حكومة إيران الجديدة خلت من المكون السُني.. لماذا نكث بزشكيان بوعوده؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم قطعه وعودا كثيرة بتشكيل حكومة "وفاق وطني" وإنصاف السُنة، لم يلتزم الرئيس الإيراني الإصلاحي، مسعود بزشكيان بذلك، إذ خلت التشكيلة الوزارية من المكون السُني في البلاد، الذي يشكل نحو 20 بالمئة من السكان البالغ عددهم 90 مليون نسمة.

وفي 17 أغسطس/ آب 2024، عرض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، تشكيلته الحكومية أمام مجلس الشورى (البرلمان)، مطالبا جميع الأعضاء بتفهم ومراعاة أوضاع البلاد ومنح الثقة للتشكيلة الوزارية المقترحة بأكملها "من أجل بناء إيران الإسلامية"، وفق تعبيره.

وبعد ذلك ناقش مجلس الشورى الإيراني الأسماء في جلسة عامة على دفعتين بالبرلمان، ثم تم التصويت على الوزراء المقترحين في 21 أغسطس، وأعطيت الثقة للحكومة الـ14، منذ الإطاحة بحكم الشاه عام 1979.

تهميش السُنة

فور طرح التشكيلة الحكومية على مجلس الشورى، وجّه عضو البرلمان الإيراني محمد قاسم عثماني -من المكون السني- انتقادا لاذعا إلى بزشكيان، كونه لم يدرج أي أسماء من أهل السنة فيها، مذكرا إياه بوعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية.

وقال عثماني، خلال الجلسة البرلمانية، مخاطبا الرئيس "سيد بزشكيان، صوّت الشعب لصالح التغيير، لكن هيكل حكومتكم لا يشير إلى التغيير، لا يمكن تحقيق المصالحة الوطنية من خلال التناقضات".

وأضاف: "على مدى تاريخ إيران، لم يقم أحد بتشجيع النساء والمجتمع السني مثلكم؛ لقد كنا متفائلين بكم. إذا لم تف بوعودك للمجتمع السني، فسوف تخسر رأسمالا اجتماعيا كبيرا، وإذا تضرر هذا الرأسمال الاجتماعي وثقة الرأي العام، فلن يكون الناس معكم في السياسة، والأزمات الاجتماعية".

وفي السياق ذاته، انتقد خطيب أهل السُّنة في إيران، مولوي عبدالحميد في خطبة الجمعة في 16 أغسطس، التشكيلة الوزارية المقترحة للرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، وأكد أنه خلافا لوعده بتشكيل حكومة "وفاق وطني"، فإن ذلك لم يحدث؛ وخلت "التشكيلة الوزارية من أهل السُّنة".

وأضاف عبد الحميد: "نصف الإيرانيين لم يشاركوا في الانتخابات الرئاسية؛ لأنهم كانوا يعتقدون بأن بزشكيان لن يكون باستطاعته فعل شيء، والنصف الآخر كان يأمل في التغيير، لكن التشكيلة الوزارية المقترحة من الرئيس لم تلبِ آمال الشعب".

وعن غياب وزراء من أهل السُّنة عن تشكيلة الحكومة، قال عبدالحميد: "أهل السُّنة وهم من القوميات الأصيلة في إيران، ودافعوا عن هذا البلد في المناطق الحدودية، لم يتم اختيار وزير واحد منهم في حكومة بزشكيان المقترحة، كما هو الحال خلال الـ 45 سنة الماضية".

وأشار خطيب أهل السنة إلى وعود بزشكيان الانتخابية؛ إذ تعهد بالاستقالة في حال مورست عليه الضغوط، وقال: "لو كنت مكان بزشكيان، وقد وعدت بمثل ما وعد، لما ترددت لحظة في تقديم استقالتي".

وكان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، سبق أن قال في حملاته الانتخابية إن هناك سُنة محرومين من المكانة التي يستحقونها بسبب التمييز الطائفي في البلاد"، ووعد بحل هذه المشكلة.

وطبقا للدستور الإيراني، يقوم رئيس البلاد المنتخب بتعيين الوزراء بعد إجراء مشاورات متعددة مع مختلف الكتل النيابية، ويقدم تشكيلته الوزارية إلى مجلس الشورى (البرلمان) لمنحهم الثقة بعد عرض خططهم الوزارية.

“وهم الإصلاحيين”

وبخصوص عدم إيفاء بزشكيان بوعوده للسنة، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري السيد زهرة، خلال مقال نشره في صحيفة "أخبار الخليج" البحرينية" في 17 أغسطس، إنه "ليس في الأمر مفاجأة ولا أي جديد".

وأوضح السيد الزهرة في مقاله الصحفي أنه "منذ قيام الثورة في إيران وحكم رجال الدين لم يحدث أن تم اختيار أي وزير في أي حكومة من أهل السنة، ولا في أي من المناصب العليا في الدولة، وهذا حدث مع كل الحكومات المحافظة أو الإصلاحية".

ولفت إلى أن "هذا التهميش والتجاهل هو جزء من الاضطهاد الطائفي الذي يعاني منه السنة في إيران، ومن التمييز واسع النطاق ضدهم في كل المجالات. السنة محرومون من بناء المساجد ويعانون من الاضطهاد والتمييز في كل مجالات التوظيف والبرامج الاجتماعية والحقوق السياسية.. إلخ.  هذا رغم  أن السنة يمثلون 20 بالمئة من السكان."

وأكد زهرة أنه "لا جديد إذن فيما فعله الرئيس الإيراني الجديد، فهو يسير على نهج أسلافه ولم يفعل إلا تنفيذ سياسة النظام تجاه أهل السنة والأقليات الأخرى. كل ما في الأمر أن أهل السنة في إيران وأبناء الأقليات كانوا قد علقوا بعضا من الآمال على بزشكيان على فرض أنه تم تقديمه للشعب الإيراني على أنه مرشح الإصلاحيين".

وتابع:"وعلى فرض أنه في فترة ما قبل الانتخابات كان بعض المرشحين ومن بينهم بزشكيان قد قدموا وعودا بإصلاحات كثيرة من بينها إنصاف أبناء الأقليات والعمل على حل أزماتهم الكثيرة".

ورأى الكاتب أن "وهم الإصلاح والتغيير مع الرئيس الجديد سقط بأسرع مما يتصور الكثيرون.  سقط قبل أن تبدأ حكومته في ممارسة مهامها وقبل أن يمارس السلطة فعليا. اتضح-  وكما هي العادة-، لا كلمة إلا للمرشد والحرس الثوري."

وخلال مقابلة مع صحيفة "الاستقلال" في 4 أغسطس، قال الباحث والسياسي الإيراني يوسف عزيزي، إن "النظام الإيراني دفع بشخصية إصلاحية لتولي رئاسة إيران، لأسباب عدة، منها سبب داخلي، هو أنه أراد أن يعمل تنفيسا للداخل، خصوصا أن الأخير وعد الشعوب غير الفارسية مثل العرب والترك والأكراد والبلوش والسُنة برفع الظلم والتمييز عنهم".

وشدد المعارض الإيراني على أن "أكثر ما يقلق النظام هو قضية القوميات غير الفارسية، لذلك كان بزشكيان يؤكد خلال حملته الانتخابية، أن العرب مضطهدون في إيران ويُسرق نفطهم وغازهم، وكذلك البلوش وأهل السُنة مضطهدون في بلادنا".

“انتهاكات منهجية”

منذ تأسيس "الجمهورية الإسلامية" في إيران عام 1979، بعد الإطاحة بحكم الشاه العلماني، تواجه الأقليات العرقية والدينية في إيران ضغوطا سياسية ودينية، ومنهم المسلمون السنة الذين يشكون منذ عقود من تعرضهم لقمع منهجي وعدم وجود مساجد خاصة بهم لممارسة شعائرهم.

وبحسب تقارير حقوقية دولية، فإن أهم مظاهر التضييق على السنة، هي القيود على ممارسة الشعائر الدينية علمنا، ومنعهم من بناء مساجدهم الخاصة بحرية، إذ تعرض العديد من مساجد السنة للإغلاق أو الهدم على يد السلطات، كما منعت إقامة صلاة الجمعة في بعض مساجدهم في مدن إيرانية عدة.

أيضا، يواجه الأطفال السنة صعوبة في الوصول إلى التعليم الديني، كما يتم استبعادهم من المناصب الأكاديمية العليا في المؤسسات الدينية، فبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 2013، أنها وثّقت العديد من حالات التمييز ضد سُنة إيران، بما في ذلك القيود على حرية الدين والتعبير والتجمع.

ووفقا لتقرير نشرته قناة " دويتشه فيله" الألمانية، فإن "المركز الدولي للعدالة الحقوقية" ومنظمة العفو الدولية" أدانا في تقارير منفصلة التمييز ضد سُنة إيران، ووثقا وقائع "الانتهاكات المنهجية" لحقوق الإنسان ضدهم، بما في ذلك القتل خارج القانون والاعتقال التعسفي والتعذيب.

ووفق ما هو معلن، يتمتع السنة في إيران بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وتمنحهم المادة 12 من الدستور الإيراني معاملة متساوية إلى حد كبير مع الشيعة، وفقا للقناة الألمانية.

وفي عام 2016 أعلنت السلطات الإيرانية حكما بإعدام 27 شخصا من السنة بحسب ما ذكرت الحملة الدولية للسجناء السنة في إيران، بتهم تتعلق بارتكاب "جرائم ضد الأمن القومي، من بين أمور أخرى".

وبحسب تقرير القناة الألمانية، أن السجناء السنة في إيران يتهمون بشكل متكرر بـ"العداء لله"، كون المعتقلين قالوا إنهم كانوا يتحدثون فقط عن الإسلام السني ويوزعون الكتب الدينية السنية.

وأعرب جاويد الرحمن، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، عن قلقه في تقريره الذي قدمه في يناير/كانون الثاني عام 2022 بشأن انتهاكات حقوق الأقليات الدينية في إيران، وأشار على وجه الخصوص إلى الإغلاق القسري لدور العبادة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وقمع مسيرة البلوش السنة للدفاع عن منطقة تستخدم لصلاة الطائفة السنية.

مع مرور حوالي 45 عاماً على تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، لا يزال السنة هناك لا يملكون مسجداً خاصاً بهم في العاصمة طهران للاحتفال بالأعياد وإقامة صلواتهم اليومية المشتركة، كما نقل تقرير القناة الألمانية عن الناشطة الإيرانية فاريبا بلوش.

الناشطة السنية فاريبا بلوش من محافظة سيستان وبلوشستان شرق إيران، إذ ما يقرب من نصف سكان المنطقة البالغ عددهم 3.2 ملايين نسمة على الحدود الباكستانية الأفغانية هم من السنة، وينتمون إلى الأقلية السنية في إيران ذات الأغلبية الشيعية، وتقول: "نحن مظلومون بسبب مذهبنا".

وتوضح: "لا يسمح للسنة في إيران بشغل مناصب سياسية مهمة. لا يمكن أن يصبح أحدهم رئيسا للبلاد أو رئيسا للسلطة القضائية، أو أن يكونوا أعضاء في مجلس المحافظة على الدستور، أو أن يشكلوا أحزاباً سياسية، أو حتى أن يمتلكوا صحفا أو مجلات. نحن لسنا حتى مواطنين من الدرجة الثانية، ليس لدينا أي حقوق تقريبا".

تعد محافظة سيستان وبلوشستان واحدة من أكثر المقاطعات فقرا في إيران. بالكاد تصل أي من عائدات استخراج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز إلى سكان المحافظة، كما لا توجد في البلدات والقرى الصغيرة في المحافظة مدارس ولا كهرباء ولا إمدادات مياه.

وتشمل الأقليات السنية في إيران التركمان في الشمال الشرقي، والأكراد في الغرب، والعرب في الجنوب الغربي، والبلوش في الجنوب الشرقي. ومن بين ما يقرب من 1.6 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، يقدر أن 85 إلى 90 بالمئة هم من السنة. 

وفي إيران، كان التشيع دين الدولة منذ القرن 16، لكن لأسباب تتعلق بسياسات القوة والصراع مع الإمبراطورية العثمانية السنية، أعلن الشاه إسماعيل، مؤسس السلالة الصفوية في إيران، أن التشيع هو دين الدولة، وقدّم نفسه على أنه حامي الشيعة.

ويؤكد الشيخ مولوي عبد الحميد إمام جمعة زاهدان (أكبر رجال الدين السنة الإيرانيين) أن المواطنين السنة في إيران يمثلون 20 بالمئة من إجمالي السكان، أي أن عددهم يبلغ ما بين 10 و20 مليون نسمة.