رغم اتفاق الكتل السياسية.. لماذا فشل برلمان العراق في اختيار رئيسه؟
محللون أكدوا أن حزب تقدم يقف وراء افتعال الفوضى في البرلمان
للمرة الثانية على التوالي، يفشل البرلمان العراقي في انتخاب رئيس جديد له، وذلك بعد جلسة صاخبة انتهت بمشاجرة بين النواب أدت لتأجيل الجولة الثالثة إلى إشعار آخر، ما أثار تساؤلا ملحا بشأن عدم أسباب حسم الأمر رغم الاتفاقات المسبقة بين قادة الكتل السياسية.
وفي 18 مايو/ أيار 2024، أجرى البرلمان العراقي جولة ثانية لانتخاب رئيس له، بمنافسة احتدمت بين أبرز مرشحين، وهما، سالم العيساوي، الذي حصل على 158 صوتا، في مقابل 137 صوتا لمنافسه الأقرب محمود المشهداني، من مجموع الحاضرين البالغ عددهم 311 نائبا.
وكان فوز أحد المرشحين يتطلب الحصول على 166 صوتا من مجموع الحاضرين، لأن الدستور العراقي ينص على ضرورة تحقيق المرشح ما نسبته 50 زائد واحد من عدد نواب البرلمان الكلي البالغ 329 نائبا.
تدخل السوداني
سبقت الجولة الثانية، اتفاقات أبرمها عدد من الكتل السياسية فيما بينها من أجل التصويت على اختيار المرشح محمود المشهداني، وخصوصا حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، و"عصائب أهل الحق" التي يزعمها قيس الخزعلي.
وكذلك، من بين الكتل التي كانت تدعم المشهداني، كتلة "بدر" بزعامة هادي العامري، وحركة بابليون برئاسة ريان الكلداني، إضافة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، وهؤلاء يصل عددهم إلى أكثر من 166 نائبا، وبالتالي كان يفترض أن يفوز مرشحهم بهذه الجولة.
واتهم عدد من النواب، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالتدخل في عملية انتخاب رئيس البرلمان، ودعم وصول المرشح سالم العيساوي على حساب منافسه، محمود المشهداني، الذي تدعمه القوى الشيعية القريبة من إيران.
وقال النائب عن الإطار التنسيقي، مصطفى سند، عبر قناته على "تلغرام" في 18 مايو، إن "تدخل رئيس الوزراء باختيار العيساوي والمبالغة بهذا الموضوع، أثر سلبا على كثير من النواب بالتصويت له".
وأضاف سند: "شخصيا غادرت جلسة الجولة الثالثة قبل قليل، وكفى الله المؤمنين شر القتال".
من جهته، قال المتحدث باسم حزب "تقدم" يحيى المحمدي عبر تدوينة على منصة "إكس" في 18 مايو، إن "الدستور نص على مبدأ الفصل بين السلطات والأعراف السياسية تنص على احترام مبدأ الأغلبية".
وتساءل: "هل هذه الثوابت أصبحت غير ملزمة؛ نلمس تدخلا واضحا من الحكومة باختيار رئيس البرلمان، وهذا يسجل خرقا صارخا للدستور ومبادئه".
ويأتي عقد الجولة الثانية لانتخاب رئيس البرلمان، بعد جولة أولى عقدت في 13 يناير/كانون الثاني 2024.
ولم يحصل أحد المرشحين على الأغلبية المطلوبة، ثم حدثت مشادات كلامية داخل قاعة البرلمان، ما اضطر رئاسة المجلس إلى رفع الجلسة وعدم انعقاد جولة ثانية.
وفي الجولة الأولى، حصل مرشح حزب "تقدم" شعلان الكريم على 152 صوتا من أصل 314 حضروا الجلسة، وسالم العيساوي على 97، ومحمود المشهداني حقق 47 صوتا فقط، قبل أن يعلن الأول في 17 أبريل، انسحابه من السباق الانتخابي لرئاسة البرلمان.
"فوضى متعمدة"
وعلى الصعيد ذاته، قال السياسي والنائب العراقي السابق، حامد المطلك، إن "الفوضى التي حصلت داخل البرلمان كانت متعمّدة للحيلولة دون الذهاب إلى جولة ثالثة، بعدما أوشكت أن تحسم الأمور باتجاه انتخاب سالم العيساوي رئيسا للمجلس".
وأوضح المطلك لـ"الاستقلال" أن "معظم زعماء الكتل السياسية لا تهمهم مصلحة مكوناتهم أو البلد بشكل عام، بل يفكرون فقط في مصالحهم الخاصة، وخير دليل أن كلا منهم متشبث بموقع معين، في وقت لم يبق من عمر البرلمان سوى سنة واحدة".
وأكد السياسي العراقي أنه "لا مبرر على الإطلاق لأن يتشبث شخص معين أو كتلة محددة بمنصب رئيس البرلمان، لأن مصلحة البلد والمكون تقتضي جلوس جميع الفرقاء، وخصوصا من المكون السني لاختيار شخصية واحدة يسند إليها كرسي رئاسة السلطة التشريعية".
ولفت إلى أن "بعض النواب الشيعة ذهب مع قرار زعامته، وآخرون اختاروا المرشح لرئاسة البرلمان وفقا لأجندتهم الخاصة، لذلك الكل مطالب بأن يضع نصب عينيه مصلحة البلد قبل أي شيء".
وأشار المطلك إلى أن "خلافات ممثلي المكون السني هي من فتحت المجال للآخرين بالتدخل في شؤونهم، وربما تعمّق هذه الخلافات بشكل أكبر خارج الإطار الوطني ومصلحة الوطن".
ورأى أن "السيناريو الأفضل للخروج من الأزمة، هو جلوس الأطراف المتصارعة لاختيار شخصية واحدة، وإذا لم يحصل هذا الشيء، فإن الفوضى ستستمر سنة أخرى، ويبقى المنصب شاغرا حتى الانتخابات المقبلة (تنتهي الدورة الحالية في أكتوبر/تشرين الأول 2025)".
من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، إن "حزب تقدم بقيادة الحلبوسي، هو من أفشل الجلسة من خلال افتعال الفوضى، وسط رضا شيعي من معظم قوى الإطار التنسيقي، لأن الشيعة ليسوا سواءً الآن من قضية حسم رئيس البرلمان، لكن النتيجة النهائية تخدمهم".
وأوضح المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الفوضى في البرلمان أكدت القناعة بأن الإطار التنسيقي يمضي إلى مزيد من تحطيم الصورة السياسية للبيت السني الواهية أصلا بسبب الخلافات الداخلية".
وأردف: "كذلك تهديم ما تبقى من سمعة البرلمان- الذي يحسب دوما على المكون السني على تقدير أن من يديره شخصية سنية-، وهذه كلها ندوب على جسد الدولة ليس من السهولة محوها".
إرادة شيعية
وفي مارس/آذار 2024، عقد محمد السوداني، اجتماعا مشتركا لقادة القوى السنية الرئيسة في البلاد (تقدم بقيادة الحلبوسي، السيادة بزعامة خميس الخنجر، العزم برئاسة مثنى السامرائي)، لاختيار شخصية واحدة لرئاسة البرلمان، لكنهم أخفقوا ولم يتوصلوا إلى نتيجة.
وفي الوقت الذي يصر فيه الحلبوسي على أن يكون المنصب من حصة حزبه، فإن الخنجر رفض التنازل عن ترشيح النائب سالم العيساوي، بينما رهن السامرائي، حسم المسألة بتوافق الأغلبية السنية، باتفاق مع الإطار التنسيقي الشيعي على المرشح الذي يتولى رئاسة البرلمان.
وعلى ضوء، فشل الاجتماع الذي رعاه رئيس الحكومة في التوصل إلى مرشح واحد، أعلنت ثلاث كتل سُنية (السيادة، العزم، والحسم الوطني) في 9 مارس، أنها قررت ترشيح النائب الحالي، سالم العيساوي، إلى منصب رئيس البرلمان خلفا للحلبوسي.
وأعلنت هذه القوى الثلاث مقاطعة جلسات البرلمان، لحين حسم انتخاب رئيس جديد للسلطة التشريعية، فيما جمعت كتلة "تقدم" في البرلمان تواقيع 91 نائبا لمطالبة المجلس بإضافة مادة للنظام الداخلي تتيح فتح باب الترشيح للمنصب في حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة.
في المقابل، يصرّح نواب عن قوى الإطار التنسيقي، بأنهم لن يحققوا النصاب في البرلمان لاختيار رئيس جديد، حتى تشارك القوى السنية في جلسة للتصويت على قانون لإخراج القوات الأميركية من البلاد، وقد تخلف عنها النواب السنة والأكراد وغالبية الشيعة، وبالتالي فإن الجلسة لم تنعقد.
وقال النائب عن "الإطار" فالح الخزعلي، في تدوينة على "إكس"، في 9 مارس، إن "أي شخص يطرح نفسه لرئاسة البرلمان إذا لم يتفق معنا لتشريع قانون إخراج القوات الأميركية، فإننا سنرفضه. للعلم قرار المحكمة الاتحادية ألزم محسن المندلاوي (رئيس البرلمان بالإنابة) بإدارة المجلس".
الخزعلي ذاته، غرّد في 10 فبراير/شباط، قائلا: "المندلاوي سيبقى رئيسا للبرلمان حتى نهاية هذه الدورة، وعلى القوى السنية التي تخلفت عن المضي في تشريع قانون إخراج القوات الأميركية من العراق ألا تفكر في الرئاسة. مثلما كسروا النصاب سنكسر رئاسة المجلس".
ووفقا للعرف السياسي السائد في العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، فإن منصب رئيس البرلمان ينحصر بشخصية من المكون السني، بينما يحصل الشيعة على رئاسة الحكومة، فيما تذهب رئاسة الجمهورية إلى القوى الكردية.