بعد قطيعة دامت 3 سنوات.. ماذا تعني استضافة نظام السيسي للدبيبة؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أن كان يصف حكومته بـ"منتهية الولاية"، ويرفض الاعتراف بها، استقبل النظام المصري رسميا رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة الذي التقى كبار المسؤولين، وسط تساؤلات حول أسباب هذا التحول في المعاملة.

زيارة الدبيبة إلى القاهرة بعد قطيعة تقرب من 3 سنوات تحمل عدة دلالات سياسية واقتصادية حتى وإن كان عنوانها المشاركة في مؤتمر الهجرة بجامعة الدول العربية، حيث تم استقباله رسميا واحتفت به حكومة نظام عبدالفتاح السيسي.

وصول الدبيبة في 3 يوليو/ تموز 2024 تزامن مع الاستغناء عن وزير خارجية نظام مصر السابق، سامح شكري، والذي لعب الدور الأبرز في رفض الاعتراف بحكومة الدبيبة.

ففي سبتمبر/أيلول 2022، انسحب شكري من اجتماع وزراء الخارجية العرب احتجاجا على تولي نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية السابقة في حكومة الدبيبة رئاسة الدورة رقم 158 للمجلس خلفا للبنان، بحجة أنها حكومة "منتهية ولايتها".

وتم تنصيب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، عبر عملية دعمتها الأمم المتحدة عام 2021، لكن برلمان طبرق لم يعد يعترف بشرعيتها، وقال الدبيبة إنه "لن يتنازل" عن السلطة لحكومة جديدة "دون إجراء انتخابات وطنية".

وحاول نظام السيسي وبرلمان طبرق الضغط على الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة أواخر 2021، بإعلان أن اتفاق تشكيل هذه الحكومة "انتهى زمنيا" ما يجعلها غير معترف بها، برغم أن برلمان طبرق أيضا انتهت مدته ولم يعد شرعيا.

تبادل مصالح

مصادر مصرية وليبية أوضحت لـ"الاستقلال" أن "مصالح متبادلة" ذات طبيعة اقتصادية وسياسية، فرضت هذا الترحيب المصري بالدبيبة، أبرزها عرض رئيس حكومة ليبيا حلولا لإنهاء إظلام مصر الذي يحرج سلطات النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي أمام الشعب.

فقد عرضت حكومة الدبيبة على مصر المساعدة في حل مشكلة انقطاع الكهرباء، وبحث رئيسها مع رئيس وزراء النظام المصري مصطفى مدبولي بالقاهرة في 4 يوليو/تموز 2024 تقديم الدعم اللازم لمصر في مجال الكهرباء، وفق وكالة الأنباء الليبية.

وأكد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة "الدبيبة" أنه تم خلال اللقاء الاتفاق على تبادل تقديم الدعم للبلدين، بحيث تساعد ليبيا مصر في مجال الكهرباء، والربط الكهربائي بين البلدين، مقابل مشاركة مصر في تنفيذ المشروع الوطني للصرف الصحي الليبي.

بجانب زيادة التعاون وتعزيز الاستثمار، وهو ما تحتاجه مصر التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية، وعقد معارض ومؤتمرات للصناعات المصرية والليبية، وتشكيل مجلس لرجال الأعمال المصريين الليبيين، تحت إشراف الحكومتين.

وكان آخر اجتماع للجنة العليا المصرية الليبية، انعقد في منتصف سبتمبر/أيلول 2021، بعدما تم استئناف عملها عقب زيارة مدبولي لليبيا في 20 أبريل/نيسان 2021، وتوقيع11 وثيقة تعاون في أكثر من مجال، لا سيما الاقتصاد.

ثم توقفت الاجتماعات، ولم تستكمل حينها، جراء انقسام ليبيا لحكومتين، إحداهما في شرق البلاد برئاسة أسامة حماد، وكلفها مجلس النواب، والثانية حكومة الدبيبة التي تدير غرب البلاد، ورفض القاهرة الاعتراف بالأخيرة.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، وقعت مصر وليبيا، عقودا لاستكمال مشروع الطريق الدائري الثالث في العاصمة طرابلس، تكلفة المشروع إلى 3.734 مليارات دينار ليبي (1 دولار = 4,78 دنانير ليبية).

وذلك بعد أن تعثرت شركات برازيلية، في تنفيذه بسبب الأحداث الأمنية التي بدأت عام 2011، ولم يكشف رسميا عن إلغاء تلك العقود.

أيضا جرى إبرام عقود تنفيذ وتوسعة طريق إجدابيا – جالو بطول 252 كيلومترا وطريق أوباري غات بطول 360 كيلومترا في الجنوب، وقال الدبيبة إنه استدعى لتنفيذها "نخبة الشركات المصرية".

دلالات الزيارة

في تعليقه على زيارة الدبيبة، أكد الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، علاء فاروق، أن من الدلالات السياسية لهذه الزيارة أن "النظام المصري يحاول إعادة التمركز والسيطرة والوجود في المشهد الليبي بتواصله مع كل الأطراف المحلية خاصة مع تراجع الزخم حول ملف تشكيل حكومة جديدة".

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "بالمقابل يحتاج الدبيبة وحكومته لداعم إقليمي قوي مثل مصر، وخسارتها تعني إضعاف العلاقة مع حلفاء القاهرة الإقليميين والدوليين وحتى الأطراف المحلية في الداخل الليبي، لذا عاد التواصل بين حكومتي ليبيا ومصر".

وتعليقا على تكهنات رفض السيسي لقاء الدبيبة، والاكتفاء بلقاء مدبولي له، قال فاروق إن السيسي والدبيبة مستفيدان من إعادة التواصل حتى وإن لم يلتقيا خلال هذه الزيارة.

ورأى أن زيارة الدبيبة للقاهرة واستقباله بحفاوة "بمثابة كسر الجليد" بين القاهرة وطرابلس وستعقبها زيارة رسمية للدبيبة يلتقي خلالها السيسي في قصر الرئاسة.

وكان آخر لقاء بين السيسي، والدبيبة، قد عُقد بالقاهرة في 17 سبتمبر/أيلول 2021.

وجاءت زيارة الدبيبة وقتها بعد يومين من استقبال السيسي رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح وخليفة حفتر الذي يحكم شرق ليبيا.

وفيها شدد السيسي على أهمية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المقرر بنهاية 2021، لكنها تعطلت.

وحول الدلالات الاقتصادية للزيارة، أوضح فاروق أنها تتلخص في حاجة كل من السيسي والدبيبة إلى إنعاش الاقتصاد المحلي عبر اتفاقات جديدة مع الشركات المصرية.

بحيث تستفيد الدولة المصرية من ضخ العملة الأجنبية من ليبيا، ويستفيد الدبيبة من استكمال مشروعات البنية التحتية غرب البلاد، وإتمام مشروعه "عودة الحياة" والذي يمكن توظيفه في الانتخابات المقبلة لصالحه.

ومن هنا جاء الاتفاق بين الدبيبة ومدبولي على تقديم ‎ليبيا الدعم اللازم لمصر في مجال الكهرباء بهدف استقرار شبكة الكهرباء في ‎مصر، وتنفيذ مصر مشاريع في ليبيا، ما يشير للرغبة في تبادل المصالح السياسية والاقتصادية بين الحكومتين.

مواقف متضاربة

تدرج موقف النظام المصري من حكومة الدبيبة بين الاعتراف ثم الرفض ثم الاعتراف عدة مرات، وفي كل مرة كانت مصر تعود للتقارب معه كان ذلك لأسباب اقتصادية في الأساس، وأخرى سياسية.

فقد اضطرت مصر للتعاون مع حكومة طرابلس، بعد وقوفها مع اللواء المتمرد خليفة حفتر خلال غزوه للعاصمة وفشله، وزار ليبيا أول وفد استخباري مصري في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020 برئاسة وكيل المخابرات العامة اللواء أيمن بديع.

وقيل حينئذ إن الزيارة كان لها عدة أهداف، أبرزها رغبة مصر في "استباق المزيد من التحريض الإماراتي على مغامرة عسكرية جديدة لحفتر"، حسبما قال مسؤول مصري مُطلع لموقع "مدى مصر" في 28 ديسمبر 2020.

لكن القاهرة عادت لتعلن عدم الاعتراف بحكومة الدبيية في سبتمبر 2022.

وقبلها في 30 أبريل/نيسان 2022، اندلعت حرب تغريدات شرسة بين رجل الأعمال المصري الموالي للسلطة نجيب ساويرس، والدبيبة على خلفية اتهام الأول للثاني بالتسبب في عدم استقرار ليبيا.

ساويرس انتقد الدبيبة لرفضه تسليم السلطة إلى وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا الذي اختاره برلمان طبرق رئيسا جديدا للوزراء، وتدعمه مصر.

وتزامنت هذه المعركة الإلكترونية مع تكهنات بدور سياسي يلعبه رجل الأعمال لصالح رئيس النظام المصري السيسي في ليبيا مقابل ضمان مشاريع اقتصادية حال تولي باشاغا السلطة.

وانقطعت بعد ذلك الاتصالات الرسمية بين الطرفين، قبل أن تعود عام 2023 لأسباب اقتصادية.

فرغم إعلانها في 6 سبتمبر/أيلول 2022 "انتهاء ولاية حكومة الدبيبة الشرعية"، وتأكيد وزير خارجيتها (السابق) سامح شكري في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022 أنها حكومة "غير شرعية ويجب عدم التعامل معها"، وفق صحف القاهرة، عادت مصر للتعامل مع الدبيبة.

ففي 17 مايو/أيار 2023 كشف المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، أن الدبيبة التقى مع "وفد مصري ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية" لبحث نتائج أعمال اللجنة المشتركة المصرية الليبية التي بدأت أعمالها عام 2021.

وقيل إن هدف اللقاء هو بحث "المشروعات التي ينفذها ائتلاف الشركات المصرية" في ليبيا، وتسهيل مصر منح التأشيرة للمواطنين الليبيين، "إضافة إلى جملة من الملفات ذات التعاون والتنسيق المشترك".

وشارك في هذا اللقاء بين وفد المخابرات المصرية والدبيبة، إبراهيم العرجاني رجل مليشيا قبائل سيناء الذي أصبح مسؤول بيزنس الجيش.

لكن كان من الواضح أن عودة مصر وبوفد من المخابرات للتواصل مع حكومة الدبيبة، له أسباب أخرى تتعلق بعودة القاهرة للتحرك في الملف الليبي، بعد عزل برلمان طبرق رئيس حكومة شرق ليبيا المنافس للدبيبة "باشاغا".

وجاء لقاء الدبيبة أيضا مع أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية، ليشير ضمنا لانفتاح الدبيبة مع خطط مصرية تم دفع الجامعة للتحرك باتجاهها لتوحيد شطري ليبيا وإقرار دستور للبلاد، وإجراء انتخابات عامة ورئاسية.

وفي 10 مارس/آذار 2024 أعلن رؤساء المجلس الرئاسي محمد المنفي، والأعلى للدولة محمد تكالة، ومقرهما طرابلس، والنواب في بنغازي، عقيلة صالح، الاتفاق على تشكيل "حكومة موحدة" بدل حكومة الدبيبة.

وتم اتخاذ القرار في القاهرة، تحت علم الجامعة العربية، ما يشير إلى دور القاهرة في "تعجيل التخلص من الدبيبة" الذي رفض النظام المصري الاعتراف بحكومته، رغم تعاملها معه تجاريا، لكن تعرقل تشكيل هذه الحكومة المنافسة للدبيبة لرفضه تسليم السلطة إلا بعد إجراء انتخابات في ليبيا.

ومع أن "مجموعة الأزمات الدولية" ترى أن تشكيل حكومة وحدة وطنية هو "أفضل رهان لليبيا لرأب الصدع"، إلا أنها تشير لعقبات كثيرة أبرزها وجود كيانين سياسيين مختلفين في ليبيا في الغرب والشرق، في إشارة لسلطة خليفة حفتر في الشرق. 

وأوضحت في تقرير 7 أغسطس/آب 2023 أن الدبيبة وأنصاره قد يرفضون إطاحته من منصب رئيس الوزراء دون إجراء انتخابات، ويمكنهم حشد حلفائهم المسلحين في طرابلس لإبقائه في السلطة. 

أيضا أشارت "مجموعة الأزمات الدولية" لعقبة أخرى تتعلق بالقوى الإقليمية والدولية التي تتدخل في ليبيا ولكل منها مصالحه المتضاربة التي سرعان ما تشل أي اتفاق يجري التوصل إليه لتقريب عقد انتخابات عامة وتحقيق الاستقرار في ليبيا.

وجاء استقبال مصر رسميا للدبيبة والحفاوة به هذه المرة الثالثة 4 يوليو 2024، بعدما أعلن أنه سيحل أزمتها في الكهرباء التي أدت لإظلام المدن المصرية 3 ساعات يوميا، وغلق المحال الساعة العاشرة مساء، ويضخ استثمارات لإنقاذ اقتصاد السيسي المنهار.