"الولاء وإضعاف المليشيات".. هكذا يسعى نظام الأسد لرفد الجيش بمقاتلين
“يريد الأسد أن يكون الجيش مكونا من المجموعات الأكثر ولاء للحكم"
يتجه النظام السوري إلى إعادة بناء "جيشه" من جديد وإن كان عبر إدخال وزارة دفاعه تعديلات على شروط الالتحاق والخدمة داخل قواته، وذلك بعد أن أظهرت الثورة عام 2011 أن استجلاب المليشيات الأجنبية "منع هزيمة هذا الجيش أمام الثوار".
ومع النقص الكبير خلال الفترة الأخيرة في أعداد الملتحقين في صفوف الجيش بموجب الخدمة الإلزامية المفروضة على الشباب لمدة عامين، بدأت تظهر مؤشرات على رغبة نظام بشار الأسد في إعادة هيكلة القطع والألوية العسكرية.
"عقود تطوع"
ويبدو جليا أن الشروط التي تعلن عنها وزارة الدفاع في النظام لتجنيد مزيد من العناصر والمتطوعين تحمل في طياتها انتقائية للشخص المتقدم وخضوعه "لدراسات أمنية دقيقة" قبل قبوله حتى لو توافرت فيه شروط التقديم المعلنة من جانب الوزارة المذكورة.
وفي مؤشر على حالة العجز الشديدة في القوة البشرية داخل قوات الأسد النظامية، هو لجوء وزارة دفاع النظام من جديد إلى “عسكر ة المجتمع” بمغريات عقود التطوع في صفوفها.
ونشرت الوزارة على حسابها في “فيسبوك” إعلانا في 11 سبتمبر 2024 تحت عنوان "عقود التطوع الجديدة.. ميزات واستحقاقات إضافية".
وتضمن الإعلان أنه "سيتم التعاقد لمدة خمس أو عشر سنوات، مع إمكانية تجديد العقد مرة واحدة بناء على رغبة المتطوع وموافقة القيادة العامة، بشرط ألا يتجاوز عمر المتطوع 32 سنة".
أما الفئات المؤهلة للتطوع بحسب الإعلان المذكور، "يشمل الإعلان من يؤدي حاليا الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، إضافة إلى المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، بشرط ألا يتجاوز عمرهم 32 سنة".
وتطرق الإعلان إلى "الرواتب والتعويضات" للراغبين في التطوع، حيث "يتراوح الراتب الأساسي بين 1.8 مليون و2 مليون ليرة سورية (160 دولارا أميركا)، إضافة إلى تعويضات متعددة مثل تعويض الميدان وبدل السكن والعبء العسكري، فضلا "عن مكافآت مالية مثل مكافأة الزواج ومكافآت سنوية وشهرية".
ويفرض النظام السوري "خدمة العلم أو الخدمة الإلزامية" على الذكور ممن أتموا 18 من العمر، وتصل مدة الخدمة إلى سنتين، وتشمل حتى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
ويبدو واضحا أن النظام السوري "قدم أقصى المغريات المالية" لإعادة جذب المتطوعين لصفوف قواته وتشكيلاته العسكرية، لا سيما في ظل الظروف المعيشية السيئة جدا في مناطق نفوذ النظام السوري.
ويبلغ راتب الموظف في مناطق نظام الأسد 25 دولارا شهريا، في وقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية في دمشق منذ بداية عام 2023 حتى مارس/ آذار 2024 لما يزيد على 200 بالمئة بالمتوسط. ويعادل الدولار الواحد في سوق الصرف نحو 14500 ليرة سورية.
وأدى انهيار الليرة السورية إلى تآكل القيمة الشرائية لرواتب العسكريين، وانخفاضها عدة مرات مقارنة برواتبهم في 2011.
ومنذ عام 2011 عقب اندلاع الثورة، تعرض جيش النظام لأزمات كبيرة في مجال موارده البشرية، حيث تأثر بانشقاقات داخل صفوفه، وفقدان أعداد كبيرة من العناصر نتيجة للمواجهات العسكرية، كما شهد تراجعا كبيرا في استعداد الأفراد للالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية.
كما تمكن حليفتا رأس النظام، روسيا وإيران من تشكيل مليشيات محلية، واستقطاب عسكريين ومدنيين مقابل رواتب شهرية تفوق المليون ونصف ليرة سورية بالإضافة إلى حوافز وإطعام لمدة 20 يوما، يليها 10 أيام إجازة.
ويقدر "مجلس العلاقات الدولية الروسي" العدد الإجمالي لأفراد قوات النظام ما قبل عام 2011 بحوالي 325 ألفا، بينهم 220 ألفا من القوات البرية.
وكذلك 100 ألف من القوات الجوية، 60 ألفا منها للدفاع الجوي، وأربعة آلاف من القوات البحرية، مع ثمانية آلاف من حرس الحدود و100 ألف مقاتل من "الجيش الشعبي"، وهذا الأخير بمثابة عنصر احتياطي للقوات المسلحة.
وتراجع عدد مقاتلي قوات النظام، لنحو الثلثين بعد عام 2011، وفي 2012، حالت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام وقواته، حسب دراسة لمركز أبحاث "توازن" السوري، الذي قدر أعداد عناصر قوات النظام عام 2020 بـ169 ألفا.
ويعد الجيش من أهم مؤسسات الدولة التي تحدد من نواحٍ كثيرة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وكذلك صمود نظام الدولة بأكمله وقدرته على البقاء.
وتؤكد المعلومات أن كل عنصر من قوات الأسد كانت مخصصاته لا تتجاوز الـ150 ليرة (30 سنتا) حتى مطلع 2018، وزادت إلى 400 ليرة (80 سنتا).
ومنذ سنوات يقلل نظام الأسد كمية الطعام المقدمة للوحدات العسكرية، ووصل الأمر إلى حذف بعض المواد التي كانت أساسية بالوجبات، مثل اللحوم والفواكه.
"ترميم تشكيلاته"
وبينما اعتادت وزارة الدفاع الإعلان عن هذه العقود دون تقديم حوافز ومغريات، يسعى النظام في الوقت الراهن من طريقة الإعلان والعرض في هذا الشكل لجذب مزيد من الشباب من خلال تقديم هذه المزايا ومن ثم تطويعهم في الجيش لاحقا، وفق الخبراء.
وضمن هذا السياق، ينظر المحلل والخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، إلى أنه "منذ عام 2011 فقد النظام نسب استكمال في الفرق والألوية العسكرية في جيشه حيث كانت نسبة الاستكمال من العناصر البشرية قبل العام المذكور تبلغ 75 بالمئة".
وأضاف أيوب لـ"الاستقلال" قائلا: "أما في الوقت الراهن فإن نسب الاستكمال دون 30 بالمئة فهناك قطع عسكرية في مناطق النظام لا يوجد فيها عناصر ومتطوعين".
وأردف: "ويعود ذلك لكون نصف الشعب (يبلغ 23 مليون نسمة) خارج سوريا فضلا عن تسرب النصف الآخر من الموجودين في مناطق نفوذ النظام حتى من هم يوجدون في مناطق التسويات الأمنية في المحافظات، كما أنه في مناطق الطائفة العلوية هناك حالات فرار إلى أوروبا هربا من الخدمة العسكرية".
لذلك وفق أيوب "النظام السوري حاليا بحاجة لرفد تشكيلاته العسكرية بدماء جديدة ولهذا هو يحاول عن طريق الترغيب من قبل وزارة الدفاع عبر تقديم رواتب وحوافز".
ورأى الخبير العسكري أن "ما يجرى حاليا ليس بهدف قيام النظام بحرب أو غيره كون القرار السياسي بات لدى روسيا وإيران والولايات المتحدة وليس لدى نظام الأسد، بل فقط هو يريد ترميم نسب تشكيلاته العسكرية في القطاعات عبر الاستفادة من تردي الوضع الاقتصادي في البلاد لجر الشباب إلى التطوع في الجيش لقاء مبالغ مالية ".
وتابع: "حتى إن الفروع الأمنية وأجهزة الشرطة فيها نقص من القوة البشرية وهذا ما يدفع النظام لتجنيد مزيد من العناصر في هذا المرحلة وخاصة أن هناك سقفا مفتوحا لعمر المتقدمين وهو 32 عاما وهو عمر كبير في العمل العسكري إذ إن العمر المثالي في الجيوش هو من 18 -25 عاما وهذا يؤكد على حجم النقص الكبير داخل قطاعات النظام العسكرية".
وحول مدى تشكيل المليشيات المحلية والأجنبية عامل ثقل عسكري لنظام الأسد، لفت الخبير العسكري إلى أن "تلك المليشيات لها أجل معين وقد تغادر البلاد، وهي بالأساس لها أجنداتها مثل المليشيات الإيرانية بخلاف حاجة النظام لتكوين وإبقاء جيش رسمي متجدد".
"جيش احترافي"
يؤكد مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية في ورقة بحثية نشرت في أغسطس/ آب 2024 أن مدة الخدمة الاحتياطية حددها النظام بـ24 شهرا على أن يتم الوصول إليها عبر مراحل تدريجية.
ووفقا لهذه المراحل، سيقوم نظام الأسد بتسريح نحو 152 ألف عسكري من الخدمة الاحتياطية بحلول نهاية عام 2025.
وتهدف الخطة بشكل عام إلى زيادة الاعتماد على المتطوعين، وتخفيف الضغط الاجتماعي، بالإضافة إلى تحقيق موارد مالية إضافية من خلال التعديلات الأخيرة على قانون "خدمة العلم".
وبدأت الخطة بإعلان جيش النظام عن عقود تطويع لخمس أو عشر سنوات بشكل متلاحق.
وكان واضحا في تلك العقود كمية الامتيازات الممنوحة للمتطوعين الجدد، بدءا بالراتب وصولا إلى المكافآت الإضافية الأخرى الممنوحة لهم، مع إعفائهم من الخدمة الإلزامية في حال إتمام خمس سنوات في الخدمة، وكذلك إمكانية خروجهم من الجيش بعد إتمام العقد بشرط موافقة القيادة العامة للجيش.
وهناك هدف آخر يسعى النظام إلى تحقيقه عبر الخطة، حيث أصبحت امتيازات عقود التطوع تضاهي بل وأفضل من امتيازات عقود التطوع في المليشيات الموالية للنظام كتحول مفصلي عما كان يحدث سابقا.
ويسعى النظام من خلال هذه العقود إلى سحب عناصر المليشيات ودمجهم كأفراد لا كتل بذاتها ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، خصوصا أنه رفع الحد الأعلى لشرط العمر إلى 32 عاما، أي أنه يحاول إنهاء المليشيات عبر تجفيف مواردها البشرية لصالحه، وذلك دون المساس بكينونة تلك المليشيات في الوقت الحالي على الأقل.
وخلال الفترة الماضية، عمد نظام الأسد إلى حل ودمج عدد من الإدارات العسكرية دون الإعلان عنها بشكل رسمي؛ وذلك بهدف تخفيف النفقات المالية والسير في هيكلية الجيش من جديد بناء على الولاءات.
وضمن هذه الجزئية، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، أن "النظام وبعد 13 عاما من عمر الثورة أدرك أن جيشه قد بانت عوراته وانكشفت مقدراته وحجمه، وهذا ما دلت عليه سنوات الثورة التي جعلت هذا الجيش ينهار بشكل كبير أمام أعداد وأسلحة الثوار البسيطة ولولا استعانة النظام بحزب الله ومليشيات إيران والروس لانتهى هذا الجيش والنظام".
وأضاف الأسمر لـ"الاستقلال": "بالتأكيد أن عمليات الانشقاق الكثيرة من الضباط وصف الضباط والمجندين واختيار عشرات الآلاف من الشباب الفرار من السوق للخدمة الإلزامية والاحتياطية حتى من مؤيدي النظام جعل الأسد وأركان حكمه و بإيعاز وتعليمات من داعميه أن يفكر بصياغة جيش احترافي جديد متطوع ينتقى بعناية بعد خضوع المتقدم لدراسات أمنية دقيقة".
وتابع: “بالتأكيد سيكون هذا الجيش مكونا من المجموعات الأكثر ولاء للحكم، وغالبا سيكونون من أبناء الطائفة العلوية وممن في زمرتهم”.