بعد فوزهم بـ 25 مقعدا في البرلمان.. هل يغير مسلمو بريطانيا السياسة الخارجية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

عقب الانتخابات العامة في 4 يوليو/تموز 2024، دخل 25 نائبا مسلما مجلس العموم البريطاني (الغرفة الثانية للبرلمان)، لتثار تساؤلات حول إمكانية تغييرهم للسياسة الخارجية في المملكة المتحدة فيما يتعلق بإسرائيل. 

النواب الـ 25 غالبيتهم من المؤيدين لغزة، والمعارضين للاحتلال الإسرائيلي، ويشكلون الكتلة الأكبر من 89 نائباً يمثلون الأقليات في مجلس العموم الذي يضم 650 مقعدًا.

وهو ما جعل صحفا تعد هذا اختبارا كبيرا لرئيس الوزراء العمالي كير ستامر الذي يناصر دولة الاحتلال وتحذره من تزايد حجم مؤيدي غزة في بريطانيا بسبب الإجرام الإسرائيلي.

ومن بين هؤلاء المسلمين الذي دخلوا مجلس العموم، 4 من المستقلين المؤيدين لغزة، و18 نائبا مسلما من حزب العمال، و2 من حزب المحافظين، وواحد من حزب الديمقراطيين الليبراليين، وهي نسبة كبيرة.

ففي انتخابات 2019 فاز 19 مرشحا مسلما ودخلوا البرلمان البريطاني، فيما لم يفز سوى 15 مرشحا فقط في انتخابات 2017.

ويبلغ عدد المسلمين في بريطانيا قرابة 4 ملايين نسمة بنسبة 6 بالمئة من السكان، بحسب ما نشر موقع "إسلام ميرور" في 9 يوليو/تموز 2024.

وكان استطلاع حصري أجرته شركة "سافانتا" لصالح موقع "هايفن" في 11 يونيو/حزيران 2024، قد أظهر أن 44 بالمئة من الناخبين المسلمين صنفوا حرب إسرائيل على غزة ضمن القضايا الخمس الأولى بالنسبة لهم.

ووجد الاستطلاع نفسه أن 12 بالمئة من غير المسلمين، صنفوا غزة أيضا ضمن القضايا الخمس الأولى بالنسبة لهم.

 

وتقول صحف بريطانية إن من أبرز الأسباب التي شجعت المسلمين المستقلين على التحالف مع حزب الخضر وأحزاب صغيرة أخرى، هو التحالف الذي أنشأه الزعيم اليساري الفرنسي جان لوك ميلينشون وانتهى بفوزه بالانتخابات.

وكان ائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية الذي يتزعمه ميلينشون قد نجح بالفوز بالمركز الأول (182 مقعدا من 289) عبر تحالفه مع حزب الخضر، متحديًا كتلة حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، وتحالف الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بقيادة مارين لوبان. 

وبعدما فاز 7 مرشحين مستقلين مدعومين من حملة "الصوت المسلم" منهم 4 مسلمين، بدأت الحملة تضع رؤية جديد للانتخابات البريطانية مستقبلا.

حملة الصوت المسلم قالت في تقرير نشر عبر موقعها 12 يوليو 2024: "بالنظر إلى النتائج التي حققها حزب الخضر في الانتخابات، جاء مرشحوه في المركز الثاني في 40 دائرة انتخابية".

"ولو أخذنا في الاعتبار أن عدد السكان المسلمين في 22 من هذه الدوائر يشكل أكثر من 10 بالمئة من السكان، فهذا يعني أنهم قادرون على تقديم دعم حيوي لحزب الخضر" وفوزه بعدد أكبر من النواب في الانتخابات المقبلة.

أكدت أن النجاح المذهل الذي حققه خمسة نواب مستقلين جدد في انتخابات بريطانيا هو أعلى عدد من النواب المستقلين منذ عام 1950، وكان من الممكن الفوز بعدد أكبر لو جرى اتباع نهج مماثل لما حدث في فرنسا.

فرص ضائعة

أوضحت أن تحليل الدوائر الانتخابية التي تضم أعداداً كبيرة من المسلمين يكشف عن فرصة ضائعة حيث كان من الممكن أن تؤدي التحالفات الإستراتيجية إلى تغيير نتائج الانتخابات بشكل كبير. 

ففي خمس دوائر انتخابية رئيسة، كان المرشحون المؤيدون لفلسطين لينتصروا على حزب العمال إذا ما انسحب مرشحو الحزب الأخضر، وبالتالي تجنبوا انقسام الأصوات.

قالوا، كمثال، إن المرشحة الفلسطينية البريطانية ليان محمد التي خسرت الانتخابات، كان من الممكن أن تفوز لو كان هناك تنسيق بين الحملة وحزب الخضر.

إذ إن الأصوات التي حصلت عليها مرشحة حزب الخضر في نفس الدائرة (1794 صوتا) كان من الممكن أن تُسهِم في فوز ليان محمد بالمقعد، إذا أضيفت إلى عدد الأصوات التي حققتها.

ورغم حصولها على 15119 صوتًا في الانتخابات، خسرت المرشحة البريطانية الفلسطينية المستقلة ليان محمد بفارق ضئيل أمام وزير الصحة في حكومة حزب العمال، ويس ستريتنغ، بفارق 528 صوتًا فقط.

أيضا بدأ جيرمي كوربين وزملاؤه النواب المستقلون المؤيدون لفلسطين، شوكات آدم وأيوب خان وعدنان حسين وإقبال محمد، يعملون ككتلة واحدة نصرة لغزة داخل البرلمان البريطاني ويطالبون الحكومة بسلسلة مطالب.

ومنها حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وفرض عقوبات واسعة على الاحتلال، والاعتراف بدولة فلسطين، وزيادة تمويل الأونروا، وإرسال قوة لحفظ السلام في غزة.

طالبوا حكومة حزب العمال أيضا باستخدام دور بريطانيا في مجلس الأمن الدولي للضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، ودعم دعوة المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

قالت إن "الانتخابات الفرنسية الأخيرة أظهرت عرضًا رائعًا لبناء التحالفات الإستراتيجية والتصويت التكتيكي، مما يوفر دروسًا قيمة للمشهد السياسي في المملكة المتحدة".

أضافت "النجاح غير المتوقع الذي حققته الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية في فرنسا، والتي هزمت حتى تحالف الرئيس ماكرون الوسطي، يوضح قوة الوحدة والتعاون بين الفصائل السياسية المتنوعة".

"وقد تحقق هذا النصر من خلال الجمع بين الاشتراكيين والخضر والشيوعيين وفرنسا المتمردة اليسارية المتشددة، الذين منعوا بشكل جماعي انقسام الأصوات وحققوا انتصارًا سياسيًا كبيرًا"، وفق موقع الصوت المسلم.

وفي الانتخابات الأخيرة، تمكن حزب العمال البريطاني من الفوز بـ 412 مقعداً من مجلس العموم المكون من 650 مقعدًا، في إنجاز وُصف بأنه أكبر تحول لأي حزب في المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

وحصد حزب المحافظين 121 مقعدا بعدما فاز في انتخابات 2019 بـ 365 مقعدا، ما شكل هزيمة مدوية للحزب الذي كان يدير المملكة المتحدة منفردا طوال نحو عقد ونصف العقد.

لكن المفاجأة كانت ظهور حركة "الصوت المسلم" التي حققت مفاجأة في أول ظهور لها لدعم المرشحين المؤيدين لغزة والرافضين لجرائم الاحتلال في فلسطين.

تأثير كبير

وقد أعلنت الحركة عن طموحات أكبر بتشكيل تحالف سياسي أوسع يهدف للتغلب على الأحزاب التقليدية الكبرى والوصول للحكم مسترشدا بتجربة وحدة قوى مختلفة في فرنسا وفوزها، وساعية للاستفادة من أعداد المسلمين في الدوائر الانتخابية.

ويشكل المسلمون أكثر من 30 بالمئة من الناخبين في 20 دائرة انتخابية بالمملكة المتحدة.

وتضم دائرة (Birmingham Hodge Hill) العدد الأكبر من المسلمين بنسبة 62 بالمئة، تليها دائرة (Bradford West) بنسبة 59 بالمئة، و(Ilford South) بنسبة 44 بالمئة، و(Leicester South) بنسبة 32 بالمئة.

وقد سيطر العديد من المرشحين المسلمين المؤيدين لفلسطين على معاقل حزب العمال السابقة، بحسب موقع "هايفين" البريطاني 5 يوليو 2024.

إذ فاز شوكت آدم في ليستر ساوث، وإقبال محمد في ديوزبيري وباتلي، وعدنان حسين في بلاكبيرن، وأيوب خان في برمنغهام بيري بار، بمقاعدهم كمرشحين مستقلين. كما هزم المسلم صادق الحسن مرشح حزب المحافظين ليام فوكس في شمال سومرست. 

وفاز كثير من مرشحي حزب العمال المسلمين بأصوات مسلمي بريطانيا، مثل المسلمة ابتسام محمد بمقعد شيفيلد سنترال بنسبة 52.1 بالمئة.

وزبير أحمد، وهو مرشح مسلم اختاره حزب العمال في جنوب غرب غلاسكو الذي حصل على ما يزيد قليلاً عن 43 بالمئة من الأصوات.

وقد كان الناخبون المسلمون ودعمهم لغزة سبباً في فوز 5 مرشحين مستقلين على حزب العمال وكان 4 من هؤلاء مسلمين يترشحون للمرة الأولى.

ورغم دعم مسلمين نزلوا على قوائم حزب العمال لأنهم من داعمي غزة، فقد شهدت الانتخابات العامة البريطانية للعام 2024 تراجعًا في أداء حزب العمال في الدوائر الانتخابية التي تضم نسبًا عالية من السكان المسلمين، بحسب موقع "هايفين" البريطاني 6 يوليو 2024.

وأظهر بحث أُجري في الدوائر الـ 21 التي يشكل فيها المسلمون أكثر من 30 بالمئة من السكان، انخفاض حصة حزب العمال بمقدار 29 نقطة مئوية، من متوسط 65 بالمئة في عام 2019 إلى 36 بالمئة في 2024.

وهذا يؤشر لقوة أصوات المسلمين لو دعموا تحالفا أوسع مع حزب الخضر ومستقلين آخرين في أي انتخابات مقبلة.

البحث أظهر أيضا تراجع نسبة المشاركة الانتخابية للمسلمين كثيرًا عن المتوسط، بانخفاض قدره 11.2 نقطة مئوية بهذه الدوائر، في انتخابات يوليو.

وهو ما يشير إلى أن بعض الناخبين المسلمين امتنعوا عن التصويت، ولو وجدوا التحالف الذي تطمح لتشكيله حركة "الصوت المسلم" لصوتوا له.

ولم يقتصر تأثير فقدان أصوات المسلمين على الدوائر ذات الكثافة السكانية المسلمة العالية فقط، بل امتد إلى نظيرتها التي تضم مجتمعات صغيرة. 

ففي الدوائر الـ 43 التي يشكل فيها المسلمون بين 15 و30 بالمئة من السكان، خسر حزب العمال 300 ألف صوت أخرى.

أيضا تشير الأرقام إلى انخفاض إجمالي أصوات حزب العمال بهذه الدوائر من أكثر من 600 ألف صوت عام 2019 إلى أقل من 300 ألف في عام 2024.

وهو ما يمثل أكثر من نصف إجمالي الانخفاض في أصوات حزب العمال بين الدورتين الانتخابيتين (خسر الحزب 537,688 صوتًا مقارنة بعام 2019)، ويرجع هذا لتأثير المسلمين في بريطانيا على الانتخابات العامة 2024.

وعلى الرغم من هذا التراجع الكبير، ظل حزب العمال قادرًا على الفوز في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة العالية.

إذ احتفظ بـ 17 من أصل 21 دائرة انتخابية، لأن غالبية المسلمين لم يجدوا من يصوتون له وعدوه أفضل من حزب المحافظين.

وشهدت الانتخابات خسارة عدد من مرشحي حزب العمال، بينهم خالد محمود في برمنغهام بيري بار، الذي كان النائب المسلم الوحيد خلال حرب العراق عام 2003.

وشهد نواب آخرون من حزب العمال انخفاضًا كبيرًا في نسب التصويت، لكن أولئك الذين اتخذوا مواقف مؤيدة لغزة، مثل جيس فيليبس وعمران حسين، شهدوا انخفاضات أقل. 

إلهام للآخرين

وقد لفتت صحيفة "ذا نيشن" الأميركية في تقرير لها 12 يوليو 2024 حول أصوات الناخبين المسلمين، وتأثيرهم على مسار الانتخابات التي جرت في بريطانيا، إلى أهمية دورهم في الولايات المتحدة مع اقتراب السباق الرئاسي الأميركي.

ذكرت أن المسلمين في المملكة المتحدة وجهوا رسالة من خلال الانتخابات، بأنهم، وهم يشكلون حوالي 6 بالمئة من إجمالي عدد السكان، خرجوا بأعداد كبيرة لتحدي التيار السياسي والتصويت ضد الحزب الذي كان من المقرر أن يشكل الحكومة، ليحققوا نتائج غير متوقعة.

قالت الصحيفة إن الجالية المسلمة في المملكة المتحدة بدأت تنظيم نفسها في كتلة تصويتية يمكنها تحدي الوضع الراهن.

و"تكاتفت المساجد والمراكز المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني لإنشاء حركة سياسية ملتزمة بوضع أزمة غزة في قلب الانتخابات".

ذكرت الصحيفة أن الحزبين الرئيسين في ويستمنستر (المحافظين والعمال) أيدا العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة بزعم أنه شكل مشروع من أشكال الدفاع عن النفس.

وهو ما أثار غضب المسلمين البريطانيين الذين دعموا حزب العمال تاريخيًا، ودفعهم لتشكيل حركة "صوت المسلمين" التي أوصلت 7 نواب للبرلمان من 4 مسلمين وكلهم داعمين لغزة.

قالت: "إذا اتخذ المسلمون الأميركيون إجراءات مماثلة لنظرائهم البريطانيين في انتخابات نوفمبر 2024، فيجب أن يكون الرئيس جو بايدن قلقًا للغاية بالفعل".

فمن بين المليون أو نحو ذلك من المسلمين الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2020، اختار ما يقارب 80 بالمئة منهم التصويت للرئيس بايدن. 

أما اليوم، فقد انخفضت النسبة المؤيدة له إلى حوالي 5 بالمئة، وذلك وفقًا لاستطلاع للرأي أجرته "إمجاج"، وهي منظمة تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية في المجتمعات المسلمة في أميركا.

وأوضحت الصحيفة أنه يمكن أن يكون هذا الانخفاض كارثيًا في ولايات مثل ميشيغان وبنسلفانيا حيث تعد أغلبية بايدن أقل من إجمالي عدد السكان المسلمين.

أشارت إلى أن حركة "غير الملتزم"، التي أعلنت أنها لن تصوت لبايدن لدعم العدوان الإسرائيلي على غزة لها تأثير بالفعل على الناخبين المسلمين، وكذلك اليسار المناهض للحرب، وهؤلاء قادرون على تنظيم أنفسهم في كتلة واحدة في انتخابات أميركا.

فقد أدلى أكثر من 13 بالمئة من الذين صوتوا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان بأصواتهم على أنهم "غير مهتمين".

وبلغت هذه النسبة حوالي 19 بالمئة في مينيسوتا، أي حوالي 46 ألف ناخب، وهو ما يفوق هامش فوز هيلاري كلينتون هناك في سنة 2016.

وفي أريزونا، وهي الولاية التي فاز بها بايدن بحوالي 10 آلاف صوت في سنة 2020، صوّت ما يقارب 16 ألف ديمقراطي لصالح ماريان ويليامسون بعد أن دعت إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وفضلا عن عدم وجود تيار موحد لهم مع قوى أخرى، تقول الصحيفة إن مشكلة المسلمين في أميركا تكمن في خشيتهم من التضحية ببايدن، كخيار وحيد أمامهم، وإلا فاز منافسه الجمهوري دونالد ترامب وتياره السياسي المعادي للمسلمين.

إذ يرون أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن ولاية ترامب الثانية ستكون أفضل للمسلمين من الأولى، فهو الذي اعترف رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهدد بترحيل الطلاب الذين يتظاهرون في حرم الجامعات الأميركية مناصرين لفلسطين.