"تحول في السياسات".. ماذا عن دوافع الصين لإنشاء مدارس لتدريب السياسيين الأفارقة؟

“تسعى الصين إلى بناء شبكة نفوذ أوسع على المدى الطويل”
لتعزيز نفوذها في إفريقيا، كثّفت الصين جهودها لاستمالة النخب، بدءا من استضافة الوفود وتقديم برامج التدريب، وصولا إلى تصدير نموذجها في الحكم.
وسلطت مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث" في الهند الضوء على ما وصفته بـ"تصدير الصين نموذجها من الاستبداد السياسي إلى إفريقيا".
وقالت المؤسسة، في تقرير لها: "يتخرج حاليا دفعات من السياسيين والمسؤولين من مدرسة في تنزانيا، هي الأولى من نوعها التي تؤسسها الصين في إفريقيا، وقد يتبع ذلك المزيد".
وأضافت أنه "من خلال توفير التدريب، تكسب الصين ود النخب الإفريقية، مُرسخة روابط شخصية مع قادة المستقبل، ومع بدء المدرسة في تعليمهم أساليب الحزب الشيوعي الصيني في بسط السيطرة السياسية والاجتماعية، يلوح في الأفق احتمال تصاعد القمع في القارة".
نهج جديد
وخلال العقد الأخير، تبنّت الصين أدوات ونهجا جديدا في سياستها الخارجية، مثل مبادرة الحزام والطريق، التي اشتهرت بتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة.
لكن في السنوات الأخيرة، أخذت المبادرة تتحول تدريجيا إلى أداة نفوذ، مع التركيز على تعزيز التبادل الشعبي والتواصل بين المجتمعات، وفق التقرير.
وأوضح أن "النفوذ الصيني في إفريقيا يتنامى باستمرار عبر الدبلوماسية الاقتصادية والتعاون الأمني، مما أسهم في ترسيخ صورة إيجابية للصين لدى الشعوب الإفريقية".
واستطرد: "اليوم، ومع تحوّل السياسة الصينية تجاه إفريقيا من التركيز على الجغرافيا الاقتصادية إلى الجغرافيا السياسية، أصبح من الضروري كسب ولاء النخبة السياسية".
وركّزت الصين "بشكل كبير على إستراتيجيات استمالة النخب، حيث طوّرت نموذجها القائم على مدارس التدريب على الحوكمة داخل أراضيها إلى مدارس لتدريب الأحزاب السياسية في الدول المستهدفة".
وتعد إفريقيا ثالث أهم منطقة في العالم لعمل الحزب الشيوعي الصيني في مجال العلاقات الحزبية، بعد آسيا وأوروبا، من حيث وتيرة التبادلات رفيعة المستوى، والجولات الدراسية، وبرامج بناء الأحزاب، التي تهدف إلى توطيد الروابط السياسية والشخصية مع صناع القرار والمؤثرين والمقربين من الأنظمة الحاكمة.
ويحافظ قسم العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي الصيني على علاقات مع 130 حزبا ومعارضا إفريقيا، حيث تتناوب مختلف مدارس الحزب على تدريبهم، بحسب ما ذكره "مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية".
ويعد معهد تدريب الأحزاب السياسية في تنزانيا، الذي أُنشئ عام 2022، مثالا على ذلك.
فعلى بُعد 40 كيلومترا فقط من العاصمة التجارية لتنزانيا، دار السلام، أُنشئت مدرسة القيادة "مواليمو جوليوس نيريري" بتعاون بين الحزب الشيوعي الصيني وحركة التحرير السابقة في جنوب القارة الإفريقية.
وهي تحالف غير رسمي يضم أحزاب التحرير في ست دول جنوبية: أنغولا، وموزمبيق، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا، وزيمبابوي.
وتمتد مساحة المدرسة على أكثر من 10 هكتارات، ويضم مبنى حديثا ومجهزا تقنيا للفصول الدراسية.
بالإضافة إلى ذلك، يحتوي على سكن للطلاب، وكافتيريا، ومبنى للخدمات، ومرافق أخرى، مع قدرة استيعابية تصل إلى 200 شخص
وتوفر دورات تدريبية قصيرة على مدار العام في القيادة، تتضمن جولات منظمة من قبل الحزب الشيوعي الصيني في الصين، ويدير الحزب المدرسة بهدف تعليم أساليبه في الحفاظ على السيطرة السياسية والاجتماعية، مما يعزز النظم السلطوية.
وفي عام 2023، أعادت الصين تأهيل "مدرسة هربرت شيتيبو للأيديولوجيا" في زيمبابوي، وهي مدرسة مماثلة تهدف إلى تدريب كوادر الحزب الحاكم، ومن المتوقع أن يزداد دور الحزب الشيوعي الصيني في وضع مناهجها.
وقد تسعى الصين إلى إنشاء المزيد من هذه المدارس في دول إفريقية أخرى، بما في ذلك بوروندي وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية والمغرب وأوغندا، بحسب مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث".
مبدأ عدم التدخل
وأوضح التقرير أنه “على مر السنين، رفعت الصين شعار عدم التدخل كأحد المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية، إلا أن مدارس التدريب السياسي تكشف، على ما يبدو، عن تحولها بعيدا عن هذا المبدأ”.
وذكر أنه “ربما تحاجج الصين بأن استثمار ما يقارب 40 مليون دولار جاء من الحزب الشيوعي الصيني نفسه، وليس من الحكومة مباشرة، وبالتالي لا يشكل تدخلا رسميا من الدولة”.
وقال: "من خلال تعليم القادة السياسيين المحليين مزايا اندماج الحزب مع الدولة، تسعى الصين إلى ترسيخ روابط شخصية ومهنية معهم، مما يساعدها على بناء شبكة نفوذ أوسع على المدى الطويل".
وأضاف "علاوة على ذلك، في بعض الدول الإفريقية التي تشهد معارضة سياسية، تستقبل المدرسة في تنزانيا طلابا من جميع الأطياف، ما يضمن للصين الاستفادة بغض النظر عن الجهة التي تفوز في الانتخابات مستقبلا".
وأكد التقرير أن "انخراط الصين في السياسة الإفريقية ليس تطورا جديدا، إذ دعمت تاريخيا حركات الاستقلال في القارة، إلى جانب جهودها العسكرية وهياكل الحكم".
وعلى مدى السنوات، استثمرت بكين في عمليات نفوذ متعددة داخل إفريقيا، من خلال وسائل الإعلام والمنح الدراسية السخية، بهدف تحسين صورتها ورواية قصتها بشكل أكثر إقناعا".
وتطمح الصين إلى “جني مكاسب جيوسياسية واقتصادية كبيرة من هذه الاستثمارات، ما يمكنها من ترسيخ شبكتها بين النخب السياسية الإفريقية”، بحسب التقرير.
واستدرك: “لكن مع تدريب المدرسة لقادة إفريقيا الحاليين والمستقبليين، يزداد خطر تعزيز القمع في القارة، فالنموذج الصيني في الحوكمة يشكل تهديدا للمجتمعات الإفريقية، لأنه يتحدى التفاهمات المتعددة الأعراق التي قامت عليها الدول الإفريقية بعد الاستعمار”، وفق قوله.
وتابع: "لطالما عكست النزاعات في أنحاء القارة توترات عرقية، كما ظهر في الإبادة الجماعية في رواندا، وأعمال العنف التي أعقبت انتخابات كينيا عام 2007، والأزمات في شمال نيجيريا، وإثيوبيا، ودارفور في السودان".
وقال: "نظرا لأن الدعم السياسي للأحزاب في إفريقيا يرتكز غالبا على أسس عرقية بدلا من أيديولوجية، فإن ترسيخ أي حزب في السلطة باستخدام أساليب الحزب الشيوعي الصيني سيؤدي بالضرورة إلى قمع الجماعات العرقية المنافسة".
وهذا -وفق التقرير- يمثل خطرا حقيقيا؛ إذ قد يفاقم الاضطرابات العرقية في مجتمعات تعاني أصلا من الانقسامات.
وختم بالقول: "مع ذلك، فإن الصين ترى في هذه السياسات نجاحا، طالما أنها تعزز نفوذ حلفائها في السلطة، حتى لو كان ذلك عبر وسائل تؤجج الانقسامات وتعمق الأزمات".