الخط الثالث لنقل الغاز من إسرائيل إلى مصر.. ما تأثيره على الأمن القومي؟

إسماعيل يوسف | منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

رغم ما أعلنته بشأن خطط لزيادة إنتاجها من غاز حقل "ظهر"، الذي تدهور إنتاجه في 2023 و2024، فاجأت القاهرة الجميع باتفاق جديد مع تل أبيب، لمد ثالث خط غاز إسرائيلي لمصر، لزيادة وارداتها 17 بالمئة.

الخط الثالث لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، يضاف لخطي: غاز شرق المتوسط (إي.إم.جي) البحري بين إسرائيل (عسقلان) ومصر (العريش)، و"غاز الشرق"، المملوك لشركة دولفينوس المصرية، وديليك الإسرائيلية، ونوبل إنيرجي الأميركية. 

وتزامن تشييده مع انهيار إنتاج الغاز المصري وتوقف التصدير وخطط تحويل مصر لمركز إقليمي للغاز تصدر لأوروبا، بعدما أصبحت تستهلك كل إنتاجها وكل ما يردها من إسرائيل أيضا.

هذا التطور يزيد من جعل مصر رهينة لغاز الكيان الإسرائيلي، ويهدد أمنها القومي، لو استغلت إسرائيل هذا "السلاح" مستقبلا لإظلام مصر وعرقلة عمل مصانعها.

وكانت إسرائيل تستورد الغاز من مصر حتى عام 2012، حتى تم إنهاء الاتفاق عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

وحين تراجع إنتاج مصر، وبدأت إسرائيل إنتاج الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفياثان، أصبحت تل أبيب، بدءا من يناير/كانون الثاني 2020، موردا رئيسا للغاز الطبيعي لمصر.

تبعية مقلقة

من أعلن عن إنشاء الخط الثالث، هو وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، حيث أكد عبر منصة "إكس"، مصادقة الحكومة الإسرائيلية يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2024 على إنشاء ثالث خط أنابيب غاز يربط إسرائيل بمصر.

لكن الوزير الإسرائيلي، والذي كان رئيسا سابقا للمخابرات (الموساد) أشار لدور وهدف سياسي لتصدير الغاز لمصر. 

قال إن الهدف مضاعفة كمية الغاز التي تستقبلها القاهرة والتي تصل حاليا إلى نحو 10 مليارات متر مكعب، مؤكدا أن "الطاقة الإسرائيلية قوة سياسية".

وأضاف: "يعد الغاز الطبيعي رصيدا إستراتيجيا، ويعزز مكانتنا الاقتصادية والسياسية في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص".

من جانبه، قال مسؤول حكومي مصري لموقع قناة "العربية" السعودية، في 24 ديسمبر 2024، إن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" تسعى لزيادة كميات الغاز الواردة من إسرائيل بنحو 170 مليون قدم مكعبة يوميا.

وأوضح أن وزارة البترول المصرية، تتوقع زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنحو 17 بالمئة بداية من يناير 2025.

قال إن تدفقات الغاز الإسرائيلي تراوحت في ديسمبر 2024، بين 980 مليون قدم مكعبة يوميا، ومليار قدم مكعبة يوميا، وأن وزارة البترول تسعى للوصول إلى 1.15 مليار قدم مكعبة يوميا في يناير 2025.

وبسبب تراجع إنتاج حقل "ظهر" أوقفت مصر أي تصدير للغاز وخصصت الإنتاج محليا، ما زاد من عبء فاتورة الطاقة، فرفعت أسعار الوقود على المصريين ثلاث مرات عام 2024، وتم قطع التيار الكهربائي قرابة عام لمدة 2-4 ساعات يوميا.

وأصبحت إسرائيل موردا رئيسا للغاز الطبيعي لمصر منذ يناير 2020، حين بدأ إنتاج الغاز من حقلي تمار وليفياثان البحريين، بمعدل حوالي 5 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا، ارتفعت إلى 10 مليارات.

وذلك، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي "نوبل إنيرجي" (التي استحوذت عليها "شيفرون" في 2020) و"ديليك دريلينغ" من جانب، وشركة "دولفينوس" القابضة المصرية من جانب آخر.

خط ثالث لماذا؟

تم الإعلان عن خط الأنابيب الثالث، لأول مرة في يناير 2021، وقيل إن الهدف تجاوز الاختناقات داخل شبكة الغاز الجنوبية في إسرائيل.

وتعزيز التدفقات من خط أنابيب EMG البحري الذي يربط عسقلان بالعريش في مصر، من 600 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى 800 مليون قدم مكعبة يوميا.

وكان من المقرر في الأصل الانتهاء من الخط أواخر عام 2022، ولكن تأخر بسبب عطل في سفينة مد الأنابيب، ثم تعطل بتداعيات عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بحسب ما نشرته مجلة "ميس" MEES المتخصصة في النفط والغاز في 4 أغسطس/آب 2024.

وكشفت وكالة "رويترز" في 21 أكتوبر/تشرين أول 2021، تفاصيل محادثات بين إسرائيل ومصر بشأن "خط أنابيب بري جديد".

أكدت الوكالة أن "وزارة الطاقة الإسرائيلية أرسلت لها بيان تؤكد فيه إنها تدرس إنشاء خط أنابيب جديد (ثالث) لتعزيز صادرات الغاز إلى مصر"، في ظل اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي.

ونقلت "رويترز" عن "مصادر صناعية" إسرائيلية أن تكلفة خط الأنابيب الذي سيربط شبكتي الغاز الطبيعي الإسرائيلية والمصرية عبر شمال شبه جزيرة سيناء تقدر بنحو 200 مليون دولار.

وتوقعت أن يعزز الخط الثالث،  الصادرات الإسرائيلية بنحو 3 إلى 5 مليارات متر مكعب سنويا.

قالت إن خط الأنابيب البري الجديد، إلى جانب خطط لبناء خط أنابيب بحري ثان إلى مصر في غضون بضع سنوات، سوف يعزز مكانة إسرائيل كمركز رئيس للطاقة في شرق البحر المتوسط.

وهو الأمر الذي يأتي عكس تطلعات مصر التي كانت تطمح لهذا المركز لكنها تحولت لمجرد مستهلك أو موزع للغاز الإسرائيلي.

من جانبها، ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في يوليو/تموز 2023، بدء العمل في بناء خط الأنابيب الثالث من حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز بتحالف من شركات: نيوميد إنيرجي وشيفرون ميديترانيا المحدودة وريشيو إنيرجيي.

وفي أكتوبر 2024 قررت شركة شيفرون الأميركية، المشغلة لحقل ليفياثان الإسرائيلي، تعليق أعمال مد خط أنابيب النقل البحري الثالث إلى المنصة لمدة 6 أشهر، حتى أبريل/نيسان 2025 بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وفق بيان للشركة.

وأخيرا صادقت الحكومة الإسرائيلية يوم 19 ديسمبر 2024 على إنشاء الخط الثالث ليربط إسرائيل بمصر، بهدف مضاعفة كمية الغاز التي تستقبلها القاهرة من تل أبيب.

ومن المقرر أن يزيد الخط الثالث تدفقات الغاز من إسرائيل إلى مصر، بمقدار 200 مليون قدم مكعبة يوميا بمجرد اكتمال خط الأنابيب البحري أشدود/عسقلان بطول 46 كيلومترا في مايو/أيار 2025، بالتزامن مع دخول الصيف وحاجة القاهرة لاستيراد أكبر قدر ممكن من الغاز.

من أحرز الهدف؟

وسط حملة دعاية كبيرة من جانب مصر، وترويج أنها سوف تصبح "مركزا إقليميا للطاقة"، قال رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، للمصريين يوم 21 فبراير/شباط 2018: "نحن سجلنا هدفا في موضوع الغاز وسنصبح مركزا إقليميا للطاقة".

في هذا التوقيت تم توقيع اتفاق بين 3 شركات مصرية وإسرائيلية وأميركية لشراء الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين، وتوريده إلى مصر لإعادة تصديره مرة أخرى بعد إسالته في محطتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو.

ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرح حينها بأن هذا "يوم عيد لإسرائيل" لأنه سيدر مليارات الدولارات للخزينة الإسرائيلية، ما جعل محللين يرون أن إسرائيل هي التي احرزت الهدف لا مصر.

زاد من الخسارة المصرية أنه بعدما كانت مصر تصدر الغاز المنتج من حقولها، كما تعيد تصدير الوارد إليها من إسرائيل، بعد تسييله في منشآتها وتحميله على الناقلات البحرية، تحولها لمستورد صاف من إسرائيل مع تراجع انتاجها المحلي.

فقد تراجع إنتاج حقل "ظهر" المصري من 9 مليارات قدم مكعبة يوميا، وقت اكتشافه عام 2015، إلى 5.82 مليارات فقط عام 2023، ثم تراجع إلى ملياري قدم مكعبة فقط في أبريل 2024، بحسب "منصة الطاقة المتخصصة".

ونتج عن هذا تراجع ترتيب الحقل المصري، الذي كان يُعد أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، للمرتبة الثالثة بعد حقلي ليفياثان وتمار الاسرائيليين.

وأدي هذا لانخفاض صادرات الغاز الطبيعي المسال المصري على أساس سنوي، ليصل إلى 3.7 ملايين طن متري بانخفاض أكثر من 50% بالمقارنة مع صادرات عام 2022، وفقاً لبيانات S&P Global، فبراير/شباط 2024.

ولتعويض النقص، بعدما وصل الطلب المحلي إلى 6.1 مليارات قدم مكعبة يومياً، ولم تعد مصر تنتج سوى 5 مليارات قدم مكعبة، ضاعفت مصر وارداتها من الغاز الإسرائيلي بغرض توفير قرابة 1.1 و1.15 مليار قدم مكعبة من إسرائيل.

حيث تضاعفت ورادتها أكثر من 3 مرات في غضون 3 سنوات، لتصل إلى 8.6 مليارات متر مكعب، عام 2023، ثم قرابة 10 مليارات عام 2024، وفق إحصاءات مصرية وإسرائيلية. 

وهو ما زاد من اعتماد السوق والصناعة المصرية وإضاءة المنازل على الغاز الإسرائيلي ما يهدد أمن مصر القومي لو قطعت إسرائيل الغاز مستقبلا لأي سبب.

وما عمّق الخطر على الأمن القومي المصري، وأظهر أن إسرائيل هي التي أحرزت هدفا في مرمي مصر، وليس العكس، هو كشف موقع “مدى مصر” تورط شركة تابعة للمخابرات المصرية في استيراد الغاز من إسرائيل، عكس دور الجهاز في حماية أمن مصر القومي.

حيث وقعت مصر مع إسرائيل يوم 16 فبراير 2024 صفقة جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي من حقل تمار المملوك لإسرائيل وأميركا والإمارات، لاستيراد 4 مليارات متر مكعب إضافية لمدة 11 سنة قادمة يبدأ تنفيذها في يوليو 2025.

وتبين أن الصفقة تم توقيعها مع "شركة بلو أوشن" عن الجانب المصري، وهي شركة تم الكشف بالوثائق أنها "واجهة وشريك لجهاز المخابرات العامة المصرية عبر سلسلة من الشركات الوهمية المسجلة في الخارج أنشئت خصيصا لهذا الغرض"، حسبما قال "بهجت".

وقد ظهرت "بروفة" لهذا الخطر، حين قطعت إسرائيل إمدادات الغاز بالكامل عن مصر، في أكتوبر 2023، لتوقف العمل في حقل "تمارا" خشية استهداف المقاومة الفلسطينية له، فتوقف ضخ الغاز تماما، من 800 مليون قدم مكعبة غاز يوميا إلى "صفر".

وتبع هذا "إظلام" مصر 2-4 ساعات يوميا، وتعطل مصانع، قبل أن يعود الغاز الإسرائيلي، ليبرهن عمليا أن مصر باتت رهينة وتابعة اقتصاديا لإسرائيل.