قبائل الطوارق توجه ضربة قاسية لمرتزقة فاغنر.. ماذا يحدث شمال مالي؟

12

طباعة

مشاركة

منذ انقلاب مالي عام 2020، أعلن المجلس العسكري الذي تولى السلطة، أن أحد أولوياته هي استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد.

سعى لاستعادة مناطق تسيطر عليها قبائل "الطوارق" في منطقة "أزواد" شمال البلاد، وطرد جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة في منطقة الصحراء الكبرى. 

والطوارق شعب مسلم من الرحل، ذو أصول أمازيغية، يتخذ من الصحراء الإفريقية الكبرى الممتدة بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو موطنا له،.

ويسمى الطوارق أيضا بـ"الشعب الأزرق"، نظرا لتعودهم على ارتداء لباس تقليدي بلون أزرق نيلي، ويشكو العديد منهم بالتهميش من جانب الحكومة المالية، ويطالبون باستقلال منطقة "أزواد" في شمال البلاد.

وبعدما كانت مالي تستعين بقوات فرنسية لمحاربة هذه التنظيمات المسلحة، بدأ المجلس العسكري يستعين بروسيا وعناصر مرتزقة "فاغنر"، بعد طرد القوات الفرنسية من البلاد.

ويتهم السكان الطوارق في "أزواد" مرتزقة فاغنر بارتكاب مجازر وإبادة جماعية ضمن سعي روسيا للسيطرة على "الذهب" في المنطقة التي تقع على حدود الجزائر.

لكن فجأة أعلن مسلحو الطوارق، في شمال مالي، 28 يوليو/تموز 2024 أنهم وجهوا ضربة قوية لمرتزقة فاغنر الروس، الذين تمولهم الإمارات، وجيش مالي بعد قتال استمر ثلاثة أيام في بلدة تين زاواتن قرب الحدود الجزائرية.

وتواجه مالي، التي استولت فيها السلطات العسكرية على الحكم في انقلابين عامي 2020 و2021، تمردا من جماعات مسلحة من الطوارق وأخرى ذات صبغة “جهادية مسلحة” منذ سنوات.

ماذا جرى؟

في 25 يوليو/تموز 2024 حاول مرتزقة فاغنر والجيش المالي التقدم قرب أقصى الحدود الجزائرية مع اقليم أزواد في عملية تستهدف السيطرة على المنطقة، لكن قوات الطوارق وجماعات مسلحة في المنطقة تصدوا لهم، وهزموهم.

ملامح الهزيمة ظهرت حين حاول جيش مالي ومرتزقة فاغنر الروسية دخول بلدة "تين زاواتن" الحدودية مع الجزائر التي تعد معقل الحركات الأزوادية، لينتهي الأمر بسقوط رتل عسكري روسي ومالي قادم من منطقة "كيدال" في فخ مميت.

صور وفيديوهات عدة نشرت لمشاهد القتلى والأسرى من قوات فاغنر، وسط احتفالات كبيرة، من المحاربين "الأزواديين"، وهم مجموعات مكونة من الطوارق والعرب والفلولان والسنغاي.

حركة "الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية"، التي تمثل "الجيش الوطني الأزوادي" الداعي لانفصال "دولة أزواد"، قالت في بيان وفيديوهات بثتها إنها حققت "انتصارا كبيرا" على الجيش المالي وحلفائه الروس.

وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من "قتال عنيف" في بلدة تين زاواتن القريبة من الحدود مع الجزائر في شمال البلاد.

أكدوا قتل 150 من قوات فاغنر وجرح 17 وأسر 35، فيما قتل 107 من الجيش المالي إضافة إلى 35 جريحا و74 أسيرا، مع الاستيلاء على مركبات مدرعة وشاحنات وناقلات خلال القتال.

لكن وسائل إعلام روسية قالت إن 20 جنديا من فاغنر قتلوا في الكمين، بينما قال الجيش المالي إن اثنين من جنوده قتلا، على الرغم من أن بعض التقارير أشارت إلى أن عدد القتلى الروس قد يصل إلى 80، وفق شبكة "فوكس نيوز" الأميركية 29 يوليو 2024.

وقال المتحدث باسم تحالف جماعات أزواد التي يهيمن عليها الطوارق، محمد المولود رمضان، في بيان 27 يوليو 2024، "دمرت قواتنا بشكل نهائي قوات العدو، وتم الاستيلاء على عربات وأسلحة مهمة أو إتلافها.

وفي نفس اليوم، أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، أنها نفذت "كمينًا معقدًا" ضد قوات فاغنر وجيش مالي بالقرب من بلدة تين زاواتن، ما دفع صحف غربية للزعم بوجود تنسيق بينه وبين الطوارق.

واستغلت الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي الدولة والقاعدة، الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي منذ سنوات، من أجل الانتشار وتوسيع هجماتها ومناطق نفوذها في دول غرب إفريقيا المجاورة.

وتنشط في المنطقة الحدودية بين دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي تنظيمات مسلحة عديدة.

وكانت فرنسا تزعم أن وجودها في هذه الدولة بهدف قتال هؤلاء المسلحين، لكنها فشلت وأدى طردها من دول الساحل الإفريقي لتعاظم قوة هذه المجموعات، وفق صحف غربية.

ومن أبرز الجماعات التي تنشط بالمنطقة، "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة له، وكذلك تنظيم الدولة في ولاية الساحل.

وقبل هذه المعارك الطاحنة، وقعت حكومة مالي "اتفاق السلم والمصالحة" مع الطوارق، بوساطة من الجزائر، عام 2015، وتضمن 68 بندا، أهمها اعتراف "باماكو" بخصوصية الإقليم الشمالي في إطار الدولة الموحدة.

وقد أعلنت مالي حينئذ قبولها بالتوسع في تطبيق اللامركزية، لتتيح تمثيلا أكبر لأبناء الشمال (الأزواد) بالجمعية الوطنية (البرلمان)، ورفع مستوى التنمية بالشمال، ليعادل نظيره بالإقليم الجنوبي.

لكن في يناير/كانون ثاني 2024 أعلن المجلس العسكري في مالي، إلغاء هذا الاتفاق، بعد مواجهات بين الجيش والمسلحين الانفصاليين.

وأرجع السبب إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة على الاتفاق"، وإلى "الأعمال العدائية" من جانب "الوسيط الجزائر"، لتعود المعارك لتشتعل في هذه المنطقة.

ومع استعانة جيش مالي بمرتزقة "فاغنر" وهجومهم على الشمال، فقدت جماعات الطوارق، التي تسعى للانفصال، السيطرة على مناطق عدة منها مدينة كيدال، معقل الأزواديين في 14 نوفمبر/تشرين ثاني 2023، وفق موقع "ريسبونسيبول ستاتكرافت" 27 ديسمبر/كانون الأول 2023.

لكن حين توسعت هجمات فاغنر وجيش مالي في شمال البلاد لأسباب عسكرية وأخرى تتعلق بالرغبة في الاستيلاء على الذهب الموجود في مناطق "الأزواد"، لحقت بهم أول وأهم هزيمة كبيرة.

ومنذ أن أعلن الجيش المالي بدء عملياته العسكرية بالتعاون مع روسيا ودول التحالف الإفريقية متمثلة في بوركينا فاسو والنيجر ضد عرقيات شعب إقليم الأزواد، توالت أشكال الانتهاكات الإنسانية وجرائم الحرب في مالي على مدار أشهر.

ثاني هزيمة

هذه أول هزيمة إستراتيجية للفيلق الروسي "فاغنر" في مالي، بعد تدمير رتل كامل من قواته التي قدمت من ليبيا لكن ابتلعتها الصحراء الكبرى، كما يقول الباحث في الشؤون الإفريقية موسى تيهوساي.

لكنها ثاني هزيمة ثقيلة تلحق بقوات فاغنر في إفريقيا بعد هزيمتهم في ليبيا إلى جانب اللواء الانقلابي خليفة حفتر.

ويدعم مرتزقة فاغنر الروسي حكومة مالي منذ طرد القوات الفرنسية من البلاد، والحلول محلها.

وهو ما يطرح تساؤلات حول كفاءتها القتالية ومستقبل الصراع في الصحراء الغربية وتداعيات هذه الهزيمة في استعار القتال هناك.

واللافت أن مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة، اعترفت رسميا 29 يوليو 2024، في بيان نادر على تلغرام، أن مقاتليها وجنودا ماليين تكبدوا خسائر خلال قتال شرس مع مسلحي الطوارق قرب حدود مالي مع الجزائر.

قالت إن قواتها قاتلت إلى جانب الجنود الماليين في الفترة من 22 إلى 27 يوليو 2024، وإن مقاتليها كانوا بالقرب من بلدة تين زاواتن بقيادة سيرغي شيفتشينكو الذي يُعرف باسم "بوند"، وقضوا على معظم المسلحين.

لكن، عاصفة رملية سمحت للمسلحين بإعادة تنظيم صفوفهم وزيادة أعدادهم إلى 1000 عنصر، وأطلقوا نيرانا كثيفة أثرت على فاغنر والجيش المالي، وأسفر الهجوم عن مقتل قائدهم "شيفتشينكو".

وكان لافتا أن بيان فاغنر ركز على "الإسلاميين" الذين قال إن قواته "دمرت أعدادا منهم ودفعت الباقين إلى الفرار" بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 29 يوليو 2024.

وقد حاولت روسيا تبرير الهزيمة، بزعم أن "مرتزقة أوكرانيين" كانوا يحاربون مع مسلحي الطوارق الانفصاليين في مالي.

وقالت قناة "روسيا اليوم" في 28 يوليو، إن "الطوارق الانفصاليين جرى نقلهم إلى أوكرانيا لتلقي التدريبات".

وقد نشرت صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية ما قالت إنها “صورة حصرية يوم 29 يوليو 2024 من مصادر في المخابرات الأوكرانية تظهر الطوارق وهم يرفعون العلم الأوكراني” بعد أن ألحقوا هزيمة كبيرة بمرتزقة فاغنر.

ونقلت صحف غربية عن ممثل مديرية مخابرات أوكرانيا أندريه يوسوف، أن "المتمردين (الطوارق) تلقوا المعلومات الضرورية، التي مكنتهم من شن عملية عسكرية ناجحة ضد مجرمي الحرب الروس (فاغنر)".

ولعبت فاغنر دورا بارزا في بعض من أعنف المعارك في الحرب الروسية في أوكرانيا.

لكن مستقبلها أصبح موضع تساؤل عندما قُتل زعيمها يفغيني بريغوجين في تحطم طائرة في أغسطس/آب 2024، بعد شهرين من قيادته تمردا قصيرا ضد موسكو.

أيضا أعلن الجيش المالي، في بيان أنه "كبد الإرهابيين خسائر فادحة ضمن رده الحازم على هجوم في بلدة تين زاواتن الواقعة على بعد 223 كيلومتر إلى شمال شرق كيدال، بالقرب من الحدود مع الجزائر"، دون أن يذكر خسائره.

وبحسب التصريحات الرسمية تنفي مالي أن تكون القوات الروسية الموجودة على أراضيها تابعة لمجموعة فاغنر وتقول إنهم مدربون يساعدون القوات المحلية في استخدام المعدات التي اشترتها من روسيا.

وتشير تقارير ومحللون غربيون أن هزيمة فاغنر الثانية في مالي قد تكون لها آثار عدة على نشاط هذه الجماعة المرتزقة معنويا في المناطق التي تتواجد بها بإفريقيا، وآثار على الحكم العسكري في مالي نفسها والصراعات الداخلية.

إذ تتردد أنباء في صحف جزائرية عن أن دولة مالي مقبلة على انقلاب عسكري جديد وأن هناك حالة تذمر وغليان في صفوف قيادات الجيش، بعدما لجأ قائد المجلس العسكري آسيمي غويتا لعزل قيادات عسكرية ساهمت في وصوله للحكم.

أكدت أن هذا الإجراء تم في أعقاب انتكاسة قواته ومليشياته أمام الحركات الأزوادية، وبعد تصاعد موجة غضب في أوساط كبار الضباط الماليين بعد أسر ومقتل العشرات من الجنود ومطالبتهم بتصحيح انحراف آسيمي غويتا منذ الانسحاب من اتفاق الجزائر.

وتقول صحف الجزائر، التي توترت العلاقة بينها وبين مالي، إن هناك استياء كبيرا داخل جيش مالي أيضا من تواجد عناصر فاغنر على الأراضي المالية ومطالب بالتحقيق في مصدر الأسلحة والأموال المتدفقة على المرتزقة.

ويرى الباحث الأزوادي، والمختص بالشأن الأمني في مالي ومنطقة الساحل “سيد بن بيلا الفردي” أن "تين زاواتن منطقة بها ذهب والروس منذ بداية تعاونهم مع الجيش المالي يستهدفون مدن الأزواد الغنية بهذه الموارد".

أكد لموقع "أخبار الآن" الإماراتي في 27 يوليو 2024 أن مرتزقة فاغنر هدفهم في الأساس هو الذهب والمال بأي طريقة وبأي ثمن ومن الطبيعي أن يطوروا الصراع باتجاه المناطق الموجود بها.

أشار إلى سيطرتهم على عدة مناطق بها ذهب مثل جنوب النهر وفي محيط مدينة غاوة وفي منطقة تساليت، وفي المناطق القريبة جدا من كيدال المدينة الرئيسة.

أوضح أن المنطقة التي جرت فيها المعارك الأخيرة بها أهم قلعة من قلاع الذهب في ولاية كيدال، لذا كانوا يتوقعون أن يتوجه الروس إليها.

ومن المعروف أن قوات فاغنر تحارب أيضا في السودان بجانب قوات الدعم السريع، بدعم إماراتي بغرض الاستيلاء على ذهب السودان ونقله لأبو ظبي، وهو ما كشفته "الاستقلال" في تقارير عدة.