تخوف شيعي.. ما علاقة الصدر بتعجيل إقالة الحلبوسي من رئاسة برلمان العراق؟
مازالت أزمة إنهاء عضوية رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، بقرار من المحكمة الاتحادية، تأخذ الحيز الأكبر من تغطية وسائل الإعلام المحلية، ولا سيما من ناحية التوقيت والجهات المستفيدة من الإطاحة به وإبعاده عن المشهد السياسي قبل الانتخابات المحلية.
ومن المقرر أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، والتي يشارك فيها حزب "تقدم" بزعامة الحلبوسي، الذي يعد أحد أبرز القادة السنة في العراق، لذلك يرى البعض أن توقيت قرار المحكمة لا يخلو من بعد سياسي.
قرار المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) الذي صدر في 14 نوفمبر 2023، جاء على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده البرلماني السابق ليث الدليمي، اتهم فيها الحلبوسي بتحرير طلب استقالة مزور يحمل اسمه، ثم استند إليه الأخير وفصله من البرلمان.
ما علاقة الصدر؟
وفي تفسير جديد طرحه حول الجهة التي ضغطت على المحكمة الاتحادية للإطاحة بالحلبوسي ودوافعها لذلك، قال نائب رئيس الوزراء الأسبق القيادي السني، صالح المطلك، إن "الإطار التنسيقي الشيعي هو من أطاح برئيس البرلمان وليس البيت السني (القوى السياسية السنية)".
ودائما ما يتهم القضاء العراقي، سواء المحكمة الاتحادية العليا، أو مجلس القضاء الأعلى اللذان يرأسهما قضاة شيعة، بخضوعهم إلى الضغوطات السياسية، ولا سيما من القوى السياسية الشيعية القريبة من إيران، وتحديدا من قوى الإطار التنسيقي الشيعي.
وخلال مقطع فيديو تداوله ناشطون عام 2018، لمقابلة تلفزيونية لهادي العامري زعيم تحالف الفتح المنضوي في الإطار التنسيقي، يؤكد فيه أنهم يهددون القضاء ويضغطون عليه لضرب كتلة سنية أو كردية أو التغطية على ملفات الفساد.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 20 نوفمبر، أوضح المطلك أن "ما حصل هو أن التيار الصدري قرر مقاطعة الانتخابات المحلية، وبالتالي أصوات جمهوره قد تذهب إلى تأييد الحلبوسي، على تقدير أن الأخير حليف سابق لزعيم التيار مقتدى الصدر".
وفي 13 نوفمبر، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، وعدّ ذلك بأنه سيقلل من شرعيتها خارجيا وداخليا، حسبما نشره صالح محمد العراقي أو ما يعرف بـ"وزير القائد" على منصة "إكس" (تويتر سابقا).
وتابع المطلك: "لذلك توقع البعض أن نسبة مشاركة الإطار التنسيقي وما قد يحصل عليه ستكون متدنية مقارنة بما حصل عليه في السنوات السابقة، على بافتراض أن جزءا مهما من المكون الشيعي انسحب من الانتخابات".
ولفت إلى أن "هناك خشية كانت من أن تذهب أصوات الصدريين إلى حزب تقدم بزعامة الحلبوسي، وبالتالي تؤثر على وضعية محافظتي بغداد وديالى، فالأخيرة كان محافظها من مكون معين (سني) ثم صارت هناك هفوة معينة، وبات المحافظ من المكون الآخر (شيعي)".
وكان تيار الصدر، قد فاز بـ73 مقعدا من أصل 329، في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021، لكنهم استقالوا من بعد فشلهم في تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفائهم السنة والأكراد، وبالتالي ذهبت مقاعدهم إلى أعلى الخاسرين، وكان الإطار التنسيقي المستفيد الأول منها وشكّل الحكومة.
وأردف المطلك: "هم (الإطار) يعتقدون أنهم إذا شاركوا بالانتخابات في ثقلهم الحالي من دون مشاركة التيار الصدري، فإن المكون (السني) الذي كان يدير ديالى سابقا (السنة) سيعود لحكمها مرة أخرى، لأنه سيحقق الأغلبية في مجلس المحافظة ويكون له منصب المحافظ".
واستدرك قائلا: "لكن الإطار تناسى حقيقة أن المكون السني لا يشارك بقوة في كل الانتخابات، لذلك توقعهم كان فيه مبالغة، وبالتالي لن يحصل الحلبوسي على ما كان الإطار يعتقد أنه سيحصل عليه في هذه الانتخابات، لكن تخوفهم كان قائما".
وبناء على ذلك، توقع المطلك أن توقيت الإطاحة بالحلبوسي له علاقة بما ذكره، "رغم أن القضية قضائية ولا نريد التدخل فيها، وأن ما يأتي من القضاء يفترض على جميع الكتل السياسية أن تلتزم به".
تحذير شيعي
ولس بعيدا عما طرحه المطلك، حذر القيادي في الإطار التنسيقي، زعيم تيار "الحكمة" الشيعي عمار الحكيم، من تأثير غياب التيار الصدري على "التوازن الطائفي" في الانتخابات المحلية المقبلة.
وخلال تجمع انتخابي لتياره بالعاصمة بغداد في 17 نوفمبر، قال الحكيم إن "من يدعو المكون الشيعي إلى مقاطعة الانتخابات فهو من يتحمل مسؤولية الإخلال بالتوازن المكوناتي، وتمثيل المكون الاجتماعي الشيعي في المحافظات المختلطة، ولا سيما بغداد وديالى وصلاح الدين وغيرها".
وفي إشارة إلى دعوة الصدر دون أن يذكر اسمه، أوضح الحكيم: "عندما تقول للمكون الشيعي لا تشترك في الانتخابات، بينما تشترك باقي المكونات، فإن هذا سيحدث اختلالا في التوازن من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار، لذلك من يمنع المشاركة عليه أن يتحمل المسؤولية".
ولفت إلى أن "الديمقراطية تعني المشاركة في الانتخابات ومن حق أي منا ألا يشارك فيها، لكن لا يحق له أن يمنع الآخرين من المشاركة واستيفاء حقوقهم، ويمزق ملصقاته ويهدد من يريد الذهاب للانتخابات".
وأشار الحكيم إلى أن "المكونات يجب أن تشارك في الانتخابات على قدر حجمها، وبالتالي التوازن يأتي لنا بالاستقرار، لذلك عندما يدعو شخص الجمهور الشيعي بعدم المشاركة في الانتخابات، فهذا يعني أنه ستقل مشاركتهم، لأن المكونات الأخرى ستشارك فيها".
وتعليقا على ذلك، استبعد الباحث في الشأن العراقي، مؤيد الدوري، "أن تكون الإطاحة بالحلبوسي مرتبطة بإعلان الصدر مقاطعته للانتخابات، وبالتالي أرادوا إحداث توازن انتخابي، لأن حزب تقدم سيشارك في الانتخابات حتى بعد إقالة زعيمه من منصب رئيس البرلمان".
ولفت الدوري في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "عمار الحكيم كان الأقرب للحلبوسي داخل الإطار التنسيقي، وأول من أبدى موقفا وصف بأنه محابيا للأخير بعد إعلان إقالته من منصبه".
وفي 14 نوفمبر، نشر الحكيم تدوينة على منصة "إكس" قال فيها: "نثمن باعتزاز وعرفان جهود رئيس تحالف تقدم الأخ الحلبوسي في رئاسة مجلس النواب طيلة المدة الماضية التي شهدت إقرار عدد كبير من التشريعات والقوانين المهمة، ومعالجة العديد من الأزمات التي عصفت بالبلد، ونتمنى له التوفيق والسداد في مهامه الوطنية حيثما يكون".
وأكد الدوري أن "هناك أطرافا من الإطار التنسيقي تحرص على إبقاء حزب تقدم مشاركا في انتخابات مجالس المحافظات، حتى لا تنتهي شرعيتها بعد مقاطعة زعيم التيار الصدري لها".
وبيّن أن "خطاب الحكيم يتعلق باستنهاض العامل الطائفي لدى المكون الشيعي حتى يشاركوا، وهذا يحصل قبل كل انتخابات سواء برلمانية أو محلية، وذلك بتخويف الشيعة من عودة الحكم للسنة، لأنهم يعرفون أن جمهورهم متململ كونه لم يحصد شيئا من حكم القوى الشيعية طيلة 20 عاما".
إبعاد محتمل
وعن إمكانية إبعاد حزب "تقدم" من الانتخابات المحلية، كشفت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، أنه وفقا لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية فإنه سيتم استبدال الحلبوسي من رئاسة حزب "تقدم" وسيكون هنالك شخص آخر يدير تحالفه بشكل ينسجم مع القانون.
وأوضح رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية، عماد جميل، لوكالة "الفرات نيوز" العراقية في 16 نوفمبر، أنه "وفق نظام الحملات الدعاية، يجب استبدال الملصقات الدعائية التي تتضمن صور الحلبوسي وإلا ستفرض غرامات على تحالف تقدم، وهناك إجراءات بهذا الصدد".
ولفت جميل إلى أن "الغرامات ستتضاعف على المرشحين المخالفين في حملتهم الدعائية ونتوقع كثافة بالدعاية الانتخابية مع اقترابنا ليوم الاقتراع في 18 من الشهر المقبل".
من جانبه، يرى الحلبوسي، قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء عضويته من البرلمان أنه "غير دستوري"، متسائلا في الوقت ذاته: إذا كانت الجهة المعنية تخالف الدستور "فإلى أين يلجأ المختصمون؟"
وقال خلال مؤتمر صحفي عقده ببغداد في 15 نوفمبر، إن "واجب المحكمة الاتحادية الالتزام بالدستور وتطبيق نصوصه بنحو غير قابل للاجتهاد"، مبينا أنه "بقرارها (إنهاء عضويته من البرلمان) خالفت الدستور، وهذا أمر خطير".
ولفت إلى أن "إنهاء العضوية قانونيا يكون بوفاة النائب، أو انسحابه، أو سجنه، أو مرضه، وقرار المحكمة الاتحادية لم يعتمد على أي من هذه الأسباب".
ووفق الحلبوسي، فإنه "لا يحق للمحكمة النظر في عضوية نائب إلا من خلال المادة 52 من الدستور، ولا يحق لها النظر في صحة عضوية النائب إلا بعد صدور قرار من المجلس"، مستدركا بالقول: "نحن حريصون على إيضاح الجانب القانوني وليس السياسي بشأن ما حدث".
وأفاد أيضا بأن "المحكمة الاتحادية لم تراع كل شروط إنهاء عضويتي من مجلس النواب"، مشددا على أنه "يجب عليها الالتزام بالدستور وتطبيق نصوصه على نحو غير قابل للاجتهاد".