اتهامات بـ"الخيانة".. كيف سيطرت مليشيا الدعم السريع على "ود مدني"؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

خلال ديسمبر/ كانون الأول 2023، نفذت مليشيا الدعم السريع انتهاكات مروعة وصادمة في مدينة "ود مدني" عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان.

وعلى مدار أيام كانت المعارك تشتعل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أو "مليشيات الجنجويد" على تخوم "ود مدني"، ثاني أكبر المدن في البلاد، وأحد روافدها الاقتصادية المهمة. 

المفاجأة حدثت في 18 ديسمبر، عندما أصدر الجيش السوداني بيانا بانسحاب قوات رئاسة الفرقة الأولى من المدينة.

فيما نشرت حسابات قوات الدعم السريع على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر خلاله بعض عناصرها داخل "ود مدني".

كانت المفاجأة مذهلة على أهالي المدينة السودانية الذين يقدر عددهم بنصف مليون، إضافة إلى قرابة 300 ألف نازح كانوا قد لجأوا في السابق إلى "ود مدني" بوصفها آمنة مطمئنة تحت حماية الفرقة الأولى مشاة من الجيش السوداني بقيادة اللواء أحمد الطينسخب. 

وهو ما فتح باب التساؤلات عن مصير السودان كدولة ونظام، وهل هناك خيانة حدثت حتى تسلم المدينة؟ وأين قادة الجيش؟ ولماذا سمح للجنجويد باقتحام "ود مدني" على هذا النحو؟ وما التوقعات المستقبلية لنتائج هذه الحادثة؟ 

اغتصابات وتهجير 

ظهر مدى ضعف الدولة وتردي الوضع في أنه بعد ساعات من سيطرة الجنجويد على "ود مدني"، انتشرت شهادات مروعة من نساء سودانيات عن تعرضهن لانتهاكات وصلت إلى القتل والاغتصاب.

وفي 20 ديسمبر 2023، نشرت وسائل إعلام سودانية مثل صحيفة "النيلين" المحلية، شهادات مروعة لنساء سودانيات. 

أكدن من خلالها أن عناصر المليشيات لا تبحث عن السرقة والنهب فقط، وإنما تطال يدها السيدات والشابات في المدينة ويعملون على اغتصابهن بشكل جماعي، وتصويرهن بشكل مهين بغرض إخضاع أهلهن وإذلالهم.

ونقلت الصحيفة عن مريم ذات الـ 21 عاما: "أصبحنا معتادين ومستسلمين لواقع أن الاغتصاب ما هو إلا مسألة زمن، وأصبحنا نبحث عن طرق للوقاية ومنع الحمل، بعد حدوث الجرم بحقنا بدلا من البكاء".

وبينت أن الاغتصاب يحدث لهن بشكل جماعي من مليشيا الدعم السريع، إذ يتناوب الجنود على جسد الضحية، "لما يجدون في ذلك من القوة وإثبات فحولتهم".

وبعيدا عن الاغتصاب، قالت الأمم المتحدة في 21 ديسمبر إن القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أجبر ما يصل إلى 300 ألف شخص على الفرار من منازلهم في ولاية "الجزيرة" ومدينة "ود مدني" التي كانت ملاذا آمنا للعائلات النازحة بسبب الصراع المدمر بين القوتين. 
 


طعنة جلية 

على صعيد آخر وأمام تلك السيطرة على المدينة وما حل بها على يد الجنجويد، بدت حالة من الاستنكار في الشارع السوداني. 

وتساءل سياسيون وناشطون عن كيفية اقتحام المليشيا المدينة مع العلم أن جميع تحركاتها معلومة للجيش والمخابرات، فلماذا لم يجر استهدافهم بالطيران الحربي مثلا؟ 

وهو ما حدث في مدن مهمة مثل العاصمة الخرطوم والنيل الأزرق وبورتسودان، إذ جرى استخدام سلاح الطيران لمنع سقوط تلك المدن.

كما استفسر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب انسحاب قائد الفرقة أحمد الطيب وضباطه دون مقاومة تذكر.

وهل جرى انسحابهم بتعليمات من القيادة العسكرية أم أن قائد الفرقة خالف التعليمات وانسحب؟

كما اتهم بعض المتابعين قائد الفرقة وضباطه بالخيانة العظمى، وطالبوا بمحاكمته علنيا ومعرفة أسباب انسحابه دون مقاومة.

وهو ما أكده رئيس تحرير صحيفة "المجهر" الصحفي السوداني هندي عز الدين، عندما كتب عبر حسابه بمنصة إكس: "انسحاب قائد الفرقة الأولى مشاة وضباطه من مدني، دون قتال مع ترك السلاح والذخيرة في مخازن الفرقة، خيانة عظمى وطعنة نجلاء (جلية) في خاصرة الشعب قبل الجيش".

وأضاف: "هذا عار لن يغسله سوى تحرير مدني وطرد الجنجويد وقائدهم المجرم (محمد حمدان دقلو)". 

قلب السودان

ولا يمكن النظر إلى سيطرة قوات "حميدتي" على "ود مدني" على أنه حدث عابر في الصراع الدموي الدائر بينه وبين الجيش منذ أبريل/نيسان 2023. 

وبعد سقوط المدينة الإستراتيجية في يد مليشيا الدعم السريع، تحدث موقع "الحرة" الأميركي في 20 ديسمبر، عما أطلق عليه "تغير معادلة الصراع في السودان". 

وأورد أن "منطقة ود مدني كانت قاعدة عسكرية ينطلق منها الجيش السوداني، لمهاجمة قوات الدعم السريع في الخرطوم، ما جعلها هدفا عسكريا".

وأشار إلى أن "الجيش السوداني لم ينسحب لكنه تلقى هزيمة عسكرية، ونجحت قوات الدعم السريع في الاستيلاء على ود مدني".


واستند الموقع في تحليله إلى هروب قادة الجيش السوداني وبعض الجنود من ود مدني، وملاحقتهم في مناطق الجوار. 

وأشار إلى مدى الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لمدينة ود مدني، لكونها تربط عددا كبيرا جدا من ولايات سودانية.

وذكر الموقع الأميركي أن الوجود في مدينة ود مدني عني السيطرة على قلب السودان، لكن النقطة الأخطر أن قوات الدعم السريع لم تكتف ببسط سيطرتها الكاملة عليها.

فقد شكلت قوى أمنية لحماية المؤسسات المهمة، ما يعني أنها حلت محل الدولة السودانية المحكومة من قبل الجيش وشكلت دولة موازية لها إدارتها الخاصة. 

تطور الجنجويد 

تلك الحالة الصعبة التي وصل إليها السودان بمؤسساته خاصة العسكرية والاستخباراتية، أعاد إلى الواجهة كيفية صعود مليشيا الدعم السريع وبلوغ هذه القوة وجرائمها السابق.

وتطورت مليشيا "الجنجويد"، إذ باتت تعد اليوم قوة موازية للجيش النظامي، تعدادها يصل إلى 100 ألف مقاتل مجهزين بأسلحة حديثة.

وبعد القتال المستعر الذي اندلع بينهم وبين الجيش، عاد للأذهان ما قاله الجنرال بالقوات المسلحة السودانية، ياسر العطا، إنه "لا يوجد دولة ديمقراطية حديثة محترمة بها جيشان".

ورغم ذلك التطور للجنجويد، ظلوا على سلوكهم القاسي في الحروب، فما فعلوه بـ "ود مدني"، أعاد للأذهان انتهاكاتهم خلال فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم.

ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 11 يونيو/ حزيران 2019، تقريرا عن وقوع 70 حالة اغتصاب على يد قوات الجنجويد، وفقا لشهادة أطباء.

وقالت إن تفاصيل جرائم الاغتصاب التي نفذتها عناصر قوات الدعم السريع قد انتشرت خلال الأيام الأخيرة على الإنترنت، رغم القيود المفروضة على الاتصالات في السودان.

ووقع أكثر من 100 قتيل وأصيب نحو 700 شخص خلال الهجوم الذي استهدف الاعتصام يوم 3 يونيو/حزيران 2019.

أما أشهر العمليات العسكرية للجنجويد، كانت خلال حرب دارفور، وتحديدا الحملة الأولى التي أطلق عليها اسم "الصيف الحاسم" في فبراير/ شباط 2014.

ووصف أمين تنظيم جيش تحرير السودان آنذاك محمد آدم إدريس، جرائم تلك القوات ضد الشعب السوداني، بالقول إن "يوم مرور قوات الجنجويد على قرية يعد يومها الأخير في الوجود".

واقع معقد 

وقد علق السياسي السوداني محمد نصر على هذه التطورات بالقول إن "السودان بعد سقوط ود مدني ليس كما كان قبلها، فنحن نتحدث عن ثاني أكبر مدن البلاد".

وبين أن ود مدني "من أهم مدن السودان الثقافية والاقتصادية، ومعقل مهم للحركة الطلابية والإسلامية، فضلا عن كثافتها السكانية الضخمة". 

وأضاف: "الأمر الأخطر في سقوط المدينة أن الأمر فيه شبهة خيانة كبيرة من قادة في الجيش، ربما تحالفوا مع حميدتي سرا، ولو تأكد هذا، فإن الخبر سيضرب عمق القوات المسلحة، ويؤدي إلى فقدان الثقة بين عناصرها".

ورأى أنه "مع الفارق فإن سيطرة حميدتي على مدينة ود مدني أشبه بسقوط بغداد خلال الغزو الأميركي للعراق". 

وشدد الباحث السودان على أن "خطورة الجنجويد تكمن في كونها وحدات قتالية غير منظمة، لا تلتزم بأي معايير عسكرية، ولا يوجد لديها تراتيب إدارية، ولم يسلكوا مسالك الجندية".

فضلا عن أن غالبيتهم لم يدخلوا إلى مدارس ولا جامعات، وإنما يجندون كل من يستطيع حمل السلاح، ويلزمونه في صفوفهم، أما القادة فحسب قربهم من حميدتي وعائلته وقبيلته المحاميد، وفق تقديره.

وأتبع "ما يفسر تصاعد قوة وانتشار هذه المليشيات أنه عند الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير عام 2019، لم يزد عددهم عن 30 ألفا".

ولكن اليوم ونحن على مشارف العام 2024، تجاوزوا 100 ألف مقاتل، مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات ومدعومين من الخارج، ويقارعون الجيش ويهزمونه في معارك فاصلة.

وقال نصر: "نحن أمام قوة موازية للجيش تضاعف عددها في سنوات قليلة، وجهزت بأسلحة ثقيلة، وهو ما يؤشر لمستقبل مظلم".

وهو ما كان يجب أن تفطن له الدولة والجيش، لأن السودان اليوم أمام خطر التفكيك تماما كما حدث في اليمن، بحسب قوله.

واختتم بالقول إن "معركة صنعاء قد تتكرر في الخرطوم، ومع إرهاصات الخيانة، قد نفاجأ بالجنجويد يقتحمون مقرات الجيش والقصر الجمهوري والوزارات، ويبتلعون البلد ويحكمونها".

و"ذلك على غرار الحوثيين في اليمن أو سيناريو آخر قريب، وقد نرى السودان مقسما إلى كونفدراليات معزولة، وتكون دولة الجنجويد بجوار دولة الجيش".