ذراع إماراتية لمناهضة المقاومة.. هل عرقل حزب الله قناة "الحبتور" في لبنان؟
كانت لغة البيان خطيرة وتشير لأسباب قهرية وراء تعليق فكرة إنشاء قناة إماراتية
بعد أقل من شهر ونصف الشهر فقط على إعلانها، تراجعت مجموعة الحبتور الإماراتية عن إطلاق قناة تلفزيونية في لبنان، وإنشاء "مدينة أستوديوهات".
وأعلنت المجموعة في 11 يونيو/حزيران 2024 في بيان عن إلغاء خططها لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة من لبنان، "بسبب مخاوف أمنية وتهديدات جسدية".
لم تشر مجموعة الحبتور إلى الجهة التي عرقلت بث القناة، لكن متابعين للشأن اللبناني يفسرون القرار بأنه كان متوقعا بسبب العداء بينها وبين حزب الله.
فضلا عن أن حزب الله سبق أن بعث رسائل تهديد لقنوات خليجية كانت تعمل في لبنان لو سارت وفق الأجندة الصهيونية التطبيعية.
تهديدات ومخاوف
كانت لغة البيان خطيرة وتشير لأسباب قهرية وراء تعليق فكرة إنشاء قناة إماراتية في لبنان زعموا أنها للترفيه وتشغيل شباب وبنات البلاد، خاصة عبارة "تهديدات جسدية"، لبيان حجم المخاطر التي يمكن أن تترتب لو جرى الاستمرار في المشروع.
المجموعة التي يملكها الملياردير الإماراتي خلف أحمد الحبتور، ومقرها دبي، قالت في 11 يونيو 2024 إن "مالكها وموظفيها واجهوا تهديدات جسدية"، لذا ألغت إطلاق القناة التلفزيونية.
وأضافت، في بيان على موقعها على الإنترنت، أن هذا القرار جاء "نتيجة للتحديات الأمنية التي واجهت المشروع، بما في ذلك التهديدات الجسدية التي تعرض لها المؤسس والموظفون، مما يجعل الاستمرار في لبنان غير ممكن".
وأكدت أن "الحملات الممنهجة ضد المجموعة التي تلت إعلان المشروع شملت سلسلة من الاتهامات، والافتراءات وحملات التخوين والتهديدات".
وقالت إنها قدمت شكاوى "جزائية ومدنية في لبنان وخارجه ضد بعض المتورطين في هذه الحملات والتهديدات".
وقال خلف الحبتور، وفقا لبيان الشركة على الإنترنت، "واجهنا عقبات جمة تجاوزت ما يمكن تحمله بما يخص سلامة فريقنا وأمنه".
وأضاف: "بعد دراسة متأنية وفي ظل غياب الاستقرار الأمني المطلوب لأي استثمار، وجدنا أنفسنا مضطرين لإيجاد بديل عن إطلاق المشروع من لبنان، والبحث عن خيارات في بلدان أخرى".
ولم تحدد مجموعة الحبتور الجهة التي تعتقد أنها متورطة في الحملات، واكتفت بشكر وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري، لدعمه المشروع.
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 12 يونيو 2024 عن مكاري، قوله، حول مزاعم التهديدات الموجهة ضد الحبتور وموظفيه: "نحن كدولة قدمنا له كل شيء وكنا مستعدين في حالة وجود تهديدات أن نعالجها من أجل أن نكون قد أمنا له كل البيئة والتسهيلات".
وقال رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان، عبد الهادي محفوظ في بيان 12 يونيو إنه "لم يلمس أي اعتراضات من أي جهة سياسية أو غير سياسية" على قناة الحبتور.
إلا أنه سبق أن أصدر مطلع يونيو بيانا لفت فيه إلى أن "الحملة الإعلامية التي يقودها البعض ضد رجل الأعمال الشيخ خلف أحمد الحبتور لتأسيسه قناة فضائية في لبنان، في غير مكانها".
وقال إن "هذه القناة أفسحت المجال أمام توظيف أكثر من 300 صحفي لبناني ومنتج ومصور، وتعيد التقدير للإعلام اللبناني الذي يتميز عن غيره بالحرية الإعلامية ويفسح المجال أمام التعبير الحر".
لذا أكد المجلس أنه "يأمل أن يعود الحبتور عن قراره بوقف القناة، وأن يرى أن كل الحمايات القانونية وغير القانونية متوافرة".
غطاء للتطبيع
وأعلنت مجموعة الحبتور في 30 أبريل/نيسان 2024، أنها تنوي "إطلاق قناة تلفزيونية جديدة ومدينة أستوديوهات في بيروت".
وحاولت الإيحاء أن هدف المجموعة من إطلاق القناة، ليس مجرد بث تلفزيوني، بل تشغيل اللبنانيين و"المساهمة بشكل إيجابي في إحياء اقتصاد لبنان"، و"تعزيز البيئة الإعلامية وتحفيز الاقتصاد المحلي".
وزعمت أن القناة في لبنان "صُممت لنشر السعادة حول العالم"، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت مخصصة لـ "اللهو" لا السياسة، وجرى اختيار لبنان بصفته المكان الأنسب لذلك، أم أن هذا غطاء لعملها السياسي لنشر التطبيع.
لكن علاقة "الحبتور" بإسرائيل ودعوته الدول العربية للتطبيع معها، وكذا توقيت الإعلان عن المشروع وسط حرب إعلامية بين معارضي العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، ومؤيدي تل أبيب، أعطى انطباعات أكثر وضوحا حول دور هذه القناة ومدينة الأستوديوهات.
أوساط إعلامية وسياسية لبنانية أكدت لـ "الاستقلال" أن حزب الله وراء هذه "المخاوف الأمنية الكبيرة" التي وردت في بيان الحبتور.
ورجحت أن يكون "محور الممانعة" هدد رجل الأعمال الإماراتي وجهات لبنانية مرتبطة به، من تداعيات إطلاق قناة برعاية أبوظبي تدعو للتطبيع في لبنان، ومن ثم تُعادي المقاومة.
ولفتت المصادر لصدور بيان "المخاطر الأمنية" على موقع المجموعة ودون أن يتحدث عنه الحبتور نفسه على حساباته على مواقع التواصل، ربما للانسحاب بهدوء ودون إثارة معركة إعلامية مع حزب الله في توقيت الحرب الحساس.
الأوساط الإعلامية والسياسية اللبنانية أوضحت أن هناك تاريخا من الصراع بين حزب الله والإمارات والحبتور.
وألمحت وكالة "رويترز" في 12 يونيو 2024 لدور حزب الله في تهديد الحبتور ومنعه من تدشين قناة إماراتية في لبنان.
وقالت إن "دول الخليج التي يحكمها المسلمون السنة، بما في ذلك الإمارات، كانت من المستثمرين الرئيسين في لبنان في السابق، لكنها تتجنبه الآن إلى حد كبير بسبب حزب الله، الذي له نواب أيضا في البرلمان".
وسبق أن تساءل ناشطون في لبنان عن دوافع الإعلان عن القناة التلفزيونية الإماراتية، خاصة أن القنوات الفضائية لم تعد ذات ربحية تجارية، والحبتور أعلن في بيانه أنه لا يبحث عن مكسب مادي من إطلاقها.
وأشاروا إلى احتمال أن يكون هدفها دعائيا من أجل التطبيع والدفاع عن إسرائيل وأنه مجرد اسم ولافتة وراء القناة التي قد تكون مدعومة من أوساط صهيونية وأميركية.
وقال الكاتب والإعلامي اللبناني "شوقي عواضة" إن المشروع الصهيوني يقف خلف الحبتور في لبنان، وأنه "واضح وجلي".
وكتب في صحيفة "البناء" اللبنانية اليومية في 8 مايو/أيار 2024 أن الأمر ليس حبا في لبنان ولا في شعبه وإنما صفقة استثمار في دماء اللبنانيين لاستهداف المقاومة التي جاهر بضربها والقضاء عليها.
وبين أنه "بعدما عجزت الأبواق عن إباحة الخيانة للوطن والتواصل مع العدو الاسرائيلي بأشكاله كافة تحت عنوان حرية الرأي والتعبير ومسميات أخرى، "تصدر جنرال التطبيع مع كيان العدو خلف الحبتور قيادة تيار المتصهينين من الإعلاميين بإعلانه عن افتتاح قناة فضائية في بيروت".
الصحفي اللبناني اتهم "المطبع خلف الحبتور الذي يجتمع دوريا بمسؤولين صهاينة" بأنه "أحد جنرالات الحرب على المقاومة في لبنان والمنطقة".
وأشار إلى أن فتح قناة الحبتور كان "مرحلة جديدة من المواجهة مع الرافضين للتطبيع بالتزامن مع الضغوط التي يمارسها الغرب على لبنان حرصا على أمن الكيان".
ولفت إلى أن "الحبتور يتصدر معركة التطبيع مع العدو من لبنان"، مشيرا إلى"انطلاق مشروعه من خلفية سياسية صهيونية خاصة أنه على ارتباط مباشر بهم، ومن خلال اتفاقيات موقعة بينه وبين العديد من شركات العدو الاسرائيلي".
"ومنها شركة موبايلي للاتصالات الذي تربطه علاقات وثيقة بمديرها العام الصهيوني آمنون شاشوا".
وأكد أن الحبتور أعلن توظيف 300 لبناني ليحل مشكلة التوظيف، لكن "أغلب فريق عمل القناة اختير ويتم توظيفه عبر قوى سياسية وأبواق إعلامية معادية للمقاومة تلتزم بسياسات الإعلام العبري".
عدو لحزب الله
وأشار البروفيسور اللبناني في جامعة كاليفورنيا "أسعد أبو خليل" إلى الطبيعة الصهيونية المشبوهة لهذا المشروع أيضا مؤكدا أن القناة ضمن "إعلام التطبيع من لبنان".
وقال أبو خليل "في المقابل، لو حاول أي لبناني فتح قناة تناصر المقاومة وتعادي إسرائيل، في الإمارات، لزُج به في السجن على الفور.
وردا على قول الحبتور إنه يستثمر في لبنان لخلق وظائف، وتأكيد لبنانيين أنه يحب هذا البلد ولهذا يستثمر فيه، سأل "أبو خليل" الحبتور عن سر تناقض موقفه.
وأوضح أن الحبتور و"فريق التطبيع الإبراهيمي" يعايرون لبنان ليل نهار بأنه خاضع لـ "الاحتلال الإيراني، ومع هذا حين أراد فتح محطة تلفزيونية لم يجد في هذا العالم العربي الشاسع إلا البلد الذي يخضع للاحتلال الإيراني، وفق أبو خليل.
وسبق أن هاجم "خلف الحبتور" حزب الله عدة مرات، وفي تغريدة على حسابه ديسمبر/كانون الأول 2018، استغرب عدم تخلص إسرائيل من قيادات "الحزب الإرهابي" كما أسماه، رغم أنها تعرف أماكنهم.
وفي عام 2018، قال خلف الحبتور إن الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين قادرون على "تفكيك تهديد حزب الله وإنقاذ اللبنانيين"، بحسب الموقع الإلكتروني لمجموعته.
وقال في مؤتمر حينها: "اللبنانيون سجناء في بلدهم، أعضاء حزب الله يشكلون الحكومة في لبنان، لا أستطيع أن أفهم ذلك، يجب ألا نقبل ذلك".
وفي نوفمبر/تشرين ثان 2020 قال الحبتور في مقابلة مع قناة 13 العبرية: "أدعو إسرائيل إلى محو حزب الله لكي يتمكن لبنان من توقيع معاهدة سلام معها".
وفي مارس/آذار 2021 قال في تغريدة عبر حسابه على إكس إنه إذا أراد اللبنانيون استعادة بلدهم، فالحل الوحيد هو رحيل حزب الله عنه.
وفي عام 2020، وبعد أسبوع من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، أعلنت مجموعة الحبتور أنها "ستفتح مكتبًا لتمثيلها في إسرائيل"، وأشارت لمحادثات مع شركة الطيران الإسرائيلية “يسرائير”.
وقبلها في عام 2019، قال خلف الحبتور إنه "يجب علينا في دول الخليج أن نقول علنا إننا نريد إقامة علاقات مع إسرائيل، يمكننا الاستفادة منها سياسيا واقتصاديا في كلا الجانبين".
وقبل إعلان قرار تعليق تدشين قناة بلبنان بشهرين، أكد الحبتور، أن القرار في بيروت ليس بيد رئيس الجمهورية بل بيد "المليشيات"، ودعا إلى "تحرير لبنان من الخونة".
وقال في حديث مع إذاعة "صوت كل لبنان" إنه بسبب كثرة الحكام في هذا البلد "ضاعت الطاسة" ولا نعرف مع من يجب أن نتعاون، في إشارة لنفوذ حزب الله على الحكومة.