"مخالفة للشرع".. ماذا وراء الجدل بشأن تعديلات قانون الأسرة بالمغرب؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

على شكل تسريبات، بدأ الإعلام في المغرب نشر توصيات قيل إنها صادرة عن “اللجنة المكلفة من الملك محمد السادس بمراجعة قانون الأسرة”، والتي سلمت تقريرها النهائي لرئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وأثارت هذه التسريبات جدلا واسعا بالمغرب، خاصة أن الكثير منها "جاء مخالفا للدستور ومقتضيات الشريعة الإسلامية"، كما أكد ذلك متفاعلون مع هذه التسريبات.

تفاصيل مختصرة

وفي هذا الصدد، قال موقع "هسبريس" المغربي في 5 أبريل/نيسان 2024، إن توصيات اللجنة تضمنت "تبسيط إجراءات الطلاق بين الزوجين"، و"إقرار إصلاح شامل للمقتضيات القانونية المنظمة لمسألة الميراث".

وأضاف "وذلك بتخويل صاحب المال والأصول سلطة اختيار النظام المُطبق، إما الميراث أو الوصية، مع توسيع نطاق الأخيرة لتشمل الأحفاد ورفع القيود المفروضة عليها".

وبحسب المصدر ذاته، أوصت اللجنة باستبعاد مسكن الزوجية من نطاق الميراث، مع الاعتراف بحق الانتفاع للزوج الباقي على قيد الحياة، ثم توسيع حق المرأة في الإرث، إذ يمكنها أن تستفيد من نصف الموروث في حالة غياب الإخوة الذكور، والثلثين في حالة العكس.

إضافة إلى توسيع دائرة الورثة لتشمل حتى الأقارب بالزواج في حالة عدم وجود ورثة مباشرين لصالح المال أو أي وصية، مع القطع نهائيا مع حرمان النساء من الإرث.

وفيما يتعلق بالمسؤوليات العائلية للزوجين، اقترحت الهيئة المكلفة بمراجعة قانون الأسرة تقاسما أكثر عدالة للأعباء العائلية، وتحمل الطرف الميسور منهما النفقات الأسرية في حالة عجز الطرف الآخر.

وأبرز الموقع أن التوصيات شملت أيضا إقرار الولاية الشرعية للوالدين، سواء أثناء الزواج أو بعد فسخ عقده، وإعطاء الأم الصلاحيات نفسها التي كان يتمتع بها الأب في هذا الإطار، مع إقرار إجراءات حمائية للطفل وحقه في النسب.

وتضمنت التوصيات كذلك إزالة اختلاف الدين من ضمن موانع الزواج المؤقتة المنصوص عليها في المادة الـ39 من النص الحالي، الذي يعد "زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية"، من ضمن هذه الموانع.

توصيات صادمة

من جانبه، وصف موقع "اليوم24" المحلي، التوصيات التي توصل إليها والصادرة عن الهيئة بـ "الصادمة"، وأن من شأنها إشعال الصراع بين المحافظين والحداثيين في البلاد.

وذكر الموقع عبر تقرير نشره في 5 أبريل 2024 أن أكثر من مصدر حكومي رفض تأكيد أو نفي صحة التوصيات التي تمكن من الحصول عليها، مشيرا إلى أن من أبرزها "تخويل صاحب المال سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، إما الوصية أو الميراث".

وكذا "رفع القيود المفروضة على الوصية بأن تصبح لفائدة الورثة، وبأن تتجاوز حدود الثلث دون حاجة إلى موافقة الورثة"، مع "تمديد نطاق الاستفادة من الوصية الواجبة لتشمل أولاد البنت من الذكور والإناث مهما نزلوا".

ومن التوصيات المتعلقة بالإرث أيضا، بحسب الموقع "استثناء بيت الزوجية من نطاق التركة، وإقرار حق الانتفاع للزوجة أو الزوج الباقي على قيد الحياة"، ثم "حذف اختلاف الدين من موانع الميراث".

الوثيقة تضمنت أيضا وصية تتعلق بـ"توسيع نطاق الرد لفائدة البنات في حالة عدم وجود أخ لهم، بأن تستحق البنت في حالة انفرادها نصف التركة، وفي حالة تعددها ثلثي التركة، وذلك بالفرض، وباقي التركة بالرد، بعد أخذ أصحاب الفروض نصيبهم".

وفيما يتعلق بالزواج المختلط، يقول الموقع إن الوثيقة ضمت توصية بـ"تعديل مقتضيات المادة 2 من المدونة (القانون) ليشمل نطاقها أيضا الأجانب الموجودين في وضعية غير قانونية"، ثم "تنظيم مسطرة الزواج المختلط وزواج الأجانب مع التنصيص على حق الأطراف في الاتفاق على اختيار القانون الذي يطبق عليهم".

وكان العاهل محمد السادس قد دعا، في سبتمبر/ أيلول 2023، لإعادة النظر في "مدونة (قانون) الأسرة"، وكلف لجنة تشرف على هذا التعديل، تشمل مسؤولين قضائيين وحكوميين وممثلين عن مؤسسات دستورية.

وبعد استقبال فعاليات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات العمالية والمؤسسات الرسمية ذات الاختصاص، أنهت اللجنة أشغالها بتسليم تقريرها لرئيس الحكومة في 30 مارس/آذار 2024.

"تسريبات مخدومة"

ويرى رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، امحمد الهلالي، أن "هذه التسريبات تتم بشكل مخدوم، دون أن يصدر إلى الآن أي توضيح أو نفي من اللجنة المكلفة بتعديل المدونة، مما أعطى الانطباع بوجود رغبة لجس النبض أو للغموض البناء".

وقال الهلالي لـ"الاستقلال" إن "من المضامين المريبة في التسريب هو ادعاء وجود اقتراح يقضي بفتح المجال أمام كل معني بالأمر بأن يختار بشكل طوعي بين الاحتكام إلى قواعد الشرع في الميراث، وبين نظام خاص للوصية المفتوحة بدون شروط وبلا سقف لمقدارها ولا اعتداد بالعلاقة التي تربط المورث ولا موافقة الورثة، أي وفق نظام الوصية الغربي".

وشدد على أن "هذا الاقتراح ينطوي على مخاطر كبيرة، كونه يفتح المجال أمام المغاربة المسلمين للاختيار بين التحاكم لشرع الله والتحاكم لغيره في التوارث وانتقال ميراث المسلمين".

ونبه الهلالي إلى أن "هذا الاقتراح إذا صح لا ينطوي على خطر فتح المجال للخروج عن شرع الله وتقويض عرى الاسلام عروة عروة على مستوى الأفراد وحسب، ولكنه يفتح المجال لاعتماد الازدواجية في جميع الثوابت الجامعة".

وتساءل الهلالي، "من يضمن ألا تنتقل عدوى المطالبة بالخيار بين نظامين إسلامي ومدني أو قل غير إسلامي على مستوى الإرث إلى باقي قضايا الأسرة ومحاورها؟ ومن يضمن ألا تنتقل هذه المطالبات إلى باقي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية أسوة بمجال الإرث ونظام الأسرة؟".

وخلص إلى أن "ما يقع هو انعكاس لعواقب عدم احترام التنوع في الرأي والتعدد في الفكر في تكوين لجنة إعداد تعديلات المدونة، وخاصة تهميش علماء الشريعة في تكوين هذه اللجنة، وإقصائهم في أعمال قيادتها".

من جانبها، قالت الأكاديمية والحقوقية نزيهة امعاريج، إن "ما نُشر أخيرا في بعض وسائل الإعلام المغربية بخصوص توصيات اللجنة، هو مجرد تسريبات غير دقيقة، وحرب نفسية يشنّها الطرف الآخر (في إشارة إلى مَن يوصفون بالحداثيين) من أجل جس نبض الشارع بشأن هذه القضية بالغة الحساسية".

وأضافت معاريج لموقع "عربي21" في 7 أبريل 2024، أن "التوصيات النهائية للمدونة لم تصدر بعد، وسيعلن عنها رسميا الملك محمد السادس قريبا".

واستطردت أستاذة مادة العقيدة ومقارنة الأديان والفكر الإسلامي، قائلة: "مَن يرد مدونة حداثية تتصادم مع شريعتنا الإسلامية، فعليه أن يبحث عنها في أي دولة أخرى.. هذا خط أحمر ولعب بالنار، وسنقف له بالمرصاد من أجل صيانة ثوابتنا المغربية والفقه المالكي وإمارة المؤمنين".

وقالت: "نحن نرتب حاليا لأنشطة وندوات جديدة وتحركات مختلفة ستنطلق بعد عيد الفطر من أجل مدونة الأسرة، وحراكنا لن يتوقف حتى نطمئن أن التعديلات جاءت في إطار المرجعية الإسلامية، والإشكالات الموجودة نبحث لها عن الحلول والمقاربات الأسلم والأقرب للصواب".

مخالفة الثوابت

إضافة إلى الأكاديميين والسياسيين الذين تفاعلوا مع هذه التسريبات، أكد رئيس "حركة التوحيد والإصلاح" الدعوية، أوس رمال، أن التسريبات المتعلقة بالمقترح الذي سلمته اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرئيس الحكومة، هي مقترحات إحدى الهيئات وليست توصيات من اللجنة.

وشدد رمال في تصريحات صحفية، على أن "اللجنة تتضمن شخصيات مسؤولة ومكلفة من ملك البلاد، ولا يمكنها تبني مثل هذه التوصيات المسربة المنتشرة عبر الإعلام".

وأوضح أن "اللجنة لا يمكن أن تجازف بإدخال المغرب في فتنة الله وحده يعلم مداها، إذ الأمر ليس لعبا وليس مباراة رياضية"، مشددا على أن "99.99 بالمئة من الأسر المغربية المسلمة تعتز بإسلامها وانتمائها إلى هذه المرجعية الدينية ولن تقبل المساس بها".

وبخصوص المقترحات وتقييمه لها، أكد الرمال أنها "تخرق كل التوجيهات الملكية للجنة، التي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، كما أكد الملك أكثر من مرة أنه لا يمكن التفكير حتى في تحليل ما هو محرم أو تحريم ما هو محلل في الشرع"، ويرى أن مضامين التسريب "تخالف أصول الدستور".

واستطرد "أستطيع أن أجزم بأن هذه التوصيات تعود لأحد الأطراف، ولن يكون لها بروز في الوثيقة النهائية".

ولفت إلى أن "هذا التسريب، ككل التسريبات عندنا في المغرب وفي كل البلدان، وراءها أهداف، ومنها أن يقرأ المغاربة هذه التوصيات ويطلعوا عليها وربما يطبعوا معها، وهذا لن يحدث، لأننا في المغرب ولسنا في عالم آخر".

وأشار إلى أن "هذا التسريب جاء بإيعاز من مكاتب الدراسات وفتاوى الاستشارات للهيئة التي تقف وراءه ليطلع عليه المغاربة، حتى لا تكون الصدمة كبيرة، ولو جاء بعد عام أو عامين لا يمكن أن يستقبله المغاربة إلا بالرفض المطلق البين، ويعلم الله وحده ماذا سيكون موقفهم وماذا سيفعلون بشأنه".

من جانبه، أكد رضا بوكمازي، المحامي، وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب السابق، أن هذه التسريبات "لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد عليها والركون إليها وعدها من بين المخرجات التي جاءت بها اللجنة لعدة أسباب".

وأوضح بوكمازي لـ"الاستقلال" أن "من بين هذه الأسباب، أن الملك محمد السادس يشرف شخصيا على ملف تعديل مدونة الأسرة، بوصفه صاحب المبادرة إلى فتحه ومراجعته".

والسبب الثاني، وفق المتحدث ذاته، أن "ما تم إعلانه من تسريبات تكاد تتطابق مع المقترحات التي تضمنتها مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) جملة وتفصيلا، المخالفة لصريح القرآن والسنة، وهو ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعتمده اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة".

وفي جوابه عن السؤال المتعلق بزمن نشر هذه التسريبات، قال بوكمازي إن "من روج لها على أنها من بين توصيات اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، يرمي إلى خلق بالونات اختبار ينظر من خلالها إلى نظرة المجتمع وتفاعله مع تبني اقتراحات تتعارض مع مرجعية الدولة والمجتمع".

واسترسل البرلماني السابق، كما أنه يريد أن "يهيئ من خلال هذا الأمر إلى القول زورا بأن المجتمع لا يعارض في أن تتحول مدونة الأسرة إلى نص قانوني منزوع منه كل الارتباط بالنصوص الشرعية، وينظم العلاقة التعاقدية بين أفراد المجتمع بعيدا عن كل قيد أو شرط حدده النص القرآني، ويتحلل من فلسفة الإسلام ومقاصده في التعامل مع الأسرة".

وشدد بوكمازي على أن "من يقامر بمثل هذه القضايا ويُقدم على التلاعب بمشاعر المواطنين والمواطنات، ويسعى إلى خلق حالة استفزاز عامة في موضوع لا يحتمل مثل هذه الممارسات، هو في الحقيقة يقامر بتماسك المجتمع".

وأضاف "كما يشكل خطرا على لحمته، ويجعل المجتمع في حالة شك وريبة، فضلا أنه يسعى إلى نسف منسوب ثقة المجتمع في مؤسساته".