"تعتيم الشمس".. كيف يهدد مشروع بيل غيتس الحياة على وجه الأرض؟
"الإنسان هو السبب الأول في تدمير جميع أشكال الحياة على وجه الأرض"
أصوات علمية دولية تحذر بصوت أكاديمي عالٍ من مشروع أميركي علمي يُعرف بـ"تعتيم الشمس" ويهدف إلى مكافحة الاحتباس الحراري الذي يهدد مستقبل الكوكب.
و"تعتيم الشمس" هو مشروع علمي أطلقته "جامعة هارفارد" الأميركية، هدفه حجب الشمس باستخدام تقنية رش ملايين الأطنان من غبار كربونات الكالسيوم في الطبقة العليا من الغلاف الجوي، وذلك في محاولة لتخفيف أشعة الشمس القوية وتبريد الأرض.
تعتيم الشمس
وفي 19 أبريل/ نيسان 2024، حذر العالم الهولندي الشهير، فرانك هوغربيتس، المتخصص في رصد الزلازل وربطها بتحركات الكواكب والأجرام السماوية، من مشروع "تعتيم الشمس" الأميركي بدعم من الملياردير والمؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، بيل غيتس.
وقال هوغربيتس في تغريدة عبر منصة إكس: “أعتقد أن (الاحتباس الحراري) سببه البشر، وليس الشمس.. إذا استمرت خطط بيل غيتس (صاحب لقب أغنى رجل في العالم لمدة 20 عاما)، فسيتسبب ذلك في نهاية المطاف في كارثة ومرض عظيم”.
وشدد على أن "الأرض وكل أشكال الحياة عليها تعتمد كليا على الشمس والمسافة المحددة للأرض إليها".
وبحسب تقرير مجلة "ديلي ميل" البريطانية، خصص غيتس مبلغ 300 ألف دولار للشركة المشرفة على مشروع "حقن السحب".
كما دعم المشروع الذي تقوده "جامعة هارفارد" لرش كربونات الكالسيوم في الغلاف الجوي فوق السويد، لكن تم التخلي عن الفكرة في مرحلة مبكرة بعد احتجاجات من مواطنين سويديين.
وذكرت المجلة أنه مازال يعمل الباحثون في مشروع "تعتيم الشمس" على اختبار ما وصفوه بعملية "حقن السحب" فوق المحيطات بقطرات صغيرة لجعلها أكثر سطوعا.
وذلك من خلال رش الغلاف الجوي الطبقي بملايين من رذاذ أو غبار الكبريتات الذي يحمله الهواء كواقٍ من الشمس، فيعكس البعض من أشعة الشمس والحرارة إلى الفضاء، ويحمي الأرض من تداعيات ارتفاع حرارة المناخ.
ويسعى الباحثون الذين يواصلون دراسة إمكانية تبريد درجة حرارة الأرض إلى إحداث ذلك دون التسبب في حدوث تأثير عكسي على تغير المناخ.
تاريخ الفكرة
لا يعد الحديث عن الهندسة الجيولوجية للشمس وفكرة تعتيمها حديثا جديدا، فقد كان الرئيس الأميركي السابق ليندن جونسون (حكم من 1963 إلى 1969)، أول من أشار إليه في منتصف ستينيات القرن الماضي.
وكان سبب إشارته يرجع إلى التقرير المرجعي الصادر عام 1965 تحت عنوان "استعادة جودة بيئتنا" الذي أعدته اللجنة الاستشارية العلمية التابعة للرئيس جونسون نفسه.
وحذرت اللجنة من الآثار الضارة لانبعاثات الوقود الأحفوري، وإمكانية مواجهة ذلك بتعمد إحداث تغيرات مناخية تعويضية، بما فيها "رفع وضاءة أو انعكاسية الأرض".
ووصل الأمر أن اقترح العالم إدوارد تيلر (فيزيائي أميركي مجري الأصل)، وآخرون عام 1997، إلى إجراء بحث عن الجسيمات العاكسة ونشرها، والحد من الإشعاعات الشمسية القادمة، بالتالي إلغاء آثار حرق الوقود الأحفوري.
ومع ذلك فإن ما حدث عام 1991 كان نقطة انطلاق في مسيرة تلك التقنيات المثيرة للجدل، حيث وقع ثاني أكبر ثوران بركاني في القرن عندما ثار بركان جبل "بيناتوبو" في الفلبين.
وأدى الثوران إلى إطلاق أطنان من الرماد والغاز صوب الغلاف الجوي، مع تحركها لمسافات بعيدة ما أسفر عن تبريد الأرض بنحو نصف درجة مئوية في الأشهر التالية، الأمر الذي أثار دهشة العلماء في حينه.
ومع تفسير الحدث يمكن معرفة السبب، حيث عكست جزيئات صغيرة في الهواء تسمى "الهباء الجوي"، جراء ثوران البركان مزيدا من أشعة الشمس إلى الفضاء مقارنة مع الظروف العادية.
وأدى ذلك إلى انخفاض ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ما جعل بعض من العلماء يرون أن هناك إمكانية لتقليد هذا الأمر بشكل مصطنع عن طريق حقن جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير، بمعنى إدخال رذاذ الكبريت في الستراتوسفير على بعد ما بين 15 و50 كيلومترا فوق سطح الأرض، وذلك تحديدا ما ينطبق مع هندسة "تعتيم الشمس".
وكان ثوران بركان الفلبين مدعاة للتفكير في طريقة مشابهة للتخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري.
حقائق مفزعة
ونقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية عن خبراء من مركز القانون البيئي الدولي القول إن “المشكلة الرئيسة في تعتيم الشمس أنه ”يمثل مجموعة من التجارب غير قابلة للاختبار ولا يمكن السيطرة عليها".
وذكرت الصحيفة في 20 أبريل 2024 أن “تكاليف تمويل مثل هذه التكنولوجيا ستصل إلى بضعة مليارات من الدولارات في السنة الواحدة”.
وناقشت جمعية الأمم المتحدة للبيئة في 10 مارس/ آذار 2024، مدى أهمية أو خطورة تقنية "تعتيم الشمس".
وخلص عدد كبير من العلماء خلال الجلسات النقاشية إلى أن “هذا المشروع يهدد بالمزيد من زعزعة استقرار النظام المناخي المضطرب بالفعل”.
ودعت جماعة العلماء المعارضة للمشروع إلى "وقف أي فكرة لتعديل الإشعاع الشمسي، لأن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان يشكل بالفعل تجربة سيئة على مستوى الكوكب، ولسنا في حاجة إلى تجربة أخرى".
وحددوا المخاطر المحتملة التي تشكلها هذه التقنيات، ومنها التأثيرات غير المتوقعة على المناخ وأنماط الطقس، وفقدان التنوع البيولوجي على الكوكب، وأيضا تقويض الأمن الغذائي، عن طريق الحد من الضوء وزيادة الملوحة على الأرض.
وخلصوا إلى أن الأمر يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان عبر الأجيال بما في ذلك، نقل مخاطر هائلة لمواجهة المتغيرات المناخية الجذرية إلى الأجيال التي ستأتي بعدنا، حيث سيكونون عرضة أكثر للزلازل والبراكين والعواصف، وفوق ذلك أمراض غير محسوبة ولا معروفة.
التحدي الأعظم
وفي عام 2022، وقع أكثر من 500 عالم من 61 دولة على رسالة مفتوحة تدعو إلى اتفاقية دولية لعدم التلاعب في نظام الطاقة الشمسية أو استخدامها في الهندسة الجيولوجية.
وذكرت الرسالة أنه بصرف النظر عن أنواع المخاطر، فإن التقنيات المقترحة تفتقد إلى نظام حوكمة عالمي لتنظيم نشرها بشكل عادل وفعال، إضافة إلى تهديدها المباشر للكوكب المضطرب.
وقالت رسالة العلماء إن "تغير المناخ هو التحدي الأعظم الذي يواجه البشرية، وكانت الاستجابات العالمية غير كافية على الإطلاق".
وأضافت: "لا ينبغي للبشرية أن تسعى إلى الانحرافات الخطيرة التي لا تفعل شيئا لمعالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ، والتي تأتي مع مخاطر لا حصر لها، ومن المرجح أن تؤدي إلى تأخير العمل المناخي الفعال لإنقاذ مستقبل البشرية".
وفي تقريرها عن تقنية "تعتيم الشمس" الصادر في 22 نوفمبر/ تشرين الأول 2022، ذكرت صحيفة "نيويوركر" الأميركية، أن "أحد المخاوف هو أن انتشار الغبار في طبقة الستراتوسفير قد يؤدي إلى إتلاف طبقة الأوزون التي تحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الخطرة التي يمكن أن تلحق الضرر بالحمض النووي البشري وتسبب السرطان".
وأضافت أنه "من الناحية النظرية، سيشكل الغبار المحمول جوا مظلة شمسية عملاقة بطريقة مشابهة لكسوف الشمس، مما يعكس بعضا من أشعة الشمس والحرارة إلى الفضاء مما يؤدي إلى تعتيم تلك التي تمر عبرها وبالتالي حماية الأرض من ويلات الاحتباس الحراري المتفاقمة".
واختتمت الصحيفة بالقول إن "علماء المناخ يشعرون بالقلق أيضا من أن مثل هذا الترقيع يمكن أن يعطل عن غير قصد دوران تيارات المحيط التي تنظم طقسنا، وهذا في حد ذاته يمكن أن يطلق العنان لتفشٍّ عالمي للأحداث المناخية المتطرفة التي قد تدمر الأراضي الزراعية، وتمحو أنواعا بأكملها وتعزز انتشار الأوبئة".
المصادر
- كوارث وأمراض.. راصد الزلازل الهولندي يحذر من مشروع لتعتيم الشمس
- Could dimming the sun save the Earth? Bill Gates wants to spray millions of tonnes of dust into the stratosphere to stop global warming... but critics fear it could trigger calamity
- Dimming the Sun to Cool the Planet Is a Desperate Idea, Yet We’re Inching Toward It
- هل ينقذ تعتيم الشمس الكرة الأرضية من الاحترار؟
- مشروع تعتيم الشمس.. العلماء يرفضون ويحذرون من عواقب خطيرة