تحركات ذاتية.. لماذا تحاول دول أوروبية التواصل مع النظام السوري؟
منظمة العفو الدولية: "لا يوجد أي جزء من سوريا آمنا لعودة اللاجئين"
ترتفع لهجة بعض دول الاتحاد الأوروبي وخاصة المتوسطية ضد ازدياد أعداد اللاجئين السوريين الواصلين إلى أراضيها، الأمر الذي يجعلها تقود تحركات خارج التكتل لتخفيف أزمة اللجوء تلك.
وقد وصل الحال بدول في الاتحاد الأوروبي للمطالبة علنا بتعزيز الشراكات مع الدول الواقعة على طول طرق الهجرة لدعم السكان المحليين على أمل تجنب محاولات الوصول إلى دولهم.
بوابة اللاجئين
وعبر هذه السياسية المتشددة تجاه اللاجئين، وجدت ثماني دول أوروبية الباب مواربا لإجراء مباحثات ومناقشات مع النظام السوري خلال الفترة الأخيرة بعيدا عن موقف الاتحاد الأوروبي الذي ما يزال غير معترف به منذ عام 2011 حين قمع الثورة بالحديد والنار.
وفي تسليط الضوء على الانقسامات في أوروبا، أصدرت ثماني دول، هي: النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا في 17 مايو/أيار 2024 بيانا مشتركا بعد محادثات بجزيرة قبرص، في مخالفة للمواقف السابقة للكتلة الأوروبية.
وفي إعلان مشترك، قال مسؤولون من تلك الدول إنهم اتفقوا على إعادة تقييم من شأنها أن تؤدي إلى "طرق أكثر فعالية للتعامل" مع اللاجئين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وقالت الدول الثماني، إن الوضع في سوريا "تطور بشكل كبير"، على الرغم من عدم تحقيق الاستقرار السياسي الكامل.
وشهدت قبرص في الأشهر الأخيرة ارتفاعا في عدد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى الجزيرة بشكل أساسي من لبنان على متن قوارب متهالكة.
وينطلق سوريون قادمون من مناطق النظام ومن اللاجئين في لبنان من سواحل البلد الأخير نحو قبرص في محطة أولى للانطلاق إلى بلدان أوروبية أخرى.
حتى إن الاتحاد الأوروبي أعلن في مايو 2024 عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو (1.06 مليار دولار) للبنان تهدف إلى تعزيز الرقابة على الحدود لوقف تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين إلى قبرص وإيطاليا.
وجاء في الإعلان المشترك أن "القرارات المتعلقة بمن يحق له عبور حدود الدولة العضو يجب أن تتخذها الحكومة المعنية، وليس الشبكات الإجرامية المتورطة بتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر"، في إشارة واضحة إلى رغبة الدول الثماني للتضييق على شبكات تهريب السوريين نحو أوروبا.
وفي ظل وضع اقتصادي مأساوي وانهيار كبير لليرة السورية وعدم قدرة العائلة الواحدة على تأمين احتياجاتها الأساسية من الغذاء، يواصل السوريون بمناطق نظام بشار الأسد البحث عن طرق لمغادرة البلاد نحو أوروبا.
وأمام تواصل عمليات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، فإن هناك انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع.
فبعض الدول مثل إيطاليا وقبرص أكثر انفتاحا على وجود شكل من أشكال الحوار مع الأسد لمناقشة السبل الممكنة على الأقل لتعزيز عمليات العودة الطوعية بالتعاون مع الأمم المتحدة وتحت رعايتها.
ومع ذلك، هناك دول أخرى، مثل فرنسا، التي تعترف بالضغط الذي يفرضه اللاجئون تظل ثابتة على أنه لا يمكن إجراء أي نقاش مع نظام الأسد قبل استيفاء الشروط الأساسية للحل السياسي.
لكن في خضم هذه الانقسامات، كشفت مصادر دبلوماسية غربية لـ"تلفزيون سوريا" المعارض، عن زيارة رئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي للعاصمة السورية دمشق في 28 مايو 2024 حيث التقى رئيس النظام بشار الأسد ومدير مخابراته اللواء حسام لوقا.
وبحسب المصدر، فإن كارفيللي وضع الأسد في صورة عملية التنسيق الجارية بين مجموعة دول أوروبية قررت إعادة النظر بطبيعة الواقع السياسي والأمني في سوريا، والتعامل "بواقعية" مع الظرف والتحولات الحاصلة بما يخدم مصالح كل الأطراف على حد سواء.
ولفت إلى أن رئيس المخابرات الإيطالي وضع الأسد ومسؤولي النظام في صورة الاجتماعات الحاصلة بين دول وحكومات النمسا، التشيك، قبرص، الدنمارك، اليونان، إيطاليا، مالطا، بولندا، ورومانيا.
وأكد المسؤول الإيطالي أنهم يجرون إعادة تقييم من شأنها أن تؤدي إلى طرق أكثر فعالية للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى البلدان الثمانية أو إلى دول الاتحاد الأوروبي.
كما أجرى الجنرال الإيطالي، بحسب المصدر، نقاشات معمقة مع مسؤولي النظام حول إمكانية إنشاء منطقة آمنة في ريف حمص بالتنسيق مع لبنان وقبرص، وخلق أطر تساعد في التخفيف من أزمة اللجوء برعاية أممية.
"أهداف محددة"
وشدد على “وجود إمكانية لرفع بعض العقوبات الأوروبية والأميركية عن النظام السوري إذا جرى تأمين ضمانات إنسانية تتيح حل الأزمة”.
كما أكد أن بلاده بالإضافة للدول الأوروبية المعنية "تتواصل بشكل مستمر مع الإدارة الأميركية لإيجاد صيغ مشتركة لحل الأزمة السورية، وهي تحتاج لوقت، خاصة أن المنطقة منشغلة بالحرب الدائرة في قطاع غزة".
والحقيقة، أن إيطاليا لا تسير وحدها في مد اليد للنظام السوري من بوابة اللاجئين.
إذ سبق أن أفادت تقارير صحفية، بأن رئيس المخابرات الرومانية زار دمشق في أبريل/نيسان 2024 وحمل معه رسالة مشتركة من بلاده ومن قبرص واليونان وإيطاليا تشير "إلى حرص هذه الدول على إعادة الاتصال مع النظام بسبب قلقها من موجات اللاجئين والخوف من الإرهاب".
كما اجتمع رئيس سفارة النمسا في دمشق بيتر كرويس مع وزارة التعليم السورية في 12 مايو 2022 لمناقشة تعزيز التعاون العلمي بينهما، حيث لا تزال هذه الدولة الأوروبية تواصل علاقاتها الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد منذ عام 2011.
وضمن هذا السياق، أكد الصحفي حسن الشريف، أن "هناك شبكات مقرها في دمشق تدير عمليات تهريب اللاجئين برا من سوريا إلى لبنان ثم قبرص أو إيطاليا بشكل مباشر في رحلة تستمر لأيام".
وأضاف الشريف لـ “الاستقلال”، أن "بيروت ترمي الكرة على النظام السوري وربما يقرأ تواصل الدول الأوروبية معه لتقديم مساعدات معينة للمساهمة في مكافحة عمليات تهريب البشر إلى لبنان".
ونوه الشريف إلى أن "المساعدات من هذه الدول ليست مالية بالضرورة فقد تكون خدمية وغير خارقة للعقوبات الأوروبية في القطاعات الصحية والطبية والتعليمية وغيرها".
وأشار إلى أن "الاتحاد الأوروبي الذي بدأ بإقرار اتفاقيات جديدة للهجرة ونشر حرس حدود متقدمة على خط دول العبور لمنع وصول اللاجئين، ربما تريد الاكتفاء بالأعداد التي وصلت إليها منذ عام 2015 ومنع وصول سوريين جدد كون مناطق الأسد ما تزال بيئة خصبة للهجرة بسبب تراجع الوضع المعيشي وغياب فرص العمل".
ولا يعتقد أن الدول الأوروبية الثماني اليوم في وارد التطبيع مع النظام "بل لديها الكثير من المغريات التي يمكن أن تقدمها للأسد في سبيل مساعدتهم في مكافحة الهجرة دون اضطرارها لخرق العقوبات الأوروبية".
ونوه الشريف، إلى أن "النظام السوري لديه كثير من الإجراءات التي يمكنها أن تعيق حركة تهريب البشر نحو سواحل لبنان للانطلاق إلى أوروبا سواء تلك التي تتعلق بالأوراق الرسمية أو بشبكات التهريب التي يديرها في الغالب ضباط سوريون كبار وتدر عليهم العملة الصعبة".
بلد غير آمن
وأمام تلك المعطيات، فإن الدول الأوروبية المنفتحة على النظام من خلال أزمة اللجوء، لم تصل بعد إلى مرحلة إعلان سوريا بلدا آمنا، بل تدور حول هذه الفرضية لتخفيف عملية الهجرة.
فعلى سبيل المثال قال مسؤول قبرصي لوكالة الصحافة الفرنسية شريطة عدم الكشف عن هويته إن أي إعادة تقييم للأوضاع داخل سوريا لا تعني بالضرورة ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وبدلا من ذلك، فإن اللاجئين السوريين القادمين من المناطق التي أعيد تصنيفها على أنها آمنة سيفقدون أي بدلات ومزايا والحق في العمل، مما سيثبط عزيمة الآخرين للقدوم إلى قبرص.
ورغم التحركات الذاتية لبعض دول التكتل الأوروبي، فإن مؤتمر "بروكسل 8 حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي عقد في 27 مايو 2024 في العاصمة البلجيكية بروكسل شدد على أن البلد المذكور لا يزال غير آمن.
وقال الاتحاد الأوروبي في المؤتمر إنه سيواصل دعم السوريين للتوصل إلى "حل سياسي تفاوضي يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتهيئة الظروف لمستقبل أكثر إشراقا لهم".
وقد شكل إعلان الاتحاد الأوروبي خيبة أمل لعدد من الدول التي تدفع باتجاه تبني بروكسل رؤية وجود مناطق آمنة بسوريا.
وقد تعهد الاتحاد في "بروكسل 8" بتقديم 2.12 مليار يورو لعامي 2024 و2025 لدعم النازحين في الداخل وكذلك اللاجئين في المجتمعات المضيفة في تركيا والأردن والعراق ولبنان.
حتى إنه في 29 مايو 2024 أكدت آية مجذوب، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية أنه "لا يوجد أي جزء من سوريا آمنا لعودة اللاجئين".
وقد ثبت أن التسوية السياسية في سوريا بعيدة المنال بسبب رفض نظام الأسد تطبيق الحل السياسي وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2015 المتضمن أربع سلال: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
فضلا عن عدم اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات حاسمة ضد النظام الوحشي الذي ارتكب العديد من الفظائع ضد شعبه في محاولة للبقاء في السلطة.
لكن ما كان لافتا هو انتقاد مندوب نظام الأسد الدائم لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك مؤتمر بروكسل الثامن بعدما رفض مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عودة اللاجئين في الوقت الراهن لتصنيف سوريا بلدا غير آمن.
وقال الضحاك: إنه كان من الأفضل تخصيص تمويل لتسهيل ودعم هذه العودة من خلال تعزيز وزيادة مشاريع التعافي المبكر كما ونوعا وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية"، كما قال في جلسة مجلس الأمن في 30 مايو 2024.
وأشار الضحاك إلى أن “مخرجات مؤتمر بروكسل الثامن تبرز تجاهل القوى المؤثرة في الاتحاد الأوروبي الدعوات التي وجهتها ثماني دول أوروبية أخيرا لإعادة تقييم السياسات الأوروبية الخاطئة وتبني مقاربات جديدة تسمح بالعودة الطوعية للاجئين”، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن المحلية.
ولعل محاولة الضحاك تلميع وجهات نظر ثماني دول أوروبية حول اللاجئين السوريين، يعطي دليلا على ارتياح نظام الأسد للمناقشات التي تخوضها معه تلك الدول بشكل منفرد.
المصادر
- خاص: إيطاليا تبحث مع بشار الأسد رفع العقوبات مقابل تخفيف أزمة اللجوء
- 8 EU members say conditions in Syria should be reassessed to allow voluntary refugee returns
- Divisions, elections and Assad lay bare Europe’s Syrian quagmire
- Austria, Syria discuss enhancing cooperation in education system
- Amnesty International calls on EU leaders to protect Syria refugees in Lebanon