سياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية بغزة تنذر بـ"مصائب عالمية" قريبا.. كيف؟
"الغالبية العظمى من سكان فلسطين لا يعرفون شيئا عن الأيديولوجية النازية"
بعد سرد يوضح المجازر التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي بحق قطاع غزة، وسط تواطؤ أميركي وغربي، تتحدث مجلة فرنسية عن الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالسلم والأمن الدوليين.
وفي ضوء ذلك، تدعي مجلة "جون أفريك" أن تصرفات الكيان الإسرائيلي تساعد على "تطرف" ملايين الشباب العرب في جميع أنحاء العالم وتدفع الأزمة بالشرق الأوسط إلى مزيد من الاستفحال.
أرقام مرعبة
وتبدأ المجلة تقريرها بالنقل عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنه خلال 200 يوم من العدوان على غزة، تسبب الاحتلال الإسرائيلي في مقتل حوالي 42.510 فلسطينيا، من بينهم 10.091 امرأة و15.780 طفلا.
وتضيف أن ما لا يقل عن 869 من العاملين في مجال الرعاية الصحية و136 صحفيا قُتلوا، في حين دُمرت أكثر من 300 منشأة صحية و177 مقرا إعلاميا.
وبحسب هذه البيانات، تخلص المجلة إلى أن عدد الفلسطينيين الذين يُقتلون يوميا يصل إلى 212 شهيدا، بينهم 50 امرأة و79 طفلا.
وهذه الأرقام هي الأكثر إثارة للرعب من بين الأرقام التي سُجلت على الإطلاق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة أن عدة آلاف من القتلى مازالوا تحت الأنقاض وآلافا آخرين في عداد المفقودين.
حتى إن الولايات المتحدة عادت إلى عاداتها القديمة فيما يخص استخدام حق النقض ضد طلب العضوية الكاملة والشاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وهو ما يبرر الحصول على صفة "مراقب".
وبنبرة مستهزئة وفي إشارة إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون، تقول المجلة: "لا يبدو أن الوضع يحرك برنارد هنري ليفي، هذا الفيلسوف "المدافع عن القضايا العادلة"، والذي يعد جيش الدفاع الإسرائيلي "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"".
وتكمل موضحة أن "هذا الجيش الأخلاقي يفتح النار على المدنيين ويدمر الجامعات والمستشفيات".
علاوة على أن المسؤولين العسكريين يعرضون بلا خجل الحساب الدنيء للحصص الغذائية اللازمة للبقاء على قيد الحياة".
فبحسب السلطات الإسرائيلية، تم تعيين الحصة اليومية اللازمة لتجنب سوء التغذية هي 2500 سعرة حرارية للرجال و2000 سعرة حرارية للنساء.
واستنادا إلى هذه الحسابات الهزلية، كما تقول المجلة، استنتجت إسرائيل أنه يتعين عليها السماح بدخول 106 شاحنات فقط محملة بالأغذية والسلع الأساسية الأخرى كل يوم، مقارنة بـ 400 شاحنة طلبتها وكالات الإغاثة الإنسانية.
التزام أخلاقي
على جانب آخر، تسلط المجلة الفرنسية الضوء على "وجود فجوة كبيرة من عدم التفاهم بين الغرب والعالم العربي".
حيث لا يدرك الأول إلى الآن أن "القضية الفلسطينية هي قضية مركزية بالنسبة للعرب في جميع أنحاء العالم، حتى لو أظهرت حكوماتهم الجبن".
وهنا، تشدد "جون أفريك" على حقيقة أن "أي عربي لا يمكن أن ينعم بالسلام طالما ظلت حقوق الشعب الفلسطيني منتهكة".
واصفة ذلك بأنه "التزام أخلاقي وسياسي وعاطفي، يتجاوز حد الرحمة الإنسانية الطبيعية".
وفي هذه النقطة، تطرح المجلة الفرنسية تساؤلا: "كيف لنا أن نجعل الغربيين يفهمون أن التاريخ بالنسبة للعرب لم يبدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل في عام 1948، عندما هُجر 750 ألف فلسطيني من أرضهم ليحل محلهم يهود من أوروبا؟".
وفي هذا السياق، تخلص المجلة إلى حقيقة أن "الفلسطينيين يُجبرون على دفع ثمن جرائم لم يرتكبوها في الماضي في أوروبا".
والواقع -من وجهة نظرها- أن الغالبية العظمى من سكان فلسطين لا يعرفون شيئا عن الأيديولوجية النازية.
ولذلك، في رأي المجلة الفرنسية، فإن التذكير المنتظم بمعاناة اليهود في أوروبا لا يلقي الضوء على الفلسطينيين، بل إنه يثير اشمئزاز وغضب الغربيين لا أكثر.
وفي الوقت نفسه، تلفت المجلة إلى أن التذكير بما حدث لليهود لا يشعر العرب بالمسؤولية أو الذنب تجاه هذه الكوارث، إذ لم يعيشوا الهولوكوست ولم يُعلموا به.
وبحسب المجلة كان هذا هو الحال لفترة طويلة بالنسبة للغربيين أيضا، إذ لم يعلم كثيرون إلا في عام 1985، من خلال فيلم "المحرقة" لكلود لانزمان، عن الفظائع التي وقعت في بلادهم، وأحيانا في محطة قطار كانوا يزورونها يوميا منذ طفولتهم.
سياسة الأرض المحروقة
وبناء على ما ذكرته، تقول المجلة الفرنسية إن "الأمر لا يتعلق بالتشكيك في الفظائع التي عانى منها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. بل على العكس من ذلك، لكي يتمكن الفلسطينيون من فهم نظرائهم، يتعين عليهم أن يعلموا الأطفال في المدارس كافة ما عاناه اليهود الأوروبيون".
ومن غير المتوقع -في رأي المجلة- أنه بعد ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لا يدرك قادة العالم بعد أن الجناة الوحيدين في هذه الحرب هم المنتصرون، ليس في غزة فقط، بل في كل الدول العربية.
وهنا، تتساءل "جون أفريك": "كيف لا يستطيع العالم أن يرى أن إسرائيل، من خلال معاقبة الأبرياء وارتكاب المجازر وتجويع السكان وقطع المياه والكهرباء عن المدنيين -حتى قبل الصراع- وتشريد مليوني شخص، تتسبب في تطرف ملايين الشباب العربي؟".
وبهذا الخصوص، تقول المجلة إنها "ترفض تصديق أن الإستراتيجيين الإسرائيليين أعماهم الغضب ولا يدركون تأثير هذه الفظائع على الرأي العام العالمي الثائر، من كوالالمبور إلى بوغوتا، مرورا بلندن وبرلين وإسطنبول وروما ونيويورك وديترويت وسان فرانسيسكو، وحتى تل أبيب".
وتذهب إلى أن "اتهام كل هؤلاء الذين يعارضون هذه الحرب بمعاداة السامية يشكل في حد ذاته إهانة للذكاء البشري".
وهو ما وصفته بـ"الطريق المختصر" الذي لا يسمح بمحاربة هذا الخطر المتزايد للتطرف، والذي يتزايد بشكل مقلق.
وفي النهاية، تؤكد المجلة الفرنسية على أن سياسة الأرض المحروقة هذه تنذر بمصائب كبيرة قادمة في هذا العالم.
وتقول إنه من الصحيح الآن الاعتراف بشكل عاجل بحق الشعب الفلسطيني في أرض ودولة وحدود آمنة.
ويجب على القادة الغربيين أن يفهموا ذلك، وأن يصححوا هذا الظلم باسم الإنسانية البسيطة، وكذلك باسم مصالحهم المستقبلية.
وعلى العكس من ذلك، تحذرهم المجلة من أنهم "سيكونون أول من يتحمل المسؤولية الثقيلة أمام محكمة التاريخ".