أزمة الإطار الشيعي بالعراق تصل القضاء.. هل تقذف بالسوداني خارج السلطة؟
مقربون من السوداني أكدوا أن الإطار التنسيقي يقود حربا ضد رئيس الوزراء
تدور حرب طاحنة بين أطراف الإطار التنسيقي الشيعي في العراق، يجرى فيها نشر الغسيل المتسخ بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
ويأتي ذلك بعد تفجر قضية "شبكة جوحي" في مكتب رئيس الوزراء، وتستّر قضاة على المتهم الأول لما يعرف بـ"سرقة القرن" في البلاد.
المعركة الحالية دفعت أطرافا من "الإطار" إلى التحذير من انهيار النظام السياسي في حال استمر التشكيك بالقضاء والحكومة.
بينما تحدثت جهات قريبة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الأخير يتعرض إلى هجمة هدفها عدم مشاركته بانتخابات عام 2025.
تشابك القضايا
فمع قرب محاكمة، نور زهير، المتهم الرئيس بسرقة أموال الأمانات الضريبية المعروفة إعلاميا بـ"سرقة القرن" والتي تقدر بنحو 2.5 مليار دولار أميركي، في 27 أغسطس/ آب 2024، أعلن القبض على محمد جوحي، الموظف في مكتب رئيس الوزراء، بتهمة تزعم شبكة للتجسس والابتزاز.
ولم يحضر زهير إلى المحاكمة في 27 أغسطس، وأعلنت السلطات العراقية إصدار مذكرة قبض دولية بحقه، كونه يقيم خارج البلاد، وذلك بعدما ظهر في مقابلة تلفزيونية في 18 من الشهر نفسه، ونفى اتهامه بـ"سرقة القرن"، مطالبا بمحاكمة علنية كونه يتعرض لابتزاز من مسؤولين وبرلمانيين.
وفي 19 أغسطس، قال النائب في البرلمان العراقي، مصطفى سند، إن "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب اعتقلت شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء وعلى رأسهم المقرب (محمد جوحي) وعدد من الضباط والموظفين".
وأوضح سند على منصة "إكس" أن "الشبكة كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، وتوجيهها جيوشا إلكترونية لصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".
وأشار إلى أن "هناك ضغوطات عدة تمارس من أجل إخراجهم (من السجن)، لكن لم يخضع القاضي المختص لتلك الطلبات، وبدورهم قدم النواب المتضررون الشكاوى وصُدّقت أقوالهم".
وبيّن النائب العراقي أن المتهم ورئيس الشبكة يدعى محمد جوحي، ويشغل عددا من المناصب الحكومية، وهي: معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، وسكرتير الفريق الحكومي، ومسؤول التواصل مع النواب. وأن كل هذه المهام أوكلت إليه من رئيس الحكومة الحالي.
وبالتزامن مع ذلك، دعا رئيس هيئة النزاهة في العراق (تابعة للحكومة)، حيدر حنون، البرلمان إلى "استضافته مع قاضي تحقيق جنايات مكافحة الفساد، ضياء جعفر، لإثبات مكمن التقصير في قضية سرقة القرن؛ لأن الموضوع لا يخرج عنا نحن الاثنين".
وأوضح حنون خلال مؤتمر صحفي عقده في أربيل عاصمة إقليم كردستان، أن نور زهير زوّر 114 صكا في سرقة القرن، وبالتالي يجب أن تكون ضده 114 قضية وليست واحدة، وعلى البرلمان مساءلتنا أنا والقاضي ضياء جعفر عن أسباب جعلها قضية واحدة.
وبيّن أن "هيئة النزاهة تابعت نور زهير ووجدت لديه جرائم أخرى في محافظة البصرة، الأولى هي سرقة 720 دونم تابعة لوزارة المالية، وهي ذات قيمة عالية جدا، وهذه صدّرنا فيها أمر قبض ضده، لكن بين ليلة وضحاها انتقلت القضية إلى بغداد وتحديدا إلى القاضي ضياء جعفر، وبعدها اختفت".
وأضاف أن "نور زهير لديه سرقة أخرى تتعلق بالودائع والأمانات الجمركية، بأكثر من تريليون دينار عراقي (800 مليون دولار)، وادعى أنه محامٍ، وهذه أيضا نقلت القضية إلى بغداد واختفت لدى القاضي ضياء جعفر بين ليلة وضحاها".
وتابع: "يجب مساءلتنا نحن في هيئة النزاهة، والقاضي ضياء جعفر، لأن القضايا هذه إما عندنا وأخفيناها، أو لدى الأخير وهو أخفاها. أما أن تذهب كرامة الشعب وأمواله هدرا فهذا لا نقبل به، وإن فتح علينا قضايا. بدأنا المعركة ولا بد أن تنتهي على خير، وإذا لم يحصل فاقرأوا على العراق السلام".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلنت محكمة تحقيق قضايا الفساد في منطقة الكرخ بالعاصمة بغداد، والتي يرأسها القاضي، ضياء جعفر، الإفراج عن المتهم نور زهير، مقابل إعادة أموال "سرقة القرن"، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في البلاد.
وعلى ضوء ذلك، أصدر جعفر بيانا في 28 نوفمبر 2022، قال فيه إن "إطلاق سراح نور زهير بكفالة مالية تمت استنادا للقانون"، مبينا أن "المتهم أبدى استعداده لتسليم المبالغ المترتبة بذمة شركاته وإجراء التسوية المالية، ولا يوجد مانع قانوني في ذلك".
انهيار وشيك
وعما إذا كان ثمة صراع بين القضاء والحكومة، قال إبراهيم الصميدعي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، إن "ثلاثة من موظفي مكتب السوداني اعتقلوا وفق مذكرات قضائية، وحصل الأمر بطريقة مهينة ومن دون إعلام مسبق" لرئيس الحكومة.
وأكد الصميدعي، خلال مقابلة تلفزيونية في 4 سبتمبر/أيلول، أن "رئيس الوزراء أبلغني بضرورة ألا يظهر للإعلام وكأنه ثمة صراع بين السلطة القضائية والحكومة العراقية. وبالتالي لا أعتقد أن السوداني هو من يقف وراء أعمال جوحي، وإنما قد يكون الأخير أساء للنواب بتصرّف شخصي".
وعلى وقع تصاعد الأزمة في البلاد، أكد زعيم "ائتلاف دولة القانون" القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، نوري المالكي، أن التجاوز على القضاء العراقي في الإعلام سيكون تداعياته أخطر من الإرهاب، فيما حذر من انهيار العملية السياسية في العراق.
وخلال كلمة تلفزيونية في 5 سبتمبر، قال المالكي: "نثق بالقضاء العراقي للفصل في المسائل والأمور التي تحتاج قرارا قضائيا، والتجاوز عليه في الإعلام سيكون تداعياته أخطر من الإرهاب"، لافتا إلى أن "ما يحصل من تجاوز على السلطات بداية سيئة نرفضها ونستنكرها".
كما وجه رسالة للقوى السياسية بالقول، "لا تضعفوا العملية السياسية والحكومة بعمل أو إعلام كما يحدث حاليا"، متسائلا، "لماذا نستبق الأحداث قبل أن نعرف ما جرى في التحقيقات القضائية؟"، في إشارة إلى قضية جوحي.
وحذر المالكي خلال المؤتمر، من "انهيار العملية السياسية في العراق"، مشددا بالقول، "ضرب الأساسيات لا يحل بالمجاملات وحذرنا من سوء التفاهم بين السلطات حفاظا على الدولة".
من جهتها، أكدت البرلمانية العراقية، عالية نصيف، القريبة من السوداني، أن "ما ارتكبه جوحي تصرف فردي صدر من موظف، لكن جرى تضخيم الموضوع في وسائل الإعلام، وأريد من الأمر صرف أنظار الرأي العام عن قضايا كثيرة منها، سرقة القرن".
وأشارت خلال مقابلة تلفزيونية في 2 سبتمبر، أن "السوداني يتعرض إلى هجمة كون شعبيته تتزايد في الشارع العراقي، لذلك بعض أطراف الإطار التنسيقي طلبت منه الاستقالة من منصبه قبل ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية، ثم انتقلوا لمطالبته بعدم المشاركة فيها مقابل منحه ولاية ثانية".
وأكدت نصيف أن "السوداني جرت مطالبته أيضا بعدم النزول في أي قائمة انتخابية، لكنه يرغب بالمشاركة في الانتخابات وتعزيز رصيده الذي حاز عليه خلال توليه رئاسة الحكومة، عبر صناديق الانتخابات المقبلة، وعندما أفصح عن رغبته هذه، ظهرت شبكة جوحي وغيرها".
وشددت على أن “خوف الإطار التنسيقي من دخول السوداني الانتخابات المقبلة، كان سببا في افتعال هذه الأزمات ضده”.
ولذلك "عندما ثبت وجود أطراف سياسية في قضية نور زهير (سرقة القرن)، بدأ الشارع يسأل عن هذه الجهات، بالتالي رئيس الوزراء يدفع الثمن بالحديث عن شبكة تجسس".
"صراع خفي"
وعن تداعيات هذا الصراع، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "موضوع جوحي مهم ومؤثر وهو نتاج صراع بين السوداني ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان".
وتوقع الباحث في حديث لـ"الاستقلال" أن “تطيح الأزمة بأحدهما كون القضية تتفاعل واللجان التحقيقية مستمرة”.
ورأى أن القضية لا تتعلق بالتنصت من شبكة جوحي كما يشاع، بل بالتستر على قضية نور زهير من أطراف في السلطة القضائية.
ولفت المهداوي إلى أن "معظم القادة الشيعة في الإطار التنسيقي، تداعوا إلى استغلال الفرصة بخصوص شبكة جوحي للتخلص من السوداني الذي يرغب بالفوز بولاية ثانية، ثم حديثهم عن حماية نظامهم السياسي، لأنهم متورطون بالفساد".
من جهته، قال أحمد عبد السادة، المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي الرافض للسوداني، إن "المؤتمر الصحفي الذي ظهر فيه رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون منفعلا ومتوترا وغير متزن وهو يهاجم السلطة القضائية، يمثل الجزء العلني من الصراع الخفي بين القضاء والحكومة".
وأشار عبد السادة في تدوينة على منصة "إكس" في 5 سبتمبر، إلى أن "الصراع الخفي بين القضاء والحكومة، هو على خلفية إصرار السلطة القضائية على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق محمد جوحي وأفراد شبكته التجسسية في مكتب رئيس الوزراء".
وزعم الكاتب أن “حنون استخدم كمخلب حكومي ضد القضاء، فضلا عن استخدام مؤتمره الصحفي كقنبلة دخانية للتعتيم على موضوع شبكة التجسس الحكومية وصرف الأنظار عنها”.
وتابع: “لا شك أن خطوة حنون هذه لن تحقق أهدافها وستبوء بالفشل وستعجل بإنهاء مسيرته الوظيفية، لأن التجارب السابقة أثبتت بأن المعارك السياسية ضد القضاء خاسرة”.
فالقضاء يعد الركيزة الأساسية الكبرى الحامية والحافظة للنظام السياسي، ولهذا أعلن الإطار التنسيقي في اجتماعه الأخير (في 5 سبتمبر) عن دعمه لجهود السلطة القضائية في إجراءاتها بشأن قضية محمد جوحي، رغم أن الإطار نفسه هو الذي اختار السوداني لمنصب رئيس الوزراء، وفق الكاتب.
وفي 5 سبتمبر، أصدر الإطار التنسيقي بيانا بعد اجتماع قادته بحضور السوداني، أكد فيه أنه استمع إلى ملخّص من رئيس الوزراء بشأن ما يتم تداوله من خروقات من بعض موظفي مكتبه، إذ أكد أهميّة محاسبة كل من يثبت تقصيره، معبرا عن دعمه القضاء في تحقيقاته وإجراءاته.
وأعلن الإطار دعمه لجهود السلطة القضائية والحكومة في برنامجها لخدمة المواطنين وتنفيذ المشاريع التي تنهض بالواقع العراقي، داعيا إلى انتظار نتائج التحقيق وعدم الانسياق وراء الشائعات.
ويضم الإطار المشكّل في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كلا من: ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، وتيار الفراتين بقيادة السوداني، وتحالفي "الفتح" برئاسة هادي العامري، و"قوى الدولة" بقيادة عمار الحكيم، وحركة "عطاء" بزعامة فالح الفياض، وحركة "حقوق" بقيادة حسين مؤنس.
ويشهد الإطار منذ أشهر، حربا خفية بين المالكي والسوداني، بشأن منصب رئيس البرلمان، الذي لا يزال شاغرا بعد إطاحة المحكمة الاتحادية في نوفمبر 2023، برئيسه السابق محمد الحلبوسي، بتهمة تزوير طلب استقالة أحد النواب، والتي اعتمدها الأخير لإقالته من عضويته البرلمانية.
وفي تقرير لـ"الاستقلال" نشر في 15 أغسطس، أفادت مصادر سياسية عراقية خاصة طالبة عدم الكشف عن هويتها، بأن "المالكي يقود جبهة داخل الإطار، تعمل ضد جبهة أخرى يتزعمها السوداني، لإجهاض مساعي الأخير لتولية مرشح حزب السيادة السني سالم العيساوي، منصب رئيس البرلمان".
وأوضحت المصادر بأن "جبهة المالكي، تتألف من عمار الحكيم وهادي العامري وزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وهي متقاربة مع رئيس حزب تقدم السني محمد الحلبوسي، وداعمة لمرشحه، محمود المشهداني، لتولي منصب رئاسة البرلمان".
المصادر ذاتها بيّنت، أن "جبهة السوداني، تتكون من رئيس حركة عطاء فالح الفياض، وزعيم حركة سند أحمد الأسدي، وهم متقاربون مع رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر، وهو أيضا داعم بقوة لتولي مرشح الأخير سالم العيساوي رئاسة البرلمان".
وتعود الخلافات على منصب رئيس البرلمان إلى رفض الحلبوسي، تولي شخصية مكانه من غير كتلته البرلمانية، بينما ترى الأطراف السنية الأخرى أن المنصب هو استحقاق للمكون، وبالتالي من حق الجميع الدفع بمرشحيهم وترك الحرية للنواب لاختيار رئيسهم.
المصادر
- المالكي: لماذا نستبق الأحداث قبل ان نعرف ماذا جرى في التحقيقات القضائية؟
- "جوحي" يقتـ.ـحم خصوصية الإطار
- صراع النفوذ بين المالكي والسوداني.. ما انعكاساته على مستقبل العراق؟
- قاضي محكمة تحقيق الكرخ يصدر توضيحاً بشأن إطلاق سراح المتهم نور زهير بكفالة
- الإطار التنسيقي يعلن مساندته جهود الحكومة
- صور مفبركة وتنصت على الهواتف.. ما قصة شبكات الابتزاز التي تعبث بالعراق؟
- قضية "سرقة القرن" تعود إلى الواجهة بالعراق.. لماذا الآن؟