شراكة طاقية ومصالح جيوسياسية.. ما أهمية العراق بالنسبة للصين؟
الغرب لم يعد مهتما بالاستثمار في العراق
تمر الشراكة بين الصين والعراق وكذلك الحضور الصيني في قطاع النفط بالدولة العربية بمرحلة توسع كبير، فيما تعمل بكين على توسيع التعاون في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وكانت وزارة النفط العراقية قد أعلنت في مايو/أيار 2024 فوز سبع شركات صينية بعروض لتطوير عشرة حقول نفط وغاز في العراق خلال جولتي تراخيص جديدة.
بينما اقتصرت المشاركة الغربية في المناقصة على شركة شل البريطانية، وفق ما لاحظ "معهد الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي.
ويأتي ذلك على الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان قد أدى شخصيا زيارة إلى هيوستن قبلها بأيام قليلة وتحديدا في أبريل/نيسان 2024، لدعوة شركات النفط الأميركية الكبرى للاستثمار في البلاد.
الحزام والطريق
ويعد غياب الشركات الغربية، بحسب المعهد الإيطالي، "مؤشرا على عدم الاهتمام الغربي المتزايد بالاستثمار في العراق".
وأرجع ذلك إلى "عدم الاستقرار الاقتصادي في البلاد والمخاطر الأمنية في بعض المحافظات".
ولاحظ أن هذا السيناريو يتعارض بشكل ملحوظ مع رغبة الصين في ترسيخ نفسها كمستثمر وشريك رئيس لبغداد.
في هذا السياق، يذكر موافقة بكين أخيرا على اقتراح حكومة السوداني ربط مشروع طريق "التنمية العراقي" الضخم بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ويرى أن هذه التطورات تأتي نتيجة لعملية تقارب تدريجي في السنوات الأخيرة بين البلدين بفضل تعزيز الشراكة الاقتصادية في مجال الطاقة من ناحية والرغبة المشتركة في تدعيم الروابط السياسية من ناحية أخرى.
ووصف المعهد الإيطالي التعاون في مجال الطاقة بين البلدين بحجر الزاوية في العلاقات الثنائية.
والعراق بما يملكه من احتياطات نفط كبيرة كرابع أكبر دولة في أوبك (الدول المصدرة للنفط)، يمثل مصدرا أساسيا لاحتياجات الصين، أكبر مستهلك عالمي لهذه المادة.
وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، شكلت بلاد الرافدين التي تعتمد على إيرادات قطاع النفط بأكثر من 90 بالمئة، أحد أكبر مصدري هذه المادة إلى بكين واحتلت المركز الثالث في عام 2023.
وفي الوقت الحالي، تدير الشركات الصينية أكثر من ثلث احتياطيات النفط والغاز بالعراق وأكثر من ثلثي الإنتاج الحالي لبغداد.
وبعد توقيع الشراكة الإستراتيجية في عام 2015 وانضمام بغداد إلى مبادرة الحزام والطريق، حدثت إحدى الخطوات الأساسية في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية في عام 2019 بتوقيع اتفاق " النفط مقابل إعادة الإعمار".
وبموجب الاتفاق، ستمنح بكين قرضا بقيمة 10 مليارات دولار لبغداد يجر سداده من خلال نقل 100 ألف برميل من النفط يوميًا.
وقد بات العراق شريكا رئيسا في مبادرة الحزام والطريق عام 2021، حيث حصل على استثمارات تبلغ حوالي 10.5 مليارات دولار، جرى تخصيص نصفها لمشاريع الطاقة.
وقد نما إجمالي الصادرات العراقية إلى الصين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ تستورد حاليا نحو 35 بالمئة من نفط العراق، أي ما يعادل نحو 1.2 مليون برميل نفط يوميا.
في المقابل، تستورد الولايات المتحدة، بحسب بيانات 2023، ما يقارب 213 ألف برميل من النفط العراقي يوميا.
وفي نفس سياق الشراكة، أكد معهد الدراسات الإيطالي أن الموقع الجغرافي للعراق يعد عاملا أساسيا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، سواء لتحسين الاتصالات داخل المنطقة أو كاستغلاله كممر تجاري.
وقد اكتسى هذا الأمر أكثر أهمية منذ ظهور احتمالات ربط مبادرة الحزام والطريق بمشروع البنية التحتية العراقي الضخم "طريق التنمية".
الاقتصاد والسياسة
أشار المعهد الإيطالي إلى أن المصالح الصينية في الشرق الأوسط توسعت إلى ما هو أبعد من أمن الطاقة لتشمل الأمور الاقتصادية والجيوسياسية والإستراتيجية وذلك منذ نشر بكين “ورقة السياسة العربية الصينية” عام 2016.
ويشرح أن "العراق يشكل مثالا رئيسا على هذا النهج، وهو بدوره يثبت انفتاحه على تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية مع الصين ويدرك الاحتياجات الضرورية لدعم انتعاشه الاقتصادي".
ويرى في ذلك استجابة لخيبة الأمل المتزايدة من السياسة الأميركية لتدخلها طيلة عقدين في الشؤون الداخلية، أي منذ غزو البلاد عام 2003.
وبالتوازي مع تعزيز الشراكة الاقتصادية، حدث تقارب سياسي بين الطرفين في ضوء تواتر اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى بالسنوات الأخيرة.
وباستثناء السوداني، زار جميع أسلافه بكين وكان آخرهم عادل عبد المهدي الذي تخلل زيارته عام 2019 توقيع ثماني اتفاقيات في مجالات مختلفة.
وبحسب المعهد الإيطالي، يدرس السوداني أيضاً إمكانية زيارة الصين تحت ضغط النخب الاقتصادية العراقية.
لكن القرار معلق بسبب التداعيات المحتملة على العلاقات مع واشنطن واستياء أميركي محتمل من التعاون الصيني العراقي في قطاعات التكنولوجيا الفائقة والاتصالات.
إلى ذلك، أقامت الصين على مر السنين علاقات مع النخب والأحزاب العراقية المحلية، منها مثلا "party-to-party links" التي دشنتها اللجنة المركزية وإدارة الاتصال الدولي للحزب الشيوعي الصيني مع 11 حزبًا سياسيًا عراقيًا.
وقد سمح هذا النهج للجانبين بإقامة علاقات متينة دون أن تُكشف للعلن بشكل واضح والاستفادة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة لدى العديد من الفصائل السياسية في العراق.
ويشدد المعهد بأن هذه مشاعر منتشرة على نطاق واسع منذ عدة سنوات على المستوى الشعبي ويمكن للصين أن تستفيد منها بشكل غير مباشر.
وأوضح أن التقارب الصيني مع القيادة العراقية جلي من خلال نشاط "شركة المهندس العامة" التي تأسست بمبادرة من السوداني عام 2022 وهي تابعة لقوات الحشد الشعبي المتحالفة مع طهران.
وقد سُميت الشركة تيمناً بالقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، الذي لقي مصرعه في الغارة الأميركية التي استهدفت الجنرال الإيراني وقائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
ويمكن هنا الإشارة إلى مذكرة التفاهم التي أبرمتها شركة المهندس مع شركة البناء الصينية العملاقة (CMEC) في مارس/آذار 2024.
وتعد المذكرة هي الأولى لشركة عامة عراقية مع أخرى دولية للتعاون في مشاريع في مختلف القطاعات.
وبذلك يستنتج المعهد الإيطالي أن الصين أثبتت قدرتها على الإدارة الناجحة للعلاقات مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أيضا في العراق باقترابها من مراكز السلطة مثل قوات الحشد الشعبي التي غالبًا ما تمتلك نفوذاً أكبر من الدولة.
وبدوره، انطلق الشعب العراقي أيضًا منذ عام 2022 في دعم تعزيز العلاقات مع الصين ومن الأمثلة على ذلك "الحركة الشعبية لطريق الحرير".
تدعم الحركة التي تأسست بمبادرة من المجتمع المدني العلاقات الاقتصادية مع الصين وتعارض الاستثمارات القادمة من الدول الغربية وكوريا الجنوبية والسعودية.