تايوان تلقن الصين صفعة قوية وحلم الوحدة يوشك أن يكون وهما.. ما القصة؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

منتصف يناير/ كانون الثاني 2024، أُعلن عن فوز وليام لاي تشينغ تي رئيسا لتايوان في انتخابات وصفها مراقبون بـ"التاريخية"، عززت مسارا للتباعد عن الصين على نحو متزايد.

وكما يذكر موقع "أتلانتيكو" الفرنسي، أثارت هذه الخطوة غضب بكين، التي أصدرت بيانا بعد وقت قصير من ظهور النتائج، أصرت فيه على أن "تايوان جزء من الصين".

وعلى الرغم من أن بكين دعت إلى "إعادة التوحيد سلميا"، إلا أنها لم تستبعد أيضا استخدام القوة، مصورة الانتخابات التايوانية على أنها خيار بين "الحرب والسلام".

ويتناول هذا التقرير نتائج هذا الوضع الجديد، الذي قد يسبب زيادة في توتر المنطقة المتوترة بالأساس، لافتا في الوقت ذاته إلى وضع الرأي العام التايواني، وانعكاسات نتائج الانتخابات على الصين ونفوذها.

الرأي العام التايواني

في البداية، يقول الموقع الفرنسي إن نتائج الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية تظهر لنا ثلاثة أشياء.

أولها شعور عدم ثقة تجاه الصين في تايوان، ثانيها أن غالبية التايوانيين لا يعارضون بشكل جذري التعاون -الاقتصادي على الأقل- مع الصين، وأخيرا هناك رفض للسياسيين والأحزاب التايوانية الكلاسيكية.

وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، يشير الموقع إلى ما حدث في الأيام الأخيرة لحملة حزب "الكومينتانغ"، الحزب الأكثر تأييدا للتقارب مع الصين. 

لافتا إلى أن استطلاعات الرأي المختلفة التي أُجريت في عام 2023 لمحت بوجود انتخابات متقاربة، كما أظهرت أن حزب "الكومينتانغ" كان قادرا على اللحاق بويليام لاي، الذي تقدم بنقطتين أو ثلاث نقاط فقط.

وأوضح الموقع أن التايوانيين تعرضوا في الأيام الأخيرة -بفضل النشاط الصيني على شبكات التواصل الاجتماعي- لوابل من الأخبار الكاذبة المعادية للاي. 

كما أعلن ما ينج جيو، آخر رئيس من حزب تشيانج كاي شيك، في وسائل الإعلام أنه يؤيد إعادة توحيد شطري الصين، ومع ذلك ارتفعت صرخات احتجاج ضخمة في تايوان.

وهذه الاحتجاجات القوية منعت المرشح هو يو إيه -مرشح حزب "الكومينتانغ"- من دخول الاجتماعات السياسية الأخيرة، خوفا من ربطه بهذه التصريحات المثيرة للجدل. 

أما بالنسبة للقضية الثانية، يشير الموقع إلى أنه "حتى لو كان التايوانيون لا يريدون أن يسمعوا عن إعادة التوحيد ولا يريدون أن يواجهوا نفس المصير الذي واجهته هونغ كونغ، فإنهم لا يعارضون التعاون الاقتصادي مع الصين. 

ولهذا السبب، ذهب أكثر من 50 بالمئة من الأصوات إلى حزب "الكومينتانغ" وحزب "الشعب" التايواني، وهما الحزبان اللذان يفضلان التعاون والمناقشات مع بكين. 

ونتيجة الانتخابات، يلفت الموقع إلى أنها أسفرت عن مجلس تشريعي دون أغلبية واضحة لأي حزب، لكن حزب "الكومينتانغ" و"الشعب" التايواني يتمتعان معا بأغلبية مطلقة. 

ولأن قوة هذه الأحزاب المؤيدة للمناقشات مع بكين كانت لافتة للنظر، فإن هذا سيمثل -بحسب الموقع- صداعا للرئيس المنتخب، الذي سيضطر إلى التعامل مع هذا البرلمان المنقسم، مثل سكان تايوان.

وأخيرا، بالمجيء إلى القضية الأخيرة، يبرز "أتلانتيكو" أن ظهور حزب "الشعب" التايواني كان ملحوظا خلال هذه الحملة وعكس تغيرا عميقا في الرأي التايواني. 

فقد قدم الحزب كو وين جي، عمدة تايبيه السابق، مرشحا في الانتخابات الرئاسية لأول مرة في تاريخه. 

وحصل كو على أكثر من 26 بالمئة من الأصوات، وهو ما يشكل حدثا تاريخيا نظرا لأن نظام الحزبين هو الذي نظم الحياة السياسية التايوانية منذ ظهور الديمقراطية. 

وفي اليوان التشريعي، حصل حزب "الشعب" على 8 مقاعد، مما سيجعله بلا شك "صانع الملوك" التالي.

ويلفت الموقع إلى أن كو، الوافد الجديد على الساحة السياسية الوطنية، برز بخطابه الصريح ذي النغمات الشعبوية الذي استطاع أن يغري العديد من التايوانيين الذين يشعرون بخيبة الأمل من الأحزاب التقليدية. 

ولأن التايوانيين لا يريدون حدوث المزيد من التوترات، ولا يريدون التخلي عن الديمقراطية أو حرياتهم في نفس الوقت، يؤكد الموقع أن حزب "الشعب" -الذي وعد بالتعاون الاقتصادي مع الصين مع الحفاظ على سياسة أمنية واضحة وصارمة- تمكن بالفعل من استمالتهم.

هل خسرت الصين في الانتخابات؟

بشأن وضع الصين بعد نتائج الانتخابات الأخيرة في تايوان، يقول "أتلانتيكو" إنه "من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت الصين ستزداد قوة بعد الانتخابات، ومن غير الممكن التأكد من ذلك إلا بعد أن يتولى لاي منصبه في العشرين من مايو/ أيار 2024". 

وفي غضون ذلك، يؤكد الموقع الفرنسي أنه "لم يكن أحد في بكين يريد انتخاب لاي رئيسا، حيث لا يزال يُنظر إليه على أنه مثير للمشاكل، وأنه ليس مؤيدا للصين الشيوعية".

وبهذا الشأن، يشير الموقع إلى أنه "خلال حملته الانتخابية، وضع ويليام لاي نفسه تحت رعاية تساي إنغ ون، الرئيسة الحالية، مدعيا أن التصويت له سيكون مثل التصويت لتساي للمرة الثالثة".  

ويلفت الموقع إلى أن الأخيرة "تحظى بشعبية كبيرة في الجزيرة، رغم أن التوترات مع بكين في ظل رئاستها كانت هي الأعلى منذ ثلاثة عقود، أي منذ أزمة مضيق تايوان الثالثة". 

وبالتالي، يتكهن الموقع أن "رئاسة لاي قد تثير القلق في بكين، مع العلم أنه كان أكثر حزما في بعض النقاط، وأبرزها العلاقة مع الولايات المتحدة، والتي يريد تكثيفها". 

وكل هذا -بحسب الموقع الفرنسي- دفع الصينيين إلى محاولة تصوير ويليام لاي كـ "ديكتاتور مستقبلي مؤيد للحرب"، من خلال بث مقاطع فيديو كاذبة على الإنترنت على سبيل المثال. 

لذا، يصف الموقع فوز لاي بأنه بمثابة "حمام بارد" لبكين، في حين فشل مرشحها المفضل هو يو إيه.

ومع ذلك، يشير الموقع إلى أن لاي يتعين عليه أن "يتحمل برلمانا لا يملك السيطرة عليه"، لافتا إلى أن "هذا الوضع غير مسبوق في تاريخ تايوان ويمكن أن يسعد بكين". 

من ناحية أخرى، يعتقد الموقع الفرنسي أنه "من الضروري بالنسبة لـ"لاي" أن يتعلم كيفية تقديم التنازلات والتحالف مع الأحزاب الأخرى في البرلمان حتى يتمكن من الحكم".

وهذا من شأنه أن يمنعه من تبني خط واضح، وبالتالي من معارضة الصين بشكل مباشر، وفق الموقع. 

وبالتالي، يؤكد "أتلانتيكو" في النهاية أن "بكين ليست هي الخاسرة في القصة، بل قد تبدو في بعض الجوانب هي الأكثر تمكنا وربحا". 

موقف الصين بعد الانتخابات

بالنسبة لرد الفعل الصيني على فوز لاي في الانتخابات، يسرد الموقع الفرنسي توقعاته على المديين، القصير والطويل.

ويدعي أنه "على المدى القصير، لن يكون هناك رد محدد من الصين، التي ستواصل الضغط الاقتصادي والإكراه العسكري".

ولأن ويليام لاي لن يتولى منصبه قبل مايو/ أيار 2024، فإن الصينيين ليس لديهم مصلحة في التعجل وسوف يستغلون هذا الفراغ في السلطة. 

بالإضافة إلى ذلك، يلفت الموقع إلى أن "الولايات المتحدة، الداعم الرئيس للجزيرة، دخلت عاما انتخابيا صعبا، مما يعني أنها لن تكون مهتمة حقا بمضيق تايوان".

وكما يوضح "أتلانتيكو"، "من المستحيل حدوث أي تصعيد أبدا دون تدخل أميركي، وهو ما يعني أن لاي لن يتحرك كثيرا لعدم قدرته على الاختباء خلف الأميركيين إذا ساءت الأمور". 

ومن جانبه، يؤكد الموقع أن "الصين ستواصل مناوراتها العسكرية وتدخلاتها في الفضاء التايواني وعقوباتها الاقتصادية -التي تم الإعلان عن آخرها في ديسمبر/ كانون الأول 2023- دون تجاوز الخط الأحمر".

أما على المدى الطويل، يضع الموقع الفرنسي خيارين ممكنين؛ التقارب السلمي أو إعادة التوحيد بالقوة. وبحسب رأيه، فكلا الخيارين محتمل بنفس القدر. 

وبالعودة إلى ما قبل الانتخابات، يشير الموقع إلى أن الخيار العسكري كان هو الأكثر ترجيحا عندما كانت التوترات بين الطرفين في أعلى مستوياتها. 

ولكن في مواجهة هذه النتائج الانتخابية، وبعد استعادة الخيار السلمي قوته، من المرجح -من وجهة نظر الموقع- أن تختار بكين ممارسة اللعبة الطويلة.

ويشير الموقع إلى أن هذا التقارب من الممكن حدوثه لأن التايوانيين سيدركون أنهم بحاجة إلى الصين. 

"ولكن رغم ذلك، فإن تايوان لن تستسلم أبدا وستبدو أكثر تهديدا، وسوف يتخذ الخيار العسكري شكل أزمة مضيق تايوان الرابعة متحولا بسرعة إلى غزو"، وفق الموقع الفرنسي. 

وبهذا الشأن، يشير الموقع إلى ما صرح به الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلا إنه "يريد أن يتمكن جيش التحرير الشعبي من غزو الجزيرة المتمردة في عام 2027". 

وهنا، يلفت إلى كون ذلك العام رمزيا للغاية، لأنه يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي، والأهم من ذلك أنه يتزامن مع العام الأخير من ولاية شي جين بينغ. 

وبحسب الموقع، "يعتزم الإمبراطور الأحمر الحصول على ولاية جديدة خلال المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي الصيني في عام 2027، وسيريد تحقيق نجاح كبير يسير في اتجاه استعادة العظمة الصينية".