بين التقطيع والضم.. ما أهداف إسرائيل من نشر بوابات عسكرية بالضفة؟

خالد كريزم | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة ضمن مخطط الضم التدريجي، صعّدت سلطات الاحتلال من سياساتها العدوانية في الضفة الغربية، عبر سلسلة إجراءات ميدانية جديدة تستهدف تقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض.

ويأتي التصعيد الانتقامي تزامنا مع اعتراف عدد من الدول الغربية بدولة فلسطين في رسالة إسرائيلية تجدد التأكيد على استحالة الذهاب نحو خيار حلّ الدولتين بفعل التهام المزيد من الأراضي وعزل الفلسطينيين داخل مدنهم وقراهم.

تقطيع أواصر

فخلال أول أسبوعين من شهر سبتمبر/أيلول 2025)، أقامت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 27 نقطة إغلاق جديدة في شتّى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها 18 بوابة على الطرق الرئيسة كالطريق رقم 60 الذي يربط شمال المنطقة بجنوبها.

كما أقامت قوات الاحتلال ثمانية سواتر ترابية ومكعبات إسمنتية، معظمها على مداخل المدن والقرى، وفق  ما وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) خلال تقرير نشره في 18 سبتمبر.

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، تقيم السلطات الإسرائيلية أكثر 244 بوابة عسكرية في الضفة الغربية، فيما تقول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية): إن إسرائيل تقطع أوصال هذه المنطقة عبر نحو ألف بوابة وحاجز عسكري.

وفي تفاصيل الإجراءات العدوانية، ركّبت قوات الاحتلال في محافظة بيت لحم (جنوب الضفة)، خمس بوابات طرق جديدة، مما يزيد من خطر عزل نحو 10,500 نسمة من سكان القرى. 

وركبت قوات الاحتلال خمس بوابات طرق جديدة في محافظة الخليل (جنوب)، تهدد ثلاث منها بفرض قدر أكبر من العزلة على مدينة يطا والتجمعات الرعوية المحيطة بها. 

وفي شمال محافظة الخليل، تهدد بوابتان جديدتان أقيمتا بين بيت أُمّر ومخيم العروب وبلدة حلحول بقطع نحو 31 ألف نسمة من سكانها عن الطريق رقم 60، وفق أوتشا.

كما تهدد بعزل سكان مخيم العروب للاجئين البالغ عددهم 10 آلاف نسمة عن مدينة الخليل، التي تُعد المركز الرئيس للخدمات في المحافظة.

أما في محافظة القدس، فقد نصبت قوات الاحتلال 9 حواجز جديدة، بما فيها 7 سواتر ترابية في ست قرى داخل منطقة بدّو التي يحاصرها الجدار، مما أدى إلى قطع الطرق الداخلية الرئيسة والحيلولة دون إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية. 

كما رَكبت بوابتا طرق جديدتين؛ إحداهما عند المدخل الشمالي للرام وضاحية البريد، واللتين يبلغ تعداد سكانهما مجتمعتين نحو 15,800 نسمة.

والأخرى عند المدخل الوحيد لقرية مخماس المتفرّع عن الطريق رقم 60، مما يعرّض سكانها البالغ عددهم نحو 3 آلاف نسمة لخطر العزلة التامة فعليا.

وأوردت “أوتشا” أنه في غرب محافظة رام الله (شمال)، ركبت قوات الاحتلال 6 بوابات طرق جديدة ألحقت الضرر بما يزيد عن 20 ألف نسمة من السكان في خمس قرى. 

وفي محافظة سلفيت (شمال)، وضعت القوات الإسرائيلية مكعبات إسمنتية قرب بلدة دير استيا، فأغلقت من خلالها مفترق الطريق المؤدي إلى بلدة زيتا جماعين.

أما في محافظة طوباس (شمال)، فقد أقامت ساترا ترابيا غرب منطقة الحديدية، وهي تجمع سكاني رعوي يبلغ تعداد سكانه نحو 70 نسمة، مما يزيد من صعوبة وصولهم المحدود أصلا إلى الأراضي الزراعية وأراضي الرعي.

تأثيرات مدمرة

وبينما تُعدّ هذه البوابات مفتوحة الآن جزئيا، فهي تمثل خطرًا جسيمًا ينطوي على فرض قيود على حركة التنقل، مما قد يؤدي إلى المزيد من تعطيل إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم وأماكن العمل وغيرها.

كما ترسخ البوابات التجزئة الجغرافية والاجتماعية، وتسهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية، بما تشمله من تعطيل إمكانية الوصول إلى الطرق الرئيسة.

الأكاديمية رزان شوامرة تروي لـ"الاستقلال" معاناتها مع هذا الوضع بالقول: إن الحياة اليومية في الضفة الغربية باتت مرهونة ببوابات عسكرية تتحكم في تفاصيل التنقل؛ إذ تنتشر على مداخل القرى ومخارجها، وحتى عند الطرق الداخلية التي لا تتجاوز دقائق معدودة بالسيارة.

وأوضحت الأكاديمية التي تعيش في رام الله وتعمل بجامعة القدس - أبو ديس: "من البيرة إلى قرية سُردة لا تستغرق المسافة بالسيارة سوى خمس دقائق، لكن هناك بوابة تفصل المنطقتين، ومن سردة إلى عطارة أيضًا خمس دقائق لكن الطريق مقطوع ببوابة أخرى".

وتضيف أن مدينة بيرزيت شمال الضفة مثال حي على ذلك، فمخارجها ومداخلها محاطة ببوابات، تُفتح وتُغلق وفق مزاج الضابط المسؤول. 

وأردفت: “عادة تفتح البوابات عند التاسعة صباحًا، حتى تضمن قوات الاحتلال أن يكون المستوطنون قد مروا بأمان وتنقلوا إلى أعمالهم أو مستوطناتهم أو إلى إسرائيل والقدس وغيرها، بينما يُترك الفلسطينيون عالقين على البوابات”.

وتشير شوامرة إلى أن هذه البوابات ليست حواجز عسكرية عادية مثل حاجز قلنديا، بل ابتداع جديد يحاصر القرى والمدن ويحوّلها إلى مربعات سكنية مغلقة.

وتابعت: “يحدث ذلك، بينما يتمتع المستوطنون بحرية الحركة على طرق فسيحة موازية لها وتفصل بينها وبين طريق الفلسطينيين الضيق جدران وأسلاك شائكة وكتل إسمنتية تجعلهم خارج الزمان والمكان”.

وتروي شوامرة تفاصيل معاناتها الشخصية بالقول: “دوامي في الجامعة يبدأ الساعة 11 قبل الظهر، لكني أضطر للمغادرة من السادسة صباحًا حتى أضمن الوصول”.

وواصلت القول: "الرحلة التي تستغرق عادة 3 ساعات قد تمتد إلى 6 أو 7 بسبب الحواجز والبوابات. وعندما أعود مع الثانية ظهرًا، أصل البيت مساءً بعد 4 و5 ساعات".

وتشير إلى أن البوابات تُغلق عادة عند الرابعة عصرًا، ما يعني أن أي شخص يتأخر دقيقة واحدة قد يُمنع من الدخول، ويضطر إلى سلوك طرق التفافية داخل القرى الفلسطينية تزيد وقت الرحلة أو يضطر الناس إلى النوم في سياراتهم حتى الصباح أو المبيت عند أقاربهم في أقرب قرية.

المعلمون الذي يتنقلون إلى مدن أو قرى أخرى يعانون أيضا؛ إذ يتأخرون عن حصصهم المدرسية لأن الحواجز لا تُفتح قبل التاسعة صباحًا، ما يعني أن الدوام يبدأ عمليًا متأخرا ساعتين.

وتقول شوامرة: إن المشهد من الأعلى يُظهر الضفة الغربية كأنها "سلسلة من البوابات العسكرية"، تصطف عندها السيارات في طوابير طويلة.

وتختم شهادتها قائلة: “إسرائيل تعمل على إذلالنا ودفعنا للهجرة، لكن المذهل أن الفلسطيني يظل يتكيف مع أي سياسات عدوانية إسرائيلية جديدة”.

ما الهدف؟

ولم يبدأ تقييد الحركة ونشر الحواجز وابتداع البوابات في الضفة الغربية مع انطلاق 7 أكتوبر، فقد جرى التأسيس لها منذ عقود طويلة وتحديدا بعد احتلال المنطقة عام 1967.

ولكن ازداد تغول الاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى خاصة مع مسارعة إسرائيل الذهاب نحو ضم الضفة الغربية، وهو قرار يرجح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يقدم عليه دون موافقة أميركية.

وينظر كثيرون إلى تعميق إسرائيل تقطيع أواصر الضفة عبر البوابات والحواجز على أنه إمعان في إنهاء أي سبيل نحو خيار حل الدولتين، خاصة أن ذلك يتزامن مع بدء تل أبيب عملية لاحتلال قطاع غزة.

ويأتي ذلك أيضا في ظل موجة اعترافات غربية بدولة فلسطين، أعلنت خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 من عدة دول بينها بريطانيا وفرنسا ومالطا وكندا وغيرها.

وبعد هذه الاعترافات، قال وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش: إنه يجب الرد بضم الضفة وسحق السلطة الفلسطينية.

ورأى المحلل السياسي الفلسطيني راسم عبيدات أن “ما نشهده اليوم من مخططات ومشاريع استيطانية ومصادرة أراضٍ وطرد وتهجير للفلسطينيين وبوابات وحواجز، يقول بشكل واضح بأن الضفة الغربية والقدس مقبلتان على نكبة جديدة”.

وأكد خلال مقال نشره بصحيفة القدس المحلية في 23 سبتمبر أن أحد أهداف هذه البوابات يكمن في تقطيع الأوصال جغرافيا والعزل ديمغرافيا، وجعل الحركة والتنقل الفلسطيني تُضبط على مواعيد فتح وإغلاق.

وبين أن هذه البوابات والحواجز ستكون لها انعكاسات خطيرة على حركة السوق والسلع، فهي تدمر الاقتصاد الفلسطيني، وتدفع إلى إفلاس وإغلاق العديد من المؤسسات والشركات التجارية، بسبب ارتفاع تكاليف نقل البضائع.

وأردف: “القوة الشرائية أيضا تتراجع، ليس بسبب ارتفاع نسب ومعدلات الفقر والبطالة فقط، بل نتيجة انخفاض حركة وعدد المتسوقين، ارتباطا بوجود البوابات والمخاطر المتعلقة بها”.

وهذا عدا عن مخاطر هذه البوابات اجتماعيا حيث تولد ضغوطا نفسية، وتشتت الأسر والعائلات، وتصعب التواصل فيما بينها، وتزيد من نسبة تفشي الجريمة والمشاكل الاجتماعية، وفق تقديره.

وبين عبيدات أنه "في ظل حرب التجويع والإبادة الجماعية بغزة، وفي إطار الخطط والمشاريع الاستيطانية لتصفية القضية من كل جوانبها، يسعى الاحتلال لوضع الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس أمام ثلاث خيارات، الموت في ساحة القتال، أو الطرد والتهجير إلى خارج فلسطين، أو أن يحشر من يتبقى منهم داخل معازل وغيتوهات في ظل محيط استيطاني واسع.

ولفت إلى أن الهدف الإستراتيجي من البوابات هو شطب وإنهاء وجود السلطة الفلسطينية، ضمن رؤية صهيونية تقوم على رفض نشوء أي كيان، يقود إلى دولة مستقلة على أي جزء من فلسطين التاريخية، ومنع نشوء أي أغلبية فلسطينية سكانية ما بين النهر والبحر، تمنع قيام دولة يهودية نقية. 

واستدل على ذلك بتصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن ضرورة إقامة ما تسمى “إسرائيل الكبرى” التي تمتد على مساحة واسعة من الجغرافيا العربية، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الكيان “دولة صغيرة” على الخريطة وأنه يجب توسيعها. وفق قوله.