.
وبثت قناة "العربية" خلال أيام 15 و16 و17 فبراير/ شباط 2023، ثلاثة مقابلات شملت الزوجة الأولى والثالثة، أسماء محمد، ونور إبراهيم، وابنته أميمة إبراهيم عوّاد البدري المعروف بـ"أبي بكر البغدادي"، والتي كانت زوجة مرافقه الخاص الذي يدعى "منصور".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلنت الولايات المتحدة مقتل البغدادي مع ثلاثة من أبنائه بعدما أقدم على تفجير سترة مفخخة كان يرتديها، وذلك جرّاء هجوم شنته قوة أميركية خاصة في شمال غرب سوريا، والتي طاردته إلى نفق مغلق انهار عليه بعد الانفجار.
كشف الأسرار
المقابلات التي بثتها القناة السعودية، جاءت في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه السلطات القضائية العراقية، استجواب "عائلة" البغدادي، موضحة أنهم استُعيدوا من خارج العراق.
وقال مجلس القضاء العراقي خلال بيان له في 15 فبراير، إنه "بإشراف مباشر من القاضي المختص في محكمة تحقيق الكرخ الأولى، ألقي القبض على عائلة البغدادي، ودُوّنت أقوالهم، بينما لا تزال التحقيقات مستمرة معهم للكشف عن أهم أسرار تنظيم الدولة".
وذكر أن "السلطات القضائية تمكّنت من استعادة عائلة البغدادي"، وذلك "ضمن خطتها لاستعادة المتهمين بقضايا الإرهاب الهاربين خارج العراق".
ولم يحدّد بيان السلطات القضائية العراقية عدد أفراد عائلة البغدادي الذين ألقي القبض عليهم ولا هُويتهم، ولا من أي بلد استُعيدوا.
لكن مصدرا قضائيا قال لوكالة الصحافة الفرنسية في 16 فبراير، إن "جهاز المخابرات (العراقي) بالتعاون مع السلطات التركية استرد زوجة أبو بكر البغدادي وأولادها"، مضيفا أنها "كانت موقوفة في تركيا".
وأعلنت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، توقيف أرملة البغدادي، مع 10 أشخاص آخرين، من بينهم ابنته.
وقال حينها مسؤول تركي (لم يكشف هويته) إن تلك هي "الزوجة الأولى" للبغدادي، وجرى توقيفها في يونيو/حزيران 2018، في محافظة هاتاي الحدودية مع سوريا.
وحسب المسؤول، فإن زوجة البغدادي "قدّمت معلومات عديدة حول موضوع البغدادي، والعمل الداخلي لتنظيم الدولة".
وحينها، أفاد إعلام تركي بأن اسم هذه الزوجة هو أسماء فوزي محمد الكبيسي، وابنته اسمها ليلى.
وخلال المقابلة أكدت الزوجة الأولى أسماء محمد، أنهم دخلوا تركيا بوثائق سورية مزورة حتى يتمكوا من الحصول على الإقامة هناك، مشيرة إلى أن البغدادي لديه 4 زوجات اثنتان من الجنسية العراقية، وواحدة سورية وأخرى شيشانية، وانجب منهن 11 طفلا.
كما أكدت أن البغدادي كان لديه 9 "سبايا" من نساء المكوّن الأيزيدي في العراق، وأن تنقلاتهم كانت من أماكن سكناهم تحصل بشكل يومي سواء عندما كانوا في الأراضي العراقية أو السورية، حتى انتقالهم إلى تركيا.
وأشارت قناة "العربية"، إلى أن المقابلات الأولى من نوعها جرت بموافقة من جهاز المخابرات العراقي، الذي ساهم في عملية اعتقال زوجات البغدادي، دون ذكر مزيد من التفاصيل في هذا الصدد.
حرب غزة
بعيدا عما كشفته عائلة البغدادي خلال المقابلات من تفاصيل عن حياة زعيم "تنظيم الدولة" وعلاقاته والمعارك التي أدارها منذ إعلان ما يسمى بـ"دولة الخلافة في سوريا والعراق"، فإن توقيت الظهور الأول لهذه العائلة بعد نحو 5 سنوات من اعتقالهم كان له العديد من الدلالات.
وقال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي، ميثم محمد صاحب، إن "توقيت بث المقابلات يأتي لصرف أنظار العالم العربي عما يحصل من إبادة جماعية في قطاع غزة، يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وقرب تنفيذه عملية عسكرية في مدينة رفح التي تضم نحو 1.5 مليون فلسطيني".
وأوضح صاحب لـ"الاستقلال"، أن "اختيار قناة العربية تحديدا، وليس العراقية الرسمية يثير شكوكا كثيرة، أولها هو موقف القناة السعودية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانحيازها للاحتلال، وأنه من المحتمل جدا أن توقيتها جاءت بضغط أميركي على المخابرات العراقية".
وتعلن سلطات الاحتلال الإسرائيلي نيتها اجتياح المنطقة الجنوبية المكتظة بالنازحين في مدينة رفح المحاذية لمصر، بعد أن أخرجت سكان الشمال بالقوة ووجهتهم إلى الجنوب بزعم أنه "منطقة آمنة".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول الكيان المحتل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".
من جهته، قال الكاتب السوري المعارض، ومدير المركز "الإسكيندينافي الخليجي" للدراسات، عبد الجليل السعيد، إن "ظهور زوجات البغدادي في هذا التوقيت الخطير من الصراع العربي الإسرائيلي، يضع الكثير من علامات الاستفهام على أهداف بث المقابلات".
وأضاف السعيد عبر مقطع فيديو نشره على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 17 فبراير، أن "المقابلة تريد من خلالها القناة السعودية تثبيت رواية الغرب وإيران، أن الإرهاب عربي سني، ولا يوجد إرهاب شيعي في المنطقة، لا المليشيات في العراق، ولا الحوثيون باليمن أو حزب الله اللبناني، أو النظام السوري قاتل السوريين ومغتصب النساء".
وشدد على أن "المجتمع السني يرفض الإرهاب وأفعال تنظيم الدولة جملة وتفصيلا، لكن لماذا لا أحد يتحدث عن الإرهاب الذي يصدر من التنظيمات الشيعية، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ومحاولة تصوير أن الإرهاب هو لدى السنة فقط".
لمن يريد الحقيقة فقط ‼️
لماذا قابلوا #زوجة_ابوبكر_البغدادي الآن ؟ pic.twitter.com/QaV3yJED4J— Abduljalil Alsaeid عبدالجليل السعيد (@AAbdulsaeid) February 17, 2024
وعلق الكاتب والمحلل السياسي العراقي، فراس إلياس، على مقابلة زوجة البغدادي، عبر حسابه بمنصة "إكس" في 17 فبراير، قائلا: "الهفوات في هذا اللقاء كثيرة، على مستوى المعلومات وطريقة الحوار".
وتابع: "شخصيا لم ألمس سوى محاولة تصدير رسائل سياسية من هذا اللقاء لصالح جهة بالضد من جهات أخرى، بدون أن يركز اللقاء على أمور أكثر أهمية، ويبدو أنه تم الإعداد لهذا اللقاء جيدا قبل تقديم زوجة البغدادي على الشاشة".
تعمية متعمّدة
على صعيد آخر، فسر الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، توقيت بث المقابلات مع عائلة البغدادي، بأنه "يأتي للتغطية والتعمية المتعمّدة على التوتر الحاصل بين المليشيات العراقية الموالية لإيران، والولايات المتحدة الأميركية، الذي كان في تصاعد مستمر".
ورأى المساري في حديث لـ"الاستقلال" أن "المقابلات هذه تريد صرف أنظار العراقيين عن متى ترد المليشيات العراقية على مقتل عدد من قادتها وعناصرها بضربات أميركية، نفذتها الولايات المتحدة على دفعتين في 3 و7 من فبراير، وتوّعدت بالمزيد".
وأدت ضربة أميركية في بغداد إلى مقتل أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي القياديين في "كتائب حزب الله" العراقية، وذلك بعد أيام من استهداف مماثل طال عناصر المليشيات العراقية في دير الزور والأنبار بسوريا والعراق أودى بحياة نحو 26 عنصرا.
ولفت الباحث إلى أن "المليشيات توعّدت بالرد على الضربات الأميركية، لكن شيئا لم يحصل، وكان الكثير من العراقيين يتساءلون على مواقع التواصل متى تثأر هذه الجماعات لقادتها، وفجأة تحول الحديث على المنصات المختلفة عن زوجات البغدادي وابنته، والطعن الطائفي بالأعراض".
وأشار المساري إلى أن "بث المقابلات على قناة العربية محاولة لإعطائها مصداقية أكثر في الداخل العراقي، لأن القناة الرسمية لا يصدق بها أحد وصاحبة تاريخ طويل من الكذب ضد سنة العراق، وذلك عن طريق إظهار معتقلين سنة يتحدثون عن جرائم لم يرتكبوها".
وتابع: "لكن هذا لا يمنع أن الأسئلة التي طرحت خلال المقابلة معدّة مسبقا من جهاز المخابرات العراقية، أو أضاف عليها ما يريد، خصوصا عند سؤال مذيع العربية عن العلاقة التي كانت تربط زوجة البغدادي الأولى مع أبو محمد العدناني الرجل الثاني في التنظيم، ورفضها الإجابة عنه".
وأكد المساري أن "سؤال العربية عن العلاقة بين زوجة البغدادي والعدناني، أريد من خلاله إثارة الجدل في الداخل العراقي، لذلك وظفته المليشيات وأتباعها بطريقة طائفية والطعن بالأعراض، وهذا صرف الأنظار تماما عن الصراع الأميركي مع حلفاء إيران".
وعندما سأل مذيع "العربية" زوجة البغدادي الأولى في ما إذا كانت تلتقي وتتشاور في بعض الأمور مع العدناني، قالت: "هذا الموضوع حرج جدا بالنسبة لي وبالنسبة لأولادي".
وأعلنت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 مقتل البغدادي في ضربة ليلية، شنّت شمال غرب سوريا على بعد كيلومترات من الحدود مع تركيا.
وبعدما سيطر في 2014 على مساحات واسعة في سوريا والعراق، مُني التنظيم المتطرف بهزائم متتالية في البلدين، وصولا إلى تجريده من كل مناطق سيطرته في هذين البلدين عام 2019.
وأعلن العراق انتصاره على التنظيم أواخر 2017، لكنه ما زال يحتفظ ببعض الخلايا في مناطق نائية وبعيدة في شمال البلاد، تشنّ بين حين وآخر هجمات ضد الجيش والقوات الأمنية.
وذكر تقرير للأمم المتحدة نُشر في يوليو/ تموز 2023 أن "عمليات مكافحة الإرهاب التي تنفّذها القوات العراقية استمرت في الحدّ من نشاطات تنظيم الدولة، الذي حافظ مع ذلك على تمرده بدرجة منخفضة".
وأضاف أن "عمليات التنظيم اقتصرت على المناطق الريفية، بينما كانت الهجمات في المراكز الحضرية أقل تكرارا"، مشيرا إلى أن "البنية الرئيسة لتنظيم الدولة لا تزال تقود 5000 إلى 7000 فرد في جميع أنحاء العراق وسوريا، معظمهم من المقاتلين".
المصادر
- القضاء العراقي يعلن استعادة عائلة “أبو بكر البغدادي” من خارج البلاد
- القضاء العراقي يستجوب عائلة البغدادي لكشف أسرار تنظيم الدولة
- دونالد ترامب يعلن مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي
- زوجة البغدادي عن علاقتها بالعدناني: “موضوع حرج جدا”
- بايدن يحذر نتنياهو من الهجوم على رفح دون ضمان سلامة المدنيين